الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق الهاوية -16-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 5 / 27
الادب والفن


عندما تقرّر الرحيل تسمو أفكارك
تفكّر في الأرض التي غُرست فيها
شجرة لا تثمر ، لا فائدة من الانتظار
جرس الرحيل يدّق كساعة حائط لا تملّ
أنا و أنت عابران للحياة
للزمان و المكان
تبقى الذّكرى هنا
يبقى الأمل هناك
نحيط عمرنا بسرّ كبير
هو ليس بسرّ
بل حياة إنسان
. . .

بقي ثلاث ساعات على الرّحيل . في الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل سوف نعبر الحدود. سوف يكون الحرّاس نيام ، نقصّ الشريط الشائك، نمشي ببطء ، نشبك أيدينا بأيدي بعضنا البعض ، نبدو سعداء، وليس هاربين. أستعجل الزمن . آمل أن أغادر هذا المكان. أصبحت أحلامنا غريبة ، هذه أوّل مرّة يخامرني هذا الشعور :
كأنّ أمكنتنا ليست لنا ، نخاف منها، وعليها ، لا نعرف كيف تكون النهاية . ليتنا نطير فوق بساط الرّيح ، ونحط في مكان نعتقد أنّه سوف يقدم لنا السعادة، يكفي أن نشعر بالدهشة . ما رأيك يا نوال أن نتناول العشاء قبل أن نذهب؟ سوف أحضر الباذنجان المقلي و البندورة و الثوم ، بينما أنت تحضرين الخبز . نأكل كثيراً ونترك الباقي للفدائيين.
-منذ أن قرّرت أن أترك المكان ، لاشيئ يعجبني فيه . هو جزء من ذلك الخراب ، فلطالما عجنت التّراب ، خلطته ببعض الاسمنت كي أسكّر أوكار الفئران . في مرة غزتني الجررذان ، فصنعت تكملة لعتبة الباب كي أغلق منافذ المنزل ، خرجوا من التواليت ، بقيت أكثر من عام و أنا أحاربهم . أما الصراصير فحدّث ولا حرج . أتساءل هل يوجد في تلك البلاد حشرات مقرفة؟ نعم بالتأكيد يوجد ، لكن المنازل يمكن تحصينها حسب ما أعتقد.
لو قدّر لي أن أصل سوف أحتفل بالعيد .
سوف أصنع الكعك ، و الحلوى، أشتري فستاناً ، أركض في الشّارع كالأطفال .
سوف نتسامر طوال الطريق كي لا نشعر بالوقت . نحتاج لعدّة ساعات حتى نصل إلى الحدود ، فإن صمتنا شعرنا بالكرب ، فلنتحدّث بأي شيئ. يمكنك أن تحدثيني عن نفسك.
-كنت في السابعة عشر من عمري عندما بدأت أقرأ القصص الرومانسية، ثم وجدت في نفسي رغبة في الانخراط في حزب يقال أنه اشتراكي ، كانت الاشتراكية وافداً جديداً على الشرق . في البداية ، راق لي الموضوع ، فهذه أول مرّة أحضر لقاءات مختلطة ، و بالسّر عن عائلتي ، وعندما تكون هناك مناسبة احتفالية أنسى نفسي و أنتشي ، بدأت أكتب الشعر الحماسي ، لم يطل الأمر كثيراً . اكتشفت أن الجميع يعرفون أهدافهم إلا أنا فغادرتهم ، مع المغادرة بدأت عزلتي ، الانتماء إلى مجموعة مسل . قالت لي صديقتي فيما بعد : لو بقينا معهم كان أفضل حتى لو لم نكن مقتنعين بهم. انظري إليهم يتسلمون أعلى المناصب . لو بقينا لأصبحنا شعراء وكتاب ، ولزخ علينا المال . أليس أفضل من الفقر؟ صديقتي تلك قتلت بقضية شرف ، ولم يعد لدي أصدقاء .حالولت بعدها أن أبحث عن مكان يفكّ عزلتي ، أو وظيفة ما. تصور أنني رفضت من جميع الوظائف بسبب انتمائي السابق ، بينما رفاقي يعملون في أعلى الوظائف الثقافية .
-أحسدك ! كان لديك حياة بطريقة ما . جيلكم كان أفضل من جيلنا . نحن لم نكن نفكر إلا بإرضاء القائد وتنفيذ طلباته. هذا هو قانون العسكر ، وكنت في أوج شبابي عندما أسرت . فقط تعلّمت شيئاً واحداً في الأسر : أن كلمة العدو كلمة دخيلة ، فجميعنا بشر .
-نعم صدقت . كنت أشاهد مقابلة مع المفكر الكبير عن حقوق الرومر " الغجر" أذهلني عندما قال : يمكننا القبول بهم لكن دون حقوق في تولي الوظائف العامة . قلت يومها -بيني وبين نفسي-: لو كان هناك جمهورية أو مملكة للغجر تمنحني الحق في العيش و الحد الأدنى من العيش ، وتضمن شيخوختي لأصبحت غجرية .
. . .
-كانت رفقتنا ممتعة . من هنا سوف نخرج. سوف نختبئ في هذا الحرش ريثما ينام الحرس .
-الحرش رطب ومليئ بالبعوض ، دعنا نخرج منه ، نختبئ خلف تلك الأحجار .
-هل تخافين من بعوضة؟ ليلدغنا البعوض كي تظهر علينا آثار الرحلة. توقفي عن الكلام الآن . اتبعيني ، أو أتبعك إن كنت سوف تقرّرين .
-اتبعني أنت يا فارس . لي تجربة عمر في التخفي . اجعل من نفسك ظلاّ خلفي . هذا الشريط مقصوص . يبدو أن شخصاً هرب قبلنا . ادخل برجلك اليمنى . قطعنا الشريط ، لكن المشوار طويل.
امش بين القصب خلفي . عليك أن تمشي على أربع حتى نقطع هذا الجزء من المكان.
-لم أكن أعرف أنّك ماهرة إلى هذا الحدّ . كنت سوف أقود رحلتنا، لكنني خفت أن تكون كما قيادة الطائرة فأسقط بيد لا أعرفها. أنت لا تسقطين .
-أضحكتني ! لقد سقطت مئات المرّات ، وفي كل مرة لم أنهض سوى القليل ، لكن التجربة علّمتني، ومن حسن حظي أنني نجحت كي تثني علي.
. . .
بينما نسير في طريق الرحيل . أنظر إلى الأشخاص و لا أعرفهم ، كأنهم قادمون من رواية ، أو مصنوعون صناعة بشرية بامتياز . لا أرى فرقاً بين الوجوه ، و لا القامات . كأنني أمرّ في عالم غريب ، أو أنّها نهاية العالم التي تحدثوا عنها . التجمعات تذكّرني بأهل الكهف، يتراءوا لي وهم ينهضون ويحاولون الوقوف .
هل عشت كل أعوامي هنا ، و لم أعرف شيئاً عن سكان المكان؟
لم أكن أخافهم كما الآن . ربما لم أخف منهم لأنّني أشبههم، فأنا لا أنظر لنفسي في المرآة . ربما علي تقليل ذلك الغضب في ملامحي ، و محاولة الابتسام.
هل تعرف كيف تبتسم يا فارس؟
لا تذكرّيني بالشباب! كنت أقهقه على طرائف سخيفة ، بالتدريج فقدت الضحك ثم الابتسام، لكننا في الأسر ، وعندما كان العدو يحاورنا من خلال سجانيه .سألت مرّة أحدهم ؟ لماذا تسجنونني ولم أقتل منكم أحداً؟ أجاب: ألا تدري أن العالم قذر ، و أنت تدفع ثمن قذارته؟ أنا و أنت يا صديقي نعيش نفس التجربة .
اليوم أشعر بولادة جديدة ، حبّ للحياة ، توق للمجهول ، و استعجال للوصول .
دعينا نكمل المشوار ، سوف أعدّ حتى العشرة ، ونبدأ معاً بإزالة كل ما في ذهنينا من غباء . تقولين أنك لا تعرفين الأشخاص ، أما أنا فلا أعرفهم فعلاً، أنظر لهم فأراهم كظلال ، لكنّني أسمع نباحاً ، فأظنهم كلاب، يقتربون ، أعرف أنّهم عبيد وعباد.
في يوم ما سوف أقول لك سرّاً
سوف أتحدّث لك عن موتي
عن حياتي
عن رحلة آلامي
في يوم ما سوف أبوح لك بأشياء لا أعرفها الآن
لكنّنا راحلون ، قاربنا على الوصول
فقط علينا أن نعبر الحدود








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب