الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الفلسطينية الصهيونية الأخيرة:.. مقايس النصر والهزيمة!!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2021 / 5 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


في الحروب هناك دائماً طرف منتصر وطرف آخر مهزوم ، ومن النادر أن يتعادل الطرفان في الحرب دون أن تميل الكفة لصالح أحدهما ، وهذا ينطبق بصورة جلية على الحروب التقليدية وبين الجيوش النظامية ، لكن هل يصلح هذا المقياس نفسه لقياس النصر والهزيمة في حروب التحرير الشعبية وحرب العصابات؟

فالجزائر مثلاً: انتصرت على المستعمر الفرنسي رغم أنها ضحت بمليون ونصف المليون من الجزائريين!
وفيتنام : انتصرت على المستعمرين الفرنسيين وعلى الامبرياليين الأمريكيين ، رغم أنها ضحت خلال حرب التحرير الشعبية ــ بين عامي 1955 و 1975 وحسب الاحصاءات الفيتنامية لعام 1995 ــ بــ 3,100 ملاين ومائة ألف بين مدني وعسكري من شعبها!!
وكوبا : انتصرت على الامبرياليين الأمريكيين رغم أنها محاصرة ـ ولا زالت ـ من قبلهم على مدى أثنين وستين عاماً ، وكذلك صمدت فنزويلا وإيران وشعوب مناضلة أخرى غيرها ، وقد مرت جميعها بأشكال مختلفة من الحروب تتراوح بين السياسية والاقتصادية والاستخبارية والمؤامرات الانقلابية والحصارات التدميرية ، أي أن هذه الشعوب انتصرت ليس بحروب عسكرية ساخنة وبالحديد والنار ، إنما انتصرت في النهاية على القوى الاستعمارية والامبريالية والقوى الطامعة بها وبثرواتها أو بأجزاء من ترابها الوطني ، وردتهم جميعهم على أعقابهم!

إذاً.. ليس هناك مقياس واحد أو مسطرة واحدة يمكن أن نقيس بها النصر والهزيمة لجميع أشكال الحروب بين البشر:
فللجيوش النظامية مقياس ، ولحروب التحرير الشعبية مقياس آخر ولحرب العصابات مقياس ثالث ، وللحروب السياسية والاقتصادية والاستخبارية وللصمود والثبات بوجه الامبرياليين............الخ مقايس أخرى مختلفة نوعياً , لاختلاف طبيعة الحروب التي تخوضها الشعوب مع مستعمريها أو محاولات الهيمنة عليها وعلى قرارها السيادي .

فليس شرطاً أن تدخل أرض عدوك وعاصمته فاتحاً بقوة الحديد والنار حتى تسمى منتصراً ، فهذا ربما يصلح مقياساً للجيوش النظامية التي تشكل العماد الوحيد للحرب وللبلاد التي تخوضها ، فإذا انهزم الجيش انهزمت البلاد كلها وأصبح تحت رحمة عدوها ، كنتائج الحربيين العالميتين الأولى والثانية مثلاً !

أما في حروب التحرير الشعبية وحرب العصابات فتختلف مقايس النصر والهزيمة فيها بشكل نوعي وجوهري ، ففي بعض الحالات يصبح مجرد وجود تلك الكيانات الشعبية المسلحة واستمرارها وبقائها على قيد الحياة هو نصر لها على عدوها ، وفي أحيان أخرى يصبح مجرد منع العدو من تحقيق أهدافه هو نصر كبير لها ، وكذلك مجرد منع العدو من فرض إرادته عليها هو نصر لها ، وحتى مجرد نجاحها في أية معركة صغيرة وضئيلة هو نصر كبير لها ، وفي أحيان خاصة يصبح مجرد نجاح عناصرها في الافلات من قبضة عدوها هو نصر لها.........الخ ، أما نصرها النهائي ـ كما تدل أغلب معارك التحريرية ـ فهو حصيلة تراكم نجات عملياتها الصغيرة ضد عدوها ، ولهذا فإن مثل هذه الكيانات والمنظمات والتنظيمات الشعبية المقاتلة لا يمكن أن تهزم أمام أعتى الجيوش النظامية وأكثرها قوة وتطوراً وتسليحاً ، لأنها كيانات شبحية ليس لها جسد أو مكان اقامة واحد ـ كالجيوش النظامية ـ يمكن تدميره والقضاء عليها فيه ، لأن وقودها ومددها الدائم وحاضنتها التي تحميها هي جماهير الشعب نفسها!

وإذا رجعنا إلى الحرب الأخيرة بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية فبأي مقياس يمكن أن نقيسها ، بمقياس الجيوش النظامية أم بقياس حروب التحرير الشعبية وحرب العصابات؟؟.. ومن هو الذي انتصر في هذه المنازلة؟؟
*****
يمكن القول ودون تردد أن المقاومة الفلسطينية هي التي انتصرت فيها ومنعت العدو من تحقيق أهدافه منها ، ونجحت نجاحاً باهراً في خوضها :
فبعد الاستسلام العربي الرسمي المشين وعمليات "التطبيع" الجارية على قدم وساق مع العدو ، ظن العدو أنه قد انتصاره النهائي على العرب ، وآن الأوان له لتحقيق الفصول الأخيرة من مشروع هذا الكيان المزروع في الأرض العربية المحتلة فلسطين.. وكانت أهم الفصول المتبقية للانتصار النهائي لهذا المشروع بندان :
الأول : تهويد القدس بالكامل وتوحيدها وتهجير من تبقى فيها من اهلها العرب!
الثاني : السيطرة الشاملة والكاملة على المسجد الأقصى وهدمه وبناء ما يسمى بــ "هيكل سليمان" مكانه!

ومعروف أن الحرب الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني قامت لأجل هذين السببين بالتحديد ، وكان انتصار المقاومة الفلسطينية الجوهري يتلخص فـــــــــــــــــي :
أفشال عملية تهويد القدس بالكامل ـ ولو مؤقتاً ـ ومنع تهجير باقي العرب منها وخصوصاً في منطقة الشيخ جراح ، وكذلك النجاح في إيقاف عملية هدم المسجد الأقصى وبناء ما يسمى "هيكل سليمان" مكانه!

والنجاح في ايقاف هذين المشروعين الصهيونيين هو جوهر انتصار المقاومة في هذه المنازلة التاريخية الأخيرة ، لأنه يعني إفشالاً لـ "صفقة القرن" بطولها وعرضها ، وجعل استعراضات "التطبيع" التي رافقتها ـ والتي هي من أهم مستلزماتها ـ غير ذات معنى أو أهمية ، لأنها كانت ديكوراً واستعراضاً رافق زفة عرس تلك الصفقة البائسة .. وبهذا تكون "صفقة القرن" قد سقطت وسقط معها محورها: (محور التطبيع والاستسلام والرجعية العربية المتصهينة) وجيوشها الإلكترونية ، التي تملأ صفحات التواصل الاجتماعي منتحلة لأسماء وإيديولوجيات : ــ قومية وماركسية ويسارية واسلاموية ــ يجمعها جميعها هدف واحد هو: مناصرة الصهيونية والعداء الشديد لمحور المقاومة والتحرير!

وإذا كان هذان هما السببان المباشران اللذان أديا إلى قيام هذه المواجهة الكبيرة ، بين قوى المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني ونجحت المقاومة في كسب أوراقهما ، ففي ظلهما حققت المقاومة نصراً مماثلاً على المستويات الاستراتيجية والتكتيكية وأسست لرافعات مستقبلية ، لها دور كبير على طريق التحرير طويل الأمد !
*****
واقع جديد ووقائع جديدة ومحتملة.. تتمثل بــ :

1) أن غزة ذلك الشريط الحدودي ـ بطول 40 كم وعرض بين 5 إلى 15 كم ـ والذي لا تزيد مساحته عن 360 كم مربعاً ويتكدس فيه مليونان من البشر ، ومحاصراً مصرياً وصهيونياً وعربياً ودولياً منذ ستة عشر عاماً ، ومسلح بأسلحة بدائية محلية الصنع في أغلبيتها ، ومع كل هذا يستطيع بأسلحته المتواضعة هذه أن يؤذي "إسرائيل" ويصيبها في مقتل ، وهي ذلك الكيان النووي المسلح حتى الأسنان والمزود بأحدث الأسلحة العسكرية الفتاكة والأكثر تطوراً في العالم والمصنعة بتكنولوجيات فائقة الذكاء والتطور ، ويفرض عليها التراجع ووقف القتال من طرف واحد ، ويفرض معها "قوانين اشتباك" جديدة تدخل القدس والمسجد الأقصى ضمنها!
2) و "إسرائيل" هذا الوحش النووي التي كان من المستحيل على أي نظام عربي أن يطلق عليها اطلاقة واحدة ، فتواجهه بألف ألف اطلاقة أو بحرب شاملة ، لكن غزة المِقومة ومقاومتها الباسلة تنجح في اطلاق أكثر من [4000 أربعة آلاف صاروخ] بمختلف الأنواع والمديات عليها ، تدك به أغلب المدن "الإسرائيلية" بما فيها ديمونا والعاصمة (تل أبيب) ، وتضطر ستة ملاين مستوطن صهيوني إلى العيش داخل الملاجئ طيلة أيام الحرب ، فتقف "إسرائيل" أمامها حائرة ولا تجد أمامها من حل ، إلا وقف حربها العدوانية على غزة من طرف واحد !
3) النجاح بتثوير عرب 1948وجعلهم يلتحمون لأول مرة ـ بعد ثلاثة أرباع قرن من الاحتلال ـ مع الصهاينة المستوطنين لفلسطين ، بمعارك واشتباكات عنيفة تشمل معظم المدن والبلدات الفلسطينية المشتركة ، وقد صلت في بعض الأحيان إلى ما يشبه الحرب الأهلية داخل الكيان ، مما أدى به إلى إعلان حالة الطوارئ في بعض مدن فلسطين المحتلة عام 1948 ، مما أدى خلق حالة خطيرة وصفها (يائير لبيد) المكلف بتشكيل حكومة صهيونية جديدة بــ "الخطر الوجودي" على الكيان الصهيوني واستمرار بقائه!

4) مقاومة غزة أثبتت اليوم أنها ليس لغزة وحدها كما كان الأمر في أغلب المواجهات السابقة ، إنما هي لكل فلسطين ولكل الفلسطينيين ـ المنقسمين وتوحدهم ـ "من النهر إلى البحر" ، وفي الطليعة منهم فلسطينيو الداخل 1948!
5) إعادة الاعتبار للـ "القضية الفلسطينية" فلسطينياً وعربياً وتحريك الشارع العربي من جديد ، وعالمياً تتصدر القضايا الدولية ، وتصبح بؤرة تدور حولها أوضاع المنطقة العربية من جديد ، بعد أن اهملت تماماً!

6) إفشال وفشل "القبة الحديدية" في اعتراض صواريخ المقاومة ، واثبات أنها سلاح استعراضي ليس له من فوائد حقيقية إلا استحلاب أموال المستوطنين ، وربما يحال هذا السلاح على التقاعد في وقت قريب!
*****
ومن أهم الظواهر التي رافقت الحرب الجديدة على غزة والتي ستكون لها آثار مستقبلية بعيدة المدى .. وهي:
ــ محاولات اجتياز الحدود مع فلسطين المحتلة في الأردن ولبنان ، والاشتباك مع العدو مناصرة لفلسطين ، وهي ظاهرة تتكرر للمرة الثانية :
وكانت الأولى: عند قيام "الثورات العربية" ــ قبل أن تتلوث وتتصهين وتتأسلم ــ عندما حاولت الجماهير السورية والفلسطينية اجتياز الحدود إلى فلسطين المحتلة في عام 2011 ولمرتين على التوالي.. الأولى: عند ذكرى نكبة فلسطين في 15 أيار .. والثانية : عند ذكرى النكسة في 5 حزيران ، والمرتان في العام 2011.! وقد وصل البعض من هئولاء إلى يافا وعكا داخل فلسطين المحتلة ، ونقلت احاديثهم بعض الفضائيات!

ــ إن أقوى الاحتجاجات والمظاهرات كانت في الأردن ، وهناك أخبار شبه مؤكدة تقول:
أن العشائر الأردنية قد اجتمعت وقررت الدخول في المواجهة مع العدو الصهيوني ــ وكذلك بعض العشائر العراقية ــ وأنها قدمت بلاغاً للملك عبد الله الثاني بهذا المعنى ، وخيرته بين أن يقود هو هذه المظاهرة مع العدو وإلا فإنها ستذهب للمواجه وحدها ومهما كانت النتائج المترتبة عليها.. فمعها مليون متطوع يحملون السلاح ـ ربما مبالغة بالأرقام ـ وكانت طلائع المتطوعين الأردنيين قد وصلت إلى الحدود الأردنية مع العدو وحاولت اجتيازها فعلاً.
فاجتمع الملك عبد الله بقادة الجيش الأردني على عجل طالبا منهم التدخل أو المشورة ، فأبلغه قادة جميع صنوف الجيش الأردني بأنهم سوف لن يطلقون اطلاقة واحدة على أبناء عشائرهم ، إنما هم سيقومون بتوفير الحماية الكافية لهم!
عندها اضطر الملك إلى إجراء اتصالاته على أعلى المستويات مع مصر و "إسرائيل" والولايات المتحدة وابلغهم بالأمر وخطورته وتداعياته المحتملة ، التي ربما ستؤدي إلى أحداث مماثلة في أغلب البلدان العربية ويتسبب بحرب كبيرة ، فنشطت مصر بوساطتها بين جميع الأطراف وطلبت منهم تقدير الخطر ووقف الحرب فوراً ـ فاستحقت الثناء الأمريكي ـ وضغط (بايدن) من جانبه على الـ (نتن ياهو) وطلب منه وقف الحرب فوراً ، ولهذا تم إيقاف الحرب من طرف واحد!
https://www.youtube.com/watch?v=njUn-ffkrqc : رابط فديو: لطلائع العشائر الأردنية وهي تحاول احتياز الحدود مع فلسطين المحتلة.
ــ أثناء الحرب على غزة كانت أطراف "محور المقاومة" في حالة انعقاد أو اتصال دائم ، وقد اتخذت قراراً حاسماً بأنها لن تسمح (بهزيمة المقاومة الفلسطينية في غزة) وإنها على أتم الجهوزية للدخول في الحرب إذا ما تطلب الأمر ذلك ، ومهما كان الثمن.. وقد كانت بعض الأحداث التي وقعت على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة وسقوط (الشهيد محمد طحان/ شهيد حزب الله) إنذاراً من "حزب الله" للكيان الصهيوني بهذا المعنى !!

ــ رافقت الحرب الصهيونية على غزة حملة خليجية وتطبيعية مسعورة ، وجيوش الالكترونية على منصات التواصل الاجتماعي لتشويه المقاومة والحط من انجازاتها ، ووصف صواريخها وأسلحتها بـ "العبثية والدخانية والكارتونية............الخ" أو اعتبار جميع عناصرها من "الاخوان المسلمين" فقط ، مع العلم إن عناصر المقاومة الفلسطينية في غزة تضم مختلف تيارات الشعب العربي الفلسطيني السياسية والفكرية : فبينهم قوميين وماركسيين وحتى وشيوعيين ، وفتحاويين أيضاً ، متمثلين بالجبهات الشعبية المختلفة : القيادة العامة والديمقراطية والعاصفة ، بالإضافة إلى حركة النضال الفلسطيني وحركة الجهاد الاسلامي ولجان المقاومة........الخ وإن كانت حماس أكبر هذه الفصائل وأكثرها قوة وتسليحاً وتنظيماً وتأثيراً.. أما لماذا يتهمون المقاومين بأنهم جميعهم "أخوان مسلمين" أو حماسيين؟؟..
هذا لأن "حركة حماس" مصنفة أمريكياً وصهيونياً وخليجياً بأنها "حركة إرهابية" وكل ما تقوم به من أعمال هو "ارهاب" ، لسحب البساط من تحت أقدامها والطعن بشرعيتها وشرعية مقاومتها في غزة ، ووصفها جميعها بأنها عبارة عن "عمليات إرهابية وأولها الحرب الأخيرة على غزة ................الخ
ولهذا حديث آخر!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رموز تعبيرية قد تكون سببا في دخولك السجن


.. حركة فتح للعربية: موافقة حماس على مقترح الهدنة موقف مسؤول وم




.. المؤتمر الرابع للتيار الديمقراطي العراقي-نجاحات وتهاني-3


.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟




.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش