الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أستنكر العدوان الإسرائيلي على غزة ولا أعفي حماس من المسؤولية

مروان دويري

2021 / 5 / 27
القضية الفلسطينية



بروفسور مروان دويري

اصطف شعبنا الفلسطيني صفا واحدا في جميع أماكن تواجده أثناء العدوان الأخير على غزة وفي إضراب الكرامة في 18 أيار 2021 رافعا رأسه في وجه الاحتلال والعنصرية. غزة والناصرة ورام الله وعمان وبيروت وغيرها وقفت وقفة واحدة رغم اختلاف الظروف التي يعيشها شعبنا في الأماكن المختلفة.
مع غضبي العارم على الممارسات العدوانية والعنصرية الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية وفي الداخل، ومع اعتزازي بشعبي وبنضاله بأشكاله المختلفة، ومع تمسكي معه بحقنا في العيش في وطننا بكرامة، ومن باب المسؤولية الذاتية وحرصي على شعبي لا أستطيع إعفاء حماس من مسؤوليتها على الدمار وسقوط مئات الشهداء وآلاف المصابين والمشردين في قطاع غزة، وأرفض نهج "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما".


قوانين بينغ بونغ بدل قوانين الشطرنج:
في مواجهة عدوانية إسرائيل وجبروتها لا يكفي أن نكون على حق ونرد على ممارساتها كما يرد لاعب البنغ بونغ بضربة مضادة، بل علينا التصرف بمسؤولية وفحص جدوى كل رد، مثلما يلعب لاعب الشطرنج الذي يحسب حساب أكثر من خطوة إلى الأمام، ويرى الخيارات التي بيده ويرصد الخيارات التي بيد الخصم وبعدها يقرر كيف يرد.
بعقلية لاعب البينغ بونغ قررت حماس إطلاق الصواريخ ردا على انتهاكات إسرائيل لحي الشيخ جراح والأقصى دون أن تحسب موازنات الربح والخسارة لمثل هذه الخطوة. لم تكن جاهزة من حيث الملاجئ والمستشفيات وتوفير العلاج لحماية مليوني فلسطيني يعيشون تحت سلطتها، وبالتالي فلا يمكن إعفاء حماس من مسؤوليتها لهذا الدمار وللضحايا البشرية والخسارة الاقتصادية التي يتكبدها أهلنا في قطاع غزة، والذين أصبحوا رهينة لنهج حماس وسلطتها.
نلوم إسرائيل كيف تكرر العدوان تلو الآخر دون نتيجة بدل الذهاب نحو حل عادل وثابت، وأيضا من حقنا أن نلوم حماس على تكرار نفس الإخفاق وتقوم بقصف الصواريخ وتعرض ملوني إنسان وكل قطاع غزة لنفس الخسائر الفادحة وبعدها تعلنه انتصارا.


هو صمود وليس انتصارا:
مع انتهاء غزو قطاع غزة المسمى "حماية الأسوار" خرجت حماس بإعلان الانتصار ومواصلة التهديد والوعيد. لا أدري كيف تعرّف حماس الانتصار؟ لم يتم ردع إسرائيل من انتهاك المسجد الأقصى بل وشاهدنا قطعان اليمين يدخلون بحماية الشرطة الإسرائيلية باحات المسجد الأقصى بعد يومين من إعلان "الانتصار"، لم تنجح حماس بإزالة خطر طرد سكان حي الشيخ جراح فالقضية ما زالت قيد البحث في المحكمة، لم تنجح بفك الحصار على قطاع غزة، ناهيك أن الاحتلال والاستيطان مستمران، وعن فشل إقامة الدولة الفلسطينية وعدم حل قضية اللاجئين.
إن ما حققته حماس هو صمودها هي أمام الغزو ليس أكثر وبتكاليف باهظة. في الحقيقة يواصل شعبنا الصمود أمام المخططات العدوانية والتوسعية الصهيونية والإسرائيلية منذ أكثر من 100 سنة لكنه لم ينتصر بعد. صمد وحافظ على بقائه وبقاء قضيته بعد النكبة، وصمد تحت الحكم العسكري وصمد في الدول التي لجأ إليها وها هو صامد تحت الاحتلال. أما تحويل الصمود إلى انتصار فهو ذر الرماد في العيون واستخفاف بعقول الناس وبدم الضحايا.


مقاومة مسلحة بدل بناء الإنسان والاقتصاد:
لقد اختارت حماس خيار المقاومة المسلحة الذي هو ليس الخيار الممكن الوحيد ولا يعتبر قدرا حتميا في الظروف التي مرّ ويمر بها قطاع غزة. لنسترجع المسلك الذي سلكته حماس منذ انسحاب إسرائيل من القطاع: بعد مقاومة فلسطينية شعبية وعسكرية مشروعة ضد احتلال غزة رأت إسرائيل في آب 2005 أن مصلحتها تتطلب الانسحاب من كل قطاع غزة وإخلاء 21 مستوطنة كانت تسيطر على 35% من أراضي القطاع ونقل 8600 مستوطن إلى داخل إسرائيل. بعد هذا الانسحاب استمر تزويد القطاع بالكهرباء والوقود والمياه وإيصال البضائع إلى غزة عن طريق ميناء اشدود وهكذا استمرت الحياة في القطاع بدون حصار.
إلا أن حماس اختارت مواصلة قصف الصواريخ بعد انسحاب إسرائيل ، وبعدها في 2007 قامت حماس بانقلاب طردت خلاله بشكل دموي السلطة الفلسطينية من القطاع واستولت على قطاع غزة بالكامل. بعد الانقلاب ومع استمرار إطلاق حماس للصواريخ على جنوب إسرائيل أعلنت إسرائيل أن غزة "كيان معاد" وفرضت عليه حصارا عسكريا واقتصاديا. مع إدانتنا للحصار الوحشي على قطاع غزة نسأل: ألا تتحمل حماس ونهجها مسؤولية هذا الحصار؟ ألم تكن هنالك خيارات أخرى؟
منذ ذلك الوقت نحن أمام مشهد الحصار الكبير الذي تطلق حماس منه الصواريخ وترد عليها إسرائيل بحروب مدمرة متكررة: "عوفيرت يتسوكاه" سنة 2008، و"تسوك إيتان" سنة 2014، ومؤخرا "حومات ماغين" سقط خلالها نحو خمسة آلاف شهيد وعشرات ألوف الجرحى وتدمير ما تقدر قيمته بمليارات الدولارات. طبعا أمام هذا المشهد كنا "ننصر أخانا ظالما أم مظلوما" وندين إسرائيل على عدوانها وجرائمها ولكن هذا لا يلغي السؤال حول جدوى صواريخ حماس، علما أنه كان بإمكانها منذ انسحاب إسرائيل في 2005 أن تضع كل جهودها والدعم المالي من أجل تطوير غزة وبناء المدارس والمستشفيات والجامعات والمراكز الثقافية وإنعاش الاقتصاد والسياحة والصناعات المحلية وتطوير البنى التحتية وغيرها بدل صرف مليارات الدولارات على الصواريخ والأنفاق وعلى إعادة إعمار غزة أكثر من ثلاث مرات خلال 15 سنة الأخيرة.



ما هي الأهداف الحقيقية للمقاومة العسكرية؟
منذ تولي حماس السلطة في غزة يقع نحو مليوني فلسطيني تحت الحصار والتجويع والقصف دون أن نفهم ما هو مشروع حماس وما هي أهدافها؟ إذا كان هدف المقاومة العسكرية هو فك الحصار وتحسين حياة سكان القطاع فتبين أن هذه المقاومة تعطي مبررا لإسرائيل لاستمرار الحصار وتحويلها في نظر الرأي العام من دولة احتلال إلى دولة تدافع عن نفسها. وإذا كان هدفها حماية الشيخ جراح والأقصى فقد تبين أن أذرع وحناجر شباب وصبايا القدس قادرين على ذلك بدون هذه الصواريخ. وإذا كان هدفها وضع قضية فلسطين على جدول اهتمام المجتمع الدولي وكسب تعاطف هذا المجتمع فنهج حماس يأتي بنتائج معاكسة تماما.
انقلاب حماس وشق وحدة الشعب الفلسطيني وفصل غزة عن الضفة وارتهان مليوني فلسطيني لمشروع التسلح لا يمكن أن يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني بل هي خدمة مباشرة لإسرائيل وتبرير مخططاتها التوسعية والعنصرية. إطلاق صواريخ حماس الأخيرة جاءت بفائدة مباشرة لنتنياهو ولليمين المتطرف وهذا ما تبينه الاستطلاعات الأخيرة. في نظرة شاملة يبدو أن نهج حماس حتى لو تغطى بحجة "مقاومة الاحتلال" يصب مباشرة في مشروع صفقة القرن الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية وتفتيت شعبنا وتقطيع أواصره.



نزع سلاح المقاومة مصلحة فلسطينية:
في غياب تام لأي توازن عسكري أو اقتصادي وبعد مرور أكثر من 15 سنة وثلاث حروب مدمرة لا بد من فحص جدوى خيار المقاومة المسلحة في غزة.
في غياب توازن عسكري يتحدثون في حماس عن إحداث توازن في الرعب ويعتبرونه انتصارا. أصلا الخوف اليهودي وفكرة اللاسامية والملاحقة المتجذرة في العقل والتراث اليهودي كانت وراء إضفاء الشرعية على إقامة إسرائيل وما زالت فكرة "الشعب اليهودي الملاحَق" تخدم الصهيونية وإسرائيل وتعطيها كل الشرعية لعدوانها لتظهره على أنه دفاع من أجل البقاء. كلما شعرت إسرائيل بأن بقاءها مهدد تتحول إلى وحش كاسر لا يردعه شيء ويحظى بكل التأييد الدولي. وفعلا حين تعرضت إسرائيل إلى الخطر الفعلي في حرب أكتوبر 1973 وقبل وصول الجسر الجوي الأمريكي الذي مدها بالسلاح درست قيادة الجيش استخدام السلاح النووي دفاعا عن نفسها. إذن الخوف لا يردع إسرائيل بل يزيد من عدوانها ويعطيها الشرعية لذلك.
برأيي أن نزع سلاح حماس هو مصلحة فلسطينية قبل أن تكون مصلحة إسرائيلية ولو تم ذلك في 2005 لكان قطاع غزة مزدهرا اليوم ولتم تحاشي القتل والدمار الذي شهدناه خلال العقدين الأخيرين. وهنا لا بد من الاستشهاد بالتجربة اليابانية: خاضت اليابان الحرب العالمية الثانية بجيشها النظامي ومن خلال عمليات الكاميكازي الانتحارية إلى أنها انكسرت وتم تدمير مدنها بالسلاح النووي مما جعلها تخضع خضوعا تاما للإملاءات الأمريكية. أملت أمريكا على اليابان دستورا جديدا يحول دون إعادة بناء قوة اليابان العسكرية، وهكذا تحولت اليابان نحو بناء الإنسان والاقتصاد مما أوصلها لما وصلت إليه اليوم من تفوق اقتصادي وتكنولوجي. طبعا قطاع غزة ليس اليابان وموارده المادية والثقافية والعلمية مختلفة تماما عن اليابان ومع هذا ففي التجربة اليابانية ما يمكن لغزّة والضفة الغربية أن تستفيدا منه.



نحن لسنا ضحية عاجزة:
بالرغم من غياب التوازن العسكري والاقتصادي والسياسي والدولي فإن شعبنا الفلسطيني ليس ضحية عاجزة طالما هو يحمل قضية عادلة وأمامه خيارات عديدة في غزة وفي الضفة وفي الداخل وفي الشتات يمكنها أن تكمل بعضها البعض بحسب ظروف كل موقع.
ما هو ثابت حتى الآن بأن الخيار العسكري في غياب توازن عسكري وتوازن دولي ضرّ ويضرّ في المصلحة الفلسطينية. هكذا كان في الانتفاضة الثانية سنة 2000 وهكذا مع صواريخ حماس. وما هو ثابت أيضا أن خيار المفاوضات والتنسيق الأمني بدون أي نوع من المقاومة والاكتفاء بالاستجداء واستعطاف الرأي العام العالمي لن يأتي بأي نتيجة.
وحدة الشعب الفلسطيني وتكامل نضاله، كل في موقعه، وانتهاج حوار ديمقراطي ومقاومة شعبية مثابرة (كما كان في الانتفاضة الأولى) وتكريس الجهود والموارد لبناء الإنسان الفلسطيني والاقتصاد الفلسطيني وضمن تحالفات دولية وإعلام جيد كلها معا تستطيع إحداث التغيير المنشود وهذا ما لم تقم به السلطة الفلسطينية ولم تقم به حماس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من مسافة صفر.. استهداف دبابة إسرائيلية بعبوة -العمل الفدائي-


.. متظاهر يهتف -غزة- خلال توقيفه بنيويورك في أمريكا




.. إسرائيل تؤكد إصرارها على توسيع العملية البرية في رفح


.. شرطة نيويورك تعتدي على مناصرين لغزة خلال مظاهرة




.. مشاهد للدمار إثر قصف إسرائيلي على منزل عائلة خفاجة غرب رفح ب