الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


25 يوماً من الحرب... 58 سنة من الكراهية

جوزيف بشارة

2006 / 8 / 6
الارهاب, الحرب والسلام


25 يوماً من الحرب... 58 سنة من الكراهية
اليوم يمر خمسة عشر يوماً على بدء الحرب المقيتة بين جماعة حزب الله وإسرائيل. هذه الأيام الثقيلة الكئيبة المليئة بالدمار والخراب والدماء والقتل ما هي إلا قطرة عنف أفرزها محيط الكراهية والحقد ورفض الأخر الذي بدأ يعرف طريقه إلى منطقة الشرق الأوسط قبل ثمانية وخمسين عاماً حين أعلن دافيد بن جوريون إستقلال الدولة العبرية فوق أرض فلسطين التاريخية. محيط الكراهية هذا لم يتواجد من لا شيء ولم يتسبب به طرف دون الأخر، ولكن عوامل عديد ساهم الطرفان العربي والإسرائيلي في تواجدها واستمرارها واستفحالها عملت على تعميق هوته واتساع رقعته، حتى بلغت الأمور من التعقيد ما يصعب، إن لم يستحل، معها التوصل إلى سلام شامل وعادل يضمن حقوق الأطراف المتصارعة كاملة ودون انتقاص.

تعد الموروثات الدينية من أهم العوامل التي أوجدت مناخ الكراهية بين العرب والإسرائيليين. ففي الوقت الذي قامت فيه إسرائيل على أسس دينية كدولة تجمع شتات اليهود وترفض وجود الأمم أو القوميات أخرى فوق أراضيها، ارتبط العرب الذين يشكل المسلمون غالبتهم العظمى بجذورهم الدينية والتاريخية التي تقلل من شأن اليهود؛ أشد الناس عداوة إلى المؤمنين، والتي تصفهم بأحفاد القردة والخنازير. ويجدر بالذكر هنا أن بعض المسيحيين العرب انخرطوا في التيار المعادي لإسرائيل من منطلق إما قومي عربي أو من منطلق ديني تغذيه الاتهامات الموجهة لليهود بالمسئولية عن صلب السيد المسيح. مع نمو قوى التطرف على الجانبين العربي والإسرائيلي أصبح التخلص من الاخر مطلباً ملحاً وضرورياً وأضحت الفتاوى والمراسيم الدينية الفيصل في هذا الشأن. فقد تبادل المتطرفون من الجانبين إصدار فتاوى ومراسيم تبيح قتل وتفجير الأخر، وفي هذا الصدد يبرز على الجانب الإسرائيلي دور جماعات اليهود الأرثوذكس المتشددة مثل حركة "كاخ" التي أسسها الحاخام مائير كاهانا عام 1972، والدور المضاد على الجانب العربي الذي تلعبه جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعات الإخوان المسلمين وحزب الله والجهاد وحركة حماس.

لا يغفل على أحد أن تشدد القادة السياسيين يعد من أحد أهم الأسباب التي تنشر الكراهية بين العرب والإسرائيليين. فإذا كان مناحم بيجن وآريل شارون وبنجامين نتانياهو هم من أهم رموز التشدد السياسي على الجانب الإسرائيلي في السنوات الماضية الذين ساهمت سياساتهم العسكرية الحمقاء في احتلال المزيد الأراضي العربية وقتل الألاف من المدنيين العرب، فإن جمال عبد الناصر وحافظ الأسد ونجله بشار وصدام حسين ويضاف إليهم محمود أحمدينجاد (الغير عربي) يعدون من رموز التشدد السياسي العربي الذين ساهمت سياساتهم الغير حكيمة المتمثلة في رفضهم مباديء السلام في اشعال العديد من الحروب وفقدان السيادة الوطنية على الأراضي العربية في الجولان وسيناء وغزة والضفة الغربية، فضلاً عن تعميق محيط الكراهية بين الشعوب العربية والإسلامية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.

عامل ثالث يسهم بدوركبير في تعميق الفجوة بين الشط العربي والإسلامي والشط الإسرائيلي وهو دور وسائل الإعلام، وعن هذا الدور حدث ولا حرج حيث تعتبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة من أخطر ادوات تشكيل الرأي العام. ولقد لعبت وسائل الإعلام في الماضي، ولا زالت، دوراً حاسماًً في التعامل مع قضايا الصراع العربي الإسرائيلي. وفي معظم الأحيان لم تكن وسائل الإعلام على الجانبين موضوعية في تعاطيها مع الأخر. في هذا الصدد يبرز دور وسائل الإعلام العربية بشكل خاص في إشعال وتأجيج مشاعر الكراهية تجاه الإسرائيليين واليهود، حتى أصبح التعبير عن رفض إسرائيل من أهم واجبات "الكاتب الصالح" في العالم العربي، وأضحى التصريح علانية بمشاعر العداء تجاه الإسرائيليين اليهود من أهم متطلبات الكاتب الوفي لوطنه. ولقد كان الخلط بين الإسرائيليين واليهود من النقاط السلبية الخطيرة التي وقعت فيها وسائل الإعلام العربية، حتى ان إحدى الصحف الحكومية المصرية خرج قبل يومين بعنوان يشير أن نصف مليون "يهودي" يلجأون إلى الملاجيء للاحتماء من صواريخ حزب الله.

لم أشأ بهذا المقال استفزاز أحد رغم علمي التام بأنه قد يثير حنق أولئك الذين يرفضون النقد ويبغضون الاعتراض على أيديولوجياتهم ومعتقداتهم خاصة حينما تتعلق بالعدو التاريخي لهم الذي هو العرب أو إسرائيل. ولكني أردت أن التعبير عن تشاؤمي اللامتناهي حيال خطط السلام والاستقرار في منطقتنا المنكوبة، تلك الخطط التي ستفشل لا محالة طالما لم تمتلك أنظمة وشعوب المنطقة الشجاعة على مواجة النفس بأخطائها، وطالما بقيت العقليات المريضة السائدة على مختلف الأصعدة ترفض الأخر وحقوقه، وطالما انتظر الجميع تنازل الطرف الأخر دون أن يبدأ بنفسه. لعل سيادة هذه العقليات الانتقامية كانت وراء ظهور جماعات التطرف على الجانبين، وهي ما دفعت على سبيل لا الحصر المتطرف اليهودي باروخ غولدشتاين لارتكاب مذبحته ضد المصلين المسلمين في الحرم الإبراهيمي عام 1994، وهي نفسها العقليات التي دفعت حركة حماس لشن العشرات من الهجمات الإنتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين. كما أنها العقليات الشريرة هي التي دفعت جماعة حزب الله لاختطاف الجنديين الإسرائيليين مؤخراً، وهي ذاتها العقليات التي دفعت الحكومة الإسرائيلية للانتقام من اللبنانيين بتدمير بلدهم ومنشآته الاقتصادية ومؤسساته الحيوية.

لن يكون هناك سلام في منطقة الشرق الأوسط دون الاعتراف بحق جميع شعوب المنطقة، ومن بينها الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، في التواجد والعيش بسلام داخل حدودها. الاعتراف بحق الشعوب في العيش يختلف تماماً عن الاعتراف بوجود الشعوب كأمر واقع، وهو الاعتراف المنقوص الذي تسعى بعض الجهات للالتفاف به حول الالتزام الاستراتيجي بقبول الأخر والتعايش معه. ولن يكون هناك سلام ما لم تستبدل العقليات المريضة المتخلفة الشريرة بعقليات سليمة متحضرة خيرة. ولن يكون هناك سلام ما لم تتخلى الشعوب عن الموروثات التاريخية التي تحض على كراهية الأخر ونفيه. ولن يكون هناك سلام دون مجيء قادة سياسيين حكماء يؤمنون بمباديء السلام لا شعارات الحرب. ولن يكون هناك سلام دون أن تتبنى وسائل الإعلام ثقافة السلام وتتوقف عن بث الكراهية في نفوس الشعوب. وأخيراً لن يكون هناك سلام دون أن يلوح الطرفان العربي والإسرائيلي لبعضهما البعض بأغضان الزيتون لا بالبنادق والمتفجرات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: ماذا وراء لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني


.. صفاقس التونسية: ما المسكوت عنه في أزمة الهجرة غير النظامية؟




.. تونس: ما رد فعل الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بعد فتح تحقيق


.. تبون: -لاتنازل ولا مساومة- في ملف الذاكرة مع فرنسا




.. ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24