الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
لا مكان للبارود بيننا....
شيرين يوسف
2006 / 8 / 8الادب والفن
بينما كانت الصواريخ ترعد في السماء المجاورة ، كنت أستمع وحيدة إلى صوت العصافير على الأسلاك المهتزة بعد أن انقطع التيار الكهربائي تماماً عن مدينتنا، إنها السادسة صباحاًًًًًً موعد الشمس و لكن من ينصت لأصوات العصافير في أوان الغارات
و زمن الصواريخ المضادة ،لطالما ظل السؤال يطاردني أين يذهب الأطفال و العصافير في الحرب ؟
لو كانوا بيننا هاهنا لأنصتوا إليهم و لتركوا أسلحتهم تصدأ وحيدة بلا بارود ،كانت الراعية الصغيرة قد اختفت منذ أن بدأت الصواريخ تنهال على مدينتنا ، كانت الوهاد تعرفها جيدا ً فلا تعرقلها و كان الليل يحرس عودتها إلى كوخها الصغير ،كنت أنصت إليها عبر النافذة بينما تسير بتؤدة و سكينة منتعلة حذاء من القماش الخشن حاملة على ظهرها بعد الحطب لكي لا تداهمها برودة الغابة و بين أصابعها الدقيقة الناي تعزف به ألحان تليق و هيبة الصباح مصطحبة خرافها الصغيرة و خرافاتها و أشباح الأحراش في طريقها إلى الغابة، لم تكن غابة بالمعني المتعارف عليه بل كانت بساط أخضر يرتفع مرتديا ً بعض السهول المتوسطة الطول تبذخ من بينها الشمس في السادسة صباحا ً و يطل القمر عبر ماء البحيرة في المساء ، كانت الراعية الصغيرة تعرفني جيدا ً و تعرف عنواني و تدرك حبي للزهور البيضاء و الزنبق و ماء المطر و العصافير الزرقاء و ما تقصص علي ّ من القصص في أغلبها أحلام يقظة تنتاب خيالها الطفولي ،كانت تعزف عند النافذة أنشودتها الحزينة و تنتظرني أن أطل عليها حاملة بعض الفتات و ثمار التين تملأ سلتها الصغيرة و تتابع سيرها و لا أبصرها إلا عند عودتها بعد الغروب حاملة إلى ّ بعض الزنابق و الحكايات .
الصواريخ تواصل عزفها في الجوار بينما أنا أتناول بعد الفاكهة المجففة و كوب من الماء المثلج ، إنها التاسعة مساءا ً و لكن من يهديني قطعة حلوى في زمن الأسلحة الخبيثة من يصنع قطع السكر تحت أضواء الشموع ،كثيرا ً ما تمنيت أن أزرع في داري حقل من السكر !!
لو كانوا يحبون الحلوى لما سال من بين عيونهم خبث المرارة ، لتركوا بائع الحلوى يسير في منتصف الشارع و يغني للسكر و للتفاح و للصغار و ما عرقلوه ببقايا الرصاص و الشظايا القاتلة ،كان يسير ما بين السابعة و التاسعة مساءا ً يدفع عربته الخشبية و ينادي بصوته على حلواه كان هو الآخر يدرك عنواني و يجيد الطرق على باب الدار يعطيني قطع الحلوى الملونة و أعطيه بعض العملات اللامعة و في الشتاء اهديه كوفية و قبعة من الصوف الملون .
لو أجادوا التنصت على صوت الحياة كما يتنصتون على أجهزة الاستخبارات و قواعد الجيوش لأدركوا أن لا مكان للبارود بيننا...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال
.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب
.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي
.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء
.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان