الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علامات سردية وجمالية في فيلم الاب الروحي

محمد احمد الغريب عبدربه

2021 / 5 / 31
الادب والفن


تأتي ثلاثة الاب الروحي في اهم اختيارات مشاهدي ومتابعي السينما العالمية، وحصوله علي جوائز كثيرة خاصة بعدد غير مسبوق في مسابقة الاوسكار العالمية، وتخليده في تاريخ السينما، وتميزه خصوصا في أفلام العصابات ومصنف في المركز الثاني كأعظم فيلم في السينما الأميركية، وحصل الجزء الاول من الثلاثية الذي يتطرق اليه المقال علي 3 جوائز أوسكار من أصل 9 ترشيحات، ومن الملاحظ ان هناك ابعاد ثقافية وتاريخية في ثلاثية اجزائه، خاصة انه يحكي تاريخ امريكا خلال فترة منتصف الاربعينيات حتي منتصف الخمسينيات ويحكي ايضا عن قادة لإحدى أقوى عائلات الجريمة في نيويورك، والقصة تتمحور حول تحول مايكل كورليوني من شخص عادي إلى زعيم مافيا عديم الرحمة بينما تؤرخ أيضا لعائلة كورليوني تحت زعامة فيتو كورليوني.
سيمولوجيا الفيلم
تعرف السيميولوجيا بأنها تدرس ما هو لغوي وماهو غير لغوي، فجانب اللغة والمنطوق تتطرق إلى ماهو بصري وصور وبصريات ورسومات وكعلامات المرور ولغة الصم والبكم والشفرة السرية ودراسة الأزياء وطرائق الطبخ، وتتعدد السيمولوجيا بتعدد مدارسها ومنظريها، سواء كانت لسانية شكلانية، متعلقة بالشكلانيين الروس مثل ياكبسون، وشكلوفسكي، او بنيوية لسانية متعلقة بالمنظريين الاوربيين مثل بارط وأومبرتو إكو وروسي لاندي ومدرسة باريس السيميوطيقية مع جوزيف كورتيس، او اوروبيين شكلانيين مثل كريستيفيا وغريماس اوسيمولوجيا سينمائية تعلقت بمنظرين مثل كريستان ميتز ويوري لوتمان، وهناك انواع السيمولوجيا المتعددة مثل وسيميولوجيا الدلالة، وسيميولوجيا التواصل، وسيميولوجيا الثقافة، وكل هذه المناهجيات لا تتبعها الدراسة في تخصصها او تطبيقاتها الدقيقة او تدراسها، انما هناك مناهجية مبدئية وبانوراما عامة للفكر السيمولوجي، في تحليل الفيلم للاب الروحي، فلم تدعي الدراسة انها ارتأت تناسبية او وجود علاقة تفاهمية وتحليلية للمنهج الغريمياسي للسيمولوجي مع الفيلم، او هناك مساحات للتحليل بين سيمائية جان كلود كوكية والفيلم.
علامات تحريضية
في افتتاحية المشهد اشارات علاماتية لوجود رمز قوة يحكم مجريات الامور، متمثلة في كلمات، مثل ابراز كلمة "الاب الروحي"، كعرض تحريضي من دون كورليوني عندما لغي عرض بخصوص حل مشكلة لرجل اعمال تعرضت بنته لعملية اغتصاب من بعض الشباب الامريكي، وكان العرض معاقبة هؤلاء الشباب بالقتل والمقابل عائد مادي للدون يليق به، وكلمات "أنا اومن بأمريكا"، وكلمات "قد ربيت ابنتي علي الطريقة الامريكية"، وذلك دليل علي انه يمثل الشعب الامريكي، وانه يأتي لتحقيق العدالة عند الدون كورليوني دون ان يكون حاكما فعليا للبلاد، وبرز اكثر في أنه يقدم نفسه كإيطالي ولكنه بني اعمال التجارية في امريكا وتربي بها كل >لك علامات اشارية تحريضية دالة علي بعض الدلالات والرموز، وكانت هناك مشهدية رائعة التكوين تمثلت في استحوذ كوروليوني عليها في الظهور واختفاء الباقون في الظهور. وفي مجمل الفيلم، هناك اشارة اجمالية وليست اشارة علاماتية مشهدية محددة باطار علامتي سردي يلقيه شخصيات الفيلم، هو قصة الفيلم المتعلقة ببند قوة الاب الروحي فرغم أنها إحدى أقوى عائلات المافيا الإيطالية في نيويورك والمتورطة بأعمال إجرامية مختلفة كإدارة نوادي القمار والبغاء وأدارة النقابات إلا أن علاقات الدون بشخصيات سياسية هامة قد منحته نفوذا قويا وسلطة واسعة المدي فيحمتي به الكثير من الناس لمساعدتهم في حل مشكلاتهم. ويأتي مشهد اجتماع العائلة بعد محاولة اغتيال الدون كوروليوني حيث هناك علامات تحريضية مستقبلية علي ظهور بديل الاب الروحي الابن مايكل الذي بدوره ال باتشينو ، وعندما قال مايكل ان الامر حول قتل سوولوز والشرطي الذي يحميه، أن الامر ليس شخصي، ولكنه يتعلق بالعمل، وذلك دليل علي قوة مايكل في المستقبل، حيث أنه يتبع المصلحة، وليس البعد الانساني، فالانتقام لوالده لا يترتبط برد الفعل، انما بتحريك الامور والمصالح لصالحهم بعيدا اي مشاعر انسانية.
علامات إشارية
" المفروض أنه بارع جدا في الطعن"، مقولة عرضها محامي عائلة الدون والمدعو "توم هيجان" الذي وجده لقيطا منذ نعومة اظافره امام دون كورليوني، في اجتماع خاص بمناقشة عرض سولوزو بمشاركة العائلة في الاتجار بالمخدرات في البلاد، مقولة ان توم هيجان وجده في الملجأ وقام بتربيته الاب الروحي، وعمله كمحامي هذه اشارة لفكرة الولاء خاصة في الابعاد والمسائل القانونية التي يجب ان تكون هناك ثقة وامانة لصعوبة ادراكها من جانب عائلة المافيا، لاهتمامها بالاعمال الاجرامية وادارة البيزنس في مجالات القمار والدعارة والنقابات والنوادي، وهناك ايضا اكثر من علامة إشارية خاصة مثلا بالصورة السينمائية للفيلم مثل مشهد حالة القلق والتردد التي انتابت لوكا برازي قبل ان يدخل لمقابلة الدون لتهنئته علي فرح ابنته كوني، وكانت مشهدية واضحة لاشارية القلق والتوتر، وهناك اشارية النظرة عند الابن مايكل كورليوني، اثناء لحظة قيامه باغتيال سولوزو والظابط الحارس الشخصي معه في مشهد المطعم الشهير في الفيلم، فكانت نظرات مايكل غاية في تحديد انه بصدد فعل عنيف وقوي جدا، فالنظرات كان بها كثير من التركيز والقلق والقوة والعنف والدقة، وقد ركزت كاميرا كوبولا علي نظراته بدقة .
المشاهد المتعاكسة
هناك المشاهد المكثفة ذات الحوار المكثف الدسم الملئ بالدلالات والعلامات وايضا الصورة تأتي تجسيدا لشرح ذلك بمونتاج هادئ يناسب قوة المشهدية والسرد، وتفسر العلامات، رغم عدم عمق الصورة الجمالية والسرد الحواري، والذي انعكس علي العلالامات والدلالات، وهناك المشاهد التي تتقاطع مع ذلك وبها قليلا من العلامات والتفسيرات، مثل مشهدية افتتاحية الفيلم، حيث فرح كوني ابنة الدون كورليوني والتي تضمنت احتفالات العائلة وحفلة غناء واحاديث حول الفرح والحياة بشكل وقد تقاطع مع مشهد مقابلة الدون لبعض الاصدقاء وتقديم لهم المساعدات، فكانت هناك رمزية بقوة الدون ونفوذه والتعبير عن وجوده وقوة عائلته، ويدل ذلك ان هناك تداخل بين نوعين من المشهدية، وهي مشاهد بها قوة ومشاهد بها راحة، وايضا تدخل المشهدية يعطي نوعا جماليا من الفرجة الفيلمية، وقد نجح فيها مخرج الفيلم كوبولا. وتكررت هذه المشاهد المتعاكسة اكثر من مرة خلال الفيلم، فمثلا هناك المشاهد في اخرية الفيلم حول قيام مايكل الابن بعد تقلده مهام ادارة اعمال العائلة وشؤونها بتعميد ابن كوني في الكنيسة، وكانت لحظات التعميد بها كلمات حول رفض اعمال الشيطان، وكان يردد مايكل بأنه يرفض وتقاطعت معاها مشاهد قيام رجال العائلة بتوجيه من الابن مايكل بقتل واغتيال زعماء ورؤسات العائلات الكبيرة للمافيا في نيويورك والتي كان تخوض معها حربا مفتوحا بعد مسألة سولوزو وقيامه باستخدام العنف لادخال الهيروين داخل الولايات المتحدة.

سياق متعدد
يأتي الفيلم في خضم ظاهرة ثقافية اجتماعية حول موضوعه السياسي والاجرامي والقانوني، فالفيلم يحكي عن عائلات المافيا في فترة الاربعينيات والخمسينيات، ومخالفتها للقانون واعمالها الاجرامية، وعلاقتها بالابعاد السياسية والاقتصادية للبلاد، وتأثيرها الكبير في هذه الابعاد، وهذه السردية خلفت سياق ثقافيا واجتماعيا، تعلق بعلاقة بالفيلم بعائلات المافيا في ارض الواقع، حيث هددت العائلات الحقيقية للمافيا صناع الفيلم بضرورة ايقافها والا قيامها بتصرفات انتقامية، وحدثت تأثيرات ثقافية للفيلم في سياقها الاجتماعي والتاريخي، فكأنه منتج ثقافي واسع التأثير في اكثر من مساحات محلية وعالمية، وهناك تأتي العلامة الثقافية والاجتماعية والتاريخة بارزة الحضور، فالفيلم يمثل علامة في حد ذاتة، فهو الايقونة السيمولوجية، والرمز السيمولوجي، والدلالة السيمولوجي، والخطاب السيمولوجي، والتواصل السيمولوجي، والثقافة السيمولوجية، فهو منتجا ما بعد حداثية، فجانب أنه فيلم سينمائي ومنتج فني، إلا أنه منتج واسع التأثير يتحاور مع السياقات المتعددة المحيطة، ويفكك الواقع ويتداخل مع ظواهر تاريخية اخري تحوم في أطارات متعددة.
وايضا الفيلم يتقاطع مع تقاطعات فكرية لها ابعاد فلسفية ووجودية وفكرية متعددة، بجانب الابعاد السياسية والاقتصادية والحضارية للفيلم، فهناك شقين للتأويل للفيلمية والقصة السردية، بجانب القصة الاصلية والمشهدية، فالاساس هو فيلم عن الجريمة والعصابات وعائلة الدون كورليوني، إلا أن هناك علامات في القصة بأن الفيلم يدور حول تاريخ الولايات المتحدة خلال الفترة، وتأثير عائلات المافيا علي السياقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أو أنه اشارة لانتهاء الحداثة المتمثلة في الاخلاق الكلاسيكية لدي الاب الروحي وظهور عصر القوة والماديات المفرطة والاشتهاء الحياتي، والنفوذ وعدم الرحمة، متمثلة في ظهور مايكل الابن، حيث يمثل انعدام الضمير وان الغايلة تبرر الوسيلة بشكل لا حد له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل