الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمود الشعر العربي و محاولات ليِّه و كسره عبر الأجيال و العصور

مهدي شاكر العبيدي

2021 / 5 / 31
الادب والفن


لست من الزارين و المعترضين يوماً ما على الحركات التجديدية في الشعر العربي ، أو ممن لديهم تحفظات إزاء ما يجترئ عليه بعض قالة الشعر ، كأن يستسهلوا الإخلال بالوزن و التفريط بالقافية و إن داخلني ثمة قرف و نفور و نعيٍ على نفرٍ منهم فرط إيغالهم في الإغراب و الغموض مسوغين ذلك بدعوى ترسم الرمزية و هي مذهب قديم أساء المحدثون فهم موجباته و الدواعي التي تهيب بالمنشئ عادةً شاعراً أو ناثراً على أن يلف و يحيط و يضفي على ما يبدعه و ينسجه من لقيات أدبية ، هالةً من التعتيم بحيث تتوارى الأفكار و المقاصد و المعاني فلا تكاد تبين لعين المجتلي ، و ذلك لا يغلب و يفشو إلا وسط مجتمعات كُتب عليها معاناة تسلط الفرد و تماديه في إذلالها و إرغام ذوي العقول المتفتحة من بنيها ، على أن يخلدوا للهمود و السكون فلا يفتكروا يوماً في الانفلات من هذا الهجوع المُطبق ، أو حتى يمن عليهم المتجبر المستبد بحق التعبير عن مكنوناتهم بمطلق حريتهم.

و دونك حكايات (كليلة و دمنة) لمؤلفها الفيلسوف الهندي (بيدبا) و مترجمها الى اللسان العربي عبد الله بن المقفع ، عن ديباجتها الفارسية بأسلوبه الفصيح و الموسوم بالسهولة و الابتعاد عن الابتذال و تحاشي الوحشي و المُعضل من الألفاظ و التراكيب ، فضلاً عن تقريبه المعاني من الأفهام لفرط ترسله و زهادته في تكلف التحسينات و الزخارف.

ويمثل هذا الكتاب أروع مثل و شاهد و دليل على الأدب الرمزي الذي يطغى على ثقافات الأمم و الشعوب في أحايين استفحال الجور و العسف و كبت الحريات ، أما هذا الغموض الذي نجتليه و نلفيه في بعض النتاجات الشعرية المتأخرة خصوصاً ما شاع منه بعد الحرب العالمية الثانية ، فيحار قارئه في إكتناه و استبانة ما ينتويه أربابه من دواعٍ و أغراض ، و استتبع شيوعه أن غري المبتدئون بتجريب قدرتهم على ابتداعه و مجاراة مَن سبقهم إليه في اصطناع (صرعة) الاستخفاف بالموروث الشعري على أساس أنه أقام طويلاً على أغراض تقليدية و لم ينصل من قوالب لفظية تتكرر من حقبة زمنية لأخرى أو يَتقْ ناسجوه لتنسم ما استجد في بيئاتهم من تحولات و متغيرات في الثقافة و الأعراف و التقاليد و أنماط المعيشة كذلك.
و ما بنا حاجة إلى تذكير القارئ بما نصح الفهامة الراحل الدكتور إحسان عباس لشعرائنا الشباب في مقالاته وكتبه وعبر ندوات ومحافل كثيرة ، أن لايسرفوا في تقليد الغربيين ويحاكوهم في الإغراب والتعمية ، فقد قطعت مجتمعاتهم في التطور الصناعي شوطاً كبيراً ، نجم عنه شعورهم بالاغتراب وإحساسهم بعدم التواصل مع سواهم ، بينا نحن لانزال نحيا في بيئة زراعية وقمين بنا أن نحافظ على ما يسود بيننا من أواصر التراحم والتواصل.
لكن لا بد من التنويه في ختام هذا الكلام المبتسر ، بما أرسلَه من رأيٍ و أفضى به لي ذات يوم المرحوم حكمت البدري و هو كاتبٌ و شاعرٌ و مترجم عن الفارسية ، و من انجازاته في هذا المجال نقله رباعيات الخيام عن نصها الأصلي إلى عربيتنا الأصيلة ، قوله "إن جميع محاولات ما يسمونه بتجديد الشعر العربي بدءاً من نظم الموشحات و انتهاءً بالشعر الحر ، و بعيدا عن دواعيه و مسوغاته و افتعال أسباب أخرى ، تتمثل في الأحداث الجسيمة و النوب الكثر التي اجتاحت العالم الوسيع ، و جنحت بالكائن الانساني للإحساس بالإخفاق و الخيبة و ضياع كل تأميل في تبدل الحال ، هذه الماجريات و المحاولات أخفقت كلها في لَيِ عمود الشعر العربي و كسره.

و السلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية


.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي




.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز