الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزء الثاني من مقال : موقفي ككوزموبوليتي من حرب الليكود وحماس

اسماعيل شاكر الرفاعي

2021 / 6 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يطلق المختصون في علم السياسة والاجتماع : صفة اليمين على كل حركة تتمسك بما ورثته من قيم ومعايير وقواعد في تنظيم الشأن العام ، وترفض مناقشتها وتغييرها ، وتزيد على ذلك بأن تجعل منها مرجعية تحكم من خلالها على صحة الجديد في الفكر وفي الظواهر الاجتماعية . فهي ذات نظرة ثابتة الى ماورثته لا تتغير حتى وهي ترى طوفان الحياة يجرفه كأثر لم يعد صالحاً للاستعمال : انه مثالها الطاهر الذي لم تدنسه الحركة ولا السكون ، ولم يمسه بشر ولا جان . أما الجديد من النظريات الفكرية والظواهر الاجتماعية فهو من أفعال الشيطان التي يجب تجنبها ، والتي ورد التحذير منها بالقول : اياكم ومحدثات الأمور ، فان كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) .
وتعد شعوب الشرق الأوسط : اشد شعوب الارض رفضاً للتغيير وتهيباً منه ، لانغراس المعايير الموروثة في اعماق وعيها كأثر ديني مقدس : يجب التمسك بدلالة مفرداته القاموسية ، ولا يجوز حمل معانيه على المجاز اللغوي وعلى التأويل : بالبحث عن مستوىً ثان لدلالته . فالنص هو إمامها لا العقل : تأخذ به وترفض حقائق الواقع الجديدة لمخالفتها له ( للنص الديني ) . واذا بحثت عن جذور حركات اليمين السياسية التي اطلقوا عليها تلطيفاً : الليبرالية الجديدة ، والتي افتتحها في امريكا الرئيس : ريگن ، وتلاه : ترمب ، وافتتحتها في بريطانيا المرأة الحديدية : تاتشر : تجدها تتغذى في اهم أطروحاتها ومفاهيمها على ما افرزته حروب الطوائف الدينية في مفتتح عصر الإصلاح الديني ، كحرب الثلاثين عاماً مثلاً . فاليمين في السياسة حركة ذات مرجعية دينية ، توظف الدين في السياسة ، وترفض بشدة ان تنصاع لحقائق الواقع ، بل هي وجدت اصلاً لنقض هذه الحقائق ، والتقيد بما ذكره النص . وقد ذكر النص التوراتي بأن " يهوة " اله اليهود كما ورد اسمه في التوراة : قد منح ارض فلسطين لليهود ، وبعد مرور زمن طويل على هذه " الهدية " : يتقيد الليكود وهو اليمين السياسي الاسرائيلي : بمضمونها ، رغم حقيقة ان اليهود اجبروا على مغادرتها مراراً : من قبل البابليين والآشوريين والرومان ، وانتقلت ملكيتها - بعد شتاتهم - لمختلف الفاتحين : من المصريين الى الفرس الى أيدي اليونان بعد فتح الاسكندر المقدوني لارض فارس والمشرق ، ثم انتقلت ملكيتها الى الرومان ثم استولى عليها العرب المسلمون بعد ان فتحوها . ولهذا يرتكب اليمين السياسي في مختلف الامم : أنواع المجازر بدم بارد ، شاعراً بالرضا ، لأن كتابه المقدس أمره بذلك ، ولا يراوده الشك في ان ما اقدم عليه جريمة بحق الانسان : في عصر حقوق الانسان . تحث التوراة اليهود على اجراء تطهير عرقي لجميع سكان فلسطين ، ومصادرة ممتلكاتهم وسبي نساءهم . وسورة التوبة في القرآن ، ومنها آية السيف تحث على هذا التطهير العرقي . وقد سلك المسلمون طريق التطهير العرقي مرة ، والنفي تارة اخرى ليهود المدينة : بني قينقاع وبني النضير وبني قريضة ، وحتى لبعض الشعراء والهجائين و( المنافقين ) من قبائل العرب . ولهذا لا يجد السياسي الذي يريد الالتحام بحقائق عصره والخروج على منطق العنف الذي توصي به الكتب الدينية : سنداً تأويلياً ، لا عند حاخامات اليهود ولا عند فقهاء الاسلام يساعده على تخطي عقبة : الارض التاريخية المقدسة ، فمن غير تأويل دلالة مفهومي : الارض المقدسة والأرض التاريخية ، يصعب على السياسي اجراء مصالحة تاريخية على ارض فلسطين بين اليهود والنصارى والمسلمين . اذ تتطلب هذه المصالحة اعادة قراءة للنصوص الدينية : متحررة من منهج قراءة الحاخام والفقيه والقس التي تأخذ بظاهر النص الديني في تفسيره له . ولهذا تجد اطروحات احزاب اليمين كحماس في غزة والليكود في اسرائيل : تنطلق من مفهومي الارض التاريخية والأرض المقدسة لأهميتهما في تحشيد الناس ، خاصة اذا ما تم توظيفهما في العمل السياسي كحق الاهي مقدس يجب التضحية في سبيل استعادته ، ولا يوجد من يفكر بتخطيهما : ففي التخطي وحده يمكن العثور على حل انساني لهذه المأساة التي صنعتها هرولة الرأسمال العالمي وتنافسه في البحث عن مستعمرات توفر : المواد الخام لصناعاته ، والأسواق لسلعه وبضائعه ، وبالتالي الأرباح المجزية . في هذه الجذور التاريخية لمرجعياتهم السياسية والفكرية وجد اليمين ما يبرر له الاستخدام المفرط للعنف . ولو عزلنا حروب الاسرائيلين مع العرب في 1967 و 1973 ، وركزنا على حروب اليمين الاسرائيلي مع اليمين الفلسطيني لاكتشفنا تصاعد استخدام العنف : من الحجارة الفلسطينية ، التي يرد عليها اليمين السياسي الاسرائيلي بقنابل الدخان والرصاص المطاطي في الانتفاضة الاولى تسعينيات القرن المنصرم ، الى حروب غارات جوية وصواريخ وهدم بيوت وعمارات وضحايا من المدنيين بإعداد كبيرة . وحتى لو استخدم الطرفان في حروبهما البشعة هذه : أسلحة اكثر تطوراً وادق إصابة وإعداداً اكثر من الضحايا : فأن أياً منهما لن يتمكن ابداً من امتلاك قدرة تحقيق ما دعتهما اليه كتبهما الدينية من تحقيق تصفية عرقية ومجازر بشرية بالآخر ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟