الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظام التفاهة والاستحمار السياسي في الجزائر

بلحسن سيد علي
كاتب ومفكر

(Bellahsene Sid Ali)

2021 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


مرة أخرى أعود لتوظيف مصطلح التفاهة الذي قدمه الفيلسوف الكندي آلان دونو في كتابه الشهير نظام التفاهة في مجال السياسة بعد أو وضفته في مجال الثقافة، وإلى جانبه فإن مصطلح الاستحمار لعالم الاجتماع الإيراني علي شريعتي كذلك يلح علي من أجل وصف المشهد السياسي في الجزائر خاصة في فترة الانتخابات التشريعية، فإذا كانت الأحزاب السياسة جميعها وبلا استثناء تقوم على أساس هذين المصطلحين فإن المترشحين الأحرار كذلك في معظمهم يمارسون نشاطهم داخل هذين الوصفين، وحتى لا نطيل في مقدمتنا دعونا نبدأ أولا بمصطلح التفاهة ولا بأس بتذكير القراء بقول آلان دونو: "إن التفاهة (بالفرنسية médiocrité) هو الاسم الذي يشير إلى ما هو متوسط تماما مثلما تشير كلمات supériorité و infériorité إلى ما هو أعلى وما هو أدنى... لكن مصطلح نظام التفاهة يفيد مرحلة المتوسط خلال فعل ينطوي على ما هو أكثر من متوسط.." ولو قمنا بإسقاط هذا المصطلح على السياسية يمكننا القول بأن التفاهة السياسية في الجزائر هي كل خطاب أو مشروع أو برنامج سياسي متوسط أو ضعيف حل مكان الخطاب أو المشروع أو البرنامج الجيد والقوي الأركان، وهذا الذي يشرح لنا سبب تصدر المتوسطون والضعفاء المشهد السياسي منذ زمن على حساب الجيدون والمتمكنون من هذا المجال سواء نظريا ونقصد هنا المختصين بالعلوم السياسية أو الاقتصادية أو القانونية على سبيل المثال لا الحصر أو عمليا ونقصد بذلك أصحاب الخبرة السياسية الذين لم تتلطخ سمعتهم بالفساد المالي والأخلاقي وهم بطبيعتهم قلة قليلة جدا، وإن كان التحليل السابق معروف نوعا معا عند الأحزاب السياسية لأن التفاهة متغلغلة في الأوساط الحزبية إذ أن التافهين يتحزبون ويدعم بعضهم بعضا حتى يتسنى لهم تنشيط تفاهتهم على أكمل وجه، وفي هذا الصدد يقول دونو متسائلا: "ما هو جوهر كفاءة الشخص التافه؟ إنه القدرة على التعرف على شخص تافه آخر، معا يدعم التافهون بعضهم بعضا فيرفع كل منم الآخر لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار، لأن الطيور على أشكالها تقع" إلا أن الملفت للنظر أكثر هو انتشار هذه الظاهرة بين المترشحين الأحرار، فالمتمعن في قوائم المترشحين يجب عدد لا بأس به من الدكاترة والأكاديميين من جهة أو الصحفيين ورجال القانون من جهة أخرى إلا أن في معظمهم لا يمتعون بالجودة السياسية التي تمكنهم من الترفع عن التفاهة وما حكمنا هذا إلا مستوحى من فحوى خطاباتهم التي يغلب عليها الاستحمار في مقابل النباهة، وهنا يجب علينا أن نوضح مقصدنا من الاستحمار، ولن نجد أفضل من قول علي شريعتي نفسه في توضيح معنى هذا المصطلح: "فمعنى الاستحمار إذا في تزييف ذهن الإنسان ونباهته وشعوره وتغيير مسيره عن "النباهة الإنسانية" و"النباهة الاجتماعية" وأي دافع لتحريف الفرد أو الجماعة عن هاتين النباهتين أو البعد منهما هو دافع استحمار ! وإن كان من أكثر الدوافع قدسية، وما البعد عن هاتين كذلك، إلا وقوع في العبودية، والذهاب ضحية لقوة العدو، والاستحمار المطلق" ويقول أيضا:: "إن الوعي النفسي "النباهة" يمكن أن تشعر الإنسان بما فات منه، هذا الإنسان الذي تجاوز الحد في الإقتداء والاستهلاك لكل ما يقدم له، ويمكن أيضا للوعي الاجتماعي أن يشعره كيف تجري أمور مجتمعه في الخفاء ! نعم ! إن الدرايتين النفسية والاجتماعية هما الشيء الوحيد الذي باستطاعته أن ينجي الإنسان من هذه البلاهة المتطورة الحديثة المغرية، حقا، ونحن نسمي الدراية النفسية نباهة فردية والدراية الاجتماعية نباهة اجتماعية"
ولنزيد الأمور توضيحا لنوضح مقصدنا من الاستحمار السياسي بشكل من التفصيل: هو كل خطاب أو مشروع أو برنامج سياسي لحزب أو مترشح ما يقدم الماضي على الحاضر ويتكلم عن نوفمبر والثورة والشهداء ويتناسى فيبراير والحراك ومطالب الشعب بالتغيير، هو كل من يتكلم عن الحراك أو التغيير بصورة مثالية وكاذبة، هو كل من لم يصل لدرجة من الوعي تمكنه من معرفة مشاكل الأزمة الحقيقة في الجزائر ويتكلم في المشاكل الثانوية، هو كل من يعرف المشاكل الأساسية ولا يملك حلولا يمكن مناقشة مضمونها في أرض الواقع، هو كل من يقدم حلولا وهمية أو يتكلم عن واقع وهمي لا يمت للواقع الشعبي بأي صلة، هو كل من يقدم حلولا كلية أو حلولا سطحية من غير عمق حقيقي يتصل بالواقع، كل استعمال للخطاب الديني والخطاب العاطفي في المجال السياسي هو تزييف للوعي اي استحمار،كل ما ذكرناه وما ينحو نحوه هو الخطاب السائد والمشاريع المطروحة في الساحة السياحية في الجزائر ولذلك لا نجد أي حرج بوصفه بالتفاهة والاستحمار.
إن التفاهة والاستحمار هي نتيجة طبيعة لمرحلة الانحطاط التي يمر به المجتمع الجزائري، وهي المرحلة التي يصل حد التفاهة والاستحمار فيها حد النظام وفي ذلك يقول دونو: "من هنا فإن نظام التفاهة mediocracy هو المصطلح الذي يشير إلى النظام التافه الذي يتم نصبه كنموذج" وهذا النظام هو الذي نراه يحكم في كل مفاصل السياسية الجزائرية وهو الأمر ذاته الذي حلله دونو حين قال: "وهكذا فإن نظام التفاهة يقودنا إلى تسليم ملكة الحكم السليم إلى نماذج اعتباطية arbitrary models مسوق لها من قبل السلطة"
لكن لهذا النظام درجات، ولو أردنا أن نصف حالنا لقلنا بأننا في أدنى درجات التفاهة والاستحمار، لأن الذي ذكرناه سابقا والممارسات التي وصفناها تعد من أفضل ما يمكنا ووصفه في المشهد السياسي، لأننا لم نشأ أن نخوض في الإهدار المبالغ فيه لأموال الشعب في حملات المترشحين، والتصرفات اللاأخلاقة واللاحضارية والتعديات والتجاوزات التي تحصل لأننا بكل بساطة أردنا أن نحلل سقف الخراب وما بأسفله إلا أشد خرابا.
إن المشهد السياسي الحالي في الجزائر يبعث على الاشمئزاز خاصة بتصدر أبناء المفسدين من جيل الاستقلال أو عودة بعضهم للمشهد بعد أن اختفوا لبعض الوقت أو لتصدر من كان في الصفوف الخلفية لعصبة الفساد، ومع كل ذلك قد ترى بعض الأسماء التي قد تستحق الدعم لنزاهتها وربما قدرتها على الترفع عن ممارسة التفاهة والاستحمار إلا أن تشوه المشهد جعل من الذين يأملون خيرا يجدون صعوبة كبيرة في التفرقة بينهم وبين الجمع الغفير من التافهون والمستحمرون، ولهذا كان لزاما علينا أن نركز جيدا حتى نفرق بينهم ونفصل بين الاثنين في تحليلنا وان كانوا قلة، ثم أننا لسنا بصدد التشهير ضد الترشح أو ضد الانتخاب فتفاوت درجات الوعي عند الشعب الجزائري وغلبة وعي الاستحمار على وعي النباهة يجعل من كلامنا مجرد كلام ويجعل من التفاهة هي الحاكم الاول في كل النشاطات السياسية ويجعل من المترشحين التافهين أداة لاستحمار الشعب إذ يقول علي شريعتي: "فكل شيء إذا يشغلني أنا كإنسان ونحن كمجتمع عن الدراية الإنسانية والدراية الاجتماعية هو أداة استحمار" ثم هناك أداة أخرى أكثر خطورة لتنشيط هذا النظام ألا وهم الانتهازيون، والانتهازيون كلهم تافهون ومتستحمرون إلا أنك تجدهم في كل أطياف الشعب وعليهم يقوم نظام التفاهة بكل مفاصله ولو استطعنا بشكل من الأشكال إزاحة هذه الفئة من الشعب أو التغلب عليها عندها يمكننا مواجهة التفاهة والاستحمار لأن مشكلة الانتهازيون أن برجماتيتهم تافهة فهم لا يفرقون بين مصلحتهم الدائمة بخدمة المجتمع من أجل تحسين ظروفه وبالتالي ظروفهم وبين مصلحتهم المؤقتة على حساب خراب المجتمع الذي يؤدي إلى خراب مصالحهم.
إن وعي الاستحمار هو الذي يجعلنا نغتر بالألقاب كالدكتور والبروفسور ورئيس مخبر وأستاذ جامعي، وإذا كنا لا ننقص من قيمة هؤلاء كل في مجاله إلا أننا ننبه أن نجاحهم في تخصصاتهم لا يعني بالضرورة نجاحهم في المجال السياسي والخبرة هي أساس كل نشاط، والخبرة في الجزائر مقرونة بالتفاهة لأن أي خبرة في نظام التفاهة والاستحمار لا يمكن أن تترفع عن هذا النظام وإنما تخدمه، ولذلك فإن التعويل على أمثال هؤلاء قد يكون في عدة مجالات أخرى إلا المجال السياسي، أما عديمي الخبرة فتشتتهم على مختلف القوائم الحزبية أو القوائم الحرة هو الذي يجعلنا نعتقد بأن نشاطهم لن يكون كاف لمواجهة نظام التفاهة والاستحمار السياسي.
قبل أن ننهي مقالاتنا يجب علين أن نوضح ونبين بأننا لسنا بصدد استقراء المآخذ واجتلاء العيوب التي تعتري المشهد السياسي الجزائري لأنها كثيرة ومتعددة ولا يتسع المقام لسردها في مقالة واحدظ، وإنما قدمنا تحليلنا الشخصي لظواهر رأينا بأنه يجدر بكل ذي رأي أن ينظر إليها بوعي خاصة المثقفين أو الذين قد أقدموا على الخوض في مضمار السياسة وما كنا نطالبهم بما يفوت ذرهم ويخرج عن طوقهم، وإذا كان الذي سقناه من أمراض قد أغاض بعض الخلق فليغصوا به إذا شاءوا، لأنهم إذا كانوا في حملاتهم غير قادرين على الترفع عن التفاهة والاستحمار فإنهم سيكونون في مقدم الأيام أعجز عن ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أجواء من البهجة والفرح بين الفلسطينيين بعد موافقة حماس على م


.. ما رد إسرائيل على قبول حماس مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار؟




.. الرئيس الصيني شي جينبينغ يدعم مقترحا فرنسيا بإرساء هدنة أولم


.. واشنطن ستبحث رد حماس حول وقف إطلاق النار مع الحلفاء




.. شاهد| جيش الاحتلال الا?سراي?يلي ينشر مشاهد لاقتحام معبر رفح