الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق الهاوية -20-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 6 / 5
الادب والفن


يعزّ علي فراق المكان . أراقب الطّيور، أسمع جلبة و أصواتاً . تحاول الأمّ أن تلمّ شمل أولادها في العشّ كي يمضوا ليلة سعيدة. كلما رفّ طير أمامي يرحل حلمي إلى أعشاش الطّيور .
هنا كان حبّي ، و بدأت رحلتي
هنا شعرت بالأمن، بالحياة
عرفت قيمة الأشياء
تعلّمت اللغات ، أجدت لغة العصافير
عندما تراني طيور الحبّ تأتي إليّ
أعلّمها طرائق جديدة
تعلّمت لغة المرأة العجوز
لغة الكلاب
كل تلك الأشياء كانت غائبة عنّي . اليوم سوف نغادر المكان أنا وفارس كي نكمل الحلم.
هل يمكن إكمال الحلم؟
الحلم سراب جميل
لو وصلنا إليه علينا تجاوزه إلى سراب أجمل . لماذا نقنع بالقليل؟
-سوف نذهب إلى المرأة العجوز لنشكرها . كانت عوناً لنا ، لم تفرّق بيننا وبين كلابها رغم أن كلابها هم الشيء الوحيد الذي يربطها بالحياة ، هي تعيش من أجلهم، على أمل أن تلتقي بأولادها يوماً .
-هيا بنا !
-مرحباً أيتها السيدة الجميلة .
أومأت برأسها ، تبدو مريضة، لغة جسدها تقول أنها حزينة.
أشارت إلى أنّها تشعر بنا، تتكرّر حادثة مغادرة أولادها إلى مدن أكبر، وحياة أفضل، لكنّها تتمنى لنا التوفيق . أشارت لنا عن وجود نفق في الجبل يصل بين البرّين ، تمنت لنا السلامة، أغلقت بابها ، وهي ترتجف خوفاً وحزناً .
-ليتنا نبقى معها يا فارس ! يصعب علي أن أرى دموع المسنين ، أرغب أن أقدّم شيئاً لتلك العجوز .
-لقد تمنّت لنا السلامة ، أغلقت الباب دون أن تدعونا إلى الدّاخل. لقد رأت أولادها يرحلون، جيرانها، أقاربها ، مايربطها في المكان هو كلابها. لا نستطيع أن نفعل لها شيئاً حتى إن بقينا . هكذا تعيش الأمهات هاجس البعد .
هكذا تعيش الأمهات هاجس الفقد ،
تناشد الأمل أن يعود الصغار صغاراً
أن تصنع لهم الخبز
أن تلمّ صغارها في المساء كما تلك الطّيور،
لكنّها قصة طويلة يمكننا اختصارها بكلمتين: " حياة الأمهات" .
هيا بنا إلى النّفق .
خرجنا من دارنا إلى مغارة ، ثم إلى نفق.
سوف نصل بعدها إلى برّ الأمان.
لا أعرف أين يكون هذا البر، وهل يوجد للأمان برّ؟
الموضوع برمّته مغامرة ، قد ننجح، قد لا ننجح.
. . .
إلى أين نحن ذاهبون يا فارس؟ أشعر أن الليل موحش، قد يتربص بنا حيوان ، أو نقع في حفرة. ألا يمكن أن نؤجل رحلتنا حتى الصباح؟
أخاف عليك أن تضيع في عتمة الليل
أخاف أن أبقى وحيدة ، أخسر الحلم الجميل

لماذا نغامر، و المغارة آمنة ، و الجمال طاغ

-لا تخافي يا نوال !
إن أكلني وحش لا تقتربي ، أكملي طريقك ، و إن سقطت في حفرة تابعي ، قد أتبعك .
تعالي نغيّر الحياة، نتغيّر
نحارب الخوف فينا
لا نستسلم
نعيش الحياة مرّة واحدة
-وداعاً أيّتها المغارة ، يامكان حبّنا، و أجمل ذكرياتنا .
سوف نعود إليك يوماً لنحتفل بالنجاة ، ونجلب لك البخّور من بلاد بعيدة كي تكوني ملجأ للمحبين.
هاهو النفق ! تبقى المغارة أوسع ، لا يمكننا الدّخول إليه وقوفاً .
-تمسّكي بي .دعينا نلتحم معاً في الموت و الحياة .
ياللعجب! النّفق مضاء ، كأنّ شماً ساطعة اخترقته. هيا بنا نتسابق !
-كأننا نسير إلى الأعلى ، و ليس بخط مستو ، لكن لا بأس سوف نكمل .
يقولون أنّ هناك ضوء في آخر النّفق ، أي أنّ النّفق مظلم دائماً، و الضوء في آخره ربما لا يوجد . قد تتغيّر المقولة إلى أنّ النّفق الذي تسير فيه يجب أن يكون مضاءاً .
-واو ! نحن على قمّة الجبل . النّفق لم يؤدي إلى الجهة الأخرى بل إلى القمة . نفق لولبي ، فيه دوائر كنا نتمسّك بها، قد يكون بقايا بئر عميق ، وصلنا من فوهته إلى قمّة الجبل.
انظري جهة الشّرق . الشمس تبتسم
انظري إلى الغرب
الحياة تلمع
ما أجمل القمة ! يمكننا من خلالها رؤية الكون الجميل .
-يبدو أن المكان رغم إطلالته الجميلة سوف يحاصرنا، فلا يمكننا النّزول .
انظر إلى ذلك البيت الوحيد في الغابة . قد يكون مبنياً كخط فاصل بين بر الأمان ، وبر الخوف . القمّة ضيقة ، لا يمكننا العيش فيها. دعنا نعود من نفس النفق لنجد مخرجاً آخر .
-سوف نحتفل قليلاً . نرقص قليلاً ، نغني قليلاً.
انظري كيف أقفز !
-توقف ! أخاف أن تنزلق رجلك . دعنا نعود .
ماذا جرى. أرى فارس يتهاوى على السفح.
قلت لك لا تقفز
فارس. تماسك . تمسّك بالثقوب و الأحجار . لا تدعني وحيدة . كنت الحلم الوحيد. دعني لا أخسر الحلم.
وصل إلى الهاوية ، يشير لي بيده المدممة أنه يحبني .
في القمة أقف وحيدة
أبحث عن حلمي الذي تهاوى
أراه في الأسفل
لا أستطيع الذهاب إليه
ولا يستطيع الدوم إليّ.
نحن عالقان بين بر الأمان، وبر الخوف.
-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب