الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كنا ساذجين؟ المعارضة السورية 1970 2020 (الجزء الأول)

فارس إيغو

2021 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


هذه المقالة الطويلة الموزعة على عدة أجزاء تتناول المعارضة السورية الوطنية الديموقراطية (تكوين ونشأة تاريخية، الأخطاء، والاقتراحات للإصلاح). وهي مقالة تتفاعل مع الندوة التي قدمها السيد موفق نيربية في موقع مشروع وطن تحت عنوان استفزازي بعض الشيء ((هلل كنا ساذجين؟)) تاريخ 29/05/2021.
أعتقد أن المعارضة السورية ما زالت بحاجة إلى عمل شاق لإعادة إصلاح ذاتها، وهو أمر يتعلق أولاً بتشكيلاتها الرسمية (الائتلاف، المجلس الوطني، هيئة التنسيق، والمنصات المختلفة)، وأيضاً التشكيلات الأيديولوجية التي تؤلف مجموع المعارضة السورية، وبالخصوص التيارات الإسلامية والقومية والماركسية. وإن كان النقد الذاتي اليوم أصبح أكثر سهولة مما كان عليه قبل سنتين أو ثلاث سنوات. ويمكننا القول أنّ المعارضين السوريين والمفكرين الذين اصطفوا مع المطالب المحقة للشباب الذين خرجوا يهتفون بملء حناجرهم: الحرية والكرامة، قد بدأوا ـ ولو متأخراً ـ في إعادة تقييم تجربة السنوات العشرة الأخيرة، ويعتبر صدور صدور كتاب برهان غليون ((عطب الذات: وقائع ثورة لم تكتمل 2011 ـ 2012)) (1) عام 2019، بداية للمراجعات في أعلى مستويات في المعارضة السورية الرسمية. وأن يأتي النقد الذاتي والموضوعي متأخراً أفضل من ألا يأتي أبداً.
لماذا أقول بأننا ما زلنا بعيدين عن عملية الإصلاح الشامل للمعارضة السورية! لأنّ ما يكتب، وما نسمعه هنا وهناك من الأفكار والاقتراحات لإصلاح المعارضة السورية على أهميتها، ما زالت لا ترقى إلى المستوى الذي يمكن أن ترفع المعارضة السورية من المستنقع الذي أوقعت نفسها فيه بثوريتها الطفولية (بيسارييها وإسلامييها)، وبالخصوص في نهاية العام 2012 وبداية 2013 حيث رفض الكل أن يسمع صوت العقل، وأن يرى الواقع من دون نظارات وردية ثورية. وكل من حاول بشجاعة أن يصف الواقع السوري والإقليمي والجيوسياسي في العالم كما هو، لا كما نريد أن نراه، اتُهم بنقص خطير في الثورية.
في الأسبوع الماضي نظمت مجموعة مشروع وطن افتتاح ندوة حول إصلاح المعارضة السورية قدم في بدايتها السيد موفق نيربية ورشة أفكار وتصورات للنقاش تحت عنوان: هل كنا ساذجين؟ هل ما زلنا كذلك... (2)، ولا يمكن القول بأنّ المحاضر الذي بدأ باستعراض لمراحل تكوّن المعارضة السورية من اللحظة الأولى مع البيان الأول للتجمع الوطني الديموقراطي الذي رفض أن يأخذ موقفاً بين النظام وحزب الطليعة الثوري الجناح العسكري للإخوان ـ والذي تنصل منه البعض في الإخوان، وتلعثم البعض الآخر في القول، وأيّد مبرراً البعض الثالث ـ أقول ابتداءاً بتشكيل التجمع الوطني مع أزمة النظام الأولى الكبرى مع الإخوان والطليعة، وانتهاءاً بتشكيل المجلس الوطني والائتلاف، مروراً بالبيان الأول لإعلان دمشق نهاية 2005، وانعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق نهاية عام 2007، ومن ثمّ مع بداية الانتفاضة السورية من أجل الحرية والكرامة عام 2011 وأداء المعارضة السورية في تشكيلاتها المتعددة خلال عشرة أعوام.
وقد بدأ المحاضر ندوته ـ قبل استعراض مراحل تكوّن المعارضة السورية والمحطات المهمة ـ بالحديث عن الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها المعارضة السورية منذ تشكيلها، وبالخصوص منذ اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011. ولنبدأ هذه المقالة بالإشارة إلى العبارة الغريبة والنافرة ذكرها المحاضر في بداية عرضه والتي تتعلق بالأخطاء التي ـ بحسب المحاضر ـ وقعت فيها المعارضة قبل 2011. وأعترف أنني لم أستطع فهم وتفهم وهضم هذه الجملة النافرة التي وجهها المحاضر إلى المعارضة قبل 2011، وذلك بقوله حول ((موهبة المعارضة السورية في تضييع الفرص بشكل دائم))، لكن أين؟ ومتى؟ وكيف؟
لكن، سنعود بالتفصيل إلى الانتقادات التي وجهها السيد موفق نيربية للمعارضة السورية منذ 50 عاماً، في الجزء الثالث من هذه المقالة الطويلة.
أما عن السبب في استخدامه كلمة (السذاجة) فيقول المحاضر: ((أصارحكم بأنّ عنوان حديثي هذا: هل كنا ساذجين؟ هل ما زلنا كذلك؟ قد أوحاه إلي ما ورد في مقابلة للمرحوم ميشيل كيلو في أواسط كانون الأول عام 2020 لجريدة الفيغارو الفرنسية ـ مع الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو الذي كتب العديد من المقالات عن الأزمة السورية ـ حين قال على وجه الخصوص: "كنا ساذجين، كان علينا إيجاد حل مع النظام، قبل أن يصبح الصراع بين السوريين كجزء صغير من الحرب". وبغض النظر عن درجة موافقتنا على هذا الكلام، فإنّ فيه شجاعة قصوى وتحدياً لنا لكي نعيد النظر بأنفسنا وبحالتنا من جذورها)) (2).
ولنبدأ حديثنا عن المعارضة السورية بين عام 1970 و2010، يقول المحاضر بأننا يمكن أن نؤرخ لخروج المعارضة السورية من نطاق القيد الحديدي للأيديولوجية وبدايات تشكل التطلعات الديموقراطية للحل الوطني في سورية مع انسحاب الدكتور جمال الأتاسي من الجبهة الوطنية التقدمية وتشكل التجمع الوطني الديموقراطي عام 1980 الذي ضمّ خمسة أحزاب قومية ويسارية، وانتقال المعارضة السورية نهاية السبعينيات من المشاريع القوموية والماركسوية إلى الحداثة السياسية والدولة الوطنية الديموقراطية. وما يميّز هذه المعارضة في هذه الفترة المصيرية من حياة سورية السياسية هي انقسامها إلى تيارين: تيار المترددين (أو على الأصح الواقعيين) / وتيار المقدامين أو المتهورين (أو الأقصويين بالنسبة لي)، وربما نستطيع تمديد هذا الانقسام إلى مرحلة متأخرة من العقد الثاني للقرن الواحد والعشرين الذي تميّز باندلاع الانتفاضة السورية في شهر آذار 2011. ونرجح ميل المحاضر إلى الوقوف في صف الواقعيين مع وصفه للتيار الأقصوي بالمتهورين، ولكنه يقع في التناقض عندما يصرح بأنّ ((موهبة المعارضة السورية في تضييع الفرص بشكل دائم))، مما يعني أنّه يلومها على ترددها، وعلى موهبتها في إضاعة الفرص، على الرغم من أنني لا أرى فرصاً ضائعة فوتتها المعارضة بين 1980 ـ 2011. لذلك لا يمكنني أنْ أجاري المحاضر في وصفه للتيار الأول بـ (المترددين).
ويرى المحاضر بأن الفترة الأولى للمعارضة السورية (1970 ـ 2010) قد تميّزت بحدثين هامين:
ـ الانتفاضة أو الهبّة النقابية في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، والتي يدعوها المحاضر بالنهوض الأول للمعارضة السورية الديموقراطية، والتي شهدت تحركاً كبيراً للإخوان المسلمين في الداخل والخارج في محاولة لإسقاط النظام، وظهور جماعة الطليعة المقاتلة وأعمال العنف الطائفية التي أدت إلى إفشال التحرك السلمي الديموقراطي للنقابات المهنية، وبالخصوص نقابات المحامين والأطباء والمهندسين في حلب ودمشق، حيث تمّ إجهاضها، لتدخل سورية في الفترة فيما بين 1980 و 2000 في حالة من الموت السريري للسياسة، ترافقت مع تصاعد حالات القمع والاعتقال والتغريب والنفي للمعارضين السوريين، والذين أصبح ثلثهم في السجن والثلث الثاني في المعتقلات، والثلث الأخير في العمل السري.
ـ صيف عام 2000 وظهور ربيع دمشق، أو النهضة الثانية للمعارضة السورية التي شهدت أدواراً مميزة للمثقفين السوريين وبعض الفعاليات من المجتمع المدني، وتميّزت بنشر بيان الـ 99، وبيان الـ 1000 مع مطالبة السلطة السورية بإلغاء قانون الطوارئ وبرنامج تدريجي للإصلاح السياسي الشامل. ولا ننسى الدور الفعال الذي لعبته لجان إحياء المجتمع المدني، وبالخصوص في مدينة حلب ودمشق، في عودة السياسة إلى السوريين والحركة السياسية والفكرية التي نشطت في البلاد في القراءة وشراء كتب الفكر السياسي والفلسفي، وانتشار الصالونات والمنتديات، مع عودة الأمل إلى السوريين في إعادة امتلاك السياسة والمساهمة الفعالة في توجيه المستقبل في سورية نحو آفاق تتفتح فيها كل أبواب الحرية المغلقة منذ عام 1958، وبالخصوص منذ عام 1980 (4).
ويمكننا أن نشير أنّ ربيع دمشق شهد، ولأول مرة منذ عام 1963، عودة التيار الليبرالي، متمثلاً بشخصيات مهمة في المعارضة السورية، مثل السيد سمير نشار في مدينة حلب، والسيد رياض سيف في مدينة دمشق، وبعض المثقفين من أصول يسارية.
والمحطة الثانية في هذه المرحلة بعد لجان إحياء المجتمع المدني هي ظهور إعلان دمشق نهاية عام 2005، واقتناع بعض شخصيات المعارضة بقرب تفكك النظام، وبالخصوص مع سقوط نظام صدام حسين والوجود الأمريكي في العراق منذ 2003، وصدور قرار مجلس الأمن 1559 في الثاني من سبتمبر/أيلول 2004 (4)، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير عام 2005، وأخيراً الانسحاب السوري من لبنان والانسحاب السوري من لبنان في 26 أبريل/نيسان عام 2005. وكان هذا الموقف مبنياً على تحليل استراتيجي خاطئ لبعض قيادات المعارضة السورية (وبالخصوص في الخارج) يرجح لجوء الولايات المتحدة الأمريكية المتحدة إلى الحل العسكري في ما يخص الملف الإيراني، وهو ما كلف المعارضة السورية الانغماس في تركيز جهودها على العمل السياسي الميداني وإهمال العمل الفكري السياسي والفكري التكويني والتأسيسي (الإيبستمولوجي) الذي كانت تتكفل في أداؤه بامتياز لجان إحياء المجتمع المدني، التجربة الأكثر نجاحاً للمعارضة السورية خلال 40 عاماً في النضال ضد الاستبداد الفكري والسياسي، ومحاولة وضع الحوار والنقاش في قلب الحياة السياسية والفكرية الديموقراطية، والأهم هو نشر وتعزيز الثقافة الديموقراطية، التي أظهرت الأعوام العشرة الماضية أنها ليست على ما يرام بين السوريين على ما تشهده مواقع التواصل الاجتماعي في العالم الرقمي الافتراضي.
وأخيراً، فإنّ الحدث الثالث المهم في تلك المرحلة، أو النهضة الثانية، هو انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق نهاية عام 2007، والاعتقالات التي طالت عدد من المشاركين الرئيسيين فيه، لننتهي إلى فترة من الركود في العمل السياسي المعارض تميّزت به السنوات الثلاث التي سبقت اندلاع ثورات الربيع العربي نهاية عام 2010 وبداية عام 2011.
(1) برهان غليون ((عطب الذات: وقائع ثورة لم تكتمل 2011 ـ 2012))، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 2019، عدد الصفحات 519.
(2) هل كنا ساذجين؟ هل ما زلنا كذلك؟ تقديم موفق نيربية، موقع إدارة مشروع وطن، تاريخ 29/05/2021.
يوتيوب تاريخ 01/06/2021، على الرابط الالكتروني:
https://youtu.be/WNM7qMjz0QE
(3) جورج مالبرونو، الفيغارو، 16/12/2020.
- Bachar el-Assad a sauvé son pouvoir, mais règne sur un champ de ruines.
Par Georges Mal Brunot
Publié le 16/12/2020.
(4) وأذكر أنني في بداية عام 2002، وكنت قد بدأت في المشاركة في الصالونات السياسية والفكرية التي تنعقد في مدينة حلب، قبل عدة أشهر من تشكل لجان إحياء المجتمع المدني في مدينة حلب، ذهبت إلى إحدى المكتبات في وسط المدينة، وكنت أقتني منها ببعض الكتب المنسوخة التي كانت لا تدخل سورية لأسباب عدة، فأسّر لي صاحب المكتبة بأنّ مكتبته شهدت أعلى النسب في بيع الكتب الفلسفية والسياسية لم تشهدها أبداً، وأضاف قائلاً: أنت واحد من الزبائن الكثيرين الذين أفخر بهم، والذين تعرفت عليهم مع بداية ربيع دمشق صيف 2000.

(5) تم اعتماد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1559 في 2 سبتمبر 2004، وعنوانه: الحالة في الشرق الأوسط. بعد التأكيد على قراراته السابقة رقم 425 والرقم 426 للعام 1978 والرقم 520 1982 والرقم 1553 للعام 2004 حول الوضع في لبنان. ويدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية حرة في لبنان وانسحاب القوات الأجنبية ونزع سلاح الميليشيات اللبنانية. ومع أن القرار لم يذكر سوريا بالاسم، إلا أنه جاء في خضم الضغوط السورية لتعديل الدستور اللبناني بما يسمح بالتمديد للرئيس إميل لحود الموالي لسورية. قدمت مشروع القرار ١٥٥٩ الولايات المتحدة وفرنسا وتمت الموافقة عليه بأغلبية تسعة أصوات مقابل امتناع ٦ دول أعضاء عن التصويت. ونص القرار على الدعوة إلى "انتخاب الرئيس المقبل انتخاباً حراً وعادلاً وفق النظم الدستورية اللبنانية من دون تدخل أو ضغط أجنبي". في تحدٍ للقرار الدولي، صوّت البرلمان اللبناني في اليوم التالي بالموافقة على تمديد ولاية الرئيس إميل لحود. مع أن كتلة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري صوتت إلى جانب التمديد، إلا أن الاعتقاد السائد هو أن الحريري كان معارضاً للتمديد بشدة وبذل مساعٍ حثيثية عبر القنوات الدبلوماسية لإصدار القرار ١٥٥٩. استقال الحريري في تشرين الأول ٢٠٠٤ وحل في منصبه عمر كرامي لموالي لسوريا. تم اغتيال الحريري في شباط ٢٠٠٥ وتبع ذلك تظاهرات عارمة في لبنان وضغوط دولية واسعة أدت إلى الانسحاب السوري من لبنان والذي اكتمل في نيسان 2005.
صوتت تسعة دول لصالح القرار: الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، رومانيا، إسبانيا، تشيلي، أنكولا، بنين.
وستة دول امتنعوا عن التصويت: روسيا، الصين، الجزائر، البرازيل، باكستان والفليبين.
ولا أحد صوّت ضد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |