الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
أدونيس - و - أنا - بين - تناص - المنصف الوهايبي و - انتحال - كاظم جهاد
عادل عبدالله
2021 / 6 / 5الادب والفن
" أدونيس " و " أنا "
بين " تناص " المنصف الوهايبي و " انتحال " كاظم جهاد
" ما من عيّنة استخدمها الباحثُ المنصف الوهايبي في أطروحته لجهة إثبات فعل التناص بين نصّي أدونيس و النفّري، لم تكن موجودةً من قبلُ في مقالتي. أو بعبارة أخرى تؤدي المعنى نفسه و تثير التساؤل: إنّ الباحث الوهايبي لم يستخدم من نصوص أدونيس كلّها، و من مواقف النفّري أجمعها - موضوعا للتناص - إلّا تلك النصوص التي تمّ لمقالتي استحضارها من قبل. لكن من دون أيّة إشارة تفيدُ معنى استحضار تلك العيّنات من مصدر المقالة "
"تقديم"
في معظم الدراسات و البحوث و المقالات التي اتخذت من "أدونيس" موضوعاً لها، -تحديداً- لجهة النيلِ من مكانته الشعرية أو النثرية - بوصفه باحثاً و مفكّراً أيضا، كان ثمة صورة نمطيّة واضحة المعالم ، يلتقي عليها و يتشارك مفرداتها و قِيَمها ذلك الكم الكبير من الدراسات و البحوث و المقالات المشار لغاية تأليفها.
و بغض النظر هنا، عن النوايا الخفيّة و الدوافع المعلنة التي تحرّضُ أصحابَ تلك الكتابات لإنتاجها و نشرها، مع التذكير: أنّ اكتشافَ انتحالٍ جديد يخصّ نصّاً لأدونيس، أو أن تصريحاً معلناً متطرفاً أدلى به الشاعر، فعُدّ مسيئاً الى هذه الفئة من الناس أو تلك، كانا في مقدمة تلك النوايا و الدوافع التي حرّضت أصحاب تلك البحوث و المقالات على تأليفها و نشرها. أقول بغض النظر عن موضوع النوايا و الدوافع، كان ثمة صورة نمطيّة، أو سمّهِ قالباً جاهزاً سائدا، يجري صبّ مضمون تلك الدراسات و المقالات على وفق مقاساته و آلياته و تسلسل أفكاره بطريقة تكرر النمط نفسه – مع اختلاف تفرضه الإضافة الجديدة – بدقّة محددة يفرضها قالبُ النوايا و الدوافع الذي يمتلك رصيدا جيداً سابقاً من الدراسات و المقالات التي بحثت في الموضوع نفسه من قبل ، و التي تصلح – بكلّ تأكيد - أن تكون مَعَيناً و مادة يعزز بمضمونها الكاتب الجديد مفردات بحثة و يغُنيه، لكن، من دون مراجعة أو تقصٍّ بحثي لطبيعة و مضمون تلك الدراسات و البحوث و المقالات السابقة التي يستحضرها في بحثه الجديد، من حيث نوع صلتها ببعضها حيناً، و من حيث صدقها و سبقها و أهميتها و نوع اعتمادها على بعضها حيناً آخر.
بعبارات أُخر تسمّي الأشياء بمسمّياتها و توضّح القصدَ كلّه و تقوله على نحو مباشر أقول: ثمة مقدّمة من نوع ما، قد تطول أو تقصر يعمد الكاتب فيها الى تبرير نشر بحثه أو مقالته، مقدّمة لا بدّ له من التعرّض فيها لمكانة أدونيس بهذا القدر أو ذاك، يليها تعريف بطبيعة الغاية و المناسبة التي كتب عمله من أجلها، ثم يعقبها – أو يسبقها أحياناً - تدوين مفردات كشفه الجديد عن انتحال أدونيس لهذا النص أو ذاك، لكن من دون أن يخلو بحثُه على الإطلاق من استحضار نصوصاً محددة من كتاب الشاعر كاظم جهاد " أدونيس منتحلاً " و أطروحة الباحث الشاعر المنصف الوهايبي " الجسد المرئي و الجسد المتخيل في شعر أدونيس – قراءة تناصيّة " مركّزاً – بكل تأكيد – على مقالة الشاعر عادل عبد الله " تحولات العاشق بين أدونيس و النفري " مستحضراً نصَّها المقارن بين عبارات أدونيس الشعرية و مواقف النفّري بالكامل في الغالب، و هو إجراءٌ يتمّ نقله - على الدوام - من كتاب الشاعر كاظم جهاد في الصفحة 80 أمّا نصّه فهو " إنّ المقال يثبت لأوّل مرّة عبارات ومقاطع وافرة يأخذها أدونيس حرفيّا من النفري، كان الكلام سائدا عنها في أكثر من وسط ووحده هذا الشاعر العراقي الشاب تجشم عناء نشرها والتساؤل عن شرعية سلوك كهذا وعما اذا كانت شهرة أدونيس وحضوره في الثقافة العربية يبرران له ذلك العمل، هذه هي المقاطع نقدمها في جدولين متوازيين" ثم ينقل بعد ذلك مضمون الجدول الذي وضعته في مقالتي بالكامل" ثم ينقل الباحث الجديد الجدول المقارن كما تمّ للشاعر كاظم جهاد نشره بالكامل بأمانة علمية في كتابه المذكو، متفضلاً.
أمّا المفردة التالية من الصورة النمطية التي تحدّثتُ عنها فهي: استحضار عبارات محددة من أطروحة الباحث المنصف الوهايبي يعيبُ في مضمونها تعاملَ الشاعر عادل عبد الله مع هذا النمط من الكشف عن النصوص المتداخلة، كقوله – نقلاً عن كتاب كاظم جهاد – " ان كاتب المقالة لا يقدّم تذكيرا بمشاكل النص او بهذا النمط من التعامل مع نص الاخر " أو قوله في الصفحة 60 من أطروحته " إنّ المقالة تحصي أوجه الشبه بين النصّين، دون تحليل أو حتّى مجرد إشارة الى استبدال السياق في قصيدة أدونيس " . ليعقب الباحث الجديد هذه الخطوة باستحضار النصوص التي كشف عنها الباحث الوهايبي و التي تخص " تناص " بعض أبيات و عبارات أدونيس مع كلّ من سان جون بيرس، و الأصمعي، و الشلمغاني.
غير أن أحداً من أولئك الباحثين الجدد – و المفردة تخصّ زمن نشرهم و غايته فحسب - من الذين أتحدثُ الآن عنهم، لم يشرْ في بحثه أو دراسته أو مقالته إلى أيّ نوع من العلاقة البحثية و الصلة الموضوعية التي تخص المضامين العميقة الرئيسة التي عقدها كلٌّ من الشاعر كاظم جهاد و الباحث المنصف الوهايبي في كتابيهما، مع مقالة الشاعر عادل عبد الله، أعني المقالة التي كشفتْ لأول مرّة في تاريخ النقد الأدبي العربي المعاصر عن الصلة غير التقليدية و عن المبادئ غير المشروعة، بين نصّي أدونيس و النفّري، مثلما أعني أيضا، أنّها المقالة الوحيدة التي شكّلت، رصّتْ و بَنَتْ الأساس المتين لمضمون الكتابين – على نحو عام – بل إنّها المقالة التي أهّلت الكتابين معاً و سمحت لهما بإدراج تلك الإضافات من النوع نفسه – انتحالا و تناصّاً – بعد كشفها و أضاءتها للمكان المظلم الذي كان يقبس منه أدونيس عباراته الشعرية المريبة، على الأخص، أن نوع كشف المقالة و نوع الشواهد و الإدلة التي استحضرتها لإثبات غايتها لم يكن قلقاً أو هشّاً بحيث يدع لأحدٍ، أدونيس أو سواه، إيّ فسحة ضيّقة يمكن له الهروب منها أو الدفاع من خلالها عن تهمة الانتحال التي كشفتْ عن تفاصيلها المقالة.
معنى هذا كلّه – مرّة أخرى – أن كتاب الشاعر كاظم جهاد، و أطروحة الباحث المنصف الوهايبي بقيا بمعزل كامل عن تناولهما نقديّا، من حيث علاقتهما بمقالة عادل عبد الله، حتّى أن كاتباً ما لم يسأل نفسه أيّاً من هذه الأسئلة التي سأعرضها:
هل كان الباحثان كاظم جهاد و المنصف الوهايبي، منصفين موضوعيين في تعاملهما مع المقالة المذكورة؟ أعني هل كان الباحثان مجرّدين من رغبة الظهور الشخصي على حساب نوع ظهور صاحب المقالة؟ أم كانت لدى إحدهما – و هو المنصف الوهايبي – رغبة عارمة مبيّتة واعية لطمس معالم و مواضع قوة هذه المقالة من أجل نسبة مثل هذا الكشف لنفسه و ليس لها، مستخدماً لتحقيق هذه الغاية جميع وسائل التدوين و الإشارات غير الصحيحة و غير المشرّعة أكاديمياً في التعامل معها؟ بل هل يمكن القول: إنّ الطريقة الماكرة التي تعامل بها الباحث الوهايبي مع نص مقالتي، يمكن أخذها بجريرة الانتحال و السطو أيضا، استناداً الى مجموعة وافرة من الأدلة القاطعة التي سأعرضها لإثبات ذلك؟
بل هل يمكن القول – قدر تعلّق الأمر بكتاب الشاعر كاظم جهاد - أنّ العنوان الذي وضعه الشاعر للفصل الخاص بعرض مقالة عادل عبد الله و هو " انتحال النفّري: كشفٌ لعادل عبد الله " كان عنواناً صحيحاً، لا يضمر من النوايا الشخصية المبيّتة شيئاً؟ أم يمكن القول: أنّ العنوان الصحيح الذي كان ينبغي على الشاعر وضعه عنوانا للفصل هو " انتحال أدونيس: كشف لعادل عبد الله"؟ كما سنبيّن الأسباب الموجبة ذلك؟
أعدُ القارئ الكريم بتقديم إجاباتٍ كافية، مانعةً جامعة مفصّلة عن هذه الأسئلة التي أطرحها، مثلما أعده بقراءة العجب في كشفي الواضح الصبور عن طريقة تعامل الباحثين مع المقالة المذكورة.
القسم الأول : الوهايبي، أساليب فصل المقال، بين " التناص " و " الانتحال "
1- جدلية الحاضر – الغائب في أطروحة الوهايبي
في بحثٍ أكاديميّ مخصص لـ " قراءة تناصيّة في شعر أدونيس" من خلال ثيمة محددة هي " الجسد المرئي و المتخيّل ".
و في غاية بحثيّة تسعى بالتحديد الى: الكشف عن وشائج و علاقات نصوص هذا الشاعر العربي و تداخلها مع نصوص أخرى، عربية و أجنبيّة، من خلال مدخل عام هو التناص، كان حريّا بصاحب البحث أن لا يغفل أو يتغاضى عن وجود نصوص أخرى، بحثتْ في الموضوع ذاته من قبلُ، لكن لا بوصف العلاقة التي تجمع نصوص الشاعر العربي بغيرها من النصوص "تناصاً" كما يفعل الباحث الوهايبي، إنّما بوصف تلك النصوص "انتحالاً" و سرقة أدبية عمد صاحبها – أيْ أدونيس - الى ارتكابها من دون أيّة إشارة خفيّة أو معلنة عن أصولها المنتحلة.
في حقيقة الأمر، و من أجل أن نكون منصفين في أحكامنا على الأطراف كلّها، ينبغي القول أولاً: بأنّ النصوص "المنشورة " السابقة على أطروحة الشاعر الوهايبي و التي تذهب الى القول بفرضية انتحال أدونيس لتلك النصوص – وليس تناصّه معها – ليست في حقيقة أمرها سوى نصّ واحد فقط، هو مقالة الشاعر العراقي عادل عبد الله، المعنونة " تحولات العاشق بين أدونيس و النفّري " و المنشورة في مجلة الطليعة الأدبية العدد 11 عام 1978.
أمّا ما ينبغي قوله من بعد فهو: أن الشاعر المنصف الوهايبي - صاحب البحث – كان قد تحدّث بالفعل، و في أكثر من مناسبة و صفحة، عن هذه المقالة في أطروحته، لكن بطريقة غير موضوعية، طريقة تدعو الى الريبة و العجب في أسلوب تناولها للمقال، بل يمكن القول أنها طريقة ماكرة مغرضة، بيّتَ صاحبُ البحث لها، و أكرهها على الظهور في عرضٍ ممزّق هزيل موهنٍ لمواضع القوّة فيها، كما أكرهته على أخذ حجارة بناء أطروحته من مقلعها لكونها الحجارة الوحيدة الصالحة لأطروحة كهذه.
أنه – بعبارة أخرى - عرضٍ يمتصّ رحيق المقالة حتّى آخر قطرة منه، ثم يغادرها جاحدأً مموهّاً دونما إشارة لموضع العين التي نهلتْ منها دراستُهُ و تأسستْ عليها نصوصُ فرضياته النقديّة و التنظيرية. و ربّما كان ذلك منه، لغايةٍ في نفسه، سنتعرّف عليها بعد حين، لكن على أنْ نستحضر في البال قول الشاعر كاظم جهاد في كتابه " أدونيس منتحلاً" عن المقالة ذاتها، بوصف هذا القول مثالاً في نزاهة التعامل مع نص الشاعر عادل عبد الله، الأمر الذي لم يكن حاضراً في تعامل المنصف الوهايبي معها. يقول كاظم جهاد في الصفحة 80 من كتابه ذائع الصيت " من الواضح إنّ المقال يثبت لأوّل مرّة عبارات ومقاطع وافرة يأخذها أدونيس حرفيّا من النفري، كان الكلام سائدا عنها في أكثر من وسط ووحده هذا الشاعر العراقي الشاب تجشم عناء نشرها والتساؤل عن شرعية سلوك كهذا وعمّا إذا كانت شهرة أدونيس وحضوره في الثقافة العربية يبرّران له ذلك العمل، هذه هي المقاطع نقدمها في جدولين متوازيين" ثم ينقل بعد ذلك، وعلى نحو كامل، مضمون الجدول الذي وضعته في مقالتي.
لكلّ ما تقدّم، يحقّ لي الآن أنْ أتساءل عن نوايا الشاعر الباحث المنصف الوهايبي، مبتدئاً بالقول: ألا يفترضُ في نوع بحثٍ أكاديمي كهذا، أن يكون مثالاً في طريقة فصله بين "المتناص" و " المنتحل" في شعر أدونيس، مثلما يكون صاحبُ البحث منزّها منصفاً لا ترقى إليه الريبةُ في منهج و طريقة تعامله مع النصوص و البحوث و الآراء المنشورة قبل أطروحته و التي تنزع الى القول بـ " انتحال أدونيس لتلك النصوص و ليس تناصّه معها؟
أعني ألا يفترضُ نوعُ بحثٍ أكاديميّ كهذا مطلبين إثنين، الأول منهما: الإشارة الواضحة المُبيْنَة لأيّ مضمون بحثٍ مالَ صاحبُه الى القول بانتحال أدونيس لبعض النصوص و ليس تناصّ شعره معها، مثلما يتضمّن أيضاً الإشارة الواضحة الى مضامين ذلك البحث بالكامل، بنصّه إنْ أمكن – و بغضّ النظر عن موقفه منها، مناصراً أ كان أم مفنّدا- بحيث يُطلع القارئ الكريم عليها و يحيطه علماً بها، و على وفق الطريقة التي تمّ للباحث الإعلان عنها، من أجل مطلبٍ غاية في الأهمية مفاده: إشراك القارئ الكريم -أيضا - في مسألة أصدار حكمه عليها، من حيث كونها تناصا أم انتحالا؟
أمّا المسألة الأخرى فهي: لمّا كانت المقالة المنشورة التي تذهب الى القول بانتحال أدونيس لبعض قصائده – من مواقف النفّري - منشورة في تاريخ معيّن مثبت معلوم لدى صاحب البحث، و كان لها السبق المطلق في الكشف عن قضية انتحال أدونيس لبعض النصوص - من جهة، و لمّا كان صاحبُ البحث الأكاديمي – المنصف الوهايبي – من جهة أخرى، قد تبنّى على عاتقه نشر عدد من النصوص مما يشير الى الموضوع نفسه – أي انتحال أدونيس لبعض نصوص التراث العربي، بعد سبع سنوات من اطلاعه على ذلك البحث الذي سبقه في الكشف عن الموضوع نفسه، أقول: ألا تفرضُ أصول الدراسة و الكتابة الأكاديمية و مناهج البحث الموضوعي الرصين، الإشارة الى صاحب البحث أوّلاً و تعريف القارئ بوضوح كامل بمضمون بحثه، ثم الانتقال بعد ذلك الى تعريفه بالكشوف الذاتية الخاصة بصاحب البحث الأكاديمي عن الموضوع نفسه، مراعاة و التزاماً بأهمية العامل الزمني في التعامل مع نصوص كهذه
لكن هل فعل الباحث الوهايبي شيئاً من هذا الذي نتحدث الآن عنه افتراضا؟ هل عرّف القارئ الكريم بالمضمون الكامل للبحث الذي سبق بحثه في الموضوع نفسه و هل أحاطه علماً بمضمونه بالوضوح كلّه؟ هل اتّبع الباحث الوهايبي الترتيب الزمني الواقعي المفترض لعرض النصوص التي أتبعها بكشوفٍ خاصةٍ به عن "انتحال أدونيس أو تناصّه " مع نصوص أخرى ؟ بل هل كان قبل هذا و ذاك، ملتزماً بأصول البحث الأكاديمي و معاييره في التعامل مع البحث الذي سبق أطروحته، كما يقتضي الحال ذلك؟
مع التأكيد على أن هذا البحث السابق على أطروحة الوهايبي هو مقالتي حصراً، يبدو لي أنّ الباحث الأكاديمي – المنصف الوهايبي – لم يفعل أيّا من ذلك، بل لم تكن أيٌّ من هذه الفرضيات موجودة بالفعل في متن بحثه، الأمر الذي يعني - و هذا فرض يمكن إقامة الدليل عليه - أنّ الشاعر الباحث الأكاديمي المنصف الوهايبي، لم يكن منصفاً في تعامله مع بحثي الذي سبقَ بحثه الأكاديمي عن المسألة نفسها، و ربّما أعزو ذلك الى سببين رئيسين، الأول منها هو ميله المعلن الى ترجيح فرضيّة "التناص" في شعر أدونيس، و ليس فرضية "الانتحال" كما تنزع مقالتي لذلك، أمّا السبب الآخر فهو محاولة الباحث الخفيّة نسبة فعلِ كشفِ تناصّ أدونيس أو انتحالاته لنفسه حصراً و ليس لصاحب المقالة التي كشفت عن ذلك قبله، حيث حرص بوعي كامل على عدم الإشارة بوضوح الى البحث السابق على بحثه، مثلما عمد الى عدم عرض مضمونه كاملاً – كما وُجد – إنّما فضّلَ عرضه مجزّأً مبثوثا على مدى أربعين صفحة من أطروحته، متخذاً إيّاه مادة أساسية لتنظيراته – خفيّة تارةً و معلنة أخرى - مع إصرار واعٍ على عدم الإشارة الى صاحب البحث إلّا بطريقة ملتبسة لا يمكن للقارئ أن يستدل من خلالها – أبداً - على عائدية هذا البحث السابق لصاحبه، و هذا ما سنشرع في بيانه بالتفصيل الدقيق.
2- بحثاً عن السبق في انتحالات أدونيس
يقول الباحث الوهايبي إنّ بحثه " هو بحث أدبي قبل كلّ شيء، عدّته النص الأدبي " - ص 14- و أنه سينظر الى النصوص، أيْ نصوص أدونيس "بعين ثالثة، هي عين الخيال و الذاكرة" - ص 24 - و لأن جزءاً من العين الثالثة هو "الخيال" لا يدخل في موضوع بحثنا على نحو مباشر، أي لأنّ الذاكرة من هذه العين الثالثة هي التي تهمنا الآن، يجدر بنا التعرّف على النص الذي كتبه الوهايبي لوصفها و هو " و أمّا الذكرة فلأنّ نصوصاً متداخلة كانت تلوحُ لصاحب البحث، من خلف شعر أدونيس، خفيّة، جليّةً حيناً آخر، فكان لا بدّ أن يتعرّفها و قد تبيّن صلاتِ الرحِم بينها و بين هذا الشعر" – ص 25 –
أحسبُ أنّ أسئلة محددة يثيرها نصّ الوهايبي أعلاه، لا بدّ له و لنا من العثور على إجابات كافية لها، فقول الوهايبي إنّ " نصوصاً متداخلة كانت تلوحُ لصاحب البحث، من خلف شعر أدونيس، خفيّة، جليّةً حيناً آخر، فكان لا بدّ أن يتعرّفها و قد تبيّن صلاتِ الرحِم بينها و بين هذا الشعر" يستوجب التساؤل بكل تأكيد عن ماهية النصوص هذه التي كانت تلوح لصاحب البحث من خلف شعر أدونيس؟ أعني متى تعرّفَ الباحث عليها و تبيّن صلات الرحِم بينها و بين شعر أدونيس؟ أ كان ذلك قبلَ نشر عادل عبد الله لمقالته في عام 1978 أم بعد هذا التاريخ، أي في عام كتابة الباحث الوهايبي لإطروحته الجامعية عام 1987 التي يشير في أحد هوامشها الى بحث له – غير منشور – عن الموضوع نفسه تولّى كتابته عام 1985 ؟ - كما سنمرّ بذكر مضمون هذا الهامش بالتفصيل؟
لماذا لم يعلن الباحث الوهايبي للجمهور في بحث منشور عن "تناص" شعر أدونيس مع تلك النصوص التي كانت تلوح له أو يعلن "انتحال" أدونيس لها، و لماذا انتظر هذا الزمن الطويل كلّه من 7 – 10 سنوات ليعلن عن تبيّنه لتلك الصلات؟ بل لماذا لم يشر الى مقالة الشاعر عادل عبد الله في هذا السياق الحالي، بوصفها عملاً سابقاً قد " لاحت لصاحبه و تبيّنت صلات الرحِم " له بين شعر أدونيس و مواقف النفّري قبل أن تلوح لصاحب البحث الوهايبي مثل صلات الرحم هذه؟
يبدو لي أنّ رغبةً خفيّة لدى الشاعر الباحث الوهايبي توجّه بحثَهُ جهةَ القول – غير الصريح – بأنّ انتحالات أدونيس للنصوص إنّما كان كشفاً له و ليس لأحد غيره، و هذه مسألة سيجري تأكيدها من خلال نصوصٍ و أساليب عرضٍ مثيرة للشكّ حرص الوهايبي على التعامل بها مع مقالة الشاعر عادل عبد الله .
3- لعبة المتن و الهامش، مفاجآت و أسرار
في القسم الأوّل من أطروحة الوهايبي و هو المعنون " آلية التناص في شعر أدونيس " - أعني القسم الذي سيكون موضع الحوار مع الوهايبي حصراً، لصلته الوثيقة بمقالتي – يقتبس الباحث الوهايبي شذرة من مواقف النفّري، تحديداً من موقف " جاء وقتي " و هو أحد المواقف التي انتحل أدونيس عدداً من أبياته الشعرية منه – كما ورد في مقالتي – لكن من دون أية إشارة تخصّ المقالة أو تخصّني، و ليس لذلك من أهمية تُذكر، لأنّ الأهم هو قول الوهايبي في الصفحة 43 متسائلاً " كيفَ تُكتشف هذه النصوص الغائبة؟ و إذا اكتُشفتْ فما هي المبادئ التي تحكم علاقتها بالنص الذي زجّ بها في سياقه ؟ "
هنا، يبدو لي أنّ حوارأ "خفيّا " قد بدأ الآن للمنصف الوهايبي مع مضمون مقالتي، أو بالتحديد مع المقدمة الموجزة التي وضعتها للجدول المقارِن بين نصّي أدونيس و النفّري. أقول ذلك: لأنّ الباحث الوهايبي يتساءل الآن عن " المبادئ التي تحكم علاقة " النصين، الحاضر المنتحِل – بكسر الحاء – مع الغائب المنتَحل – بفتحها – أيْ أنه يتساءل – بعبارة أخرى – عن كيفية تعامل الناقد أو الباحث المكتشِف لفعل الانتحال من حيث عرضه ثقافيّا و نقديّا لمضمون اكتشافه، من جهة، و لمّا كان الباحث الوهايبي، من جهة أخرى، قد أعاب - في أكثر من موضع من أطروحته - على المقدمة الموجزة التي وضعتها لمقالتي عن انتحال أدونيس للنفّري، كقوله " ان كاتب المقالة لا يقدّم تذكيرا بمشاكل النص او بهذا النمط من التعامل مع نص الاخر " كما نقل الشاعر كاظم جهاد في " أدونيس منتحلاً" عن أطروحته.
لذا ولأنّ الباحث الوهايبي يريد أنْ يجد المسوّغ الذي سيقدّم من خلاله للقارئ تصوراته الخاصة عن المبادئ التي تحكم النصوص المنتحلة و تحليله الخاص لها، على الرغم من أن تلك النصوص المنتحلة قد تمّ اكتشافها من قبل صاحب المقالة و ليس من قبله، فإنه يتساءل الآن عن كيفية تعامل القارئ المكتشِف – و هو أنا بكلّ تأكيد، لعدم وجود قارئ آخر أعلن اكتشافه قبلي - لفعل انتحال أدونيس لبعض نصوصه من جهة، مُعيباً على مقدمتها التعامل مع الموضوع المكتشَف من جهة أخرى . لكن من دون ذكر صريح، لا لصاحبها و لا لعنوانها و متنها .
من هنا، أيْ من بعد أنْ عثر الوهايبي على مسوّغات اتخاذ مقالة عادل عبد الله موضوعاً لدراسته، أصبح الوقتُ مناسباً لنقل الحوار مع المقالة من حيّز وجودها بالقوة الى حيّز وجودها بالفعل، و من هنا أيضاً سيشرع الوهايبي في تعريفنا بهذه "المبادئ التي تحكم علاقتها بالنص الذي زجّ بها في سياقه" من وجهة نظره، محللّا هذه النصوص من بعد، و ملقّحا إيّاها بالنقود الثقافية و الأدبية و التنظرية التي شكّلت هذا القسم من متن بحثه الأ كاديمي، كما فعل ذلك بالضبط. لكن، من دون أيّة إشارة تذكر أو تلمّح لعنوان مقالتي أو لاسم صاحبها.
أمّا الدليل القاطع الذي أقيمه على صحة فرضية الحوار الخفي للباحث مع مقالتي من دون ذكرها، فإنّما يتمثّلُ بالإجابة التي وضعها الباحث عن سؤاله نفسه، أعني سؤاله الذي يقول " و إذا اكتُشفتْ فما هي المبادئ التي تحكم علاقتها بالنص الذي زجّ بها في سياقه ؟" من حيث أنّ نص إجابته – في الصفحة 43 - هو " إنّ الأمر موكول الى القارئ و إلى ثقافته، و لذلك فإنّ النصوص المكتشفة أو المستحضرة قد تختلف من قارئ الى آخر، باختلاف ثقافة كلّ منهما، فقصيدة تحولات العاشق، قد تحيل قارئاً على نصوص النفّري } هامش برقم1{ و قد تحيل آخر على منارات سان جون بيرس} هامش برقم {و قد تحيل ثالثاً على النفّري و بيرس معاً، و قد لا تشير في ذهن البعض الآخر أيّ أصداء فيعتبرها إبداعاً محضاً } هامش 2 {"
هذه هي المرّة الأولى التي تجري خلالها الإشارة الصريحة الى مقالتي " تحولات العاشق بين أدونيس و النفّري " أعني الدليل الذي يثبت أن الباحث الوهايبي قد بدأ حواره الخفي مع مقالتي ثم أضطر الى نقل هذا الحوار من نوع وجوده الذهني الكامن الى نوع وجود المعلن الصريح، لكن بطريقة أكثر مُكراُ و دهاءً و تلبيساً و تضليلاً لإمكان تعرّف أحد ما على مضمون هذه المقالة أو على صاحبها أيضا !! كيف؟
في النص الذي يُجيب فيه الباحثُ عن سؤاله حول كيفية التعامل مع النص المكتشف، يرد قول الباحث في المتن " فقصيدة تحولات العاشق، قد تحيل قارئاً على نصوص النفري " مع رقم يشير الى وجود هامشٍ يتعلّق بهذا المتن.
أمّا نصّ الهامش فهو " أنظر مجلة الطليعة الأدبية، العدد 11 ، ص 86 – 89 . بغداد . تشرين الثاني 1978 "
و هي إشارة لم يرد فيها – كما هو واضع للعيان – لا عنوان المقالة و لا اسم صاحبها في الهامش المخصص لهذه الغاية، كما هو واضح . فماذا يقول نصُّ الباحث الوهايبي و ماذا يقول هامشُهُ :
أوّلاً: لنفترض أنّ القارئ لم يطلّع على هذه المقالة، او لم يتسنّ له الحصول على نسخة من عدد المجلة الذي يشير اليه الباحث الوهايبي في هامشه، فهل يمكن لهذا القارئ، أنْ يتعرّف على اسم كاتب المقالة أو على عنوانها أو مضمونها الخاص بها و الذي يريد الباحث الوهايبي التحوار معه، سواء أ كان تعرّف القارئ من خلال المتن الذي كتبه الباحث أو من خلال الهامش الموضّح له؟ بل كيف يمكن للقارئ أنْ يتعرّف على شيء من ذلك، في متنٍ نصُّه " فقصيدة تحولات العاشق، قد تحيل قارئاً على نصوص النفّري" و في هامشٍ لهذا المتن نصّه " أنظر مجلة الطليعة الأدبية، العدد 11 ، ص 86 – 89 . بغداد . تشرين الثاني 1978 " ؟
من الواضح القول، إنّ ما يتضمّنه قول الوهايبي في متنه و هامشه هو: أن هناك عملاً ما، لقارئ ما، أحال صاحبُه قصيدة تحولات العاشق الى مواقف النفّري، و أنّ هذا العمل قد تمّ نشره في مجلة الطليعة الأدبية، العدد 11 ، ص 86 – 89 . بغداد . تشرين الثاني 1978 " لكن ما عنوان هذا العمل؟ و من هو صاحبُه؟ يبدو أنّها مسألة لا يرى الوهايبي من ضرورة تمسّ لذكرهما، و لذا فهو يسكت عنهما معا.
ثانياً: في الصفحة نفسها – أيْ صفحة 43 – و تحت الهامش الذي يشير الى مقالتي مباشرة – و ليس في هامش آخر – يكتب الوهايبي واصلاً ما سيكتبه بحرف عطف مع الهامش الخاص بمقالتي ما يلي " و التجربة الصوفية في مفرد بصيغة الجمع لأدونيس، موضوع لنيل شهادة الكفاءة في البحث إعداد : م. المنصف الوهايبي – إشراف الأستاذ توفيق بكار – الجامعة التونسية 1985 "
دعونا نتساءل الآن – أولاً – عن ضرورة أو مسوّغ إضافة الوهايبي لهذا النص الذي يشير الى عمله؟ أعني قوله " و التجربة الصوفية في مفرد بصيغة الجمع لأدونيس، موضوع لنيل شهادة الكفاءة في البحث إعداد : م. المنصف الوهايبي – إشراف الأستاذ توفيق بكار – الجامعة التونسية 1985 "
بعبارات ُخر، لئن كان الهامش الذي وضعه الوهايبي في إشارة منه لمقالتي، له ما يبرره من حيث كونه مصدرا تم لصاحب المقالة النشر فيه، فإنّ مثل هذه العلاقة لا وجود لها في النص الذي إضافه الوهايبي للهامش الخاص به، إذ ليس هناك - في المتن نفسه – ما يستدعي الاشارة له في الهامش، مثلما ليست هناك من ضرورة أو مناسبة للعطف بين نص الهامش الخاص بي، و الإضافة التي حرص الوهايبي على إلحاقها به.
أعني : لمّا كان المتن الخاص بي، يشير الى إحدى أنواع القراءات المحتملة التي قد يركن القارئ إليها في حال اكتشافه لعلاقة ما بين نصّي أدونيس و النفّري، فإن ّ مثل هذه القراءة قد وجدت بالفعل في المقال الذي يشير اليه الوهايبي في متنه، لكن هل هناك من متن يستدعي الاشارة الى عمل الوهايبي في الهامش الذي ذكره عن نفسه؟ أم أنّ البحث الذي يشير اليه الوهايبي في متنه و الخاص به، يشرك المقالة في ذهابها الى الرأي نفسه، أيْ إحالة نص أدونيس للنفّري انتحالاً؟ يبدو أنّ هذا الفرض لا وجود له، و لم يعلن الوهايبي عنه.
ثالثاً: مع ذلك كلّه، دعونا نتساءل الآن عن الفرق في طريقة تدونين الوهايبي للهامش الخاص بالاشارة الى مقالتي، مع الإضافة التي ألحقها الباحث بهذا الهامش من دون مناسبة أو تبرير – معلن – لإجرائه. يقول الوهايبي في الإضافة الخاصة به " و التجربة الصوفية في مفرد بصيغة الجمع لأدونيس، موضوع لنيل شهادة الكفاءة في البحث إعداد : م. المنصف الوهايبي – إشراف الأستاذ توفيق بكار – الجامعة التونسية 1985 "
هل تنبّه القارئ الكريم الى الدقّة الأكاديمية التي حرص الباحث الوهايبي على الالتزام بها في تعامله مع المصدر الذي يشير فيه الى بحثه و نفسه؟ من حيث أنّ هناك، أوّلاً ذكر صريح لعنوان بحثه " التجربة الصوفية في مفرد بصيغة الجمع لأدونيس" ثم هناك من بعد، نسبة واضحة و إشارة صريحة لصاحب البحث، و هو المنصف الوهايبي، بل هناك أيضا معلومات مضافة تخصّ نوع البحث – من حيث كونه إعداداً - و اسم الاستاذ المشرف عليه، و المناسبة التي قدّم الوهايبي فيها بحثه .
و هو الأمر ذاته الذي حدث على نحو بيّن في الهامش الآخر المرقم 3 من الصفحة 43 ذاتها، حيث يحيط الباحثُ الوهايبي القارئ َ علماً بمصدر الفكرة التي وردتْ في متنه، فيذكر أولاً إسم مؤلّف الكتاب " امطانيوس ميخائيل، ثم يذكر من بعد، نصّ قوله مقتبساً، و عنوان كتابه الذي ورد هذا النص المقتبس فيه و الصفحة التي تضمّنته أيضا.
و في حقيقة الأمر، إنّ هذه الدقة الأكاديمية التي تعامل بها الباحث الوهايبي مع مصادره التي يشير إليها في هوامش صفحات بحثه، تكاد تسري و تشمل مصادر البحث كلّه. باستثناء الهامشين رقم 1 و رقم 2، من الصفحة ذاتها. لكن من دون أنْ تعني إشارتي هنا الى عيب تدوين الوهايبي لهذين الهامشين، محاولةً منّي لإحصاء بعض عيوب أطروحة الباحث – كما يفعل الأساتذة المناقشون للأطاريح في مناسبة كهذه، على الإطلاق - إنّما تأتي هذه الإشارات لعيوب هذين الهامشين حصراً، بسبب الريبة المؤكدة من نوع تدوينهما أولاً، ثم لصلتهما الوثيقة من بعد، بالموضوع الرئيس لبحث الوهايبي من حيث علاقته بمقالتي آنفة الذكر، و هو الأمر الذي قد يشي بتعمد الباحث إفتعال هذا الإيهام في طريقة تدوينه للهامشين.
فإذا كان الأمر كذلك، أعني إذا كان الباحث الوهايبي ملتزماً بالطريقة الصحيحة منهجيّا في التعامل مع مصادر بحثه الموجودة في هوامشه، حريصاً على إنجازها على وفق المعايير القياسية لأصول البحث الأكاديمي، فلماذا غادر هذه الدقّة الأكاديمية و هجر مفرداتها و معاييرها في التعامل مع المصدر الذي يشير فيه الى مقالتي في هامش الصفحة 43 ، حيث جنح الى تدوين هذا المصدر من دون ذكرٍ صريح، لا لعنوان المقالة و لا لأسم صاحبها أيضا؟
أمّا الهامش المرقم 2 من الصفحة 43 ذاتها و الذي تمّ للباحث الوهايبي استثنائه من الدقّة الأكاديمية أيضا، فيجدر التعرف على نص المتن الذي أشار اليه هذا الهامش أولاً، وهو " فقصيدة تحولات العاشق، قد تحيل قارئاً على نصوص النفّري و قد تحيل آخر على منارات سان جون بيرس و قد تحيل ثالثاً على النفّري و بيرس معاً و قد لا تشير في ذهن البعض الآخر أيّة أصداء فيعتبرها إبداعاً محضاً و ليس عجباً أن تخفى هذه النصوص المتداخلة عن صنف من القرّاء، فهي لون من الحقائق اللطيفة، لا يهتدي إليها إلّا مَنْ تيقّظ حدْسُه و توثّبت ذاكرته و اتسعت ثقافته"
أمّا النص الكامل لهذا الهامش المتعلّق بالمتن أعلاه فهو " قصيدة Amers لسان جون بيرس. أنظر Gallimard- Paris 1957) )
إنّ السؤال الذي يطرح الآن نفسه بصدد نوع تدوين هذا الهامش – رقم 2 - هو : ما الذي ينظره القارئ في المصدر المشار إليه و هو " قصيدة Amers لسان جون بيرس. أنظر Gallimard- Paris 1957) ) ؟ " ما هو المقطع الشعري أو العبارة الشعرية المفردة، التي يتعيّن على القارئ النظر إليها ليكتشف وجود صلة ما بين نصّ قصيدة أدونيس تحولات العاشق و بين نصّ قصيدة بيرس منارات؟ أم يريد الباحث الوهايبي أن يشرك القارئ الكريم في مهمة البحث عن هذه المقاطع المتداخلة بين نصّي أدونيس و بيرس؟
يبدو لي – أولاً - أن هذا المقطع بأجمعه، أعني سؤال الباحث و نوع إجابته عنه، الإجابة المتمثّلة في إمكان تعدد الإحالات الى النفّري تارة و الى بيرس أخرى و اليهما معاً تارة ثالثة، بل و إلى إمكان عدم إحالة نص أدونيس الى أيّ مصدر منتَحل و عدّه إبداعاً محضاً، قد وضع بعناية فائقة و برغبة مبيّتة من الباحث بتهوين شأن المسألة و مصادرة مواطن القوّة في مقالتي التي تشير الى انتحال أدونيس لنصّ النفري، من حيث أن قصيدة أدونيس " تحولات العاشق " قد تحيل قارئاً آخر الى " منارات " سان جون بيرس، و قد تحيل ثالثاً الى النفّري و بيرس معاً، و قد لا تحيل القارئ الى أيّ مصدر آخر فيعدّها إبداعاً محضاً، كما يقول، و لذا فإنّ مثل هذا الكشف لا يعدّ مزيّة تفرّد صاحب المقالة بامتلاكها.
مع ذلك، دعونا نتساءل الآن عن القارئ المفترض الذي يمكن أن يحيله نص قصيدة أدونيس " تحولات العاشق " الى نص قصيدة " منارات " لسان جون بيرس، و ليس الى مواقف النفّري وحده كما تذهب مقالتي الى ذلك: من هو القارئ المفترضُ هذا؟ و هل هناك من نصّ له يثبتُ بدليل ما إمكان إحالة قصيدة أدونيس" تحولات العاشق " الى سان جون بيرس، و ليس النفّري؟
يبدو لي أنّ هذا القارئ المفترض الذي يحجبُ الباحث في هذه الصفحة و في هامشها اسمه، هو الباحث نفسه، أعني المنصف الوهايبي! و هذه هي المفاجأة الأولى، أمّا المفاجأة المضحكة الثانية فهي أنّ هذا القارئ المفترض الذي يتمكن من إحالة قصيدة " تحولات العاشق " الى بيرس و ليس النفّري – وهو الباحث الوهايبي نفسه كما سيكشفُ عنه مضمون المفاجأة الأولى – فيبدو أنه لا يحيل قصيدة " تحولات العاشق " الى بيرس، كما يرد في نص الوهايبي، إنّما يحيل قصيدة أخرى من شعر أدونيس الى بيرس!!
أمّا الأدلة القاطعة التي تكشف عن مضمون المفاجأتين فهي: ما يرد في الصفحة 46 من أطروحة الباحث الوهايبي، حيث يستحضر نصاً لأدونيس تجري نسبة هذا النص من "قِبله" الى شعر بيرس، الأمر الذي يعني أنّ الباحث الوهايبي يعلن الآن عن نفسه بوصفه القارئ المفترض الذي يتمكن من إحالة نص قصيدة " تحولات العاشق " الى بيرس و ليس الى النفّري، بعد أن كان هذا القارئ مجهولاً غير مصرّح باسمه لا في الهامش المرقم 2 و لا في المتن الذي يتعلّق به هذا الهامش و الذي مفاده إمكانية إحالة قصيدة أدونيس " تحولات العاشق " الى بيرس أيضاً، و ليس الى النفّري وحدة كما فعلت المقالة.
دعونا نتعرّف الآن على المفاجأتين بالتفصيل:
في الصفحة 46 يستحضر الباحث نصّ قصيدة لأدونيس – و أنا مضطرّ هنا الى نقله بالكامل ضماناً لتعريف القارئ الكريم بأبعاد مسرحية التمويه و المُكر الخفي للباحث الوهايبي – أمّا النص فهو:
" في أيّ ربّ جديد/ تنهمر أجسادنا/ ضاق علينا الحديد/ و ضاق جلّادنا/ باسم خراب سعيد/ ييأس ميلادنا/ ضيّقة جباه أيامنا/ و السنون عجفاء راكدة/ عواصفنا في خرق، و سماؤنا الرمل، و ها نحن في الفصول، نتحصّن بإهدابنا و نمشي تحت سماء فسيحة من البغال و المدافع، و غبار المقابر يمسك بأهدابنا ( و أهدابنا مخيطة بالأبر) } هامش رقم 10 {
هذا هو النص الكامل الذي استحضره الباحث الوهايبي من قصيدة أدونيس، مضيفاً في سياق التدليل على علاقته بنص سان جون بيرس ما يلي " تتداخل هذه القصيدة مع ثلاث قصائد لسان جون بيرس، هي أناباز، و أمطار، و منفى } هامش برقم 11 { لكن أدونيس لم يشر في الهامش إلّا إلى ثلاث جمل مقتبسة من بيرس، هي الجمل الواردة بين هلالين } هامش برقم 12 {
قبل أن أعرّف القارئ الكريم بمضمون هذه المسرحية التي حرص الباحث على أن تكون من تأليف و تمثيله و إخراجه، أود الإشارة الى مضامين الهوامش الثلاثة التي وردت في نصه و هي : الهامش رقم 10 و يرد فيه مصدر قصيدة ادونيس و نصّ هذا المصدر هو " أدونيس، أوراق في الريح – الأعمال الكاملة – 103 الى 242 قصيدة مرثية الأيام الحاضرة، من صفحة 220 الى صفخة 226.
أمّا الهامش برقم 11 فمفاده: تعريف بالشاعر سان جون بيرس و بقصائده الثلاث التي ورد ذكرها و هي، أناباز و أمطار و منفى.
أمّا الهامش رقم 12 فنصّه " لا توجد في أعمال أدونيس الشعرية الكاملة ط 4 – دار العودة 1985 – أيةُ إشارة إلى اقتباسات شعرية باستثناء هذه الإشارة التي وردت بالصيغة التالية: الجمل الواردة في هذه القصيدة بين هلالين، مقتبسة من سان جون بيرس. و هو أمر يبعث على الاستغراب، خاصة أن الطبعات القديمة لمجموعات أدونيس كلّها تخلو من هذه الإشارة، و من أيّ إشارة أخرى الى تضمين أو اقتباس " – انتهى كلام الباحث الوهايبي الذي يخصنا هنا – و أحسب أن السياق قد أصبح الآن مناسباً لتعريف القارئ بتفاصيل مفاجآت مسرحية الباحث الوهايبي المموهة، و كالتالي:
أولاً: بعد أنْ أثبتنا للقارئ الكريم، أنّ القارئ المفترض الذي يمكن له أنْ يحيل قصيدة أدونيس " تحولات العاشق " الى سان جون بيرس و ليس الى النفّري، هو صاحب البحث نفسه، من خلال النصوص التي تم لي استحضارها من اطروحة الوهايبي و التي يشير فيها الى اكتشافه تداخل نصّ أدونيس مع ثلاث قصائد لسان جون بيرس – كما مرّ بنا – يحقّ لنا الآن أن نسأل الباحث الوهايبي عن عنوان قصيدة أدونيس التي أحال بعض أبياتها الى ثلاث قصائد من بيرس، و هذا سؤالٌ تسهل الإجابة عنه بسببٍ من أنّ الباحث الوهايبي يثبّتُ عنوان هذه القصيدة و مصدرها بدقّة أكاديمية قياسية و هما – أي عنوان القصيدة و مصدرها– " أوراق في الريح – الأعمال الكاملة – 103 الى 242 قصيدة مرثية الأيام الحاضرة، من صفحة 220 الى صفخة 226 "
غير أنّ إحالة الباحث الوهايبي لقصيدة أدونيس هذه، و هي " مرثية الأيام الحاضرة " تتناقض على نحو صارخ مع نصّ متنه الذي يرد فيه :
" فقصيدة تحولات العاشق، قد تحيل قارئاً على نصوص النفّري و قد تحيل آخر على منارات سان جون بيرس و قد تحيل ثالثاً على النفّري و بيرس معاً " من حيث أنّ القصيدة التي يتحدثُ هذا النص عنها هي قصيدة " تحولات العاشق " لأدونيس، القصيدة التي أحالتها مقالتي على النفّري حصراً، و هي القصيدة نفسها، التي يمكن أنْ يحيلها القارئ المفترض – على وفق نصّ الوهايبي - الى بيرس. غير أنّ المفاجأة التي تدعو الى الدهشة و الحيرة هي: أن القصيدة التي قد يحيلها القارئ المفترض الى بيرس و هو الوهايبي كما مرّ بنا – لم تكن قصيدة " تحولات العاشق " التي يجري الحديث عنها، إنّما هي قصيدة " مرثية الأيام الحاضرة " من مجموعة " أوراق في الريح " لأدونيس، كما كما مرّ الحديث بنا قبل حين و كما أشار الباحث الوهايبي الى هذه القصيدة الأخيرة بدقّة متناهية.
و معنى هذا أن إشارة الوهايبي في نصّه الى إمكان إحالة قصيدة " تحولات العاشق " الى أكثر من مصدر سوى النفّري، أعني بيرس، أو بيرس و النفري معاً، أو عدم إحالتها الى أيّ مصدر و اعتبارها إبداعاً محضاً، إشارة غير صحيحة و ليس لها ما يدعمها و يعززها من شواهد قدّمها الباحث الوهايبي للعيان، بل أن الأمر ليثبت حقيقة خلاف ذلك مفادها أنّ قصيدة " تحولات العاشق " لأدونيس لا تحيل الى نص آخر سوى نصّ النفّري، كما أتبتتْ مقالتي ذلك.
ثانياً: في نص الهامش المرقم 12 و الذي يشير الباحث الوهايبي خلاله الى علاقة نص قصيدة أدونيس " مرثية الأيام الحاضرة " بثلاث قصائد لسان جون بيرس و هو " لا توجد في أعمال أدونيس الشعرية الكاملة ط 4 – دار العودة 1985 – أيةُ إشارة إلى اقتباسات شعرية باستثناء هذه الإشارة التي وردت بالصيغة التالية: الجمل الواردة في هذه القصيدة بين هلالين، مقتبسة من سان جون بيرس. و هو أمر يبعث على الاستغراب، خاصة أن الطبعات القديمة لمجموعات أدونيس كلّها تخلو من هذه الإشارة، و من أيّ إشارة أخرى الى تضمين أو اقتباس "
لماذا يبعثُ اعتراف أدونيس، بعلاقة بعض عبارات قصيدته بقصيدة سان جون بيرس، في نفس الباحثَ الوهايبي الاستغراب، و لا تبعثُ مثل هذا الاستغراب في نفسه مقالة كاملة مخصصة بالشواهد القاطعة لانتحال قصيدة أدونيس لمواقف النفّري؟ مع التأكيد أن أدونيس لم يضمّن نصّه أو هوامش نصّه – إن وجدتْ - أية إشارة و من أي نوع الى علاقة نص قصيدته بمواقف النفّري؟ فضلاً عن القول الواضح المبين: أن شواهد العبارات الشعرية المتداخلة التي استحضرها الوهايبي كعيّنات لعلاقة تناصيّة بين قصيدة " مرثية الأيام الحاضرة " و ثلاث قصائد لسان جون بيرس، لا تملك من القوّة و الوضوح ما يؤهلها الى المقارنة - التي استحضرتْها مقالتي - بين قصيدة أدونيس "تحولات العاشق" و بعض مواقف النفّري، من حيث بلوغها أحياناً حدّ الاستنساخ و التطابق الكامل الذي يثير الدهشة و الاستغراب حقاً؟ بل لماذا لم تستثير في نفس الباحث الوهايبي حقّها الأدنى من التعامل معها، و هو ذكر عنوانها و اسم صاحبها؟
بقي أنْ أضيفَ هنا، و في سياق إجابة الوهايبي عن احتمالات الإحالة التي مرّ بنا ذكرها، إنّ قول الباحث عن قصيدة تحولات العاشق " و قد تحيل الى النفّري و بيرس معاً " قول لا يمكن أن يكون صحيحاً على الإطلاق، أمّا السبب في ذلك فهو: إنّ نوع إحالة القارئ المحتملة هذه حصراً، تُعدّ بمنزلة النتيجة المنطقية لمقدّمتين لا بدّ من أنْ تكونا صحيحتين معاً بالضرورة، و هما مقدمة : إحالة القارئ الى النفّري في مقالتي، و هذه مقدمة صحيحة، أمّا المقدّمة الأخرى، و هي إحالة القارئ القصيدة نفسها الى سان جون بيرس، فهي ليست صحيحة على الإطلاق، لأنّ ما أحاله القارئ المفترض، أيْ الوهايبي الى بيرس – كما كشفنا ذلك – هو قصيدة أوراق في الريح و ليس قصيدة تحولات العاشق، و بذا تسقط حجة المقدمة هذه مؤديةً بسقوطها الى فساد النتيجة التي تأسست عليها، أيْ الى إمكان إحالة القارئ قصيدة أدونيس تحولات العاشق الى النفّري و بيرس معا.
أمّا نوع التعامل الرابع الممكن مع قصيدة تحولات العاشق و هو – وفقاً لنص الوهايبي – " و قد لا تشير في ذهن البعض الآخر أيّة أصداء فيعتبرها إبداعاً محضاً" فهو رأي لا يعوّل عليه البتة بسبب من إدانة الوهايبي نفسه لهذا نوع من القراء من الذين تخفى عليهم حقائق إحالة القصيدة هذه الى مصدر ما فيعتبرونها إبدعاً محضاً، حيث يقول " و ليس عجباً أن تخفى هذه النصوص المتداخلة عن صنف من القرّاء، فهي لون من الحقائق اللطيفة، لا يهتدي إليها إلّا مَنْ تيقّظ حدْسُه و توثّبت ذاكرته و اتسعت ثقافته" ص 43. الأمر الذي يعني و بالوضوح كلّه: أنّ ذلك القارئ الذي "لا تشير في ذهنه قصيدة أدونيس أية أصداء " هو ممن لا يهتدي الى الحقائق اللطيفة، و هو ممن لم يتيقّظ حدسه، و لم تتوثّب ذاكرتُه، و لم تتسع ثقافته، وفقاً لما يقوله نصّ الوهايبي و الذي يخصّ به وصف أولئك القرّاء الذين تمكّنوا من إحالة قصيدة أدونيس الى أحد المصادر المشار إليها، و لذا و كما قلت إنّ رأي هذا الصنف الرابع من القرّاء لا يعوّل عليه.
بعد هذا التفصيل والقراءة التحليلة لأحدى نصوص الباحث الوهايبي في أطروحته الجامعية، يمكن القول إنّ الريبة هنا لا تطاله وحده، بل تتعدى ذلك الحدّ لتشمل أستاذه المشرف و اللجنة المناقشة لأطروحته أيضا.
مع ذلك كلّه، احسبُ أنّ ترك الحكم للقارئ الكريم في هذه المفارقات كلّها، أدنى الى الحكمة من إصدار حكمي الخاص عليها ، بعد كلّ هذه التفاصيل التي ذكرتها..
4- المقالة، بين ذمٍ معلن، و ثناءٍ غير واع.
في النصّ نفسه، من الصفحة 43 ذاتها، و في السؤال الذي طرحه الباحث الوهايبي وهو " كيف تًكتشُف هذه النصوص الغائبة؟ و إذا اكتُشفتْ فما هي المبادئ التي تحكم علاقتها بالنص الذي زجّ بها في سياقه ؟" ترد إجابة الوهايبي على سؤاله في الصفحة نفسها - كالتالي " إنّ الأمر موكول الى القارئ و إلى ثقافته، و لذلك فإنّ النصوص المكتشفة أو المستحضرة قد تختلف من قارئ الى آخر، باختلاف ثقافة كلّ منهما، فقصيدة تحولات العاشق، قد تحيل قارئاً على نصوص النفّري } هامش برقم1{ و قد تحيل آخر على منارات سان جون بيرس، و قد تحيل ثالثاً على النفّري و بيرس معاً، و قد لا تشير في ذهن البعض الآخر أيّ أصداء فيعتبرها إبداعاً محضاً } هامش 3{"
في حقيقة الأمر أنّ هذا النص – قيد التحليل – يخفي من المعاني المضمرة أكثر مما تعلنه عباراتُه الظاهرة، لذا دعونا نتساءل:
أوّلاً: لماذا اصطفى الباحثُ الوهايبي مضمون مقالة الشاعر عادل عبد الله عن علاقة أدونيس بالنفّري، عيّنةً و نموذجاً لطرائق تعامل القارئ مع النصوص التي يتمّ له اكتشاف علاقتها و تداخلها مع نصوص أخرى، و هل كان أمراً مُتاحاً له اتخاذ عيّنة سواها لطرح السؤال نفسه و من ثمّ الإجابة عليه بالطريقة نفسها؟ بل لماذا لم يتخذ الوهايبي من إحدى كشوفه عن علاقة نص أدونيس بالنصوص الأخرى الموجودة في متن أطروحته - كالعلاقة بين نصّ أدونيس و بيرس مثلاً، أو العلاقة بين نصّ أدونيس و كلّ من الأصمعي و الشلمغاني – عيّنة و نموذجاً يجيب من خلاله عن أنواع و طرائق تعامل القارئ مع النصوص التي يكتشف تداخلها و تناصّها و إحالة الأخير منها الى الأول؟
يبدو لي أنّ مقالة عادل عبد الله " تحولات العاشق بين أدونيس و النفّري " المقالة التي لم يذكر الباحث الوهايبي الى الآن عنوانها و اسم صاحبها، تشكّل في ذات الباحث الوهايبي و في قلب أطروحته قلقاً لا يهدأ و لا يمكن لفعل إخفاء معالمها و تأثيرها عليه، أنْ يمحى أو يُحجب بكل هذه السهولة التي عدّها ممكنة لإنجاز مهمته.
أمّا لماذا وقع اختيار الباحث الوهايبي على مقالتي حصراً لاتخاذها نموذجا لنوع إجابته، فهي مسألة يبررها له - في الخفاء - سببٌ مُقْنع وجيه مفاده: أنّ نوع إجابة الوهايبي تحمل معها الكثير من معاني الإساءة الى العيّنة التي اصطفاها و خصّها بإجابته عن إمكان تعدد القرّاء و تباين آرائهم بشأن الجهة التي يمكن أن يُحال نصّ أدونيس عليها، و لذا فهي ليست مزيّة و شرفاً يحظى به صاحب المقالة وحده، إذ أنّ هناك من يشركه هذا الشرف و يتقاسم معه هذه المزيّة مثمثّلاً ذلك بإمكان إحالة نصّ القصيدة نفسه الى بيرس تارة، و الى النفّري و بيرس معاً تارة أخرى، بل أنّ هناك أيضاً، من " لا تشير في ذهنه أيّ أصداء فيعتبرها إبداعاً محضاً "
إنّها رغبة الباحث – إذن - في إفراغ المقالة من معنى تفرّدها و قوّة اكتشافها، المعنى الذي كرّس الباحث الوهايبي نوع إجابته الخاصة للنيل منها، مما يعني من بعد أن عملية اختيره لإحدى اكتشافاته – بيرس و الأصمعي و الشلمغاني – لا يمكن أن تقف في المكان الذي أوقف فيه مقالتي لتصبح في مرمى إجابته المثقلة بمعاني الإساءة المخصصة لعيّنته.
ثانياً: في إجابة الباحث الوهايبي – قيد البحث – ثمة مفارقة طريفة صدرتْ عنه في غفلةٍ من أمره مفادها: توجيه مجموعة من عبارات الثناء و المديح الى كاتب مقالة " تحولات العاشق بين أدونيس و النفّري " لكن من دون وعي منه بذلك أو قصدية مدركة لفعل الثناء و المديح لصاحب المقالة. كيف؟
من الواضح القول، إنّ الإشارة المبهمة لمقال عادل عبد الله في متن أطروحة الباحث و نصّها " فقصيدة تحولات العاشق قد تحيل قارئاً على نصوص النفّري" تسمّي كاتب المقالة " قارئاً ما " من دون ذكر اسمه لا في المتن و لا في الهامش المخصص لهذا المتن أيضاً، فضلاً عن استخدام الباحث للأداة " قد " في عبارته " قد تحيل قارئا ً" و هي أداة تفيد معنى التقليل و إمكان حدوث الشيء أو عدم حدوثه، المعنى الذي يكشف عنه جليّاً قول الباحث عن إمكان إحالة النص نفسه الى بيرس أو بيرس و النفري معاً، أو عدم إحالته الى أحد أصلاً.
فإذا كان الأمر كذلك، أعني إذا كانت رغبة الباحث الوهايبي واضحة المعالم في إفراغ معنى المقالة و النيل من صاحبها، فكيف يمكن لهذا الباحث الذي شحذ همّته لهذه المهمة أن تصدر عنه بقصدّية واعية مجموعة من عبارات المديح و الثناء لكاتب المقالة؟ لذا فإنّ التفسير المنطقي لصدور تلك العبارات عنه، إنّما كان عن غفلةٍ منه، أو بعبارة أخرى بالغة الدقّة مفادها: أنّ تلك العبارات المادحة قد قصدَ بها نفسه عن وعيٍ و درايةٍ، غير أنها خرجتْ عن إرادة قصديّته و وعيه لتشمل صاحب المقالة أيضا، فما هي عبارات المديح و الثناء تلك؟ و هل أراد الباحث الوهايبي أنْ يقصد بها نفسَه حقّاً، من دون غيره من القرّاء؟ دعونا نتبيّن ذلك من خلال التفصيل التالي.
يقول الباحث الوهايبي في بيانه لنوع القارئ الرابع المحتمل الذي لا يتمكّن من إحالة نص قصيدة " تحولات العاشق " الى أيّ مصدر، ما نصّه " و قد لا تستثير في ذهن البعض الآخر أيّة أصداء، فيعتبرها إبداعاً محضاً، و ليس عجباً أنْ تخفى هذه النصوص المتداخلة عن صنف من القرّاء، فهي لونٌ من الحقائق اللطيفة، لا يهتدي إليها إلّا من تيقّظ حدْسُه و توثّبتْ ذاكرته و اتسعتْ ثقافته" كما يرد ذلك في الصفحة 43.
و لمّا كنتُ أنا – صاحب المقالة – قد تمكّنتُ بوصفي قارئاً من إحالة نص قصيدة تحولات العاشق الى النفّري في مضمون مقالتي، فمن المؤكّد أنني غير منتمٍ الى ذلك الصنف من القراء أو " البعض الآخر " الذين " لا تستثير " قصيدة تحولات العاشق "في ذهنهم أيّة أصداء، فيعتبرها إبداعاً محضاً"
بعبارة أخرى، و فقاً لنص الوهايبي، ثمة صنفان من القرّاء لا غير، صنفٌ لا تستثير " قصيدة تحولات العاشق "في ذهنه أيّة أصداء، فيعتبرها إبداعاً محضاً" و مثل هذا الصنف " تخفى هذه النصوص المتداخله " عنه، بسببٍ من كونها " لونٌ من الحقائق اللطيفة، لا يهتدي إليها إلّا من تيقّظ حدْسُه و توثّبتْ ذاكرته و اتسعتْ ثقافته" أمّا الصنف الآخر – و هو الذي يتمكن من إحالة قصيدة أدونيس على إحد المصادر الواردة في نصّ الباحث – فهو الصنفُ الذي يهتدي "الى الحقائق اللطيفة " و لذا فإنّه ممن " تيقّظ حدْسُه و توثّبتْ ذاكرته و اتسعتْ ثقافته"
لكن من هم المنتمون لهذا الصنف؟ و من هو الذي يمثّلهم و يكون موضع الإشارة لهم في نص الوهايبي؟
ليس من الصحيح أنْ نفترض، أنّ كاتب مقالة " تحولات العاشق بين أدونيس و النفّري " الكاتب الذي لم يذكر الباحثُ الوهايبي اسمَه و لا عنوان مقالته، هو القارئ الذي كان مقصودا - عن درايةٍ و وعي – بعبارات الثناء و المديح تلك، أيْ إنّه كان " ممن يهتدي الى الحقائق اللطيفة " و كان ممن " تيقّظ حدْسُه و توثّبتْ ذاكرته و اتسعتْ ثقافته" من حيثُ أنّ مثل هذه الفرضية تحمل من التناقض الذاتي ما يؤهّلها الى الإهمال و التجاهل، بسبب من كونها تقول فيما تقوله: أنّ ثمة مقالة يجري إخفاء معالمها و اسم صاحبها و عنوانها عن قصد مبيّت من قِبل الباحث، لكن مع ذلك ثمة عبارات ثناءٍ و مديح يخصّ بها الباحثُ نفسُهُ – و عن قصدٍ و درايةٍ - صاحبَ المقالة تلك، و هذا أمر غير سائغ و لا مقبول حتّى. الأمر الذي يحيلنا بالضرورة الى البحث عن فرضيّة أخرى أقرب الى التصديق و المنطق، مفادها:
لمّا كان نصّ الوهايبي المخصص– لمن يهتدون الى لون الحقائق اللطيفة – يخصّ صنفاً من القرّاء موجودين بالفعل في متن نصّه، و هذه مقدّمة أولى.
و لمّا كان هؤلاء القرّاء الموجودون بالفعل في النصّ هم : قارئ يحيل نصّ أدونيس على النفّري، و قارئ آخر يحيل النصّ نفسه الى بيرس، و هذه مقدّمة ثانية.
ثم، لمّا كان القارئ الذي يحيل نصّ أدونيس على النفّري مجهولاً، لا وجود لاسمه، لا في متن النص و لا في الهامش المتعلّق به - على الرغم من أنه معروف لي و للباحث على الأقل - فضلاً عن الأخذ بالاعتبار تكريس هذا النص للنيل منه ومن مقالته – كما مرّ بنا – من جهة، ثمّ كان من جهة أخرى، ثمة قارئ آخر يحيل نص قصيدة أدونيس الى بيرس، و كان هذا القارئ – كما تشيرُ الإضافة الواضحة المبينة الملحقة بهامش الإشارة المبهمة الى مقالتي – هو المنصف الوهايبي، وفقاً لنصّ الهامش، و كما تمّ لنا الكشف عن ذلك قبل حين و هذه مقدّمة ثالثة.
فإنّ النتيجة المنطقية المترتبة على هذه المقدّمات الثلاث كلّها سيكون مفادها بالضرورة: إنّ المقصود بعبارات الثناء و المديح تلك – عن وعي و دراية - هو القارئ الذي يحيل نصّ أدونيس على بيرس حصراً و هو المنصف الوهايبي، أمّا القارئ الذي يحيل النص نفسه على النفّري فله قدْر الحظ نفسه من عبارات الثناء تلك، لكن عن غير وعي و دراية من الباحث الوهايبي، بالتأكيد كلّه. مما يعني بالتالي، و انسجاماً مع عبارات الثناء تلك، أن عنوان المقالة و اسم صاحبها يستحقّان الذكر و التعريف الصريح بهما، و ليس التجاهل و غض الطرف عنهما، كما فعل الباحث.
5- التناص، التناص، و ليس الانتحال.
في الصفحة 44 من أطروحته يقول الباحث " القراءة تظلّ محكومة بسياق النصّ و بهيئات التناص التي يتّخذها، و كلّما اقتصرتْ هذه الهيئات على التضمين و الاقتباس، ضاقت الفروق. و كلّما كانت تعالقاً و توليداً اتسعتْ الفروق، و سواء ضاقت الفروق أو اتسعتْ فإنها تتظافر كلّها في إغناء النص المتداخل"
يمكن لقراءة دقيقة لمعنى النص هذا أنْ تصفه بأنه إحدى الوثائق أو الوسائل النقديّة التي تحاول تبرئة أدونيس من شبهة الانتحال التي أثبتتها عليه مقالتي، كما سأبيّن ذلك بعد حين. لأنّ المهم هو أن نسأل الباحث الآن أولاً: هل كان نوع نصّ أدونيس من حيث علاقته بنصّ النفّري – كما وردا في مقالتي – ممهوراً بهيئتي " التضمين و الاقتباس " فتضيق الفروق بين النصّين في حالة كهذا، أم كانت علاقة نص الشاعر بالصوفي تعالقاً و توالداً، فتتسع الفروق بين النصّين، نتيجة لنوع هذه العلاقة؟
ما هو العنوان النقدي الصحيح الذي يصف و يحتوي الحالة الأولى، أعني الحالة أو الهيئة التي " يقتصر فيها التناص على التضمين و الاقتباس " فتضيق فيها الفروق بين النصّين، نتيجة لذلك؟ و هل يمكن لهذا العنوان النقدي الذي يصف هذه الحالة أن يكون " انتحالاً "؟
ما هي الحدود النقديّة الفاصلة الحرجة بين التناص و الانتحال؟ و متى يمكن لنصّ ما أن ينتقل من حالة التناص الى حالة الانتحال، إن لم يكن هذا التضمين و الاقتباس – من دون الإشارة الى مصدر – هو الحدّ الفاصل الحرج بين نصّ منتحل، و آخر متناص بسبب من كون علاقة الأخير مع النص الآخر ليست سوى تعالقاً و توالداً فحسب؟
ثم هل كان نوع علاقة نص أدونيس بالنفّري – كما ورد في مقالتي – مشمولاً مُدرجاً تحت طائلة هذه الهيئة – من التناص - التي تقتصر على " التضمين و الاقتباس " أم كانت علاقتُه " تعالقاً و توالدا " فحسب؟
لماذا سكت الباحث الوهايبي عن هذه التفاصيل التي تثيرها مثل هذه الأسئلة؟
يبدو لي أن الإجابة عن هذا السؤال الأخير يمكن إيجازه و ردّه الى سببين، الأوّل منهما هو: أنّ هذه الأسئلة كلّها يستدعيها و يفترضها بالضرورة استحضار الباحث - على نحوٍ بحثيّ سليم - مضمون مقالة عادل عبد الله، من حيث أنّ هذه الأسئلة رهينة باستحضارها حصراً، إنّها نوع أسئلة يثيرها نصُّ المقالة بذاته كجزء أصيل من مضمونها و غايتها الأساسية المعلنة. و لّما كان الباحثُ الوهايبي لا يريد إثارة هدا النوع الحرج من الأسئلة التي تضيّق الخناق على نصّ أدونيس و تكرهه على الاعتراف بفعل الانتحال لا التناص، كان من الطبيعي أن يهمل المقالة حيناً، أن يتجاهل مضمونها و أن يعمد الى عدم استحضاره بالكامل حيناً آخر - كما حدث الى الآن و كما سيحدث بوضوح أكثر في القابل من هذه الدراسة - و ربّما يكون المبرر في ذلك كلّه هو رغبة الباحث في التفرّد ببحث نصوص أدونيس وحده، من دون مشاركة أحدٍ سابق له بهذا البحث نفسه من جهة، ثم - وهذا هو السبب الثاني - إن قبول الباحث الوهايبي بهذا النوع " الصريح " من مشاركة مقالة عادل عبد الله له، سيضطرّه الى استحضارها للمناقشة، و ستثير في ذهنه كلّ تلك الأسئلة التي طرحتها، و هو الأمر الذي سيفسد عليه المخطط العام لغاية بحثه، أعني ذلك الذي يسعى الى التعامل مع نصوص أدونيس بوصفها "تناصاً " و ليس " انتحالا " و لذا يقول الباحث في النص - قيد البحث - " و سواء ضاقت الفروق أو اتسعتْ فإنها تتظافر كلّها في إغناء النص المتداخل" أيّ أنه غير معنيٍ على الإطلاق بنوع الفروق بين الانتحال و التناص، بل يمكن قبولهما مع في نصّ أدونيس و في غيره لأنهما من العوامل التي " تتظافر كلّها في إغناء النص المتداخل" يقول الشاعر كاظم جهاد في كتابه متحدّثاً عن هذا المعنى، أي إصرار الوهايبي على تناص نصوص أدونيس و ليس انتحالها ( و لكنه الى جانب أنموذج النفّري الذي يأخذه من مقالة عادل عبد الله الآنفة الذكر و التي يتوقّف هو أمامها، يقدّم نماذج لا تدخل في باب التناص من غير تعسّف. هذا ما أحسّ به أعضاء اللجنة المناقشة أو بعضهم، ..... و أمام أنموذج النفّري يذهب، كما سنرى أيضا، الى حدّ الكلام عن محاولة مخففة من لدن أدونيس لـ " طمس إيقاع النفّري " و ما يكون " الطمس " إنْ لم يكن صنيعَ غصبٍ و انتحالٍ ومصادرةٍ؟) – المصدر: أدونيس منتحلاً – ص 84 .
لكن، هل اكتفى الباحثُ الوهايبي بهذا القدْر من العبث و المُكر الخفي مع المقالة و صاحبها؟ ليته فعل ذلك. إذْ أنّ هناك فصلاً آخر أمرّ و أدهى من كلّ ماسبق، فصل جديد عنوانه الأكبر المفصّل: لا بدّ من حجب و تغييب عنوان المقالة و اسم صاحبها، مادام صاحبها قد أحكم قبضة " الانتحال " على نصّ أدونيس، من أجل أنْ يعمل الباحث – في خطوة ثانية – على استحضار نصوصٍ محددة - بالكامل - من مضمونها في متن أطروحته – من دون إشارة لعنوانها و اسم صاحبها – لغايةٍ مفادها التعامل مع هذا المضمون نفسه، لكن بوصفه " تناصا ً" يسمح للباحث ببناء أفكاره النقدية و تصوراته الأدبية التي يتطلّبها حصوله على لقبه العلمي من الجامعة التونسية. كما سأبيّن كلّ ذلك بالتفصيل في الفقرة القادمة، لكن بعد أنْ استحضر الآن - و لحاجة مسّتْ الضرورة لها عند هذا المستوى من دراستي – المضمون الكامل الذي أحلتُ فيه نصّ أدونيس على النفّري، و كما نشرته في العام 1978 و استعاده بالكامل كتاب كاظم جهاد " أدونيس منتحلاً " و معظم الدراسات و المقالات التي تعاملتْ مع أدونيس بوصفه منتحلاُ، و كالتالي:
نص النفري و يليه نص أدونيس
1- " و قال لي: قد جاء وقتي و آنَ لي أنْ أكشفَ عن وجهي... فإنّي سوفَ أطلعُ و تجتمع حولي النجوم و أجمع بين الشمس و القمر و أدخل في كلّ بيت ولتحدّق بك النجومُ الثابتة، و يسلّمون عليّ و أسلّم عليهم و ذلك بأنّ لي المشيئة و بإذني تقوم الساعة.
- موقف جاء وقتي -
2- "كذلك أوقفني الربُّ و قال لي: قل للشمس أيتها المكتوبة بقلم الربّ اخرجي، ابسطي من أعطافك، و سيري حيثُ ترين فرحك على همّك و أرسلي القمر بين يديك، و لتحدّق بك النجوم الثابتة و سيري تحت السحاب و اطلعي على قعور المياه و لا تغربي في المغرب و لا تطلعي في المشرق و قفي للظل "
} و في سطور تسبق هذا يرد {
فأنت وجهي الطالع من كلّ وجه ...و لا تنامي و لا تستيقظي حتّى آتيك "
- موقف مخاطبة و بشارة و إيذان الوقت -
1-
تجتمعُ حولي أيّامُ السنة، أجعلها بيوتاً و أسرّة و أدخل كلّ سرير ٍ و بيت، أجمعُ بين القمر و الشمس، و تقوم ساعة الحبّ، أنغمسُ في النهر يخرج منك الى أرض ثانية، أسمع كلاماً يصير جنائن و أحجاراً أمواجاً أمواجا.
- تحولات العاشق ص 514- 515 الأعمال الكاملة- دار العودة,
2- هكذا يقول السيد الجسد، أيتها المكتوبة بقلم العاشق، سيري حيث تشائين بين أطرافي، قفي و تكلّمي: ينشقّ جسدي و تخرج كنوزي، زحزحي نجومي الثابتة، واستلقي تحت سحابي وفوقه - في اغوار الينابيع وذرى الجبال - عالية ، عالية ، عالية صيري وجهي الطالع من كلّ وجه .. شمسا لا تطلع من الشرق ، لا تغيب في الغرب ولا تستيقظي ولا تنامي.
- تحولات العاشق، الصفحة نفسها -
3- وقال يا نورُ، انقبض وانبسط وانطوِ وانتشر واختفِ واظهر، ورأيت حقيقةَ، لا اقبض، وحقيقة يا نور انقبض.
- موقف نور - 3- وقلتُ أيّها الجسدُ، انقبض وانبسط واظهر واختفِ، فانقبض وانبسط وظهر واختفى.
- تحولات العاشق ص 527 -
4- ووقف في الظل وقال لي: تعرفني ولا أعرفك، فرأيتُه كلّه يتعلّق بثوبي ولا يتعلق بي - وقال هذه عبادتي - ومالَ ثوبي، قال لي : من أنا؟ فكُسفتْ الشمسُ القمر وسقطتْ النجومُ وخمدتْ الأنوار وغشيت الظلمةُ كلّ شيء سواه - ولم تر عيني ولم تسمع أذني، وبطل حسّي، ونطقَ كلّ شيء، فقال الله أكبر، وجاء كلّ شيء وفي يديه حربة ، فقال لي : أهرب فقلت، الى أين؟
فقال ، قعْ في الظلمة، فوقعتُ في الظلمة فأبصرتُ نفسي، فقال لي لا تبصر غيرك أبدا، ولا تخرج من الظلمة أبدا.
- موقف من أنت ومن أنا - 4- ورأيتُ ثوبي يميلُ عنّي والظلام يغشاني، طلع مني العالم صارخا كالحربة، أهبط عميقا في الظلمة ووقعتُ في الظلمة والتقيتُ بك ورأيتُ نفسي وقلتُ سأبقى في الظلمة ولن أخرج.
- تحولات العاشق -
5- فإذا سمّيتك فلا تتسّم.
- موقف الفقه و قلب العين - 5- قلنا لا تسّمنا لمن يسمّى
- تحولات العاشق -
6- واجتمعْ علي باقاصي همّك... القلوب لا تهجم علي
- موقف الموعظة - موقف قلوب العارفين - 6- وأهجمُ عليكِ بقلبي ... أجمع اقاصي همومي
- تحولات العاشق -
7- وشجر الحروف الأسماء ، الحرف يسري في الحرف.
- موقف التذكرة - 7- كان اسمها يسير صامتا في غابة الحروف.
- تحولات العاشق -
8- اطلعي أيتها الشمس المضيئة، فقد سلخت الليل وترين نوري كيف يزهر .. انفسحي يا محصورة فقد اطلق أسرك .. وأزف ميقات ظهوري..... وتنزل البركة وتنبت شجرة الغنى في الارض
- مخاطبة وبشارة ايذان الوقت - 8- تقوم، تنفسح الحدود المحصورة، ينطلق الأسر، الشمس التي اوقفناها تنبسط على كل شيء ونرى نورها يزهر .. وتقول نبتت شجرة الروح في الارض
- تحولات العاشق -
9- دخلت معه الى قبره فضاق به .. ارفع الحجاب بيني وبينك.
- موقف الاعمال - 9- وسأنزل معك الى القبر ..
بيني وبينك حجاب ولن تريني
- تحولات العاشق -
10- أفلَ الليلُ وطلع وجه السحر وقام الفجر على الساق، فاستيقظي ايتها النائمة.
- موقف وأحل المنطقة - 10- خيطٌ من الفجر، حامض على العين يوقظنا
النهار يعلن الليل
استيقظي
- تحولات العاشق -
11- ان كان مأواك القرب فرشته لك
- موقف القرب - 11- أفرشه لك غبارا وقبرا.
- تحولات العاشق -
6 - ألاعيب فصل المقال بين " التناص " و " الانتحال "
حين رأيتُ اسمي معلناً – للمرة الأولى – في هامش الصفحة 60 من أطروحة الباحث، سألتُ نفسي، هل " حصحص الحقّ " في ذات الباحث الوهايبي فجنح الى الاعتراف بذكر اسم صاحب المقالة بعد مراودته لها عن نفسها سرّاً؟
غير انّ مثل هذا التصور الخاص بي، لا حظّ له من الصحّة أبداً – للأسف الشديد – من حيثُ كونه تصوراً نتج عن قراءتي للاسم في وهلةٍ أولى، أمّا الوهلةُ الثانية لقراءة الاسم مع التفصيل الذي تلاه، فلا بد ّ له من خلق تصوّرٍ آخر لا صلةَ له بانطباعي الأول، بل هو نوع تصوّر يقفُ ضدّاً عليه، بسماحهِ لإكمال السياق الذي بدأه الوهايبي في التعامل مع المقالة و صاحبها برغبة الحجب و الإخفاء المحمومة بلا هوادة. و إليكم الدليل على صحة التصوّر الثاني، كما تم للباحث الوهايبي عرض التفاصيل التي قادتْ الى الاعتقاد بصحته من خلال متن أطروحته و هامشها.
أولاً: باستثناء صاحب المقالة – أنا – و قارئ مفترض أطّلعَ على مضمونها عن كثب، فلن يكون بوسع أحدٍ من القرّاء الآخرين – سوانا – الاهتداء بأيّ دليلٍ ممكن – من متن الأطروحة و الهامش المتعلّق بها – إلى أنّ ذلك المقطع الطويل الذي استخدمه الباحث الوهايبي في أطروحته، و الذي كان يقارن فيه بين عيّنات من نصّ أدونيس و عيّنات من مواقف النفرّي، هو مقطع كان موجوداً من قبل، و بالنص الكامل في مقالة عادل عبد الله، قبل وجوده في أطروحة الوهايبي. ذلك لأنّ الفهم و التصور الذي تقود إليه طريقةُ عرض الباحث الوهايبي لهذا المقطع في متن أطروحته و هامشها، هو نوع تصوّر ينفي بإحكام فرضية وجود هذا المقطع في مقالة سابقة، مؤكدا بطريقة ما، أنّ هذا المقطع إنّما كان من اكتشاف الباحث الوهايبي نفسه، كما سأبيّن ذلك في الفقرات التالية.
ثانياً: في الصفحة 55 من أطروحة الباحث، و تحت عنوان " الشواهد العامة – اللا إحالية " يُدرج الباحث إحد نصوص أدونيس من قصيدته " تحولات العاشق " ليضعَ في مقابله على نحو مباشر مجموعة منتخبة من عبارات النفّري، ليشرع بعد ذلك، و على مدى ثلاث صفحات، بقراءة النصين قراءة نقديّة غايتها إثبات " تناص " أدونيس مع النفّري في هذا المقطع و ليس " انتحاله " له.
دعونا نتعرّف الآن على نصَّيْ أدونيس و النفّري اللذين استحضرهما الباحث الوهايبي، من خلال مقالة عادل عبد الله أوّلاً، ثمّ نتعرّفُ من بعد، على النصّين نفسهما كما وجدا في متن أطروحة الباحث الوهايبي، لنتبيّن إن كان هناك من فرقٍ يُذكر بين نوع وجود النصّين في هذين المصدرين المختلفين، أعني أطروحة الباحث الوهايبي و مقالة عادل عبد الله، لكن من دون أنْ نغفل عن مهمة المرور بالهامش الذي وضعه الباحث الوهايبي في الصفحة نفسها، اعني الهامش الذي يحمل اسمي و معلومات مفيدة عن مقالتي، من أجل أنْ نكون على بيّنةٍ من الجهة التي ينسبُ لها هذا الهامشُ مضمونَ نصّي أدونيس و النفّري، أعني هل الجهة هذه، هي مقالة عادل عبد الله ؟ أم أطروحة الباحث الوهايبي؟ و كالتالي :
في مقالة عادل عبد الله، يرد نصّا أدونيس و النفري – و لابأس من التقديم و التأخير هنا، كما فعل الباحث ذلك - على هذا النحو:
نص النفري و يليه نص أدونيس
1-
"كذلك أوقفني الربُّ و قال لي: قل للشمس أيتها المكتوبة بقلم الربّ اخرجي وجهك، وابسطي من أعطافك، و سيري حيثُ ترين فرحك على همّك و أرسلي القمر بين يديك، و لتحدّق بك النجوم الثابتة و سيري تحت السحاب و اطلعي على قعور المياه و لا تغربي في المغرب و لا تطلعي في المشرق و قفي للظل "
} و في سطور تسبق هذا يرد {
فأنت وجهي الطالع من كلّ وجه ...و لا تنامي و لا تستيقظي حتّى آتيك " - موقف مخاطبة و بشارة و إيذان الوقت -
2-" و قال لي: قد جاء وقتي و آنَ لي أنْ أكشفَ عن وجهي... فإنّي سوفَ أطلعُ و تجتمع حولي النجوم و أجمع بين الشمس و القمر و أدخل في كلّ بيت ولتحدّق بك النجومُ الثابتة، و يسلّمون عليّ و أسلّم عليهم و ذلك بأنّ لي المشيئة و بإذني تقوم الساعة.
- موقف جاء وقتي -
1-
هكذا يقول السيد الجسد، أيتها المرأة المكتوبة بقلم العاشق، سيري حيث تشائين بين أطرافي، قفي و تكلّمي: ينشقّ جسدي و تخرج كنوزي، زحزحي نجومي الثابتة، واستلقي تحت سحابي وفوقه - في اغوار الينابيع وذرى الجبال - عالية ، عالية ، عالية صيري وجهي الطالع من كلّ وجه .. شمسا لا تطلع من الشرق ، لا تغيب في الغرب ولا تستيقظي ولا تنامي.
- تحولات العاشق، الصفحة نفسها -
2- تجتمعُ حولي أيّامُ السنة، أجعلها بيوتاً و أسرّة و أدخل كلّ سرير ٍ و بيت، أجمعُ بين القمر و الشمس، و تقوم ساعة الحبّ، أنغمسُ في نهر يخرج منك الى أرض ثانية، أسمع كلاماً يصير جنائن و أحجاراً أمواجاً أمواجا و زهراً سماوي الشوك.
- تحولات العاشق ص 514- 515 الأعمال الكاملة- دار العودة,
أمّا أطروحة الوهايبي فقد استحضرتْ النصّين بالطريقة التالية:
يقول أدونيس:
" أيتها المرأة المكتوبة بقلم العاشق، سيري حيث تشائين بين أطرافي، قفي و تكلّمي: ينشقّ جسدي و تخرج كنوزي، زحزحي نجومي الثابتة، واستلقي تحت سحابي وفوقه - في اغوار الينابيع وذرى الجبال - عالية ، عالية ، عالية صيري وجهي الطالع من كلّ وجه .. شمسا لا تطلع من الشرق ، لا تغيب في الغرب ولا تستيقظي ولا تنامي.
تجتمعُ حولي أيّامُ السنة، أجعلها بيوتاً و أسرّة و أدخل كلّ سرير ٍ و بيت، أجمعُ بين القمر و الشمس، و تقوم ساعة الحبّ، أنغمسُ في نهر يخرج منك الى أرض ثانية، أسمع كلاماً يصير جنائن و أحجاراً أمواجاً أمواجا"
أمّا نصّ النفّري – بعد حذف العبارات التي جاء بها الوهايبي لإضفاء نوع ما من الاختلاف عن النص الذي وُجد في مقالتي، و هي عبارات ليس لها ما يُشبهها في نصّ أدونيس، و هذا هو مبرر حذفي لها– فهي وفقاً لمتن أطروحة الوهايبي:
"كذلك أوقفني الربُّ و قال لي: قل للشمس أيتها المكتوبة بقلم الربّ اخرجي وجهك، ابسطي من أعطافك، و سيري حيثُ ترين فرحك على همّك و أرسلي القمر بين يديك، و لتحدّق بك النجوم الثابتة و سيري تحت السحاب و اطلعي على قعور المياه و لا تغربي في المغرب و لا تطلعي في المشرق و قفي للظل "
- موقف مخاطبة و بشارة و إيذان الوقت -
و يقول في موقف قد جاء وقتي " و قال لي: قد جاء وقتي و آنَ لي أنْ أكشفَ عن وجهي... فإنّي سوفَ أطلعُ و تجتمع حولي النجوم و أجمع بين الشمس و القمر و أدخل في كلّ بيت ولتحدّق بك النجومُ الثابتة، و يسلّمون عليّ و أسلّم عليهم و ذلك بأنّ لي المشيئة و بإذني تقوم الساعة، و أنا العزيز الرحيم"
أمّا وضع النصّين بالتقابل، نص عادل عبد الله و نص الوهايبي عن أدونيس، من جهة، و نص عادل عبد الله و الوهايبي عن النفّري، من جهة أخرى، فسيسفر عن النتيجة التالية:
نص عادل عبد الله من قصيدة أدونيس و يليه نص المنصف الوهايبي من قصيدة أدونيس
1-
هكذا يقول السيد الجسد، أيتها المرأة المكتوبة بقلم العاشق، سيري حيث تشائين بين أطرافي، قفي و تكلّمي: ينشقّ جسدي و تخرج كنوزي، زحزحي نجومي الثابتة، واستلقي تحت سحابي وفوقه - في اغوار الينابيع وذرى الجبال - عالية ، عالية ، عالية صيري وجهي الطالع من كلّ وجه .. شمسا لا تطلع من الشرق ، لا تغيب في الغرب ولا تستيقظي ولا تنامي. - تحولات العاشق، الصفحة نفسها -
2- تجتمعُ حولي أيّامُ السنة، أجعلها بيوتاً و أسرّة و أدخل كلّ سرير ٍ و بيت، أجمعُ بين القمر و الشمس، و تقوم ساعة الحبّ، أنغمسُ في نهر يخرج منك الى أرض ثانية، أسمع كلاماً يصير جنائن و أحجاراً أمواجاً أمواجا و زهراً سماوي الشوك.
- تحولات العاشق ص 514- 515 الأعمال الكاملة- دار العودة,
" أيتها المرأة المكتوبة بقلم العاشق، سيري حيث تشائين بين أطرافي، قفي و تكلّمي: ينشقّ جسدي و تخرج كنوزي، زحزحي نجومي الثابتة، واستلقي تحت سحابي وفوقه - في اغوار الينابيع وذرى الجبال - عالية ، عالية ، عالية صيري وجهي الطالع من كلّ وجه .. شمسا لا تطلع من الشرق ، لا تغيب في الغرب ولا تستيقظي ولا تنامي.
تجتمعُ حولي أيّامُ السنة، أجعلها بيوتاً و أسرّة و أدخل كلّ سرير ٍ و بيت، أجمعُ بين القمر و الشمس، و تقوم ساعة الحبّ، أنغمسُ في نهر يخرج منك الى أرض ثانية، أسمع كلاماً يصير جنائن و أحجاراً أمواجاً أمواجا"
أدونيس - تحولات العاشق ص 514- 515 الأعمال الكاملة- دار العودة,
أمّا نصّا عادل عبد الله و الوهايبي – قدر تعلّق الأمر بالنفّري فهما:
نص عادل عبد الله عن النفّري و يليه نص الوهايبي عن النفّري
1-
"كذلك أوقفني الربُّ و قال لي: قل للشمس أيتها المكتوبة بقلم الربّ اخرجي وجهك، وابسطي من أعطافك، و سيري حيثُ ترين فرحك على همّك و أرسلي القمر بين يديك، و لتحدّق بك النجوم الثابتة و سيري تحت السحاب و اطلعي على قعور المياه و لا تغربي في المغرب و لا تطلعي في المشرق و قفي للظل "
} و في سطور تسبق هذا يرد {
فأنت وجهي الطالع من كلّ وجه ...و لا تنامي و لا تستيقظي حتّى آتيك "
موقف مخاطبة و بشارة و إيذان الوقت -
2-" و قال لي: قد جاء وقتي و آنَ لي أنْ أكشفَ عن وجهي... فإنّي سوفَ أطلعُ و تجتمع حولي النجوم و أجمع بين الشمس و القمر و أدخل في كلّ بيت ولتحدّق بك النجومُ الثابتة، و يسلّمون عليّ و أسلّم عليهم و ذلك بأنّ لي المشيئة و بإذني تقوم الساعة.
- موقف جاء وقتي -
"كذلك أوقفني الربُّ و قال لي: قل للشمس أيتها المكتوبة بقلم الربّ اخرجي وجهك، ابسطي من أعطافك، و سيري حيثُ ترين فرحك على همّك و أرسلي القمر بين يديك، و لتحدّق بك النجوم الثابتة و سيري تحت السحاب و اطلعي على قعور المياه و لا تغربي في المغرب و لا تطلعي في المشرق و قفي للظل "
- موقف مخاطبة و بشارة و إيذان الوقت -
و يقول في موقف قد جاء وقتي " و قال لي: قد جاء وقتي و آنَ لي أنْ أكشفَ عن وجهي... فإنّي سوفَ أطلعُ و تجتمع حولي النجوم و أجمع بين الشمس و القمر و أدخل في كلّ بيت ولتحدّق بك النجومُ الثابتة، و يسلّمون عليّ و أسلّم عليهم و ذلك بأنّ لي المشيئة و بإذني تقوم الساعة، و أنا العزيز الرحيم"
السؤال هنا ما هو الاختلاف بين النصّين، النص الذي استحضرته مقالتي، و النص الذي استحضرته أطروحة الوهايبي؟
إذا أهملنا العبارات التي أضافها الوهايبي الى النصّين لإضفاء نوع من الاختلاف عن طريقة استحضار مقالتي لهما – و ربّما لحاجة تخصّ بحثه، لم يكن لها من مثيل في غايتي بحثي – فمن الواضح القول: إنّ متن أطروحة الوهايبي يستخدم و يستحضر الهويّة الأصيلة المعرّفة بالنصّين اللذين وُجدا في مقالتي من قبل، أعني العيّنات التي انتخبتها من قصيدة أدونيس " تحولات العاشق " لغرض إحالتها على عيّنات من بعض مواقف النفّري، لا بدلالة المضمون المشترك لمحتوى النصّين فحسب، بل بدلالة المصادر التي أُخذ النصّان منها و التي ثبّتتها كلّ من المقالة و الأطروحة و هي، كما ورد في المقالة و الأطروحة على حدّ سواء: قصيدة أدونيس " تحولات العاشق " و بعض من مواقف النفّري، هما موقف " قد جاء وقتي " و موقف " مخاطبة و بشارة و إيذان الوقت "
لكن، و هذه التفاتة مهمة، قد يخفى معناها على بعضٍ من القرّاء، مفادها:
لئن كانت مقالة عادل عبد الله تحيل نصّي أدونيس و النفّري الى مصدرهما على نحو مباشر، فإنّ لها من الحقّ في إجراءٍ كهذا، بسببٍ من كشفها الأول عن علاقة النصّين، من جهة، و بسبب من عدم وجود بحث سابق آخر منشور يمكن للمقالة ذكر مصدره من جهة أخرى، و هو حقّ لا تمتلكه أطروحة الوهايبي إلّا إذا أشارتْ بنصّ صريح الى وجود هذين النصّين نفسهما من قبلُ في مقالة عادل عبدالله، ثم يجري تيرير ذلك بالقول: إنّما يجري استحضارهما هنا، ربّما للحوار معه في مضمونهما أو لتفنيد التصورات التي دوّنتها مقدمة المقالة عنهما، من أجل وضع تصورات أخرى عنهما، و هذا هو نوع العذر الأول للباحث، أمّا نوع العذر الآخر الذي يعفيه من المساءلة فهو، عدم علمه بوجود مثل هذه المقالة من قبل، أو عدم اطلاعه عليها – في الأقل – و هذه فرضية تنفيها الكثير من تفاصيل أطروحة الباحث، ناهيك عن ذكرها حيناً و ذكر اسم صاحبها آخر. أمّا المسألة الثالثة التي لم أجد للوهايبي عذراً يناسب ارتكابها، فهي: لماذا انتخبَ الوهايبي من قصيدة أدونيس تلك المقاطع المحددة التي سبقَ للمقالة انتخابها حصراً، من دون غيرها من مقاطع القصيدة الطويلة؟ بل لماذا أحال هذه المقاطع المنتخبة من قصيدة أدونيس نفسها على المقاطع المنتخبة من مواقف النفّري، بذات الكيفية التي سبقتْ لمقالة عادل عبد الله فعلها؟ أمْ، هل كان الوهايبي يعتقد أنّ مهمة مقالة عادل عبد الله بالنسبة له هي: جمع العيّنات و النماذج من نصّي أدونيس و النفّري ليتسنى لأطروحته من بعد توظيفها و استخدامها مادة للتنظير و النقد مما يساعده و يوفّر عليه الكثير من عناء البحث و التنقيب عنها؟ بل هل يمكن القول بأخذ بعض من مضامين أطروحته المسوّغة لفعلي التناص و الانتحال، بجريرة و محتوى تنظيره عن " الجسد المرئي و الجسد المتخيل " من حيث اتخاذه لمقالة عادل عبد الله جسداً متخيلاً لبناء جسد أطروحة المرئي؟
مع ذلك، لماذا سكتت أطروحة الوهايبي عن ذكر أيّة عبارة تستوعب أو تشير الى هذا المعنى الذي أتحدثُ الآن عنه؟ أعني إحالة النصّين معا – نصّ أدونيس و النفّري – كلّ الى مصدره، على نحو مباشر بطريقةٍ موحيةً الى القارئ – بإجراءٍ كهذا – أنّ عملية استحضار النصّين برمّتها إنّما كانت بمنزلة كشفٍ لصاحب الأطروحة، و ليس لأحدٍ سواه؟
هنا يحقّ للقارئ الكريم أنْ يتوجّه اليّ بالسؤال التالي: المْ تكن قد ذكرتَ قبل قليل بأن هناك هامشاً وضعه الباحث الوهايبي في الصفحة ذاتها، و قد أعلن فيه عن اسمك و معلومات مفيدة عن مقالتك؟
أمّا إجابتي عن السؤال هذا فهي: نعم لقد فعل الباحثُ الوهايبي ذلك بالتأكيد كلّه، غير أن هذا الهامش الذي نتحدث عنه و الذي تكرّم الباحث الوهايبي بذكر اسمي في نصّه، إنّما وُضعَ بعناية فائقة ليُفهَم من معناه: أنّ النصّين اللذين يتعلّق بهما، هما نصّان من اكتشاف الباحث الوهايبي نفسه و ليس لعادل عبد الله من يدٍ أو حظّ في اكتشافهما!! و هذا هو المضمون الذي ستتحدثُ عنه و عن تعدد معانيه في الفقرة التالية.
ثالثاً: في الهامش المرقم 32 من الصفحة 60 يكتب الباحث الوهايبي ما نصّه " يقارن عادل عبد الله بين قصيدة أدونيس " تحولات العاشق " و مقتطفات من كتاب النفّري " المواقف و المخاطبات " فيحصي أوجه التشابه بين النصّين، دون تحليل أو حتّى مجرد إشارة الى استبدال السياق في قصيدة أدونيس. و يتساءل عن السبب الذي جعل النقّاد يغفلون عن هذه " السرقة " هل كان ذلك لأنّ كتاب النفّري نادرٌ و غير متداول أمْ لأنّ الريبة لا ترقى لأدونيس " أنظر الطليعة الأدبية ص 86 – 89 بغداد تشرين الثاني 1978 "
ثم يتبع نصّ الهامش هذا - على نحو مباشر - بإضافة تخص بحثاً له، هو البحث نفسه، ذلك التي تمت الإشارة اليه بإضافةٍ وضعها تحت الهامش الأول الذي أشار فيه على نحو مبهم لمقالتي، أمّا الإضافة الحالية لهذا الهامش فهي نصّا " في هذا السياق، يشير صاحب البحث الى أنه نحا نفس المنحى في دراسة لمصادر التجربة الصوفية في " مفرد بصيغة الجمع " لأدونيس فقد ألحّ على التشابه الكبير بين نصوص أدونيس و نصوص النفري، و اعتبر أدونيس ناقلاً مستنسخاً، و لم يشر الى التناص إلّا عرضا ( انظر " التجربة الصوفية في مفرد بصيغة الجمع " الجامعة التونسية – أكتوبر 1985 ."
رابعاً: حين كانت النقطتان " أولاً و ثانياً " من هذه الفقرة - 6 - مخصصتين لبحث موضوع محدد بدقّة مفاده: إمكانية العثور على أيّ معنى يمكن اتخاذه دليلَ صدقٍ على إشارة الباحث الوهايبي لمقالة عادل عبد الله بوصفها مصدراً كان له قصب السبق في استخدام النصّين – نصّ أدونيس و النفّري – قبلَ استحضاره النصّين نفسهما في متن أطروحته، ثم عرفنا من بعد بأنّ الباحث الوهايبي قد عمل جاهدا على نسبة النصّين إلى اكتشافه الشخصي، مكتفياً و مفضلاً إحالتهما الى مصدريهما في أعمال ادونيس و النفّري، كما فعل ذلك على مدى خمس صفحات من بحثه - أيْ من الصفحة 55 الى الصفحة 59 – مع التذكير أنّ تلك المصادر التي أحال عليها الوهايبي نصّي أدونيس و النفّري، هي نفس المصادر التي تم للمقالة تثبيتها و إحالة النصّين عليها من قبل،
أقول لمّا كنّا قد تعرّفنا على كلّ ذلك، أيْ تعرفّنا على أنّ إمكان إحالة النصّين الى مقالة عادل عبد الله قضيّة لا حظّ لها من الوجود، و أنّ الباحث قد غادر الموضوع هذا و طوى صفحته، فمن المؤكد أنّ الهامش الموجود في الصفحة 60 – وهو الهامش الذي يذكر الباحث الوهايبي فيه اسمي – إنّما يتعلق بموضوع آخر لا علاقة له من قريب أو بعيد بموضوع إمكان إحالة النصّين الى مقالة عادل عبد الله.
فما هو الموضوع الجديد هذا؟ ما مناسبة ذكر اسمي فيه؟ و هل يمكن الاهتداء من خلال ذكر هذا الاسم في هذا الهامش، الى أيّ معنى يفيد إحالة النصّين – و من دون وعي من الباحث الوهايبي -على المقالة بوصفها مصدراً تمّ له بحث هذين النصّين من قبل؟
دعونا نتعرّف الآن على محتوى المتن الذي كتبه الباحث الوهايبي في الصفحة 60 ثم وضع هذا الهامش على علاقة تفسيرية به، لنحصل على الإجابة الكاملة عن كل هذه الأسئلة التي تمّ لي طرحها.
يقول الباحث في نهاية الصفحة 59 " قد يتساءل القارئ و هو يقرأ البيانين المتقدمين } يعني نصّ أدونيس و النفّري {إنْ كان التناص في قصيدة أدونيس - تحولات العاشق – سرقة و استنساخاً، أم تعالقاً و توليدا؟ و قد يجد في نفسه ميلاً الى ترجيح الاحتمال الأول، فيثبت السرقة و الاستنساخ . هامش برقم 32 "
– انتهى نص الوهايبي – و بهذه النهاية تمّ طيّ صفحته، قدر تعلّق الأمر بأمل العثور على الإشارة الى مقالة عادل عبد الله بوصفها مصدراً سبق له التعامل مع النصين – قيد البحث – قبل تعامل أطروحة الباحث الوهايبي معهما.
الأمر الذي يعني - وهذه مسألة بالغة الأهمية – أنّ أيّة إشارة قادمة من الباحث الوهايبي لعادل عبد الله أو لمقالته، سيتمّ تفسيرها على أنّها إشارة لموضوع آخر، أيّ موضوعٍ ممكنٍ سوى الاعتقاد بربط هذه الإشارة بذلك الموضوع الذي تمّ للباحث طيّ صفحته.
فهل فعل الباحث شيئاً من هذا؟ أعني هل أشار الى مقالة عادل عبد الله و عنوانها في هامش جديد استدعى مضمون متنهِ الاشارة الى مصدره؟ ما هو الموضوع الجديد هذا؟ و لماذا لا يمكن لنا عدّ الهامش الخاص به، إشارة الى موضوع النصّين اللذين تمّ طيّ صفحتهما؟ بل هل يمكن القول: إنّ هذا الهامش الجديد سيفضح لعبة الوهايبي كلّها، في عدم إشارته لموضوع النصّين – اللذين تمّ طيّ صفحتهما – الى مصدرهما الشرعي، و هو مقالة عادل عبد الله، على الرغم من حرص الباحث الوهايبي على إخفاء هذه القضيّة كلّها ؟ دعونا نراجع ملّف النصين مرّة ثانية.
في الهامش 32– و لا بدّ من استحضاره هنا مرّة ثانية – و نصّه " يقارن عادل عبد الله بين قصيدة أدونيس " تحولات العاشق " و مقتطفات من كتاب النفّري " المواقف و المخاطبات " فيحصي أوجه التشابه بين النصّين، دون تحليل أو حتّى مجرد إشارة الى استبدال السياق في قصيدة أدونيس. و يتساءل عن السبب الذي جعل النقّاد يغفلون عن هذه " السرقة " هل كان ذلك لأنّ كتاب النفّري نادرٌ و غير متداول أمْ لأنّ الريبة لا ترقى لأدونيس " أنظر الطليعة الأدبية ص 86 – 89 بغداد تشرين الثاني 1978 "
ثم يتبع نصّ الهامش هذا - على نحو مباشر - بإضافة تخص بحثاً له، هو البحث نفسه، ذلك التي تمت الإشارة اليه بإضافةٍ وضعها تحت الهامش الأول الذي أشار فيه على نحو مبهم لمقالتي، أمّا الإضافة الحالية لهذا الهامش فهي نصّا " في هذا السياق، يشير صاحب البحث الى أنه نحا نفس المنحى في دراسة لمصادر التجربة الصوفية في " مفرد بصيغة الجمع " لأدونيس فقد ألحّ على التشابه الكبير بين نصوص أدونيس و نصوص النفري، و اعتبر أدونيس ناقلاً مستنسخاً، و لم يشر الى التناص إلّا عرضا ( انظر " التجربة الصوفية في مفرد بصيغة الجمع " الجامعة التونسية – أكتوبر 1985 ."
من الواضح القول، بأن مضمون الهامش هذا، يتحدث عن موضوع آخر لا يمكن الاستدلال من خلاله على أيّ معنى يفهم منه الإشارة الى مقالة عادل عبد الله بوصفها مصدراً سبق له التعامل مع النصّين نفسهما، أمّا الدليل على ذلك فهو ما يمكن أنْ تفصح عنه الإجابةُ عن السؤال التالي:
هل كانت مقارنة "عادل عبد الله بين قصيدة أدونيس " تحولات العاشق " و مقتطفات من كتاب النفّري " المواقف و المخاطبات " و التي أحصى فيها " أوجه التشابه بين النصّين" في عدد المجلة المذكور، كما يرد في نصّ هامش الوهايبي، تحتوي و تتضمن نفس النصوص و العيّنات التي تمّ للباحث الوهايبي عرضها و نقدها في الصفحات الخمس من 55 – 59 من أطروحته، أم أنها كانت نصوصاً أخرى لا تمتّ لعرض الباحث الوهايبي بصلة ما؟
في حقيقة الأمر أنّ الإجابة الصحيحة الكاملة عن هذا السؤال المحدد، إمّا أنْ تكون نعم أو لا. أعني إمّا: نعم إنها النصوص نفسها بالضبط، و هذه نوع إجابةٍ تستدعي معاييرُ البحث الأكاديمي و أخلاقيات الكتابة، الإشارة – من الباحث الوهايبي - الى أنّ هذه النصوص ذاتها قد وجدت من قبل في مقالة عادل عبد الله و قد تمّ لهذا الكاتب إحصاء " أوجه التشابه بين النصّين" . و هنا سيكون الحقّ كلّه مع الباحث في نقد مقارنة عادل عبد الله للنصين و الاختلاف معه و تفنيد ما يقول .
أمّا الإجابة عن السؤال نفسه، إذا كانت : لا، إنّما هي نصوص غير تلك التي استحضرها الباحث في متن أطروحته، فإن معايير البحث الأكاديمي و أخلاقياته تستدعي – هذه المرّة – و بالضرورة تعريف القارئ الكريم و لجنة المناقشة بمضمون تلك المقارنة التي تحصي بين قصيدة أدونيس " تحولات العاشق " و مقتطفات من كتاب النفّري " المواقف و المخاطبات " و التي يحصي فيها عادل عبد الله "أوجه التشابه بين النصّين " و إلّا فإنّ حكم الباحث على مقارنة عادل عبد الله بين النصّين، و هو – وفقاً لنصّ الباحث - من " دون تحليل أو حتّى مجرد إشارة الى استبدال السياق في قصيدة أدونيس" سيكون حكماً غيابيّا جائرا بسبب من عدم تعريف و اطلاع القارئ على النصوص التي استخدمها عادل عبد الله في هذه المقارنة بين قصيدة أدونيس تحولات العاشق و " مقتطفات من مواقف النفّري "
مع ذلك كلّه، دعونا نسأل الباحث الوهايبي و القارئ الكريم على حدّ سواء هذا السؤال الدقيق:
إذا كانت النصوص التي قارن فيها عادل عبد الله بين نصّي أدونيس و النفّري غير موجودة في متن أطروحة الباحث الوهايبي، و لم تجرِ إشارة الباحث لها من جهة،
ثمّ كان هامش الباحث يشير الى نصّين أجرى عادل عبد الله مقارنةً بينهما من جهة ثانية،
ثم أصدر الباحثُ حكْمَهُ على نوع هذه المقارنة بوصفها " " تحصي أوجه التشابه بين النصّين، دون تحليل أو حتّى مجرد إشارة الى استبدال السياق في قصيدة أدونيس" من جهة ثالثة،
ألا يعني مثل هذا الحكم بأنّ هذه المقارنة التي أجراها عادل عبد الله بين النصّين و التي أصدر الباحث حكمه بشأنها، هي مقارنة موجود بالفعل في مصدر منشور ما؟
أين يمكن لنا أن العثور على هذا المصدر؟ على الأخص أنّ الباحث الوهايبي لم يعرّفنا بالمصدر المفترض في الحالة التي تكون الإجابة فيها عن سؤالنا بالنفي، بسبب من عدم وجود مثل هذا المصدر المفترض الذي يحتوي الإجابة.، بالنسبة له.
ألا يعني كلّ ذلك بأن مضمون الهامش الذي يرد فيه ( يقارن عادل عبد الله بين قصيدة أدونيس " تحولات العاشق " و مقتطفات من كتاب النفّري " المواقف و المخاطبات " فيحصي أوجه التشابه بين النصّين، دون تحليل أو حتّى مجرد إشارة الى استبدال السياق في قصيدة أدونيس) أعني الهامش الذي ينقل الباحث فيه، عن عادل عبد الله تساؤله ( عن السبب الذي جعل النقّاد يغفلون عن هذه " السرقة " هل كان ذلك لأنّ كتاب النفّري نادرٌ و غير متداول أمْ لأنّ الريبة لا ترقى لأدونيس ) أيّ الهامش الذي يشير الباحث الوهايبي إلى أنّ مصدره هو " أنظر الطليعة الأدبية ص 86 – 89 بغداد تشرين الثاني 1978 "
أقول ألا تعني لنا كلّ هذه التفاصيل، بأنّ المقارنة التي أجراها عادل عبد الله بين النصّين، هي نوع مقارنةٍ لها وجود فعلي واقعي منشور بدلالة أشارتْ الباحث الى مصدرها؟
ثم ألاْ يمكن لنا عدّ هذه التفاصيل كلّها اعترافاً صريحا بأنّ النصوص التي استحضرها الباحث الوهايبي في متن أطروحته، هي النصوص نفسها التي أجرت مقالةُ عادل عبد الله المقارنة بينها – من قبل – من جهة؟ على الأخص و أن الباحث يذكر في الهامش نفسه المصدر المنشور لمقارنة عادل عبد الله و هو " " أنظر الطليعة الأدبية ص 86 – 89 بغداد تشرين الثاني 1978 "
ثمّ لمّا كان هذا المصدر - من جهة أخرى - هو الوحيد الذي أجرى هذه المقارنة، فإنّ الأمر سيعني هنا و على نحو قاطع هذه المرّة، بأن الباحث الوهايبي قد استخدم النصّين الموجودين في مقارنة عادل عبد الله لكن مع رغبة بعدم الإشارة لها مطلقا خلال استخدامه لتلك المقارنة في صفحات متن اطروحته المذكورة، و هو أمر لم يستطع إخفاءه جيدا فجاء هذا الهامش ليكشف عن كلّ ما سكتت تلك الصفحات عنه .
7– الوهايبي ينتحل من المقالة أسئلتها و إجاباتها.
مرّ بنا قول الباحث الوهايبي و هو يعيب على مقدّمة مقالة عادل عبدالله، بأن " كاتب المقالة لا يقدّم تفكيراً بمشاكل النصّ أو بهذا النمط من التعامل مع نصّ الآخر " كما نقل الشاعر كاظم جهاد عنه في الصفحة 80 من كتابه. و من الواضح القول إنّ مثل هذا الوصف للمقالة يعفي الباحث الوهايبي من اقتباس بعض آراء مقدمة المقالة أو استعارة بعض أفكار كاتبها. لكن هل التزم الباحثُ الوهايبي بمضمون هذه المسألة و امتنع بالفعل عن استعارة بعض أفكارها المهمة؟ يبدو أن الباحث الوهايبي لم يفعل ذلك، أو أنّه نسيَ – على الأقل – أوصافه المعيبة لها، حين استحضر إحدى أفكارها المهمة و أدرجها في سياق أطروحته من دون أيّة إشارة لمصدرها. دعوني أثبتْ ذلك لكم و على النحو التالي:
أولاً: في هامش الصفحة 60 من أطروحة الوهايبي، ينقل الباحث عن نصّا من مقدمة عادل عبد الله هو: أنّ كاتب المقالة ( يتساءل عن السبب الذي جعل النقّاد يغفلون عن هذه " السرقة " هل كان ذلك لأنّ كتاب النفّري نادرٌ و غير متداول أمْ لأنّ الريبة لا ترقى لأدونيس" ؟)
ثانياً: في الصفحة المرقمة 62 من أطروحة الباحث الوهايبي، يرد النصّ التالي " لقد غفل النقّاد الذين درسوا شعر أدونيس، عن تداخل بعض نصوصه مع النفّري، و خاصة في مجموعته، كتاب التحولات و الهجرة في أقاليم النهار و الليل، و هي غفلةٌ قد يكون مردّها الى سببين رئيسيين، أوّلهما أن نصوص النفّري لم تكن متداولة بين الناس، عندما نشر أدونيس قصيدته تحولات العاشق عام 1962 . و ثانيهما أنّ أدونيس قد أغفل الإشارة إلى تأثّره بالنفّري في كلّ الحورات الأدبية التي تحدّث فيها بإسهاب عن مصادر تجربته الصوفية " – انتهى كلام الباحث الوهايبي -
دعونا نتساءل الآن عن الفرق بين معنى النصّين – نصّ عادل عبد الله و نصّ الوهايبي – و على وفق الطريقة التالية:
- إنّ النصين معاً يتحدثان عن الموضوع نفسه، و هو " لماذا غفل النقّاد عن قضيّة انتحال أدونيس للنفّري " و مثل هذا الموضوع يرد في نصّ عادل عبد الله على النحو التالي – كما ينقل الباحثُ نفسه ذلك – بقوله إنّ كاتب المقالة " يتساءل عن السبب الذي جعل النقّاد يغفلون عن هذه " السرقة "
أمّا النحو الذي ورد عليه نص الوهايبي المنسوب لنفسه فهو " " لقد غفل النقّاد الذين درسوا شعر أدونيس، عن تداخل بعض نصوصه مع النفّري "
من الواضح القول هنا إنّ عادل عبد الله و الباحث الوهايبي يتساءلان عن الموضوع نفسه " و هو لماذا غفل النقاد عن مسألة انتحال أدونيس للنفّري " و معنى هذا بعبارة أخرى: إن الوهايبي يستعيد في نصّه مضمون سؤال عادل عبد الله نفسه.
أمّا عن الإجابة الخاصة بهذا السؤال لكلّ من عادل عبد الله و الوهايبي، فهي:
- إنّ إجابة عادل عبد الله عن السؤال الذي طرحه هي " هل كان ذلك لأنّ كتاب النفّري نادرٌ و غير متداول أمْ لأنّ الريبة لا ترقى لأدونيس "
أمّا إجابة الباحث الوهايبي عن السؤال نفسه فهي " أنّ مردّ ذلك الى سببين رئيسيين، أوّلهما أنّ نصوص النفّري لم تكن متداولة بين الناس، عندما نشر أدونيس قصيدته تحولات العاشق عام 1962 . و ثانيهما أنّ أدونيس قد أغفل الإشارة إلى تأثّره بالنفّري في كلّ الحورات الأدبية التي تحدّث فيها بإسهاب عن مصادر تجربته الصوفية"
الآن دعونا نتساءل عن الفرق بين قول عادل عبد الله " لأنّ كتاب النفّري نادرٌ و غير متداول" و بين قول الوهايبي " أنّ نصوص النفّري لم تكن متداولة بين الناس، عندما نشر أدونيس قصيدته تحولات العاشق"
أمّأ السببُ الثاني الذي يعزو اليه الباحث الوهايبي سبب غفلة النقاد عن انتحال أدونيس وهو " أنّ أدونيس قد أغفل الإشارة إلى تأثّره بالنفّري في كلّ الحورات الأدبية التي تحدّث فيها بإسهاب عن مصادر تجربته الصوفية"
و مثل هذا السبب موجود في مضمونه و معناه في مقدمة عادل عبد الله التي يتساءل فيها عن السبب في " عدم إشارة أدونيس للنفري " في نصّ قصيدته ، حتّى أنّ الشاعر كاظم جهاد يأخذ هذا المعنى من مقدمة المقالة فيقول " سواء أفي الشواهد التي قدّمها الوهايبي أو هذه التي طرحها صلاح نيازي، أو حالة انتحال النفّري التي كشف عنها عادل عبد الله و التي لا يلجأ فيها أدونيس حتّى الى أقواس وإشارات وهميّة أو تحويرات صياغية طفيفة لعصرنة الخطاب ......" المصدر أدونيس منتحلاً ص 97 .
خلاصة القول في هذه المسألة كلّها: إنّ الباحث الوهايبي الذي وسم مقدمة مقالة عادل عبد الله ببضعة من العيوب، يستحضر من هذه المقدمة ذاتها بعضاً من أفكارها و مضميمنها و عباراتها أيضا.
8- المهمة المفترضة لمقالة عادل عبد الله
طرحنا في الفقرة السادسة من هذه الدراسة سؤالاً بصيغة الاستنكار، مفاده " هل كان الوهايبي يعتقد أنّ مهمة مقالة عادل عبد الله بالنسبة له هي: جمع العيّنات و النماذج من نصّي أدونيس و النفّري ليتسنى لأطروحته من بعد توظيفها و استخدامها مادة للتنظير و النقد مما يساعده و يوفّر عليه الكثير من عناء البحث و التنقيب عنها؟
يبدو لنا ان مثل هذا السؤال له ما يبرر طرحه و يسوّغه، لا بالاستناد الى العيّنة التي تمّ الحديث عنها في تلك الفقرة فحسب، استناداً الى وقائع جديدة تثبتُ تكرار المسألة ذاتها، أعني استحضار الباحث الوهايبي لعيّنات منتخبة من مقالة عادل عبد الله و هي تقارن بين نصّي أدونيس و النفّري ليجري توظيفها و استخدامها في أطروحته من أجل غاياتٍ نقديّة و تنظيرية تخصّ نوع بحثه، و من دون الإشارة – بطبيعة الحال – لا الى مصدرها في المقالة، و لا الى كون الباحث يستخدمها من أجل الاختلاف مع طريقة فهم عادل عبد الله لها. مثال ذلك:
في الصفحة 73 من أطروحة الوهايبي يستحضر الباحث النصين الموجودين في المقالة و هما أولاً نصّ أدونيس " و قلت أيها الجسد انقبض و انبسط و اظهر و اختف، فانقبض و انبسط و ظهر و اختفى "
و نصّ النفّري من بعد، و هو " يا نور انقبض و انبسط و انطو و انتشر و اخف و اظهر، فانقبض و انبسط و انطوى و انتشر و خفي و ظهر"
و مثل هذا الإجراء نفسه يحدث في الصفحات 74،77، 88.
غير أنّ الأمر المحزن في هذه المسألة، بل و المثير للشفقة على الباحث أيضا، هو تدوينه لهامش في الصفحة 88 أراد بوضعه مراجعة القارئ لمصدر هذه النصوص التي استخدم بعضها على نحو كامل في اطروحته، نصّه " أنظر النصّ الوارد في هذا الفصل " بعبارة أخرى : أن الباحث الوهايبي يحيل القارئ هنا الى نصّي أدونيس و النفّري بوصفهما كشفاً من كشوفه !!
بعبارة أخيرة: ما من عيّنة استخدمها الباحثُ المنصف الوهايبي في أطروحته لجهة إثبات فعل التناص بين نصّي أدونيس و النفّري، لم تكن موجودةً من قبلُ في مقالتي. أو بعبارة أخرى تؤدي المعنى نفسه و تثير التساؤل: إنّ الباحث الوهايبي لم يستخدم من نصوص أدونيس كلّها، و من مواقف النفّري أجمعها - موضوعا للتناص - إلّا تلك النصوص التي تمّ لمقالتي استحضارها من قبل. لكن من دون أيّة إشارة تفيدُ معنى استحضار تلك العيّنات من مصدر المقالة .
9- غواية النفّري تجمعُ الوهايبي بأدونيس.
في منهج البحث من مقدّمةِ أطروحة الباحث التي تقدّم بها الى الجامعة التونسية لنيل شهادة الدكتوراه من الدرجة الثالثة عام 1987 و التي كان عنوانها " الجسد المرئي و الجسد المُتخيّل، في شعر أدونيس – قراءة تناصيّة " يضعُ الباحثُ الوهايبي عبارتين إثنتين، أولاهما بيت شعرٍ لأدونيس هو " الجسد الذي قال إقرأني كتبتُ غيره، أكتبني قرأتُ غيره. أمّا العبارة الأخرى فهي من إحد مواقف النفّري، و هي " و قال لي: كلّما إتسعتْ الرؤية، ضاقت العبارة".
دعونا نتساءل الآن: لئن كانت العبارةُ الأولى – عبارة أدونيس الشعرية - تحمل مبررات وضعها معها، بسبب من صلتها الوثيقة بموضوع بحث الوهايبي، فإنّ العبارة الثانية – عبارة النفّري – ليس لها مثل هذا التبرير الواضح لوضعها من حيث علاقتها بعنوان البحث، بل ليس لها من ضرورة لاختيارها – تحديدا- من دون غيرها من عبارات مواقف النفّري، ناهيك عن عدم إشارة الباحث الى أيّ صلةٍ مفترضه بين مضمون هذه العبارة و موضوع بحثه من جهة، و عدم تضمّنها لا لمفردة تدلّ على صلتها بعنوانه و لا على معنى يشير إليه، سواء أ كان هذا المعنى على صلةٍ بالجسد أم بالتناص.
ما الذي أراده الوهايبي إذن من اختيار هذه العبارة – عبارة النفّري - تصديرا لمتن كتابه بأجمعه؟
يبدو لي أن اختيار عبارة النفّري هذه تحديداً، ينطوي على كثير من المعاني مما لا صلة مباشرة له بموضوع بحث الوهايبي، إنّما تتلخص صلتها بأجمعها بالعلاقة المفترضة بين أدونيس و النفّري، اعني باكتشاف أدونيس للنفّري، بتأكيد الهوية الصوفية التي استعارها الشاعر من الصوفي، و بمباركة الباحث لهذه الصلة و اعترافها بها، و ربّما لضمّ نفسه الى هذه الصحبة و إعلان إنتمائه لها، و اختصاصه بشؤونها أيضا..
ذلك لأنّ أدونيس قد سبق له وضع هذه العبارة ذاتها عنواناً أكبر لشعره، مكرّماً إيّاها بتصديرها لمجموعته الشعرية الأكثر شهرة " تحولات العاشق و الهجرة في أقاليم النهار و الليل" تماماً كما فعل الدكتور عبد القادر محمود في تقديمه لكتاب "المواقف و المخاطبات" للنفّري بوضع هذه العبارة نفسها عنواناً لمقدمة كتاب النفّري، مشيرا الى المكانة السامية لهذه العبارة من علاقتها بالشعر، بوصفه لها أنها " الرائعة الشهيرة المنبثة الان في أعمق أعماق الشعر المعاصر الحي " في إشارة منه غير معلنة الى شعر أدونيس لا سواه.
فإذا كان الأمر كذلك مغوياً، فلمَ لا يضع الباحثُ هذه العبارة عنواناً لبحثه، لعلّها تضفي على مضمونه من الوقار و الهيبة الصوفية ما يستحقّه هذا البحث منهما، على الأخص أن صلة أدونيس بالنفّري تؤلف الفصل الأكثر أهمية في بحث الوهايبي كلّه .
لكن هل جهد الباحثُ نفسه في إدراك معنى هذه العبارة على وفق السياق الصوفي الذي أراد النفّري لعبارته أنْ تُفهم عَبْره؟ أم أنها عبارة واضحة بذاتها ليست بحاجة الى شرح و تفسير أكثر من معناها الذي تجود به بكلّ هذا الكرم من العمق و البساطة، كما اعتقد أدونيس ذلك من قبل و تبعَهُ في اعتقاده الدكتور عبد القادر محمود، حين لم يشغلا نفسيهما ببحث معناها العميق، المعنى الذي لم تبلغ فطنة أدونيس و لا عبد القادر محمود كنهه و عمقه و هو يقف ضدّاً مباشراً على نوع فهمهما لمضمونه، كما أثبتت إحدى دراسات هذا الكتاب هذه الأفكار كلّها.
خلاصة القول، ثمة مجاملة من الباحث لأدونيس في اختياره هذه العبارة، طمأنة و وعد خفي مفاده: بأن ما سبق لباحث ما نشره تحت عنوان " انتحالات أدونيس " سيجري في هذا البحث التصدّي له، مواجهته و ردّه الى رتبة التناص المشروع و ليس الى الانتحال المحرّم، كما تزعم مقالة الشاعر عادل عبد الله.
- انتهى القسم الأول من هذه الدراسة و سيليه القسم الثاني منها، و هو خاص بالحوار مع كتاب الشاعر كاظم جهاد " أدونيس منتحلاً "
- ملاحظة: جميع الأحالات و الاقتباسات و الإشارات الموجودة في هذه الدراسة – قدر تعلّق الأمر بالوهايبي و كاظم جهاد، مأخوذة من المصدرين :
- كاظم جهاد، أدونيس منتحلاً، مكتبة مدبولي، الطبعة الثانية، 1993 .
- المنصف الوهايبي، الجسد المرئي و الجسد المتخيل في شعر أدونيس – قراءة تناصيّة، الجامعة التونسية كلية الآداب و العلوم الانسانية، 1987. نسخة الكترونية – مكتبة نور.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الفنانة الكبيرة نيللي لسة بنفس الانطلاق وخفة الدم .. فاجئتنا
.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي
.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح
.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة
.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ