الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجسيد الدولة النيوبتريمونيالية ، والنيوبتريركية ، والنيورعوية ، في الدولة المخزنية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2021 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


الدولة النيوبتريمونيالية ، هي الدولة الغنائمية التي تعيش على الغنائم ، وهي دولة الأقلية التقليدانية الاركاييكية التي تسيطر على الثروة والحكم ، وهي دولة العصبية القبائلية ، التي تعني دولة القبيلة الحاكمة . أي دولة القبيلة العلوية .
فالعنوان البتريمونيالي دال على نوع من الحكم عرفه تاريخ الأنظمة السياسية ، والذي يزاوج بين السلطة الدنيوية ، والسلطة الاثوقراطية الثيوقراطية ، لان كل منهما مكمل للأخر ، ومسنودا له .
وبالرجوع الى تاريخ الأنظمة السياسية الحديث ، التي تعتمد مشروعية الديمقراطية وحقوق الانسان ، وتعتمد إقرار سيادة الشعب التي يعبر عنها في الاستحقاقات السياسية ، وفي الاستفتاءات الشعبية ، ضمن دساتير الشعوب الديمقراطية ، وليس ضمن دساتير الأنظمة الرجعية والمتكلسة .. نجزم على انّ شعوب العالم ، قضت على نظام الحكم البتريركي البتريمونيالي ، حين ثارت على الاقطاع ، واسقطت معه سلطوية الكنائس التي كانت تضفي على الملك أبّهة ومهابة الهية ، تجعله مقدس على درجة تقديس الله ، وتقديس يسوع في الثقافة الدينية المسيحية المتحجرة و المغلقة ، الذي ثار عليها الى جانب الشعوب ، التنوير العقلي ، ونقيضها البروتستاني ... لكن الجميع متفق على ان النظام البتريركي البتريمونيالي الوحيد ، الذي لا يزال في العالم كنظام سياسي رعوي متحجر ، بخلاف الأنظمة السياسية الديمقراطية ، هو النظام المغربي ، العصبي ، القبائلي للقبيلة العلوية الملفوفة في عباءة دولة سموها عند تأسيسها بالدولة المخزنية احد بقايا الاقطاع ، والأنظمة الغارقة في الثقافة الماضوية ، التي يجسدها شخص الأمير ، والامام الذي يصرف تقليدانيته عبر الفقيه ، والمسجد ، والمجالس الفقهية المسماة مجالس علمية ، والزوايا ، والاضرحة ، والمواسم ، وزيارة القبور .. ومن دون هذه الصفات اللصيقة ، لن يكون للدولة المخزنية كيان ولا قائمة .. أي هذه هي مرآتها التي تعكس صورتها الحقيقية ..
ان من المميزات التي يتميز بها النظام المغربي البتريركي ، البتريمونيالي ، الرعوي ، الفريد لوحده في العالم ، انّ بنيته الدهرية والدنيوية ، تقبل نعتها بجميع الاوصاف التي عُرفت بها الأنظمة السياسية عبر التاريخ .. فأي وصف اطلقه باحثو علم السياسة ، والعلوم السياسية ، وعلم الاجتماع السياسي ، والقانون الدستوري والأنظمة السياسية ، والمهتمون المشتغلون بالشأن العام ، على النظام السياسي المغربي تناسبه . لأنها تتوفر فيه ، ومن خلال طقوسه المتنوعة ، فهو يجسدها .. مثل البتريمونيالية ، والكمبرادورية، والاوليغارشية ، والفيودالية ، ،والقروسطوية ، والثيوقراطية ، والاثوقراطية ، والمركانتيلية ، والمستبد ، والطاغي ، ومهرب الثروة الى خارج المغرب ، والتقليداني المحافظ ... الخ .. كل هذه الاوصاف تنطبق جميعها على النظام السياسي المغربي ، وهي اوصاف ونعوتا سياسية ، ولا تشكل قدفا او شتما كما يعتقد أمّيو النظام .. لكن الوصف الوحيد الذي لا يتصف به النظام المغربي التقليداني ، نظام التقاليد المرعية ، لان النظام من جهة يكرهه ، وهو يكره النظام المغربي من جهة أخرى .. هو وصف الديمقراطية .. فالقول بالنظام المغربي ، هو قول بانعدام الديمقراطية التي تبقى بريئة منه براءة الذئب من دم يوسف .. فلو اكل الذئب حقا يوسف ، لكان النظام المغربي حقا ديمقراطيا ..
ونحن نستدل على استنتاجنا هذه ، بطبيعة وتسمية الدولة القائمة منذ 350 سنة .. وهي دولة المخزن التي تتعارض كليا مع الديمقراطية . بل تعاديها وتنفر منه ، لانهما نقيضان لا يلتقيان ... وهنا وجه الغرابة في العزلة الدولية التي يعاني منها النظام .. لان كل العالم تغير وتبدل .. الا النظام المخزني المتعارض للديمقراطية لم يرد ان يتغير ..
واذا كانت جميع الاوصاف والنعت تتجسد في النظام المغربي باستثناء الديمقراطية .. فان الوصف الوحيد ، والنعت الوحيد الذي توصف ، و تنعت به الأنظمة السياسية الديمقراطية ، هو وصف ونعت الديمقراطية .. فتسمى دول هذه الأنظمة ، بالأنظمة والدول الديمقراطية .. ويسمى النظام المخزني الذي يقود الدولة المخزنية ، بالنظام القبائلي العصبوي العلوي ، الرافض والكاره لأي شكل ديمقراطي يعتبر السيادة هي الشعب ، وليس السيادة هي الحاكم المخزني .. أي ان الدولة هي الشعب ، والشعب هو الدولة .. وليس الدولة هي الملك ، والملك هو الدولة ....
اذن . عند أي تحليل للدولة البتريمونيالية ، البتريركية ، الرعوية ، المخزنية ، ومنذ تأسيسها عبر التاريخ ، وعبر الازمات الخطيرة التي مرت منها ، ووصلت مرات الى شفى القضاء عليها ، كمخلف غارق في الغيبيات المُصطّلة ، والمضبعة للشعب ، تبقى القضية الأساس الأكثر أهمية في نظرنا ، هي معرفة لماذا لم يتمكن حكم ، او نظام اقطاعي ما ، او تجمع غيْبوي ، او طبقة سياسية مهيمنة في مجتمع مغلق ، ورجعي الفكر والسلوك .. من البقاء والاستمرار ، دون اجراء تغيير في الطرق التي بسط بها هيمنته ، وسلطويته عند تأسيس مخزنيته ..
ان كثيرا من التحاليل التي تناولت التاريخ الحديث للدولة البتريمونيالية ، البتريركية ، الرعوية ، المخزنية بالمغرب . لان هناك فرق بين الدولة المخزنية المغربية ، وبين الدولة المخزنية في المغرب . لأنه قبل 350 سنة ، لم يكن هناك وجود لشيء باسم دولة المخزن . وهذا ما يسند مصطلح دولة المخزن في المغرب ، بدل مصطلح الدولة المخزنية .... أعلنت غير ما مرة عن افلاس الدولة المخزنية ، انْ لم يكن السقوط الأكيد للنظام المخزني كما يرسم اليوم .. فمثلا ان خليفة وتعويض محمد الخامس بعد مماته في سنة 1961 ، لم يكن مسألة اكيدة ومضمونة ، لولي العهد الحسن الثاني ، الذي سيجسد المظاهر المخزنية في تجلياتها القبيحة .. نظرا لان الاعتقاد السائد آنذاك ، كان هو ان الأمير الحسن ، اقل شرعية من محمد الخامس الذي تثور شكوك في وفاته ، واقل تأهيلاً لممارسة السلطة المخزنية الضرورية ، لضمان استمرارية العرش المخزني ، العصبي القبائلي للقبيلة العلوية ..
وقد جاءت انتفاضة الشعب والجماهير المسحوقة في 23 مارس 1965 ، والانتفاضة المسلحة ضد القروسطوية المخزنية في 16 يوليوز 1963 ، والانقلابات العسكرية في سنة 1971 و 1972 ، والانتفاضة المسلحة في 3 مارس 1973 ، وبزوغ الحركات الماركسية الجمهورية منذ النصف الثاني من الستينات ، وبالضبط منذ 30 غشت 1970 ، وانتفاضة يناير 1984 ، وانتفاضة 1990 ، وحركة 20 فبراير ... لخ ، لتغدي نظرة المتشائمين او المتفائلين ، حسب الاتجاه الأيديولوجي الذي ينطلق منه المحلل ، للنظام البتريمونيالي المخزني ، بخصوص مستقبل النظام المخزني والدولة المخزنية ... ورغم الفشل الساحق لنظام محمد السادس في جميع المجالات ، ورغم التصور الذي كان رائجا عليه قبل وفاة الحسن الثاني ، من انه سوف لن يستمر لأكثر من سنة ، حتى يسقط النظام المخزني في عهده . والنظام المخزني هنا يقصد به نظام محمد السادس ، وليس الدولة المخزنية .. فالتنبؤ بسقوط النظام المخزني ، لم يكن يعني سقوط محمد السادس الذي انْ نجح في القضاء على المخزن ، سيستمر ضمن نظام ديمقراطي في دولة ديمقراطية . لكن الرهانات التي كانت على محمد السادس كمفتاح للنظام الديمقراطي ، ستخبو سريعا بعد ان تمكن محمد السادس من الحكم ، وخلق الفراغ الكبير في القوى التي كان من المفروض ان تشوش على نظام ( حكمه ) ، او تشكل له خطرا ، وليتحول في رمشة عين بعد جريمة تفجير الدارالبيضاء في 16 مايو 2003 الانقلاب .. الى مخزني غارق في المخزنية العريقة ، التي تتصف بها الدولة البتريومنيالية ، البتريريكة ، الرعوية ... أي فاق في مخزنيته المعادية للديمقراطية ، مخزنية الحسن الثاني الذي كان يتعارك مع المعارضة ، لكنه كان يحترمها ويقدرها .. وابدع محمد السادس في النزوات المخزنية التي عرفت بها الدولة المخزنية منذ تأسيسيها كدولة مخزنية ، بعشقه الدولار والدرهم ، من خلال كثرة وتنوع الضرائب المفروضة على الرعايا ، التي تدخل ضمن الأملاك المخزنية للحاكم المخزني ..
وبحلول شهر يوليوز القادم ، سيكون محمد السادس قضى على راس النظام المخزني ضمن الدولة المخزنية ، اثني وعشرين سنة رغم فشله الذريع ، واعترافه في خطاب له بفشله في التدبير ، لكنه لم يفشل وترك الحكم الذي لا يزال يواصل ، لأنه مصدر الجاه والنفوذ ، والثروة التي لا تنبض ، والتي وصلت للتخزين في الابناك الأجنبية ، وهي ثروة الرعايا المفقرين .. ..
كذلك منهم من كان ينتظر قرب سقوط كل الدولة ، وليس فقط النظام ، لان محمد السادس ليس كفأ للحكم ... ومع ذلك لا يزال المخزن في ابشع صوره مستمرا ، ولا تزال الدولة المخزنية قائمة ، دون تخليها عن ثقافتها المخزنية الغارقة في الرجعية .. أي ان النظام المخزني من الحسن الثاني الى محمد السادس ، باق ومستمر ، وسيبقى وسيستمر مع الحسن الثالث من دون خوف ، طالما ان الرعايا جاهلة ، وتزيد حبا ، و عشقا ، وتماهيا في حياتها الجاهلة ( واخ الجهالة في الشقاوة ينعم ) ..
واذا كان النظام المخزني لا يتفوق من حيث المتانة والاستمرار ، عن النظام الجزائري ، والأنظمة العربية المختلفة ، فانه بالتأكيد لا يقل عنهم قوة ورسوخا ... والسؤال الاستراتيجية الذي يبقى للطرح في هذه الإشكالية التي شغلت بال المفكرين الغربيين اكثر من المغربيين . يبقى هو : ما هي العوامل التي يسند اليها لتفسير هذا الوضع الغير مفهوم .. والى أي حد يمكن تصور نظام ليس له من المعاصرة غير الاسم ، ولا علاقة تجمعه بالأصالة ..اي الحكم بسندين . دستور ممنوح ركز فيه الملك الدولة في شخصه .. ودستور عرفي عقد البيعة ، اعطى بمقتضاه الأمير والامام لنفسه سلطات خارقة ، لا يملكها الجن ، والعفاريت ، والشياطين صاحبة اكبر الخوارق ، حين زينت لآدم اكل تفاحة حتى تخرجه من الجنة ، وقد نجحت في مقلبها .. لكنها وان زينت لادم المخزني بأكل كل المغرب ، فهي تركته في الجنة يواصل الاستحواذ على الثروة والخيرات ، ولم تخرجه خارج الجنة التي لا يزال فيها ، التي هي الدولة المخزنية .. فالحكم بنصين دنيوي وديني ، يوجد فقط في النظام الذي لن يكون غير نظام بتريركي ، بتريمونيالي ، رعوي ، مخزني فريد من نوعه في عالم الأنظمة السياسية ..
اعتقد انه لمحاولة الإجابة عن هذه التساؤلات الفلسفية في نظرية الحكم ، وليس الأسئلة ، يتعين علينا قبل كل شيء ، ان ندقق ونحدد ، ما نريد قوله ، ومعالجته بعدد من المفاهيم والمصطلحات السياسية ، والفلسفية المستعملة أعلاه ... فبالنسبة لنا يدل مفهوم الحكم بمغزاه السياسي الضيق ، على ميزان قوة اكثر من مختل ، وليس مختل نسبيا ، جوهره هو خطر وتهديد الاكراه الجسدي والمادي ..
انّ نظاما سياسيا فريدا من نوع النظام المخزني ، يمكن ان يتجسد في " سلطة " ، اذا ما شعرت كل القوى المتواجدة ، بان ميزان القوة المذكور طبيعي ومقبول ، وبالتالي مشروع .. وهنا فان التقاليد المخزنية الفوقية ، والمفروضة بقوة القهر ، والجبر ، والقمع اللامحدود ، تساهم في صياغة حالة القبول للوضع والرضى عنه ، رغم انف الجميع ..
ان السلطة هنا تمارس عادة من خلال مؤسسات صورية ، بدون سلطات التي هي سلطات الملك الأمير والامام . والحكومة تتكون من اشباه وزراء ، هم في الحقيقية موظفون سامون عند الملك ، يسهرون على تنفيذ برنامجه وسياسته ، وانْ كانت مضرة ، وضارة بالرعية الجاهلة ، التي تتقبل جميع الاضرار المسلطة عليها .. اما ما يسمى بالبرلمان فهم كذلك موظفون سامون عند الملك ، الذي يفتتح برلمانه بهم مرة في السنة .. ويوجه لهم خطابا بمثابة الامر اليومي الموجه الى الجيش ، في الانقياد والتفاني لخدمة الدولة المخزنية ، وعلى راسها المخزني الأول الملك ، والأمير ، والامام ، وعائلته ، واصدقاءه ، والمحيطين به ، والمقربين منه ... وهنا نجد ان الدولة المخزنية التي تزاوج في الحكم بين السلطتين الثيوقراطية والاثوقراطية ، والسلطة الدهرية ، تتميز بوصف الملك بالأمير للمؤمنين ، وهو النعت الذي كان وراءه رجعيان انتهازيان ، لعبا دورا في تدبيج اول دستور في بداية الستينات بلقب امير المؤمنين .. وهما علال الفاسي الذي كان يخشى المعارضة البرجوازية الصغيرة التي خرجت من حزبه ، وهي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان يتهمه بالشيوعي ، ومن ثم ربط النظام السياسي بالاتجاه السلفي الشرق اوسطي .. والدكتور الخطيب الذي كان يحاول ربط النظام التقليداني ، بالحركة الاخوانية البكستانية ... وقد نجح الحسن الثاني حين ظفر بلقب امير المؤمنين ، لكنه احتفظ بالدولة المخزنية في طابعها العريق ، دون ربطها لا بالاتجاه السفلي الشرق اوسطي ، ولا بالحركة الاخوانية الباكستانية أبو الأعلى المودودي ... وبقي النظام الى اليوم شكليا يزاوج بين اصالة ليست بأصالة ، وحداثة ليست بحداثة . لكن من حيث الواقع ظل النظام غارقا في مخزنيته الرجعية ، كنظام فريد لنوعه في عالم الأنظمة السياسية ..
وبهذا المعنى ، يمكن اعتبار ( المؤسسات ) ، البنية العليا بمعنى اشمل ، كمنظومة تضم من جهة اجساما ، وأكرر اجسما اقتصادية ، وسياسية محددة ، ومتواصلة زمنيا ، ومتداخلة في صياغات متكاملة ، ومن جهة أخرى اعتبر ( المؤسسات ) كصيرورة تفاعل سياسي متجذر ، وواضح ، بيد الأمير ، الامام ، الملك . أي ان المؤسسة بقدر ما تشكل شيئا في حد ذاتها ، بقدر ما تشكل وسيلة فاعلة في القمع في ذات الوقت .
--- التقليدانية والماضوية ، لإدامة الدولة البتريمونيالية ، البتريركية والرعوية : عندما نتناول البحث في التقاليد خاصة المرعية منها ، وكما هو الشأن في كل بحث سوسيولوجي ، وهنا يمكن الرجوع الى كتابات " بول باسكون " / " Paul Pascon " ، نجد انفسنا بالنسبة لنظم كالنظام المخزني ، أمام واقع عنيد . ذلك ان الناس المعنيين بالامر ، لا يفكرون ، ولا يتحركون صراحة ، وفق المصطلحات السياسية والفلسفية التي نشتغل بها . فالباحثون هم الذين يصفون أنواعا من السلوك والنظم ، بالتقليدانية ، والماضوية ، والرعوية ، والبتريركية ، والبتريمونيالية . وليس أصحاب السلوك التقليداني الغارقين في الجهالة الثقافية .. أي يتصرفون دون ثقافة معبرة عن السلوك وعن أصحابه . وينتج عن هذا ، اننا في العديد من الحالات ، نكون غير قادرين على الادعاء بمعرفة الأسباب الحقيقية ، لأنماط من السلوك السوسيولوجي والسياسي ..
بعد هذا التوضيح ، يجب دراسة الأفكار السائدة حول المسألة التقليدانية في المجتمع السوسيو مغربي ، وخاصة في الادبيات المكتوبة بلغة موليير Molière . فكثيرا ما يوصف النظام المخزني بالباتريمونيالي Patrimonial ، او بالنيو/بتريمونيال . ويرجع الفضل في إيجاد هذه المصطلحات السوسيولوجية والسياسية لعالم السوسيولوجيا الألماني " ماكس فيبير " Max Fe béer على الخصوص ، والذي يرى في البتريمونيالية توسعا ، وامتدادا عسكريا ، واداريا للسلطة العشائرية والقبائلية .
وحسب مختلف الدراسات السوسيولوجية حول الأنظمة البتريمونيالية ، البتريركية . يمكن التمييز، أي تمييز النظام العشائري القبائلي في الحياة السياسية كما يلي :
1 ) تواجد المقربين ( المخلصين ) ، بالقرب من القائد الأمير ، الامام سبط الرسول الكريم . فالحلقة الداخلية لحاشية القائد ، مقربة من عناصر حميمية نزواتية ، تم استقطابها على أساس مدى ( اخلاصها ) ، و( ولاءها ) ، و( وفاءها ) ، و ( وخضوعها ) ، لا على أساس كفاءتها ، وهي التي لا كفاءة لها غير الدس وسم القصور ، ولا على أساس ثقافتها ، وهي الجاهلة أصلا بكل ثقافة ، حتى ولو كانت ثقافة شعبوية حْلايْقِية ، ولا على أساس مؤهلاتها ، وهي التي لا مؤهلات لها ، والدليل الفشل المستشري على نطاق واسع ، والعزلة الشعبية الجماهيرية ، والعزلة الدولية للنظام العشائري القبائلي البتريمونيالي ..
2 ) التشخيص ، وذلك بإعطاء العلاقات الشخصية بين القائد وحاشيته ، قيمة عالية ومبالغة . ويأخذ الراعي البتريمونيالي في ظلها ، مكانة المرشد او الاب الرعوي البتريركي ، المالك لسلطة التفقير ، والمالك لسلطة الاغتناء .. هنا نعطي كمثال فؤاد الهمة ، الماجدي ، وأصدقاء الدراسة الذين منحهم مصير المغرب ، ومصير المغاربة ، ولتكون النتيجة تكالب المجتمع الدولي على النظام ، الذي اصبح مهجورا ، منبوذا ، وفاشلا في كل حقل مد يده اليه ... ولعل ان ادانة البرلمان الأوربي المتوقعة بالإجماع يوم الخميس المقبل 10يونيو 2021 ، والادانة المتوقعة للاتحاد الأوربي ، بعد ادانة البرلمان الأوربي ، وادانة الأمم المتحدة المتوقعة للنظام المغربي ، وهي ادانة مباشرة للملك .. ومواقف الاتحاد الأوربي ، وواشنطن ، والاتحاد الافريقي ، والأنظمة العربية التي لزمت الصمت من نزاع الصحراء الغربية ، ومن نزاع سبتة ومليلية ، واصطفاف الجميع وبما فيهم إسرائيل ضد النظام المغربي .... لخ ، لهو خير مثال عن مستوى طينة من منحهم الملك مصير المغرب ، ومصير المغاربة ليوصلوه الى ما وصل اليه اليوم ، من افلاس ، وفشل أصاب كل المغرب ، وليس فقط مفصلا من مفاصله ..
3 ) النزاعات السياسية ، والتنافسات داخل المجتمع المولع بالبتريركية ، والنيوبتريمونيالية ، التي تعني إعادة انتاج العبيد ، تبقى ضعيفة ومحصورة ، وقائمة على توازن ضعيف ومهتز . ولكن بشكل يسمح بخلق أوضاع قارة وجامدة .. ومن لا يتغير سيجرفه النهر الى حيث لا يتوقع ..
4 ) صيرورة متكاملة ومستمرة ، يتم فيها تهميش وافراغ المؤسسات ، وجعلها آلة لتنزيل برنامج البتريمونيالي ، الذي نزل من فوق ، ولم يشارك في الانتخابات ، ولم يخضع لتصويت الناخبين في انتخابات ، تنظمها آلة النظام وزارة الداخلية في مسرحية مكشوفة ، تجعل من المنافسة الانتخابية فاقدة للبّها ، ولجوهرها بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات ، لتغيب المنافسة السياسوية ، ويغيب ( صراع ) الصدفيات الحزبية ، وليتحول الجميع الذين شاركوا في الحملة الانتخابية ، الى مهرولين لمن يحصل له شرف خدمة الامام ، الأمير ، الراعي البتريمونيالي ، كموظفين سامين بتسمية وزراء ، وكبرلمانيين في قبة برلمان الملك ، هم كذلك مجرد موظفين سامين مكبلين بالأمر اليومي ،الذي يُتلى عليهم اثناء القاء الأمير الامام ، خطابه الى الامة من خلال برلمانييه ، الذين سيتضافرون مع وزراء الأمير الموظفين السامين ، لخدمة دار المخزن بكل تفاصيلها وحواشيها ، من الفها الى يائها .. اما الصدفيات الحزبوية التي لم يحالفها الحظ لدخول برلمان الأمير الامام ، فستبقى تمارس المعارضة البرلمانية لحكومة جلالة الملك ، لا لاختصاصات الملك . ومنْ لم يحالفه الحظ لدخول البرلمان ، يبقى إمكانية الحاقهم بإحدى مؤسسات الملك الصورية المشلولة الاختصاصات ، عدا اختصاصات الملك الأمير .... او يستمر دورهم في المجتمع لغرس الأفكار النيوبتريمونيالية ، للحفاظ على دورة انتاج الرعايا الداخلين في الأملاك المخزنية للملك الامام ، والأمير ، والراعي الكبير .. فالغرض من تعويم دور المؤسسات الصورية ، انْ تبقى كما هي من دون تجدد . أي ان تبقى الة لخدمة رأس النظام ، وعائلته ، واصدقاءه ، والمقربين منه ، والمحيطين به .. وخلق جو من الحذر المتبادل بين افراد الحاشية ، وتعميق الحيطة بينهم الى اقصى درجة .. وهنا نذكر ببعض الأمثلة الدالة على الحيطة والحذر ، والخوف من دس السم في صراع القصور . مثلا فؤاد الهمة في مواجهة حسن اوريد ، ورشدي الشرايبي .. علاقات الحيطة التي هي نوع من الخوف من فؤاد الهمة ، الذي يسيطر على الراعي الامام . وهو خوف يذب في جميع أوساط أصدقاء المخزني الأول ، وعلى رأسهم ياسين المنصوري الذي بلغ بفؤاد الهمة وخادمه عبداللطيف الحموشي ، حين ابعدوا في قوت ما الدرك من الباب الرئيسي للإدارة العامة للدراسات والمستندات ، وتعويضهم بالبوليس بالزي الرسمي ، ليكونوا مراقبين لكل داخل وخارج من الإدارة . أي وضع إدارة الجيش تحت سلطة البوليس ووزارة الداخلية .. وظهر هذا كذلك حين ابعدوا الدرك من بوابات قصور الملك ، وتعويضهم بالبوليس ، وبالقوات المساعدة ... أي الضرب من تحت الحزام ...
5 ) استعراض القوة العسكرية ، والتباهي بها لتخويف الرعية ، وليس لمواجهة اسبانية .. وفي نفس الوقت كضرورة لتدعيم السلطة والحكم النيوبتريمونيالي .. فثقافة كبار ضباط الجيش ، هي ثقافة بتريركية ، بتريمونيالية ، مخزنية اكثر منها ثقافة فرنسية ... فالجيش هو جيش الملك ، ومن تسميته يسمى الجيش الملكي .. وقواعده يكونها أبناء الرعايا ، للدفاع عن النظام المخزني ضد الرعايا آباءهم ، انْ ثاروا يوما ، ونفضوا غبار الرعية عن اكتافهم .. وللعلم فالرعايا هم من يؤدي أجور الجيش ا، لتي يذهب جزء منها لا بناءهم المجندين ، حتى يستمروا يدافعون عن الراعي ، الذين يدفعون له اجره من الضرائب المختلفة ، التي تثقل كاهلهم .. فالرعايا يتوالدون ، ويتكاثرون ، ويبعثون بأبنائهم ، ليشكلوا قاعدة جيش الراعي ، ليدافعوا عن الراعي من ثورات اباءهم الرعايا ، وهم من يسدد أجور ابناءهم ، واجور الامام ، الأمير ، القائد الأعلى للجيش الملكي ، ورئيس الدولة البتريمونيالية المخزنية ...
6 ) توسيع ونشر الخرافة ، والاساطير ، ونشر التخويف من الجايْحات ـ ومن الصواعق والامراض .. والتوسع في نشر الديانة الرسمية ، وتأثيرها بما يرضي ولا يقلق الأمير ، الامام ، الراعي الكبير ..
ويمكن ان نلاحظ ان هذه المميزات ، ليست بالتأكيد خاصة بالملكيات ، لكنه من الأكيد أيضا ان الرموز الملكية ومظاهرها ، مؤهلة لخلق جو مساعد ، ومناخ ملائم للنيوبتريمونيالية ، وللبتريركية ، وللرعوية المخزنية .. ولنلاحظ أخيرا ان مصطلح النيوبتريمونيالية الذي يستعمله " إيزينستات " و آخرون ، يعني ببساطة إعادة بناء الحكم البتريمونيالي ، في الاطار الإداري ، والتكنولوجي ، والعسكري للدولة المسماة " حديثة " . وهي التمازج في الحكم بنصين دستوريين متناقضين ، نص مكتوب يجعل من شخص الامام ، شخصا اسمى في الامارة ، ولوحده ، الممثل الاسمى للامة . ونص عرفي غير مكتوب مقتبس من الدين ، يعطي للأمير، وللإمام ، سلطات تفوق تلك التي لحكم النص المكتوب .. ان كل هذه المواصفات التي ذكرنا وبدرجات متفاوتة ، تنطبق على النظام السياسي المخزني المغربي ، الذي يمثل الرعوية ، والبتريركية ، والبتريمونيالية ، في ابشع صورهم الاركاييكية والقروسطوية ...
لكن يبقى السؤال الأهم الخطير ، الذي يجعل النظام المخزني وحده يجسد البتريمونيالية ، ويجددها كنيوبتريمونيالية . هو :
هل يعني هذا . انّ البتريمونيالية توازي التقليدانية ، او فلسفة التقاليد الأكثر من مرعية ؟
لا اعتقد هذا التساؤل ، لأني لا اعتبره من الضرورة .
اذن لنجتهد شيئا ما للتوسع في هذا المفهوم الذي يضعه " إيزينستات " للمجتمعات التقليدية : " أن لها توجها لقبول ديمومة حدث ما ، او وضع ، او شخصية من الماضي ( حقيقة او رمزية ) ، ولتجعل منها المنهل الرئيسي لهويتها الجماعية . ان هذا المعطى يحدد حدود وطبيعة نظامها الاجتماعي والثقافي ، ويعطي في النهاية المشروعية للتغيير ، ويسطر حدود التجديد " ..
اذن . اذا ما تقبلنا هذا التعليل ، نجد ان النظام التونسي مثلا ، على رأسه المجاهد الأكبر ، تنطبق عليه مقاييس البتريمونيالية ، دون ان يلجأ الزعيم وحاشيته للبحث عن مشروعيتهم في ماضي ذهبي بعيد . فهل يمكن القول بان تونس بورقبية باتريمونيالية جديدة ، دون ان تكون ضمنيا تقليدانية غارقة في التقاليد المرعية ؟
على العكس من ذلك ، فان المغرب ، او على الاصح القبيلة والسلالة العلوية العصبية ، تتوافق مع مقاييس البتريمونيالية ، والتقليدانية القروسطوية ، الغارقة في التقاليد المرعية ، التي يجسدها في نفس الوقت طقوس البيعة بتلك المراسيم البروتوكولية المذلة ، وافتتاح الأمير الامام دورة الخريف التشريعية ، لتوجيه الامر اليومي لبرلماني الامام الأمير .. وهما ممارسات تعيد انتاج النيوبتريمونيالية ، ، والبتريركية الغارقة في تقليدانية التقاليد المرعية ، التي تجعل من الأمير الامام ، وحده وبجدبته وطقوسه ، يجسد الدولة المخزنية ، التي لا علاقة لها إطلاقا بالأنظمة الديمقراطية ..
فعلى غرار الشاهنشاه المعزول ، وليس كملك الأردن ، وملوك السعودية ، فان ملك المغرب يرى في ماضي عائلته ، تاريخ المغرب ، وتاريخ الإسلام ، او انه يجعل من ماضي عائلته ، هو تاريخ المغرب ، وتاريخ الإسلام ، وتاريخ مغرب الامجاد ... فالملك يجتهد ليقدم نفسه كأب ، ومرشد مِصباح نور، للرعايا الجاهلة .. فهو فوق كل ما هو سياسي ... وكعنصر ضمان للاستمرارية في صيرورة مخزنية ، يجتهد هو نفسه على تصويرها كصيرورة متقطعة ومهتزة .. وبالتأكيد فان إشاعة مثل هذا التصور ( الخوارق ) ، يتضمن في حد ذاته ، المخاطر بالطعن في النظام نفسه ، من حيث انه عجز بعد سبعة وستين سنة من استقلال " إيكس ليبان " المؤامرة على حركة المقاومة المغربية ، وجيش التحرير المغربي ، والشعب ، من بناء وخلق مؤسسات دستورية حقيقية ، طغت عليها الطلاسم الثيوقراطية والاثوقراطية ، التي جعلتها تتجسد في شخص الأمير الامام وحده دون سواه : أنا الدولة / الدولة أنا " . وهي بصيغة العنترية والميمونية الهجامية " . أنا ربكم الأعلى " المالك للجوي ، والبحري ، والبري ، وكل ما يوجد فوق البري ، وما يوجد تحت البري ، بما فيهم الرعايا الذين هم رعايا امير المؤمنين ، الامام المعظم ، وظل الله في ارضه ..
ان الملك في صفات الأمير الإمام ، وظل الله في ارضه ، ولوحده " أنا وحْدي مْضوِّي لمْكانْ " ، وبالمعنى الذي يقدم به نفسه ، يستمد سلطته من الله ، وليس من ( الشعب ) ، لكنه كظل الله ، فهو ليس مسؤولا عن سياسته امام الله ، حتى يكون مسؤولا امام ( الشعب ) الرعايا .. فالملك الأمير والامام ، لا يملك حزبا ثوريا ، ولا تقدميا ، ولا يملك جماهير ثورية قدافية ( القدافي ) كمصدر لمشروعية اصل حكمه . ذلك انه هو نفسه المشرع الأول من خلال الامر اليومي الذي يوجه مرة في السنة الى برلمانييه ، ومنهم يوجهه الى الرعايا الغائبة والجاهلة ، بحقيقة وضعها المزري ..
لكن السؤال هنا في هذا المنظر الغريب ، الذي لم يكن حتى في الأزمنة الغابرة : مَنِ الذي يوفر المشروعية للمشرع نفسه في الحقيقة ؟
تتجسد النيوبتريمونيالية ، والنيوبتريركية في النظام المخزنولوجي ، في استعمال جملة من الرموز ، باسم تقليدانية منتجة للإخضاع ، والتركيع ، والاذلال ، بواسطة المحافظة على التقاليد المرعية ، لا علاقة لها بالحفاظ على التقاليد المغربية التي ترجع الى آلاف السنين ، حين كان يحكم " أمغار " رئيس القبيلة ، وبالشورى / الديمقراطية ، ولا ترجع للتقاليد البدع التي أسست بها القبيلة العلوية دولتها المخزنية منذ 350 سنة خلت ..وهذه التقليدانية المخزنولوجية ، تظهر كلما تعلق الامر بإحياء عقد ( البيعة ) ، وعند افتتاح دورة الخريف التشريعية ، وتوجيه الامر اليومي لخدام الأمير الامام برلمانييه . وتظهر في الامر اليومي الموجه الى الجيش كل سنة في ذكرى تأسيسه ، وتظهر في " الأمزازية " الوزير أمزازي ، والوزراء ، وكبار موظفي الدولة السامين ، وهم ينحنون الى ما تحت ركبتهم كالثعابين التي لا تملك ( سلسولا ) عمود فقري ، لتقبيل يد الأمير الامام الملك من جهتين . أي تقبيل اليد Recto Verso . وفي العديد من المرات يضع بعض المسؤولون من رتبة عامل بوزارة الداخلية ، الجهاز السلطوي ، قفازات على أيديهم ، قبل ان يسلموا على الأمير الامام ، لان يده بركة ربانية ، لا يجب توسيخها باللمس المباشر ، ليد المخزني الصغير ، ليد الامام الأمير مولانا السلطان ظل الله في ارضه .. فهل من دونية وحقارة ، اكثر من اعتبار الملك نور وبركة الهية ، لا يجب ملامسة يده من دون قفاز ...
وتتجلى هذه المظاهر النيوبتريمونيالية ، والنيوبتريركية المنتجة لمجتمع الاخضاع ، في ابشع صورها ، عند تقديم الرعايا الممتازين Les supers sujets عند الوقوف لتقديم البيعة امام الأمير الامام ، وهو يتبختر فوق صهوة الجواد / الحصان الأبيض اللون ، لان في اللون الأبيض رمزية / بدعة ميتولوجية دينية ، تعيد اشكال الانغماس اكثر في الماضوية التي عرفتها الخلافة الراشدة التي لم تكن راشدة ، ومثلتها اكثر حقبة الدولة الإسلامية ، من الاموية ، الى العباسية ، الى العثمانية ، الى اليوم الذي تحكم فيه الأنظمة باسم الدين ، لتلجيم العامة والرعية الجاهلة ..
كما تظهر حتى عندما يكون الأمير الامام ، واقفا في سيارة مكشوفة ذات لون ابيض ، لتقبل بيعة المنافقين .. هذا دون ان ننسى اللباس ، الجلباب ، والسلهام الأبيض لبرلمانيي الملك عند افتتاح دورة الخريف التشريعية ... وتحضرني هنا كلمة الحسن الثاني قبل انتخابات 1977 ، عندما ركز على الطابع الإسلامي (ههه ) للاقتراع ، مذكرا وكما فعل عدد من السياسويين قبله ، بالمبادئ القرآنية حول الاستشارة ( الشورى ) ، والاجماع الوطني ( الجماعة ) .. ويمكن ان نضيف الى هذا ، حتى بركة الرسول التي تشمل العاهل ، والتي هي من انقدته من انقلاب 1971 وانقلاب 1972 ، وليس ان الانقلابيْن فشلا بسوء التخطيط والتصرف ..
ويبقى السؤال الأكثر من مهم هنا . انْ نعرف الى أي حد تتمتع هذه الرموز البدع ، والاستشهادات ، بثقة ومصداقية الجماهير المغربية .. وهنا ومن دون التمييز بين الجماهير الشعبية المدركة بوضعها ، وبحقيقة الواقع العنيد المسلط عليها ، وبين الرعايا الجاهلة ، لا يمكن تحديد دور هذه الرموز التي تجسد حقيقية الدولة النيوبتريمونيالية ، والنيوبتريركية ، والنيورعوية ، الدولة المخزنولوجية جيدا .. لان الامر قد يبنى على التأويلات والتأويلات المضادة ، ولان الوضع اليوم قد اختلط ، ولم يعد من قوة تقدمية او ثورية ، تتقدم الحديث باسم الاحرار والشرفاء .. لان الجميع اضحى صدفيات فارغة ، غرضها الارتماء في الاستحقاقات التي يعرضها النظام ، لكي يحصل لها شرف المشاركة في خدمة الملك ، من خلال تنزيل برنامجه الذي لم يشارك في الحملة الانتخابية ، ولم يصوت عليه احد ، مع العلم انه هو من يتحكم في العملية التي يوجهها حسب مصالحه ..
فنظرة البعض تقوده الى الافتراض ، بان النظام ثابت في المغرب ، لان هذه الرموز التقليدانية ، مقبولة من غالبية الرعايا كمسألة مشروعة ، كما هو الحال بالنسبة لمصدرها .. وهناك آخرون يضعون مقابل البركة الملكية ، مفهوما تعاقديا اكثر ، لا ينسجم مع البيعة البدعة ، التي تتم فيها الصفقة ، وأكرر الصفقة بين الأمير الامام الملك ، والرعايا بشكل يمكن تلخيصه كالتالي : " ما دمنا لا نرى اختيارا افضل ، فإننا نقبلكم " ..
ويمكن القول ان الملكية في المغرب التي انتقلت من ملكية بتريمونيالية ، الى ملكية نيوبتريمونيالية ، ونيو بتريركية ، حاولت تجديد نفسها من خلال الظهور كطرف رئيسي قوي ، يساوم اطراف النخبة المحلية الموجودة في جهاز الدولة ، ومنها الجيش الذي تماها مع نيوبتريمونيالية ، أساسها السيطرة الشخصية على أساس الإخلاص والوفاء ، اللذان لا يستلزمان الوفاء ، ولا الايمان بالمميزات الخاصة بالقائد ، ولكنهما مرتبطان كلية بالتشجيعات والمكافئات المادية المختلفة . أي ارشاء الجيش لوضعه في يد الأمير الامام الملك .. لان الجيش يصبح جيشه المكون من أبناء الرعايا الذي يتكاثرون نسلا " سافروا تصحوا ، حجوا تستغنوا ، تناكحوا تكاثروا ، فاني اباهي بكم الأمم يوم القيامة " لمد جيش الأمير بالأبناء الجند ، والتكفل بتأدية أجور الأبناء الجند في خدمة الأمير الامام ، الذي يتلقى هو بدوره اجره من الاقتطاعات الضريبية التي تؤديها العامة الرعية ، رغم انها تعرف ان ابناءها جند الأمير ، سيستعملهم الأمير للقسوة ، ولقمع أي تحرك للرعايا انْ هي استفاقت من غفلتها ، وقررت ان تسقط بردعة المخزن عن اكتافها .. حيث لا يتردد أبناء الرعية الجند ، من قمع الرعية ( اباءهم واخوانهم ) ، التي مدت الأمير بالجند القامع ، وتؤدي اجر الجند واجر الملك الامام .. والرابح طبعا النظام ..
فهل من بتريمونيالية متجددة ، نيوبتريمونيالية ، ونيوبتريركية المجسدة للدولة المخزنولوجية ، التي تؤسس لمعمل صنع الرعايا ، اكثر من هذه .. فعندما يجد البتريمونيالي الأول اجتهاد الرعية ، وبمختلف مكوناتها من أحزاب ونقابات ، ومثابرتها في خدمة الدولة البتريمونيالي ، والبتريركية . فأكيد سيدخل الإصلاحات باسم الدستور الذي هو دستور الملك ، على النظام ليصبح نيوبتريمونيالية ، ونيوبتريركية ، ونيورعوية ، لدولة مخزنولوجية ، للحفاظ على استمرارها برضى الجميع .. رغم ان هذا الجميع وباستثناء الرعايا Les supers sujets ، قد يشكل المفاجئة التي ستقلب كل التنظيرات والمشروعات المبنية ، انْ حصل طارئ ، وجد الجد ..
وعلى اعتبار ان الملكية كنظام في المغرب ، تعتمد في استمراريتها على هذا النوع من ( الإخلاص ) الطارئ ، والقابل للانقلاب وللتقلب .. يمكننا ان نميز لعبة مزدوجة بالنسبة لهذه الملكية .. فمن جهة هناك ضرورة التحكم في كل قطاعات نخبة الدولة المخزنولوجية ، والشرائح ( شريحة ) السياسية التي تصطف للتبريك من بركة الأمير ، الامام ، مولانا السلطان على شْريحة المصفوفة في خيط او حبل رقيق ، ومن جهة أخرى هناك ضرورة تحييد الشعب والجماهير ، الذي يكونه الفضوليون بتعبير لغة المخزن ، انْ لم يكن التحكم فيها تحكما مطلقا ، ومن دون اضرار قد يسبب في ردة الفعل من جانب الصدفيات / الحزبوية السياسوية ..
ان موقع التقاليد المرعية ، المكبلة لحرية الرفض والاختيار ، او على الاصح ، موقع النزعة التقليدانية الغارقة في التقاليد المرعية القروسطوية ، من هذه العملية المزدوجة ، هو موقع جوهري ورئيسي ، رغم ان هناك من يميز في هذا الصدد بين التقاليد المرعية القروسطوية ، وبين النزعة التقليدية التي تبقى كاتجاه للكائنات الانتروبولوجية المرتبطة بالدولة المخزنولوجية . ذلك على افتراض ان الثانية ليست طبيعية ، بل هي نزعة مخططة ، دفاعية ، جبرية ، قهرية ، قامعة ، ورجعية ...
وفي سياق هذه النزعة التقليدية المخططة والمقصودة من جانب نخبة القصر ، ومن جانب نخبة الإدارة ، ومن جانب الصدفيات الحزبوية السياسوية ، فان التقليد المطروح ، لا يعبر عن الذين يُنعتون بانهم تقليديون ، ولا يمكن ان يحظى باي دعم منهم .. بل ان قوته ناجمة عن انعدام البديل الملموس في نظر النخبة ، التي تحاول من هذا المنطلق الاستمرار في لعب دورها المكشوف ..
واجمالا لهذا التحليل المفكك للدولة النيوبتريمونيالية ، والنيوبتريركية ، والنيورعوية ، المجسدة في الدولة المخزنولوجية ، يبدو لنا ، ان حكم الملكية ، مرتبط بالعلاقات التعاقدية الغير مكتوبة مع النخبة ، وعلى راسها نخبة الجيش ، ونخبة راس المال ، ونخبة الفقهاء .. هذه العلاقات المطروحة على أساس التفاهم ، وليس على أساس التفاوض الذي قد يأخذ مجرد رأي ، او استشارة بين هؤلاء ، وبين الملك الأمير كلما اقتضت الضرورة كما يجري اليوم ، اثر النزاع بين النظام المخزني ، وبين اسبانية ، والاتحاد الأوربي .. أي تفاهم ، وليس تفاوض محدود في الزمن ..
لكن وبالمقابل . سنجد ان هذه النزعة التقليدية ، تسمح لكل المشاركين فيها . أي في اللعبة ، بصياغة مواجهتهم العدوانية إزاء الجماهير ، التي تبقى مبعدة بعدا مقصودا ، ومخططا له على هامش المتاجرة اللاّأخلاقية الجارية في القمة . أي في القصر . او تستغل هذه النزعة كما ظهر في مسيرة الدرالبيضاء ضد بنكيمون ، وضد عبد الاله بنكيران ، وفي المسيرة الخضراء .. ، لتعبئة وتجييش الرعايا ، لصالح قطاع معين من النخبة ( وزارة الداخلية ومسيرة بنكيران ) .. ولكن بالخصوص لصالح الحكم ، وصالح رأسه على حساب الاخرين ..
اذن . يتوجب علينا الآن ان نهتم بدور التخطيط ، والمؤسسات الفاعلة في هذه اللعبة ، ضد الشعب ، ولصالح الجاه ، والنفود ، والثروة التي سافرت لتستقر في الابناك خارج المغرب ، بأسماء حقيقية ، وبأسماء ليست حقيقية . ذلك انه سيكون من الخطأ الاعتقاد بان كل شيء مرتجل وضبابي . لكن هناك مفارقة بالنسبة لهذا التحليل على الأقل . فالملكية كنظام ، مضطرة للحذر من المؤسسات بمعناها السائد في المغرب .
فلكي تبقى الملكية ضرورة أساسية لاستمرارية النظام المخزنولوجي ، في شكله النيوبتريمونيالي ، والنيوبتريركي ، والنيورعوي ، يجب ان توحي مظهريا ، بانها هي المؤسسة القارة الوحيدة والمستمرة . في حين انّ الباقي كضباط الجيش ، والبوليس ، والجهاز السلطوي القروسطوي ، والأحزاب ، والنقابات ، والإدارات الترابية ، والبرلمان ، والصحافة ... يجب ان تبقى كلها مؤسسات احتياطية مرتبطة بالإرادة الملكية ، ومحدودة الاستقلال والحركة ، دون الرجوع الى الملك رأس النظام الملكي ..
ولكي تحافظ هذه المؤسسات ، ومنها مؤسسة الجيش على وجودها ومشروعيتها ، فإنها مجبرة على تأكيد ، وتثبيت مشروعية العرش ، والاّ وضعت نفسها على الهامش .. ( علاقة الملك الحسن الثاني بالجيش بعد انقلاب 1971 و 1972 ) ..
ان هذه الآلية ، كصيرورة ، هي نفسها التي تشكل عنصر التسيير الرئيسي ، للنظام السياسي المغربي ، الذي يجتهد ويجهد في تثبيت علاقته بالدين وبالرعية لا غير ..
والسؤال : اذا كانت الملكية كنظام تقليداني غارق في التقاليد المرعية . وكدولة فريدة وغريبة بطقوسها ، محطّ تهكم من قبل شعوب وساسة الدول الديمقراطية ، ورغم ذلك ونظرا لاستعدادها المفرط لخدمة السياسيات الغرب الامبريالي ، بدعوى حماية الغرب لها ، للحفاظ على بقاءها واستمرارها .. فهل ما حصل مؤخرا بين الاتحاد الأوربي ، والولايات المتحدة الامريكية ، والنظام التقليداني العصبي العلوي .. قد يضغط ويفرض التحول الحتمي للنظام ، للتخلي عن طقوسه القروسطوية البالية ، ومن ثم قد يضغط في تغيير النظام من ملكية بتريمونيالية وبتريركية ، ورعوية .. تحولت الى ملكية نيوبتريمونيالية ، ونيوريركية ، ونيورعوية ، الى نظام دولة يقطع مع التقليداينة الغارقة في التقاليد المرعية البالية ، وليصبح نظاما ديمقراطيا ، ديمقراطية تنافس ديمقراطيات الدول الديمقراطية ..
ان النظام الملكي بقروسطويته التي تمثلها الرموز التي ذكرنا ، ومناسبات الفعل والحركة المخزنية ، وفي المناسبات المختلفة ، لم تعد له أهمية عند الدول الديمقراطية .. فالغرب الذي يعرف ان ذهاب الصحراء ، يعني السقوط الحتمي للنظام ، وتشريع تشتيت المغرب .. سائر في اعتماء خريطة طريق ، ستنتهي باستقلال الصحراء عن المغرب .. أي ان بقاء النظام او عدم بقاءه ، لم يعد مسألة ذات أهمية ، وذات اعتبار عند الغربيين ..
فهل ستصدق تحليلات الكاتب الفرنسي الشهير Jean-Pierre Turquoi " آخر الملوك " – " Le dernier roi " .. الملك الذي سيدينه البرلمان الأوربي يوم الخميس 10 يونيو بسبب المغامرة بالقاصرين لابتزاز اسبانية ، التي تضامن معها العالم ، في حين لم يتضامن احد ، لا من العرب ، ولا من الافارقة مع النظام المغربي ... وسينتظر النظام المغربي ادانة من الاتحاد الأوربي مباشرة بعد ادانة البرلمان الأوربي .. ومن المحتمل جدا انتظار ادانة للنظام المغربي الذي هو الملك ، من قبل الأمم المتحدة التي تولي عناية فائقة للطفولة التي رمى بها النظام المغربي الى المجهول ... القادم اصعب واخطر ..
من هم الأطفال الذين اوصلوا المغرب الى الوضع المزري ، والمشفق عليه ، الذي هو عليه اليوم
يجب الحساب ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا