الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منبع الالزامية الاخلاقية

اياد نجم
كاتب و باحث

(Ayad Najm)

2021 / 6 / 5
الادب والفن


يفترق الانسان عن غيره بثلاث فوارق رئيسة اهمها و اولها الوعي و ثانيها العقل و ثالثها الاخلاق و الفارقين الاخيرين منبثقين عن الوعي و يمكن القول انهما نتاجان له.
فالانسان على هذا كائن واعٍ و عاقل و اخلاقي و تلك فوارق تفصله و تميزه عن غيره من الكائنات .

ريما يصح القول ان الوعي و التعقل امران لا اراديان ومدمجان بالطبيعة البشرية و يشكلان احد ابرز سماتها التي لا تستطيع الانفكاك عنهما ، لكن ماذا عن الاخلاق هل هي الاخرى لا ارادية يُساق لها الانسان و لا يملك امامها خياراً ، باعتقادي ان الاخلاق امر ارادي يدخل ضمن خيارات الانسان و يمكنه مخالفة الواجب الاخلاقي .
ان مفهوم الواجب عادة ما يرتبط بمفهوم الاخلاق و يقول البعض ان الواجب الاخلاقي هو امر نسبي لا حقيقة له فتصور حالة الانسان وحيداً دون وجود اخرين معه يُفرغ كلمة الوجوب عن معناها اذ لا يصبح حينها للصدق او للشرف او النفاق او السفالة او الاحترام او غيرها من مفردات الاخلاق اي معنى ، ما هو معنى ان تكون وحيداً و ان توصف بالصدق و ما هو معنى ان توصف بالنبل وانت وحيد ، ذاك امر لا مبرر له و يخرج عن العقلانية.

الحقيقة نحن امام سؤال وجيه و لكنه يغفل عن سؤال مهم ، هل الانسان مُلزم اخلاقياً تجاه نفسه ؟ و هل هو مُلزم اخلاقياً تجاه الطبيعة ؟

انه لمن المهم ان نفكر ملياً في هذين الفرضين ، اذ اننا يمكن ان نفرض وجود الانسان لوحده و بالتالي تعتبر كل الاخلاقيات الاجتماعية عبارة عن لغو بالنسبة له لكن ماذا عن ذاته و ماذا عن الطبيعة التي تحيط به و تمنحه حاجاته.

ان عطية الحياة هي عطية عظيمة لا تترك امامنا خياراً للتفكير في التفريط بها ، كما ان انانيتنا التي هي عطية عظيمة اخرى تُلح علينا بتلبية حاجاتها و بالرغم من ان انانيتنا تتمتع بسمعة سيئة الا انها باعتقادي منحة عظيمة اساء الانسان توظيفها و لطخ بياض ثوبها .

فالانسان اذن ملتزم اخلاقياً تجاه نفسه اولاً و ذاك اهم التزام و هو الالتزام الذي يمكن وصفه بأنه بمثابة المنبع لبقية الالتزامات ، .

فأنانيتنا هي المحرك لكل اشكال و جوانب الحياة التي نحياها ، و ان اول منبثقات الوعي هو الوعي بالذات ان تعي ذاتك و تتحسسها و بالتالي ان تلتزم تجاهها و هذا الالتزام يشكل اللحظة التي تُطل الاخلاق برأسها علينا من خلالها و تفرض علينا حمايتها و المحافظة عليها وتعزيزها و تلبية حاجاتها .

بل ان هذه الالتزامية الاخلاقية المستبطنة تجاه الذات يمكنها ان تعلل لنا بغض الذات و و كرهها و ايذائها بل و اهلاكها ، اذ يمكن تعليل ذلك عبر استخدام مفهوم الحرية و مفهوم الالتزام ، فالحرية ليست قيمة اجتماعية تتشكل و تتداعى لمجرد قيام مجتمع تتشابك فيه المصالح و تتقاطع و تفرض تحديداتها بل هي التزام تجاه الذات اولاً و ان فلسفتها تنطلق من هذا الركن ، كما هي التزام الفرد تجاه ذاته ثم ان المجتمع يفرض بعض شروطه عليها لكن اطلاقها يأتي من هنا من هذا الركن الركين الذي يسندها ، من هنا يمكن ترجمة الانتحار بأنه محاولة تخليص النفس من آلام اشد من الموت وهو مدفوع بالالتزام تجاه النفس .

فالاخلاق اذن لها قيمتها الذاتية التي تبررها و اما الغطاء الكثيف من النسبيات الاخلاقية فهو ليس اكثر من تراكمات عرضية تعود بالتحليل الى قيمة ذاتية كبرى و اصيلة هي الالتزام تجاه الذات المدفوعة بانانيتنا ، و تتعدى هذه الانانية الى المحيط او الطبيعة لتحافظ عليها و تحميها بوصفها جزء من متطلبات حماية و حفظ الذات .

اياد نجم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل