الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلاء الولاء

صادق إطيمش

2021 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


الولاء قد يتحول الى بلاء اذا ما التصق بدائرة فكرية تضيق عليه يوماً بعد يوم مستنزفة كل ما فيه من قدرة ، خاصة قدرة التفكير والتأمل بما يعتقد فيه ديناً يمسكه من اطرف مواقعه ، وما هو في الواقع إلا ديدناً تعود عليه وتعلمه اما عبر تاريخ زائف او تربية بيتية واجتماعية لم يتوفر فيها لقاء الأفكار ولا حتى تعدد الروابط بهذا الذي يسميه صاحبه ديناً له ما له من الثوابت وعليه ما عليه من التفاوت .
وقد يتحول الولاء الى بلاء اذا ما تحرك ضمن سياج مغلق على ولاء العشيرة او القبيلة الذي سماه الاولون بالعصبية القبلية التي ارادوا التخلص منها فلم يسعفهم لذلك كل جديد حل بحياتهم حتى ذلك الذي جعل هذا الولاء مذموماً بمرسوم من السماء .
وقد يتحول الولاء الى بلاء حينما ينطلق من الإنفراد بالحقيقة التي يصر على إطلاقها ولا يمكنه التفكير بنسبيتها مهما تناثرت حوله الأدلة وازدادت لديه البراهين التي تشير الى انه إنما يسير عكس التيار وينشد بين خرسان .
حياتنا تخبرنا بكثير من الاحداث التي حولت الولاء الى بلاء ، خاصة في وطننا العراق المُبتلى بمختلف انواع البلاء التي افرزتها ولاءات نعيش مآسيها اليوم . وهذه الإستمرارية في تراكم البلاء عبر سنين طويلة واجيال عديدة رافقت تاريخ شعبنا واثقلت كاهل وطننا، وضعتنا اليوم في قعر هاوية التخلف في كل مجالات الحياة . حياة اهل العراق ،التي ارادت لها احزاب وتنظيمات الإسلام السياسي التي جاء بها الإحتلال لوطننا عام 2003 ليسلمها القيمومة على شؤوون هذا الوطن واهله ، اصبحت تنوء تحت هذه الولاءات التي لم تترك مقدساً دينياً إلا وربطت اسمها به .
لقد تجلى تراكم البلاء هذا على اهلنا ، وكاستمرار لبلاء البعثفاشية المقيتة الذي ارتكز على مسانده القومية التي تحولت الى ركائز لعائلة الجرذ المقبور بعد نسف الركائز الحزبية التي كان يستند عليها نظامه الفاشي، بوجود تلك التنظيمات المسلحة بسلاح الإسلام السياسي المقيت الذي برز مدعياً مقاومة الإحتلال ، في الوقت الذي قتلت فيه عصاباته الطائفية الوحشية من العراقيين اكثر مما اصابت به المحتل الذي جاء بها والذي انقلب بعضه عليه مؤخراً ، لكثير من الأسباب التي ادت الى انقلاب الخادم على سيد نعمته .
بعبارة اخرى يمكننا القول ان جيوش الإحتلال لم تات بمفردها ، بل جلبت معها وعلى دبابتها جيوشاً لتلعب دور مقاومة المحتل ، إلا ان دورها الأساسي عكسته بشكل واضح تلك الاسماء التي لم تترك ولياً شيعياً ولا وصياً سنياً إلا وربطت اسمها بها لتدل بشكل لا يقبل الشك على مدى ما تضمره للشعب العراقي الذي ظلت تداهمه ليل نهار اينما وجدته وكأنها تريد ان تطبق نصها الديني فعلاً تحت شعار : واقتلوهم حيثما ثقفتموهم .ولم ينجو حتى الرئيس الأعلى ، الله ، من زجه بارسال جيوشاً لحرب اهل العراق ، جيوشاً باسم احزابه وربعه وانصاره لتقتل من تشاء وتعبث بالأرض فساداً طالما انها تحمل الشعار السحري على اعلامها والذي يشير الى مقاومة الإحتلال.
وبعد ان حصد التناحر الطائفي آلاف الأرواح من اهلنا ، استعان اصحابه باخوتهم في الجريمة واشدهم طائفية ليعلنوا دولتهم الإسلامية في العراق وليعيثوا فساداً بمساحات واسعة من مدننا ، وكأن الحرب التي اعلنها اقرانهم المذهبيون وغير المذهبيين على الشعب العراقي وآلاف الضحايا التي سقطت دون ذلك لم تشف غليلهم الغاطس في حب الجريمة والإنتقام من اهل العراق .
وهنا تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود حينما تبارى آلاف من الشباب لتلبية نداء الدفاع عن الأرض والعرض ، لم يحملوا معهم غير ايمانهم بانهم انما يلبون واجب الدفاع عن الوطن واهله وحسب ، ولم تخالج افكارهم اية تطلعات ذاتية او منافع شخصية ، كما لم تلوث افكارهم تلك الأفكار التي رفعتها رايات احزاب وتنظيمات وعصائب وجيوش الله والأولياء والأوصياء . لقد جاء شباب الدفاع عن الوطن من الشعب فعلاً حتى اطلق عليهم الناس صفة الحشد الشعبي ، حيث قدموا في صفوف هذا الحشد آلاف الضحايا الذين لم ينظروا الى الطبيعة الجغرافية او نوعية الإنتشار السكاني للمنطقة التي دافعوا عنها ، فقد كان يكفي ان تكون الارض عراقية فقط .وحينما حققوا الإنتصار على عصابات الدولة الإسلامية ومجرميها عاد كثير منهم من بقي على الحياة الى مرابع اهله ، وانخرط قسم منهم في القوات الامنية جيشاً وشرطة ، وهم فخورون بانتهاء مهمتهم وقيامهم بواجبهم على احسن وجه وبقي كثير منهم يعيش على كابوس احلام ذكرياته ، مترحماً على من فقده ممن كان بصحبته في هذه المهمة الوطنية النبيلة .
إن عودة هؤلاء الرجال الى ديارهم او انخراطهم بالعمل في صفوف قوى الدولة الأمنية اشار بوضوح الى انتهاء مهمة الحشد الشعبي التي نودي عليه من اجلها . إلا ان الذي لم ينته هو استمرار التجارة باسم الحشد الشعبي من لدن تلك الجيوش الإلهية والولائية المليشياوية الطابع والمتخصصة بالولاء لسادتها قبل كل شيئ ، هؤلاء السادة والقادة الذين لم يشاركوا ابطال الحشد الشعبي بولاءهم الوطني ، حيث كانوا بعيدين عنه كل البعد ، إلا انهم شاركوهم بالإلتفاف على تنظيماتهم وهيمنتهم عليها بالنظر لما كانوا يمتلكونه من تدريب على السلاح وما اكتسبوه من تجربة باستعماله وما تكدس منه عندهم ببركة سيدهم الذي جعل من وطنه ولاية ينوب هو على ادارتها بقدسية تسمح له ، وله فقط ، ان يمول عصابات عسكرية ومليشيات طائفية خارج وطنه وعلى حساب قوت شعبه ، وحتى تجمعات داعشية ، عدوته المذهبي ، كما يدعي.
هذه المليشيات المسلحة والعصابات المنفلتة التي ارهبت الشارع العراقي بما اقترفته من الإرهاب ومن جرائم قتل وترويع واستعراضات عسكرية ارادوا من خلالها حتى تهديد كيان الدولة ، ظلت تمارس وجودها العسكري وكل ما يرتبط به من عنف وجريمة بحق الشعب والوطن حتى بعد انتهاء المهام القتالية للجيش الشعبي الذي انقضوا عليه بما كانوا يمتلكونه من سلاح وعتاد وتنظيمات كانت قد تشكلت وتدربت على السلاح الخارج عن سيطرة الدولة قبل تأسيس الجيش الشعبي الذي تصدى رجاله فعلاً للإرهاب الداعشي ثم انصرفوا بعد انتهاء مهمتهم هذه . اما من بقي متلبساً بزي الحشد الشعبي ، يمارس نشاطه باسم الحشد الشعبي تحت اعلام ورايات احزابه او اسماء مقدساته ليشكل دولاً عدة داخل الدولة العراقية وليؤسس المحاكم خارج نطاق القضاء العراقي وليفرض قوانين ليس للدولة علم بها وليفرض ضرائب واتاوات حسب قوانين سادته وليؤسس لقواعد صواريخ تضرب ما يحلوا لها انتهاكاً لسيادة الدولة العراقية وليعلن الولاء المطلق لا للعراق ، بل للولي الفقيه وولايته التي لم يحل اصحابها في ارض إلا وخربوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة، ونشط بشكل خاص سافر ومخزي منذ انبثاق ثورة تشرين المجيدة بقتل واختطاف فتيات وفتيان الثورة ،وشن حملات اجرامية مسعورة ومبرمجة ضد شباب لم يقترفوا اي جرم ، إلا انهم اقترفوا جرماً حقاً ، كما يراه المليشياويون ، حينما طالبوا بمفردة غريبة على اسماع اتباع الولي الفقيه اسمها الوطن .
هذه المليشيات التي لم تزل سائبة تصول وتجول بسلاحها لا تهدد الناس فقط ، بل تهدد الدولة ايضاً .ولا غرابة في ذلك ، من وجهة نظر هذه العصابات ، فهذه الدولة ، في حساباتهم ، ما هي إلا ذراع من اذرعة ولاية الفقيه التي يدينون لها بالولاء المطلق الذي لم يشهد منه العراق واهله غيرالبلاء الأعظم .
المؤسسة الدينية التي نادت لتشكيل الحشد الشعبي الذي انضم اليه شباب عكسوا بذلك انتماءهم للوطن واهله واستجابوا لنداءهما الذي مثله نداء المرجعية الدينية ، هذه المؤسسة الدينية التي اعلنت ، حتى بح صوتها ، كما جاء في بياناتها،بانها لا توافق على انتشار المليشيات الحاملة للسلاح المنفلت وخارج نطاق سيطرة الدولة ، والتي دعت الى عدم الإخلال بسيادة الدولة ، لم يُسمع صوتها من قِبَل هذه المليشيات وقادتها . وهذا امر طبيعي جداً اذا ما علمنا بان ولاء هذه المليشيات وولاء القائمين عليها ليس للعراق وما يصدر عن اهل العراق ، بل لما يأمر به دكتتاتور ولاية الفقيه ، سيدهم الأعلى ووليهم الأوحد.
إلا ان الغريب بالأمر هو ان لا يُسمع صوت المرجعية الدينية ، وهذا يشير بما لا يقبل الشك الى عدم احترامها من قِبَل هذه التنظيمات وسادتها ، ومع ذلك تظل دون ردة فعل حقيقية تعكس ارادتها في مجتمع سيساند هذه الإرادة اذا ما تمخضت عن فتوى تحريم المليشيات ووجوب حلها مثلاً . فالمرجعية الدينية ، كما هي في العراق اليوم ، لا يجب ان يبح صوتها ، إذ ان ذلك يعني انها تصرخ ليل نهار ولا احد يستجيب لصوتها حتى بُح . هذا لا يليق بموقع وسمعة هذه المؤسسة الهامة في العراق . ان صوتها يجب ان يُسمع وطلبها يجب ان يُلبى منذ اول نداء حتى وإن كان خافتاً ، وإلا فإن هيبتها ستؤول الى الإندثار يوماً بعد يوم إذا ما استمرت على توجيه الصرخات التي لم ولن تُسمع والتي سيظل الشعب العراقي يسير نحو المآسي الأكثر مرارة بسببها .
الأمر الذي ارغب بالتاكيد عليه هنا هو دعوة المرجعية ، التي لم تُسمع لحد الآن ، الى انضمام القوات المسلحة لهذه المليشيات الى اجهزة الدولة الأمنية . إن تحقيق هذا الأمر يشكل خطورة جسيمة على العراق واهل العراق ، وإن افراد هذه المليشيات لا ينبغي ان يكون لهم اي موقع في القوات الأمنية العراقية وذلك لسبب بسيط جداً والمتعلق بتشبُع رؤوس افراد هذه المليشيات بالولاءات الطائفية التي لا تعترف بالوطن والتي ستنعكس على عملها في مؤسسة الدولة العراقية الأمنية . إن الحل الأمثل لمشكلة الآلاف المنتمية الى هذه المليشيات والتي تعتاش عليها ايضاً ، هو ان يصار الى تكليفهم باية اعمال اخرى لا تؤهلهم مواصلة العنف الذي تعودوا عليه خلال السنين الطويلة التي قضوها مع غسل الدماغ الطائفي والتوجه الولائي لغير الوطن وما يجره ذلك من بلاء على وطننا واهلنا .
الدكتور صادق اطيمش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - -من طلب المحال لا يحظى بنوال-!
طلال الربيعي ( 2021 / 6 / 6 - 00:21 )
دكتورنا العزيز
اجمل التحيات
تستنتج
-إن الحل الأمثل لمشكلة الآلاف المنتمية الى هذه المليشيات والتي تعتاش عليها ايضاً ، هو ان يصار الى تكليفهم باية اعمال اخرى لا تؤهلهم مواصلة العنف الذي تعودوا عليه خلال السنين الطويلة التي قضوها مع غسل الدماغ الطائفي والتوجه الولائي لغير الوطن وما يجره ذلك من بلاء على وطننا واهلنا .-
وما ارجوه بكل شغف منك ان تلخص لنا ببضع كلمات ماهية الأعمال الاخرى! ونحن نعلم علم اليقين بوجود وباء آخر في العراق, وباء البطالة والعطالة والفقر الذي حسب التصريحات الرسمية نفسها تجاوز ال 30 بالمائة.
ولو كان العراق دولة منتجة بصناعة وزراعة لتشغيل افراد الميليشيات لما كانت هنالك ميليشيات في المقام الاول.
وتحن نعلم ايضا ان احالة العراق الى دولة ريعية بأمتياز
كانت هي نتاج قرارات بول بربمر. وبريمر, كما نعلم, كان رئيس مجلس حكم الاحتلال لذي ايدته المرجعية. وانك تقول المرجعية لا تستمع اليها الميلشيات. وهذا امر مفهوم لكل من يجيد الف باء الماركسية وعلم النفس, لانهم لو استمعوا لماتوا هم واهاليهم من الجوع في بلد العطالة فيه كالوباء,
يتبع .


2 - -من طلب المحال لا يحظى بنوال-!
طلال الربيعي ( 2021 / 6 / 6 - 00:26 )

فهم سيسألون: -اين هي الوظائف؟ ولماذا علينا الموت وعوائلنا من الجوع وتحمل تبعة قرارات الاحتلال الذي ايدته المرجعية؟ ما ذنبنا نحن؟ الم تستشعر المرجعية عواقب الاحتلال؟ لماذا علينا اذن الاستماع اليها؟-
وحفظ النفس قانون نفسي لا يستطيع حتى الله تغييره. ولا ادري من قال -من طلب المحال لا يحظى بنوال-!
واننا لا نعلم شيئا عن مؤهلات هؤلاء الوظيفية او العلمية, ولا ادري هل تشغيلهم سيعني اضافة ارقام جديدة الى ارقام البطالة المقنعة التي تنخر الميزانية كأحد مظاهر الفساد!
والفيلسوف سارتر قال شيئا مفاده اذا كنت تريد تغيير شيئا صغيرا, فعليك ان تغير شيئا اكبر بكثير. والميليشيات لا يمكن تسميتها وفق اي اعتبار شيئ صغير.
سارتر, ببصر ثاقب, ضد (سياسة-فكر) الترقيع. واعتقد انه على حق!
مودتي


3 - شكر وتحية
د.صادق إطيمش ( 2021 / 6 / 6 - 09:12 )
للأستاذ الفاضل طلال الربيعي المحترم، كل ما تفضلت به صحيحاً يعكس الكارثة الحقيقية التي يمر بها وطننا والبطالة احدى ركائزها الاساسية . حينما طرحت فكرة ابعاد هؤلاء عن المؤسسة العسكرية كنت اشعر بالخطر الذي سيرافق وجودهم والذي سيوجه عملهم توجيهاً تؤثر عليه تربيتهم المليشياوية . اما فكرة اعطاءهم مهمات اخرى فهذا لا يمكن تحقيقه إلا في دولة تستجيب لمتطلبات الدولة الحديثة واهمها الإستثمار في الإقتصاد الإنتاجي واستغلال اموال الفساد كجزء من هذا الإجراء . فإذا علمنا مثلاً ان الفضائيين الذين يتقاضون لحد الآن رواتب من الدولة قد يتجاوزون المئة الف مثلاً ، فيمكن ان يشكل استرداد هذه الأموال خطوة على الطريق الصحيح للإنتقال بسوق العمل الى الأفضل ، إضافة الى ما يُسرق من النفط ومن الحدود ومن الحصة التمويينية ومن الكهرباء وغيرها الكثير . انها مسألة تغيير قبل كل شيئ ومثل هذا الحل لا يمكن تحقيقه إلا بالتغيير وحل هذه المليشيات اولاً سيشكل خطوة هامة نحو هذا التغيير ، مع اطيب
.التحيات

اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل