الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هامش الحرية والجو السياسي المنفتح في العراق

نادر عبدالحميد
(Nadir Abdulhameed)

2021 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


رافق سقوط نظام البعث عام (٢٠٠٣) شعورا بالفرح، ليس فقط في أوساط الجمهور المضطهد والمتعطش للحرية، بل وأيضًا بين المثقفين المتعطشين للديمقراطية الغربية.
رغم وجود الدمار وغياب الخدمات والحرب الاهلية وإرهاب الميليشيات، إلا إن الناس تنفسوا الصعداء، خاصة في السنوات الاولی بعد الإطاحة بالنظام، وازدهر حلم المثقفين الليبراليين بعالم يسوده القانون وتسوده "العدالة".
هذا الهامش من الحرية، كان حصيلة الجو السياسي المنفتح والمنبثق عن عملية إنهيار النظام السياسي والدولة وأجهزتها القمعية كالجيش والأمن، وليس منحة من السلطة المتشكلة حديثا بمبادرة المحتل (الإمبريالية الأمريكية) ولا جزءا من دولة مستقرة قائمة علی المؤسسات، حيث لم يكن العراق قطعا دولة كهذه طوال وجوده .
إن المضمون الإقتصادي للعملية السياسية التي أقيمت بعد (٢٠٠٣) لإعادة تشكيل الدولة والتي تجري لحد الآن ومنذ اكثر من (١٧) عاما، يكمن في نهب الثروة العامة للمجتمع وتهريب المليارات من الدولارات المسروقة الی الخارج، من قبل تلك التيارات القومية والدينية المشاركة في العملية السياسية، وذلك عن طريق تنفيذ السياسات النيوليبرالية والخصخصة، التي ادت إلى توسعة رقعة البطالة والبؤس الاقتصادي، وهذا لا يتطلب إبقاء هذا الهامش من الحرية والإقرار به وتوسعته وجعله واقعة اجتماعية سياسية ومؤسساتية، بل بالعكس يتطلب الإجهاض عليه بأسرع ما يمكن.
إن وجود هذا الهامش من الحرية، خلافًا لاعتقاد المثقفين الليبراليين، لا يتجه نحو خلق "ديمقراطية غربية"، بل هو حالة عابرة وزائلة، وبالتزامن مع الثبات الهيكلي للدولة المركزية يسير نحو التقييد والإزالة ويحل محله القمع السياسي والتعدي علی الحقوق والحريات المدنية والفردية.
وجود الانتخابات النيابية والتعددية الحزبية في العراق لا يعنيان الإقرار بالحرية للجماهير، بل إضفاء الشرعية على النهب والفساد والقمع القائم بحق الجماهير الكادحة، وفرض شروط العبودية على النساء وخنق تطلعات الشبيبة الحرة نحو مستقبل افضل، وهذا ما تؤكده الوقائع والحقائق كل أربعة سنوات بعد كل عملية انتخابية برلمانية في العراق.
هناك عاملان لبقاء وإطالة أمد هذا الهامش من الحرية وهذا الجو المنفتح السياسي في العراق، ألا وهما الصراعات الداخلية بين الأجنحة المختلفة للتيارات البرجوازية القومية والدينية مع بعضها البعض أو داخل نفس التيار الواحد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى مرهون بمقاومة الكادحين ضد البؤس الإقتصادي ودفاع الجماهير التحررية عن نفسها ضد تطاولات هذه التيارات السياسية والميليشية على الحقوق والحريات.
هذه المقاومة والدفاع، عملية مستمرة وجارية، مَثَلتها في البداية ومنذ (٢٠٠٣)، محاولات قادة العمال ونشطاء الحركة العمالية لتنظيم صفوف العمال والكادحين كـ(إتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق) و(إتحاد العاطلين عن العمل) وغيرهم، وكذلك المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة كـ(منظمة حرية المرأة في العراق) وغيرها، هذا من جانب، ومن جانب آخر مَثَلتها حركات إحتجاجية للجماهير الكادحة والشرائح المهمشة والمفقرة، متزامنة مع سير العملية السياسية البرجوازية وعكس مسارها وضدها، مثل موجات المظاهرات العارمة في سنوات (٢٠١١)، (٢٠١٥)، و(٢٠١٨) متوجة بانتفاضة (اكتبر ٢٠١٩) التي هزت عرش السلطة والتي لم تعجز فقط عن إخمادها لحد الآن، بل وأدت إلی ازدياد الخلافات والصراعات القائمة أصلا بين تياراتها القومية والدينية الحاكمة وبين أجنحتها المختلفة.
هناك جبهتان متصارعتان في المجتمع تستندان الى مصالح إجتماعية طبقية متضادة، وهما جبهة الطبقة البرجوازية بكل ما فيها من قوميين وإسلاميين وإصلاحيين ومن المعارضين التابعين للتيارات المختلفة بشتی الوانها واشكالها، ومعها الشرائح المختلفة من الرأسماليين وأصحاب المشاريع الاقتصادية والتجار وكبار موظفي الحکومة ومسؤولي الأحزاب والميلشيات والجيش والنواب التابعين لهم في المجلس الوطني، وكبار رجال الدين في المؤسسات الدينية المستفيدين من الفساد المستشري، ... محاولين لملمة صفوف طبقتهم وإيجاد مخرج للأزمة المستفحلة التي تعيشها سلطتهم، وهم متفقون علی العملية السياسية كقاعدة اللعبة وجرها في اتجاهات مختلفة حسب مصلحة كل تيار وكتلة أو فئة.
أما جبهة العمال والكادحين والمرأة المسحوقة، والشبيبة المحرومة، فهي جبهة تعاني أولا من غياب افق تحرري مساواتي وإنساني، أي غياب افق ووعي إشتراكي يعبر عن آمالهم وأهدافهم من اجل الخلاص من سلطة الأحزاب الميليشية القومية والإسلامية ومن براثن النظام الرأسمالي النيوليبرالي الوقح.
إن حضور هذا الأفق والوعي الإشتراكي لدی الجماهير الكادحة ضروري لتنظيم صفوفها وظهورها كقوة طبقية مستقلة في التغيرات السياسية، فبرغم القيام باعتراضات مستمرة وانطلاق حركات إحتجاجية واسعة وموجات كبيرة من المظاهرات والإنتفاضات، وكذلك رغم التضحيات الجسيمة خاصة في انتفاضة اكتبر (٢٠١٩)، إلا ان الطبقة العاملة لم تتمكن من طرح نفسها كقوة طبقية في ميدان السياسة بشكل مستقل، مقابل اجندات وبدائل بورجوازية متنوعة لإصلاح السلطة القائمة وذلك نتيجة غياب بسط الوعي الإشتراكي بين صفوفها وغياب التنظيم المهني والحزبي.
إن ترسيخ وتطوير حركة حزبية إشتراكية قوية داخل الطبقة العاملة والمجتمع ككل، يشكل أداة فعالة وبناءة في مسيرة بسط الوعي الإشتراكي وإيجاد منظمات عمالية جماهيرية، واخيرا النهوض والإرتقاء بالحركة العمالية وتهيئة الطبقة العاملة لخوض معركتها المصيرية.
ليس هناك بديل ثالث، فإما ان يدوم الوضع الراهن مع إجراء تغييرات طفيفة وإصلاحات شكلية ومنقوصة لحفظ النظام البرجوازي وإدامة الويلات والمآسي من بطالة وفقر وحروب الميليشيات والقمع وفرض شروط العبودية علی المرأة، أضف الى ذلك مسلسل الاغتيالات بحق نشطاء الحركات الاحتجاجية ... وإما ان تتمكن الطبقة العاملة من النزول إلی ساحة النضال السياسي وتفرض سلطتها وتحسم الأمر لصالحها.
آواخر آيار ٢٠٢١








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة