الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قراءة في مقال السيد الرئيس
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
2021 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية
في ظل أجواء عصر ديمقراطيتنا الزاهر، سأجوّز لنفسي، أنا المواطن البسيط، أن أكتب قراءة في مقال السيد رئيس جمهورية العراق، الدكتور برهم صالح (من دون حفظه الله ورعاه، وهذه إحدى بركات ديمقراطية عصرنا الزاهر!)، والذي نشر على صفحات جريدة الشرق الأوسط، في يوم خمسة حزيران الجاري، تحت عنوان (في يوم البيئة العالمي: إنعاش وادي الرافدين لمصلحة المنطقة).
في مفتتح مقاله، يعرض السيد الرئيس لحجم أضرار ومخاطر التغير المناخي على بلاد الرافدين، من نواحي التصحر وارتفاع نسبة ملوحة التربة، والتي تهدد مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، الأمر الذي سينعكس في النهاية بأضراره على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للعراقيين.
وبعد عرض لجوانب ومخاطر بناء السدود على نهريّ دجلة والفرات (وفق تقرير لوزير الموارد المائية، يستشهد به سيادة الرئيس)، يعرض سيادته قائمة بالحلول لهذه المشكلة التي تهدد مستقبل العراق فعلاً وكما يلي (لذلك، وفي اليوم العالمي للبيئة، أرى من الواجب الدعوة لتأسيس برنامج وطني لإنعاش وادي الرافدين، يتعاطى في جوهره مع الحاجة الملحّة للتكيف المناخي، وجعله فرصة لتحويل الاقتصاد العراقي نحو التنوع ودعم الطاقات المتجددة والآليات النظيفة والدخول في أسواق الكربون ورفع صمود المناطق الهشة والمعرَّضة للتغيرات المُناخية والتقلبات الاقتصادية الحادة، من أجل ظروف معيشية أفضل للمواطنين وأكثر استدامة.) و(في يناير (كانون الثاني) 2021 صادقتُ على قرار مجلس النواب بانضمام العراق إلى اتفاق باريس للمناخ، هذا الاتفاق الذي يُمثل فرصة مهمة لكوكبنا في مواجهة التغيرات المناخية عبر تكاتف دولي موحد، كما صوّت مجلس الوزراء في فبراير (شباط) 2021 على استثمار محطات كهربائية شمسية لتوليد الطاقة النظيفة، وقبلها شرعت وزارة البيئة بكتابة وثيقة المساهمات الوطنية (NDC) للتعامل مع التغيرات المناخية في البلد.)، وهذا يعني أن السيد الرئيس لم يتخذ أي قرار حقيقي وملموس، وإن مقاله، لا يتعدى كونه عرضاً تنويهياً بمخاطر مشكلة من أخطر المشاكل التي يعاني منها العراق فعلاً.
أولاً، وأرجو أن يتسع صدرك الكريم لملاحظاتي يا سيادة الرئيس، لماذا نشرت مقال ملاحظاتك على صفحات جريدة الشرق الأوسط وليس في صحيفة عراقية (وجدت المقال منشوراً في موقعيّ الجزيرة نت والعربية نت أيضاً، ولا أدري إن كان مكتب السيد الرئيس الإعلامي هو الذي نشره هناك أم أن الموقعين أعادا نشره لوحدهما)، لأن الملاحظات، ومن الناحية العملية، تهم العراق وحده وتهدد بيئته بصورة مباشرة، والأهم لأنها ولدت بسبب ظروف عراقية داخلية صرفة، أولها وأهمها هو الإهمال الحكومي للبيئة؟ ولنفرض أن نشر سيادتكم للمقال في صحيفة عربية، سعى للفت الأنظار الدولية إلى المشكلة، أما كان الأجدر أن ينشر في صحيفة عراقية، بالتزامن، لكي يكون بمتناول من يقرأ من العراقيين، ليعرف حجم أضرار المشكلة التي تهدد بلده ومستقبل أولاده وأحفاده؟ هل توزع جريدة الشرق الأوسط في العراق؟ وإن وزعت وعُرضت للبيع في مكتبات العراق، فكم نسخة سيعرض ويباع؟ مئة نسخة؟ مئتي نسخة لعشرين مليوناً ممن يقرأون في العراق؟ ونفس التساؤلات سأسحبها على موقع الجريدة الألكتروني، وهنا أقسم لك، أن مواقع الصحف الألكترونية، وبصورة عامة، لا يكاد يدخلها إلا ذوي الاختصاص من الصحافيين، وطبعاً الأجهزة الرقابية التابعة لأجهزة المخابرات!
وإذا ما تجاوزنا هذا (الخطأ غير المقصود أو الذي ارتكبه المسؤول الإعلامي في مكتب سيادته، دون حساب دقيق لأثره) سننتقل للحلول التي يطرحها سيادته والتي، من الناحية العملية، كونها طلب ودعوة إلى اتخاذ الاجراء الفلاني والتدبير العلاني، ومن دون أي إشارة إلى اتخاذ سيادته لأي اجراء ملزم للحكومة أو وزاراتها المختصة.
سأتفق معك يا سيادة الرئيس على إن منصبك بروتوكولي ولا يسمح لك باتخاذ القرارات التنفيذية، ولكن هنا سيواجهك المواطن بالاعتراض التالي: نعم نفهم هذا، ولكن أولاً هذه مشكلة مصيرية تحدق بالعراق وشعب العراق ومستقبله ومستقبل أجياله، وعليه أفلا يحق لرئيس الجمهورية أن يدعو (كي لا نقول يستدعي، فربما لا يسمح له الدستور "وسلملي على الدستور ومن يصونه" باستدعاء رئيس الحكومة ورئيس البرلمان) رئيس الحكومة ورئيس البرلمان إلى شرب فنجان قهوة في مكتبه العامر ليطلب منهم، وباسم الشعب، وضع حلول عاجلة لهذه المشكلة الكبيرة؟ أما إذا كان الدستور لا يوفر لسيادتكم مثل هذه الصلاحية، فلم بقاءكم في المنصب يا سيادة الرئيس، ومن الأساس؟ أمن أجل أن تعرض مشاكل بلدك ومعاناته الداخلية، في الصحف الخارجية فقط؟ ألا لا بارك الله بمثل هذا المنصب ولا بمن حدد له صلاحياته!
اسمح لي يا سيادة الرئيس أن أدلو بدلوي في حل هذه المشكلة، وبحسب معرفتي المتواضعة، ولسيادتكم أن تصحح لي إن أخطأت. حل مشكلات البيئة في العراق يبدأ بحل مشكلة التصحر بالدرجة الأولى، وهذه أرى حلها كالتالي: وجه دعوة فنجان قهوة لوزراء التعليم العالي والتربية والزراعة وأسأل وزير التعليم العالي كم كلية ومعهد زراعي في العراق؟ ووجه السؤال لوزير التربية أيضاً: كم مدرسة زراعية تابعة لوزارته (وأرجو أنها لم تلغى بقرار ارتجالي بعد 2003 )، لأن هذه الكليات والمعاهد والمدارس فيها درس عملي يعلم الطلبة مبادئ الزراعة، ويفترض أن الحصيلة ملايين من اصص الأشجار (المجانية) في كل عام دراسي، وأطلب (لم أقل وجه الأمر انسجاماً مع صلاحياتك البروتوكولية، سيادة الرئيس) من وزير الزراعة أن يوجه قسم التشجير والغابات في الوزارة (طبعاً إن لم يلغى بجرة قلم هو الآخر) بزراعة هذه الأصص في عموم محافظات العراق... هل هذه صعبة وتحتاج لصلاحيات استثنائية ومواد تسمح في الدستور؟ والتشجير لا يقتصر على زراعة النخيل، كما اقترح سيادتكم في المقال، بل يجب أن يشمل جميع الأشجار التي تتحمل بيئة العراق المناخية، وحبذا لو كانت مثمرة (كأشجار الزيتون والنبق مثلاً) لأن ثمار هذه الأشجار يُمكن بيعها من سد أجور الكادر الذي سيعمل على رعايتها، وبتقديري أن هذا الاجراء سيحل نصف مشكلة التصحر (يهمني هنا أن أذكر أن المملكة العربية السعودية أعدت هذا العام، خطة مماثلة، وتحت شعار: أما التشجير أو درجة حرارة ستين مئوية، وقد قرأت تقريراً عن هذه الخطة، قبل نحو أسبوعين، في ذات الجريدة التي نُشر فيها مقال سيادتكم).
أما بخصوص مقترح السيد وزير الموارد المائية، أعزه الله، والمتمثل بتحميله لارتفاع نسبة ملوحة التربة ولمصب شط العرب البحري، للسدود المائية المقامة على نهريّ دجلة والفرات، لحجزها لخزين العراق الستراتيجي من المياه العذبة، فبصراحة لا أراه حلاً، بل أراه اقتراح غير مدروس لهدر خزين البلد من المياه العذبة، لأن عميلة تخليص التربة من الملوحة لها حل حفر المبازل وزراعة الحقول المنتجة والغابات دائمة الخضرة، ومن دون ترك مساحات بور، حول المدن على الأقل، وكخطوة أولى وعاجلة.
وبخصوص انضمام العراق إلى اتفاق باريس، ورغم أني لست معترضاً عليه، إلا أني أرى أن نحل جانب المشكلة المتعلق بحكومتنا، وهو الحل العملي العاجل، قبل أن نوفد وفوداً إلى مؤتمرات هذا الاتفاق، سيتعارك أعضاء الأحزاب الحاكمة على الفوز بمخصصات ايفاداتها والتمتع بعطلها في باريس!
أما بخصوص تصويت (مجلس الوزراء في فبراير (شباط) 2021 على استثمار محطات كهربائية شمسية لتوليد الطاقة النظيفة، وقبلها شرعت وزارة البيئة بكتابة وثيقة المساهمات الوطنية (NDC) للتعامل مع التغيرات المناخية في البلد)، وعذراً منك يا سيادة الرئيس، فإن مثل هذا التصويت سيثير الكثير من سخرية المواطن وتندره، لأنه كيف سيقتنع مواطن من بلد نفطي (أي حكومته لا تشتري الوقود من أجل تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية) محروم من الطاقة الكهربائية لمدة ثمانية عشر عاماً (عمر ديمقراطيتنا الزاهرة) بمثل هذا الترف الخيالي، وهو لم يعرف، وبعد ثمانية عشر عاماً من الحرمان، لماذا هو محروم من الكهرباء وأين ذهبت ميزانيات وزارة الكهرباء خلال هذه السنوات؟ بل سأصارحك يا سيادة الرئيس بما سيقوله المواطن حول مشروع الطاقة النظيفة، (إنها إحدى ألاعيب القوى المسيطرة على السلطة، من أجل تخصيص قسم من ميزانية الدولة تحت اسم هذا المشروع وسرقتها، لأن من لم يوفر لنا محطات توليد وكهرباء غير نظيفة، كيف سيوفر لنا كهرباء نظيفة، وتحت شعار من أجل بيئة نقية وخالية من العوادم الكاربونية، وهو لم يزرع شجرة واحدة في حزام أخضر حول مدينة عراقية واحدة؟؟؟؟
وسؤال أخير سيادة الرئيس، رغم أني أطلت فعلاً على سيادتكم: انضم العراق إلى اتفاق باريس للمناخ، وهذا أمر لا اعتراض عليه، ولكن المهم هو كم سيطبق العراق من مقررات هذا الاتفاق، وهو لم يطبق ما هو أهم وأكثر ضرورية منها، وهو توفير رحلات مدرسية ليجلس عليها أبناءنا بدل الجلوس على الأرض وهم يتلقون دروسهم؟
وفي النهاية أتمنى من مكتب سيادتكم الإعلامي أن يوصل لكم هذا المقال المتواضع، وعسى أنه يضعكم بصورة ما يراها الشعب فيما طرحتموه في مقالكم آنف الذكر، والله ومصلحة العراق وشعبه المظلوم من وراء القصد. وأيضاً أكرر رجائي أن يُنشر مقالكم القادم في صحيفة عراقية، إن كان موجهاً للشعب العراقي فعلاً!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ترامب: على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية
.. إطلاق رشقة صاروخية من جنوب لبنان تستهدف الجليل
.. ما آخر الغارات الإسرائيلية على منطقة المريجة؟
.. روسيا تعلن عن ضربات مدفعية ضد وحدات أوكرانية في كورسك
.. بعمر 20 يوماً فقط.. لبنانية تروي رحلة نزوحها برفقة طفلتها ال