الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشاني روزنبرج 1922-2021.. وداعًا

مصطفى عبد الغني

2021 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة مصطفى عبد الغني

قضت تشاني روزنبرج، التي توفيت أمس عن عمر 99 عامًا، حياتها في النضال ضد الظلم الذي لا يزال قائمًا في قلب السياسة العالمية حتى اليوم.

وُلدت تشاني في جنوب إفريقيا عام 1922، وشهدت، كيهودية في جنوب إفريقيا ثم في جزء من المملكة البريطانية، معاداة السامية التي تصاعدت، في أوروبا، نحو أهوال الهولوكوست. وفي نفس الوقت كانت شاهدةً على العنصرية المروعة ضد السود التي تم تقنينها فيما بعد في نظام الفصل العنصري.

تمردت تشاني على النظام لتصبح اشتراكية. ولكنها آمنت في ذلك الحين بأسطورة الصهيونية في إمكانية بناء مجتمع أفضل في فلسطين التي كانت تحت الحكم البريطاني أيضًا. لذلك غادرت جنوب إفريقيا إلى فلسطين أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية، ولكن المشروع الصهيوني تضمَّن تمييزًا وحشيًا ضد عرب فلسطين، حتى قبل حدوث النكبة والطرد المُفجِع للفلسطينيين في 1948.

أدركت تشاني تلك الحقيقة بسرعة، فتحوَّلت إلى معارِضة للصهيونية عن اقتناع. جعلها هذا على اتصال مع شريك حياتها توني كليف، الذي كان يهوديًا فلسطينيًا. انتعشت العنصرية بكل أشكالها في الإمبراطورية البريطانية، وكان هذا مرتبطًا بوضوح بالإمبريالية والنظام الرأسمالي. أدركت تشاني وكليف أن هناك ما هو أكثر من مجرد الاعتراف بالظلم والقمع. وكان السؤال ما الذي يمكن فعله حيال ذلك؟

كانت إجابة ذلك السؤال معقدة، فعلى المستوى الدولي سيطرت الأحزاب الشيوعية، التي تنظر إلى موسكو في عهد جوزيف ستالين على أنها منارة الأمل، على اليسار المعارض للرأسمالية. وكان هذا الوقت أيضًا هو وقت محاكمات موسكو، التي أبادت عمليًا كل من قادوا الثورة الاشتراكية في عام 1917.

أصبحت تشاني تروتسكية، لأن تروتسكي، الذي اُغتيل بأوامر من ستالين عام 1940، أيد روح الاشتراكية الحقيقية كحركة تحرير وتحرر ذاتي للبشرية وليست نظامًا لسيطرة الدولة البيروقراطية. لم يكن هذا مجرد موقف سياسي، ولكنه كان تصوُّرًا حول كيف يُمكن أن تكون الحياة البشرية أكثر من مجرد عمل شاق واستغلال وقمع للحياة اليومية للسواد الأعظم من البشر. تحدثت تشاني حتى نهاية حياتها عن أن الثورة الاشتراكية العالمية كانت الضوء الذي يهديها منذ كانت ذات 17 عامًا.

لم تكن تلك الخطوة سهلة في أي دولة، لأن عدد التروتسكيين كان ضئيلًا. ولكن قرار أن تصبح تروتسكيًا في فلسطين، لا ينطوي فقط على حياةٍ من الفقر المدقع، بل يجتذب أيضًا عداء كل من السلطات البريطانية والقوات الصهيونية الصاعدة. سرعان ما أصبح الوضع لا يطاق، ورحل الزوجان إلى بريطانيا، حيث الإمكانيات أكبر لبناء منظمة اشتراكية ثورية.

بدأ الثنائي العمل التحضيري لما أصبح بعد ذلك منظمة الاشتراكيين الأمميين، ثم حزب العمال الاشتراكي، ولعبت تشاني دورًا أساسيًا في ذلك. اضطلع كليف بدورٍ رئيسي فيما يخص النظرية التي قام عليها حزب العمال الاشتراكي، من خلال كتاباته التي طورت الفكر الماركسي بعد تروتسكي. تناولت تلك الكتابات كيف أن روسيا الستالينية كانت شكلًا جديدًا من الرأسمالية هو رأسمالية الدولة. وأوضحت كتاباته أيضًا كيف حققت الاقتصادات الاستقرار بشكل مؤقت عن طريق الإنفاق على التسليح بعد الحرب العالمية الثانية، وطبيعة الحكومات الجديدة في الصين وكوبا.

لم تكن تلك الكتابات لترى النور لولا مجهودات تشاني. كانت تشاني معيلة الأسرة، وهي من كتبت المخطوطات من خط يد كليف غير المقروء، الذي اعترف هو نفسه أنه عادةً لم يستطع قراءته. ساهمت تشاني بما هو أكثر من المال والكتابة، حيث كانت ناشطةً نقابية، وكانت سكرتيرة منظمة هاكني المحلية -التي تضم 12 ألف عضو- لاتحاد المعلمين الوطني في بريطانيا. وباعتبارها مناضلةً في مجموعةٍ متنوِّعةٍ من القضايا، فقد خلقت مساهمتها الخاصة. كان بقاء كليف في بريطانيا دائمًا محفوفًا بالمخاطر، كونه لاجئًا فلسطيني، وكان عليه الابتعاد عن الاشتباك في الشوارع. نُفِيَ في أحد المرات إلى أيرلندا بينما كانت تشاني على وشك ولادة طفلها الأول.

قدمت تشاني الرابط الحيوي بين تطوير نظرية سياسية واختبارها والتعلم من التجربة، وهي فكرة شديدة المركزية في الماركسية. كما كانت كاتبة في عدة مواضيع من التعليم إلى التروتسكية في الثقافة وغيرها.

يمكن أن تستنتج أن حياة تشاني كانت تضحياتٍ لا تنتهي إذا جمعنا معًا كل تلك الأدوار التي اضطلعت بها وصعوبات بناء تراث ثوري في وجه الرأسمالية المهيمنة، بالإضافة إلى إنجاب أربعة أطفال، أنا أحدهم. ولكن ذلك سيكون بمثابة قراءةٍ خاطئة للحقيقة، إذ أظهرت تشاني، مدعومة بطاقتها التي لا تعرف الكلل، أن رؤيةً ثورية لما يمكن تحقيقه تساعد جزئيًا في تجاوز الاغتراب وخيبة الأمل في الحياة في ظل الرأسمالية.

انغمست تشاني في الفن، حتى أنها عرضت ذات مرة منحوتةً في الأكاديمية الملكية، واستمتعت دائمًا بالاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية وعزفها. تعلَّمت السباحة في فترةٍ متأخرةٍ من حياتها، وظلت تمارسها يوميًا في حمامات السباحة المحلية. وعندما انطلقت الحركة العالمية المناهضة للعولمة، كانت تشاني دائمًا حاضرةً، سواء على كرسيها المتحرك أو بدونه؛ في براغ وفلورنسا أو بالقرب من موطنها.

لم تكن تلك حياةً مأساوية، بل حياة مليئة بالإنجازات. في الواقع عزت تشاني، في مذكراتها التي سُميت “Fighting Fit”، طول عمرها ونظرتها المتفائلة للعالم إلى مزيج من السياسات الثورية والسباحة.

ولكن حتى ذلك المزيج لا يمكنه أن يهزم حتمية مُضِي الزمن، سوف يفتقد العديد من الأصدقاء والرفاق بمرارة حماس ودفء تشاني.

لا يزال الكفاح الذي ألهم تشاني في بداية حياتها ملهمًا لملايين المناضلين حول العالم اليوم. وستظل إسهاماتها خالدة، حتى لو لم تعد بيننا لتشهد ذلك.

* بقلم: دوني جلوكشتاين – صحيفة العامل الاشتراكي البريطانية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د