الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إقضي على الفساد تكتر الإنجازات

صبحى إبراهيم مقار
(Sobhi Ibrahim Makkar)

2021 / 6 / 8
العولمة وتطورات العالم المعاصر


بنسمع كتير في وسائل الإعلام كلمات "فساد، فاسد، مكافحة الفساد" وأغلبنا بتختلط عليه الأمور في معرفة مين الفاسد ومين اللي بيكافح الفساد. وهنحاول هنا توضيح الصور المختلفة للفساد وأسبابه وأضراره على المجتمع وموقف مصر مقارنة بباقي دول العالم في مجال مكافحة الفساد لنصل في النهاية إلى تقديم بعض المقترحات التي يمكن أن تساهم في تحجيم ظاهرة الفساد في المجتمع.
في البداية ممكن نعبر عن الفساد بصورة سهلة وبسيطة بأنه عبارة عن "تفضيل مصلحتنا الخاصة على المصلحة العامة للدولة"، وبتختلف صور الفساد باختلاف المصلحة المراد تحقيقها سواء كانت لفرد معين أو مجموعة منظمة من الأفراد. ويمكن تلخيص أهم صور الفساد فيما يلي:
• حصول بعض المسئولين والعاملين بالجهات الحكومية على رشاوى مالية أو عينية لإنهاء بعض الإجراءات الغير القانونية، والاستيلاء على الأموال العامة للدولة بإتباع بعض الطرق والحيل الغير قانونية من جانب بعض العاملين بمجالات الحسابات والمشتريات والمخازن وتحصيل الرسوم والضرائب وأعمال الصيانة.
• التهرب الضريبي من جانب بعض المواطنين بعدم تقديم إقرار ضريبي عن مصادر دخلهم أو القيام بتخفيض قيمة الدخل أو الإيرادات المتحصل عليها خلال العام بالتعاون مع المختصين في التلاعب في البيانات المحاسبية وتقديم رشاوى لبعض القائمين بالعمل بالجهاز الضريبي للدولة.
• التهرب الجمركي بإدخال سلع معينة أو إخراجها عبر حدود الدولة بطريقة مخالفة للوائح والقوانين المنظمة لعمليات التصدير والاستيراد بحيث لا يتم دفع الرسوم والضرائب المستحقة عليها.
• غسيل الأموال في ظل تحرير التجارة الدولية وسهولة انتقال رؤوس الأموال عبر الحدود، حيث يتم من خلال هذه العملية إخفاء المصادر الحقيقية للأموال المتحصل عليها من الأنشطة الغير مشروعة (مثل تجارة الأسلحة والمخدرات) عن طريق القيام بعدة تحويلات مالية ونقدية لاستخدامها بعد ذلك في الأغراض الرسمية المشروعة.
ويلاحظ تنامي ظاهرة الفساد مع استمرار انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وضعف المنافسة السياسية وغياب منظمات المجتمع المدني التي تسعى بالفعل لتحقيق المصالح الوطنية وغياب الشفافية والمؤسسات الرقابية التي تتعامل بحزم مع الفساد والمفسدين، ويمكن تلخيص أهم عوامل تفشي ظاهرة الفساد فيما يلي:
• عوامل اقتصادية: وتشمل كل من الأزمات الاقتصادية وما يستتبعها من انخفاض في مستوى الدخل وقبول ضعاف النفوس الرشاوى المالية والعينية، اتساع الفوارق الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء، هيمنة القطاع العام على النشاط الاقتصادي للدولة وعدم وجود الكوادر الفنية والإدارية المتخصصة عالية المهارة، بيع بعض شركات القطاع العام مما يدفع البعض للتربح الغير مشروع من وراء هذا البيع في حالة عدم وجود مؤسسات رقابية مستقلة.
• عوامل اجتماعية: وتشمل كل من عدم إدراك أهمية الوقت في إنجاز كافة الأعمال الوظيفية، الاستغلال السيئ للأدوات والمكاتب والسيارات وموارد الدولة لتحقيق الأغراض الشخصية، عدم الفصل بين العلاقات الاجتماعية والعلاقات والمصالح الاقتصادية، التمييز الطبقي وانتشار الواسطة والمحسوبية, تردي مستوى القيم والأخلاق وانتشار التدين الظاهري, عدم انتشار ثقافة أهمية المحافظة على المال العام وخطورة الفساد على كافة أفراد المجتمع.
• عوامل إدارية وقانونية: وتكون البيئة المحيطة المحفزة لتفشي الفساد، والتي تتمثل في عدم عدالة الأجور والحوافز، وعدم تأصيل قاعدة الثواب والعقاب بمعايير موضوعية وغياب الشفافية وعمليات المتابعة والرقابة، وكثرة الإجراءات الإدارات وعدم تعيين العامل المناسب في المكان المناسب لقدراته ومهاراته، وتضارب الاختصاصات والواجبات الوظيفية مما يؤدي إلى عدم التحديد الدقيق للمسئوليات المختلفة، بالإضافة إلى تقادم اللوائح والتشريعات المختلفة وعدم صلاحيتها للواقع الحالي وما ينتج عنها من ثغرات يتم استغلالها لتحقيق المصالح الشخصية.
• عوامل سياسية: وتشمل كل من استغلال المراكز السياسية لبعض كبار المسئولين وانتقالها بعد ذلك للمسئولين الأقل فالأقل مما يساهم في زيادة استخدام الأموال لشراء الذمم للحصول على حصانة برلمانية أو سلطة سياسية من خلال التأثير على الرأي العام وتقديم الرشاوى الانتخابية، غياب المشاركة السياسية وعدم توافر الشفافية والمحاسبة والمسئولية، ضعف عمليات الرقابة المتبادلة ما بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية،
وفي محاولتنا لتوعية المواطنين بأهمية دورهم في محاربة الفساد، يجب أن نوضح لهم أهم الأضرار المترتبة على الفساد من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كما يلي:
• الأضرار الاقتصادية: وتشمل عدم الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة من خلال توجيهها إلى مجالات لا تمثل قيمة مضافة حقيقية للمجتمع مقارنة بالمصالح الشخصية المترتبة عليها للقائمين على توزيع هذه الموارد، والحد من تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة نتيجة لارتفاع تكلفة تفشي الفساد المتمثلة في دفع العمولات والرشاوى لإنهاء الإجراءات والحصول على الخدمات المختلفة. وبالتالي، ارتفاع تكاليف إنتاج كافة المشروعات وارتفاع مستويات الأسعار وتقليل أرباح كافة المستثمرين مما يؤدي إلى ضعف معدلات النمو الاقتصادي وانخفاض الإيرادات العامة للدولة وتقليل قدرتها على توفير كافة الخدمات الأساسية من تعليم وصحة مما يساهم في زيادة معدلات البطالة وزيادة أعباء المواطنين وتقليل مستوياتهم المعيشية.
• الأضرار الاجتماعية: وتشمل عدم العدالة في توزيع الدخول وزيادة الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع وتركيز الثروة في أيدي قلة لا تعمل لصالح المجتمع، وعدم تكافؤ الفرص وزيادة النظرة التشاؤمية والشعور بالإحباط لكافة المواطنين الشرفاء مما ينعكس بالسلب على أداء بعضهم في مجالات العمل وأسلوب تعاملهم مع الآخرين.
• الأضرار السياسية: وتشمل عدم تحقيق مبدأ المواطنة والتساوي في الحقوق والواجبات بين كافة المواطنين، وعدم توافر الثقة في السلطات والهيئات الحكومية القائمة وزيادة الانقسامات بالمجتمع، بالإضافة إلى ضعف قدرة الدولة على عقد الاتفاقات الدولية وجلب المنح والمعونات المختلفة.
ولقياس درجة الفساد المتفشي في دول العالم المختلفة، تصدر منظمة الشفافية الدولية منذ عام 1995، من واقع كونها منظمة مجتمع مدني عالمية رائدة في مجال مكافحة الفساد، تقريراً سنوياً عن مؤشر مدركات الفساد ليعكس درجة التحسن في ممارسات الإدارات الحكومية والشركات العالمية الهادفة إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، حيث يقيس المؤشر مدى تفشي الفساد في دول العالم ودرجة تأثيره في مناخ الاستثمار كأحد المعوقات الأساسية التي تواجهها هذه الدول في جذب الاستثمارات الأجنبية. ويعتبر مؤشر مدركات الفساد بمثابة تذكير بأن إساءة استخدام السلطة والتعاملات السرية والرشوة تستمر في نهب وتخريب المجتمعات في كل دول العالم، حيث يعرف على أنه ذلك المؤشر الذي يقيم دول العالم ويرتبها وفقاً لدرجة وجود الفساد بين المسئولين والسياسيين بناءً على مدى إدراك رجال الأعمال والمحللين من جميع دول العالم بما في ذلك المتخصصين والخبراء من نفس الدولة التي يتم تقييمها. ويركز المؤشر بشكل أساسي على الفساد في القطاع العام، ويعرفه بأنه "سوء استغلال الوظيفة العامة من أجل تحقيق مصالح خاصة".
وتتراوح قيمة مؤشر مدركات الفساد ما بين صفر (وجود تصور بدرجة عالية من الفساد ودرجة أقل من النزاهة) إلى 100 (وجود تصور بدرجة عالية من النزاهة ودرجة أقل من الفساد). ويلاحظ أنه لا توجد أية دولة خالية من الفساد تماماً، حيث لم تنجح معظم دول العالم في معالجة الفساد بشكل فعال. وقد سجلت 121 دولة قيماً أقل من 50 بما يمثل 67.2% من إجمالي عدد الدول الـ 180 المتضمنة في مؤشر عام 2020 مما يعني أن هذه الدول أقل قدرة على مواجهة التحديات الناتجة عن الأزمات المختلفة، حيث لا تزال تواجه تهديد الفساد على جميع المستويات الحكومية بداية من إصدار التراخيص المحلية وحتى تنفيذ القوانين واللوائح مما يمثل أحد أهم المعوقات أمام الجهود المبذولة لمكافحة الفقر وتعافي الاقتصاد العالمي. ولذلك، تعتقد منظمة الشفافية الدولية بأن الإصلاح الإداري ضروري لأي دولة لم تسجل 70 على مقياس مدركات الفساد، حيث يعتمد المستثمرون الدوليون بصفة أساسية على تقرير منظمة الشفافية الدولية عند اتخاذ قراراتهم الاستثمارية بتفضيل دولة على أخرى. ونخلص مما سبق إلى أن مؤشر مدركات الفساد يفسر النمو الاقتصادي لدول العالم المختلفة، حيث تحتل الدول التي تتراجع اقتصادياً مراكز متأخرة نسبياً في قائمة مكافحة الفساد.
ويلاحظ تذبذب قيم مؤشر مدركات الفساد لمصر ما بين 32 & 37 خلال الفترة 2012-2020، حيث بلغت أعلى قيمة للمؤشر (أعلى نزاهة) عند 37 لتأتي مصر في المركز 94 من 175 دولة عام 2014. في حين تحققت أقل قيمة للمؤشر (أٌقل نزاهة) عند 32 خلال الأعوام 2012 (المركز 118 من 176 دولة)، 2013 (المركز 114 من 177 دولة)، 2017 (المركز 117 من 180 دولة). وقد تزايدت قيمة المؤشر لتصل إلى 35 خلال عامي 2018، 2019، وانخفضت بعد ذلك لتصل إلى 33 لتحقق مصر المركز 117 من 180 دولة عام 2020.
وعلى الرغم من أن مصر لا تزال ضمن ثلثي دول العالم المسجلة أقل من 50 في التقييم، إلا أنه يتوقع تحسن ترتيبها خلال الأعوام القادمة لتوافر الإرادة السياسية الحقيقية لمحاربة الفساد وملاحقة الفاسدين في كل مكان وعلى كافة المستويات في ظل تبني الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي تم إطلاقها في 9/12/2014 وتستمر حتى عام 2022 مدعومة بالاستقرار السياسي والتحسن المستمر في الحالة الأمنية مما يضمن تعزيز الجاذبية الاستثمارية وزيادة ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري وقدرته على استيعاب الاستثمارات الجديدة.
ونقدم فيما يلي بعض المقترحات التي تساهم في تحجيم ظاهرة الفساد في المجتمع:
• زيادة درجة استقلالية كافة الأجهزة الرقابية وإعطائها كافة الصلاحيات الممكنة مما يضمن لها الحيادية والموضوعية وتحقيق أقصى كفاءة ونزاهة ممكنة في متابعة كافة الملفات المتعلقة بمجال عملها بالتعاون مع كافة الجهات الحكومية المعنية بتوفير المعلومات المطلوبة ونشرها وتزويد المنظمات المختصة بها لتوضيح سلامة الاقتصاد المصري ومدى التزام الدولة بكشف ومحاسبة كافة الفاسدين في مختلف المجالات وعلى كافة المستويات.
• لمكافحة الفساد في مراحله الأولى، يجب القضاء على ظاهرة تغول القيادات في كل جهة حكومية التي تسيطر على كافة اللجان المالية والإدارية والفنية وجميع جوانب عملية اتخاذ القرار نتيجة لتعيينهم في نفس الوقت كرؤساء وأعضاء في لجان مكافحة الفساد الذي ينشأ بالأساس نتيجة لتجاوزات نفس هؤلاء الرؤساء والأعضاء. ولذلك يجب أن يكون رئيس وأعضاء لجنة مكافحة الفساد في كل جهة حكومية غير ممثلين في أية لجان أخرى مع تعويضهم مادياً بالقدر الكافي الذي يضمن حيادية وشفافية وموضوعية لجنة مكافحة الفساد حتى يمكن تحقيق الهدف من إنشائها على أكمل وجه ممكن مما يضمن نزاهة عملية صناعة واتخاذ القرار بغرض تحقيق المصالح العامة لكافة الهيئات والمؤسسات الحكومية. وبالتالي، خلق البيئة المناسبة والمحفزة لجميع العاملين على تطوير أنفسهم والإبداع في كافة الأعمال والمهام والتخصصات المختلفة.
• التخصيص الأمثل للموارد بحيث نضمن تحقيق خطط التنمية الاقتصادية الموضوعة على أكمل وجه ممكن مما يزيد من مستويات دخل المواطنين ويحسن من جودة كافة الخدمات المقدمة لهم. وبالتالي، تحسين المستويات المعيشية لكافة فئات المجتمع دون تمييز مما يساهم في تقليل الفوارق الطبقية وتحقيق التوازن والاستقرار الاجتماعي في الدولة.
• تطبيق قاعدة تعيين "الرجل المناسب سلوكياً وأخلاقياً ومهارياً وفنياً وقيادياً في المكان المناسب" وفقاً لمعايير الكفاءة والخبرات الوظيفية والمهارات العلمية والفنية بالتوافق مع تطبيق قاعدة الثواب والعقاب لضمان تحسن مستويات الأداء في كافة الهيئات والمؤسسات الحكومية.
• تطوير البيئة التشريعية لتكون أكثر عدالة وشفافية وقدرة على الإنجاز بحيث تضمن كافة الحقوق المالية والأدبية لكافة المواطنين بدون أي تمييز، بالإضافة إلى تطبيق العقوبات الصارمة على كافة المقصرين والمتربحين من مناصبهم في أسرع وقت ممكن.
• زيادة التوعية في المناهج التعليمية ووسائل الإعلام بجهود الدولة في مجال مكافحة الفساد وإبراز إنجازاتها المختلفة في كافة المجالات لخلق نوع من الثقة المستقرة والتعاون المتزايد بين الحكومة والمواطنين خاصة عندما يطلب منهم تقديم رشاوى أو عمولات شخصية للحصول على حقوقهم المشروعة.
• المتابعة الدقيقة لثروات ومصادر دخل كافة المسئولين بالدولة، والعمل على إصلاح النظام المصرفي والضريبي وتوفير مناخ الاستثمار المناسب الداعم للمشروعات التنموية للدولة مما يقلل من عمليات التهرب الضريبي والجمركي وغسيل الأموال.
• إصدار قانون موحد وشامل لمكافحة الفساد بحيث يشمل تعريف واضح ومحدد للفساد بمختلف صوره والعقوبات الرادعة التي يمكن تطبيقها على كافة الأطراف المخالفة، بالإضافة إلى توفير الضمانات الكافية لكل المواطنين في حالة تبليغهم عن أية مخالفات أو تجاوزات.
• تطبيق معايير العمل المؤسسي وربط كافة الهيئات الحكومية الكترونياً وتوفير كافة البرامج التدريبية اللازمة لتطوير مهارات كافة العاملين بهذه الهيئات وتعزيز مستويات الثقة مع فئات المجتمع المختلفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلمني عن العناد
هانى شاكر ( 2021 / 6 / 9 - 06:23 )

في المثل غنوا و قالوا
دا كل شيئ بميعاد

لكن ميعادنا ماجاش
و مصمم ع العناد

زي اللي رقص ع السلم
رقمنا تنح و مبلم

32 يادوب دا آخرنا
علي عداد الفساد

و عجبي

اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة