الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمييز التحكيم عن الوساطة والصلح

ناجي سابق

2021 / 6 / 10
دراسات وابحاث قانونية


الأصل أن يلجأ طرفا النزاع إلى شخص ثالث للقيام بمهمة الفصل بينهما، فهذا الشخص الثالث قد يعهد إليه بمهمة التحكيم، وقد يعهد إليه بمهمة أخرى هي الصلح أو الخبرة أو الوساطة. ولا شك في أهمية عدم الخلط بين التحكيم والنظم الأخرى التي يدخل فيها شخص ثالث. إذ أن التحكيم هو وحده الذي يخضع للقواعد التي أتى بها قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني (المواد 762-821) بينما النظم المشابهة تخضع لقواعد أخرى مختلفة حيث تعتمد التفرقة بين التحكيم والنظم الأخرى على معيار أساسي هو قوة الإلزام.
أولاً: الوساطة
هي إحدى طرق حل الخلافات أو النزاعات بين الأطراف بطريقة ودية من قبل طرف ثالث بعيداً عن قاعات المحاكم من خلال الاجتماعات والمشاورات للوصول إلى حل ينهي النزاع ويرضى عنه جميع الأطراف.
وعليه تقوم عملية الوساطة على اتفاق إرادة الطرفين المتنازعين للوصول إلى حل ودي من خلال شخص ثالث محايد يسمى (الوسيط) والذي يقرب وجهات النظر بين الأطراف بناءً لتكليفه بذلك وصولاً إلى حل يرضيهم تحت سقف القانون والعدالة وضمن أصول الحياد وعدم الانحياز وبذل العناية الفعالة لابتكار الحل الملائم مع مقتضيات موضوع النزاع.
والوساطة ممكن أن تكون قضائية إذا أحال القاضي إلى وسيط معين ضمن قائمة أسماء الوسطاء ولكن هذا لا يحصل إلا نادراً لأن أساس الوساطة هو الابتعاد عن قاعات المحاكم، وإما تكون وساطة قانونية حين يحيل النص التشريعي إلى اتباع سبيل الوساطة الإجبارية قبل الانتقال إلى القضاء، وإما تكون وساطة اتفاقية بين الأطراف على إحالة النزاع إلى الوسيط المتفق عليه بموجب بند في العقد الأساسي أو في اتفاق لاحق لقيام النزاع.
عليه رغم التشابه بين الوساطة والتحكيم إلا أنهما يختلفان في الإجراءات والنتيجة حيث أن إجراءات التحكيم واضحة ضمن الاتفاق وقواعد القانون المدني وأصول المحاكمات المدنية والتمسك بالمهل والضمانات الضرورية للعدالة بينما إجراءات الوساطة لا تعدو كونها تواصل وتفاوض لتقريب وجهات النظر.
أما النتيجة فتكمن بحل النزاع وصدور قرار تحكيمي ملزم يأخذ قوة القضية المقضية بعد حصوله على الصيغة التنفيذية أما في الوساطة فلا يصدر عنها إلا تقرير الوسيط الذي يكون قد توصل لحل بين أطراف النزاع عن طريق التفاوض الرضائي.(*)
(*) انظر الدكتور ناجي سابق ،قواعد واجراءات التحكيم.
ثانياً: الصلح
هو إحدى الوسائل السلمية البديلة عن المحاكم لحل النزاعات بين الأطراف عن طريق تدخل شخص حيادي بطريقة ودية ورضائية، يقوم به الأفراد بأنفسهم أو عبر طرف ثالث عن طريق تقديم تنازلات متبادلة عن الحقوق للتوصل إلى أفضل نتيجة صلحية مرضية للطرفين، بعيداً عن السلطة العامة أو قضاء الدولة.
فالصلح يفيد المصالحة وقطع الخلاف والنزاع عن طريق التراضي وتنازل كل طرف عن جزء من إدعاءاته ومطالبه ليتوصلوا إلى الحل الأمثل للطرفين، وهذا ما يعطي شعور بالارتياح وأثراً طيباً مبعداً للكراهية والحقد الذي تسببه دعوى القضاء وصدور الأحكام مهما كانت عادلة.
فيكون اتفاق الخصوم هو الأساس للتوجه إلى الصلح الذي يتماثل مع التحكيم في اتفاق الأطراف للتوصل إلى حسم النزاع، لكن الأصل في التحكيم أنه يتوجب على المحكم الفصل في ضوء ما قدمه الطرفان من أدلة ومستندات، لا ما قدمه الأطراف من تنازلات متبادلة، لأنه لولا التنازل لما حصل الصلح.
كما يتميز التحكيم عن الصلح أنه قابل للتنفيذ الجبري بمجرد إكساءه بالصيغة التنفيذية، بينما الصلح لا يكون قابلاً للتنفيذ بحد ذاته ما لم يتم بعقد رسمي أو يكون قد تم أمام القضاء في وجود دعوى قائمة، إضافة إلى أن حكم المحكم يقبل الطعن وفقاً للطرق المقررة إذا كان نظام التحكيم المتفق عليه يجيز ذلك، بينما الصلح يتم الطعن فيه عن طريق دعوى مبتدئة في الأساس.
يبقى أن نقول أن هناك تداخلاً واضحاً ومميزاً بين هذين النظامين هو نطاق الموضوع إذ لا يجوز التحكيم إلا في المسائل التي يجوز فيها الصلح وهذه قاعدة عامة في التشريعات الوطنية حيث تعتبر أساساً لمقبولية التحكيم لأن كافة المسائل التي يجوز فيها الصلح يجوز فيها التحكيم، كذلك المسائل الغير متعلقة بالنظام العام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إخلاء مركز للمهاجرين في تونس ومظاهرة لترحيلهم ورفض توطينهم


.. الأمم المتحدة: دارفور معرضة لخطر المجاعة والموت




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية


.. طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة




.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و