الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات من فندق المرضى

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 6 / 10
الادب والفن


أنت لا تعرف تاريخ المكان ، و لم يكن لك ماض هنا، لم تدرس في المدارس حيث تربطك الذاكرة بمن تخرّجت معهم في المدرسة الثانوية. أنت لست من هنا . إنّك من هناك . الحديث ليس لي بل لصديقي السويدي من أصول يونانية ، هو نزيل الفندق الذي أقمت فيه حوالي الشّهر . فندق جميل ، وخدمة خمسة نجوم ، لكن اسمه مخيف قليلاً فهو فندق المرضى، و الجزء الذي أعيش فيه من الفندق مخصص للمرضى الذين يذهبون للعلاج الإشعاعي من أجل مكافحة السّرطان .
بالنسبة لي أحبّ من الطّعام الفروج مع البرغل ، أو الجبن البلدي ، أو حتى الزيت و الزعتر ، ومع علاج الأشعة تنخفض قدرتك على التّذوق للطعام، وبخاصة لو كان طعام أمّ أخرى !
الطعام في الفندق هو سفرة مفتوحة في الصباح الظهر و المساء ، فيها مالذ وطاب بدءاً من العسل، و انتهاء بالكافيار ، ومن يرغب بين الوجبات أو في المساء فإن القهوة و الشاي موجودان، و الطعام مخزّن في البراد ، و المكارويف حاضر ، و لكن. . .
كان الطعام سمكاً في ذلك المساء ، و إلى جانبه كالعادة صوص أبيض ، بطاطا مسلوقة، سلطة بروكلي، عصائر ، مياه غازية ، وعدّة أنواع من الخبز ، منها الخبز المقرمش . شممت الرائحة ، ولم أستطع الاقتراب من الطّعام فدهنت الزبدة على قطعة خبز مقرمش، وجلبت كأس شاي ساخن ، وجلست إلى طاولتي . أتى صديقي ، ومعه صينية الطعام، وجلس إلى طاولتي أيضاً . قال لي: ألم يعجبك الطّعام؟ أجبته بتحفظ: الطعام جيد، لكن الغثيان يمنعني من أن أستسيغه . ضحك وقال : نوع السمك هذا فاخر، لكن لو كان التحضير على الطريقة اليونانية. أتيت منذ خمسين عاماً إلى السويد، زوجتي سويدية ، ولي عائلة ، لكن لكل بلد نكهة طعام قد لا تزول من على لسانه. إنّها الطّفولة الأولى . تحدّث لي عن عائلته في اليونان . قلت له : أنت أوروبي ، وسويدي منذ خمسين عاماً، ولست مندمجاً كفاية .
في كل ليلة أصبحنا نلتقي في صالة التلفاز،نثرثر حول أشياء كثيرة حتى أصبحنا أصدقاء . سألني عن جريمة الشّرف في سورية ، وكان التلفزيون السويدي يعرض قصة رجل سوري قتل زوجته ، أخذ أطفاله الثلاثة إلى الروضة ، وحاول أن يفرّ إلى الدانمارك ، لكن البوليس أمسك به ، وهذه ليست أول حادثة قتل . أهل الزوجة ليسوا في السويد جميعهم في سورية لذا تبرّع زملاؤها في العمل بدفنها على الطريقة الإسلامية . نظر إلي وقال: شيء مرعب . صحيح أنّ حوادث قتل الزوجات موجود حتى في الغرب ، لكنّ الأضواء تسلّط عليه، وليس بهذا الحجم.
قال لي: منذ خمسين عام و أنا هنا ، لي أصدقاء، لكنّني لا زلت يونانياً حتى بنظر زوجتي و أولادي . نحن لسنا من هنا ، بل من هناك ، لكن العالم اليوم متعدد الجنسيات ، فأنا يوناني سويدي، وزوجة ابني فلندية سويدية، و ابنتي سويدية متزوجة من أمريكي . سوف يأتي يوم يصبح فيه العالم مختلطاً .
لم أكن أعرف أن صديقي يكتب الأدب إلا قبل وداعه بيوم بعد أن أنهى جلساته، وفي تلك الليلة قبل مغادرته كان على طعام العشاء نوع من الكاتو المعجون بالتوت البري ، فأخذت قطعة دون أن أضيف لها البوظة. قلت له: أنا مريضة سكري . قال و أنا أيضاً آخذ ثلاث حبات وإبرة في المساء. سألته: هل أكلت البوظة. قال : بالطبع. أكلت قطعتين !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3


.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى




.. أنا كنت فاكر الصفار في البيض بس????...المعلم هزأ دياب بالأدب


.. شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً




.. عوام في بحر الكلام - الفن والتجارة .. أبنة الشاعر حسين السيد