الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب على لبنان: الدور الصهيوني في الاستراتيجية الأميركية

سلامة كيلة

2006 / 8 / 8
الارهاب, الحرب والسلام


إعتقد بعض السذج بأن الاحتلال الأميركي للعراق، و بالتالي ترسيخ التواجد العسكري الأميركي المباشر في المنطقة العربية، قد انهيا " المهمة التاريخية" للدولة الصهيونية التي تتمثل في التدخل العسكري، إنطلاقاً من أن الدولة الأميركية باتت تقوم بمهمة السيطرة بشكل مباشر دون حاجة إلى وكيل. وكان يكمن في خلفية هذا الإعتقاد أن الدور الصهيوني يلاقي رفضاً عربياً كون الدولة الصهيونية "دولة غريبة" مرفوضة، وبالتالي مرفوض دورها. وكأن الدور الأميركي الجديد سيكون مقبولاً من دولة "صديقة". بمعنى أن هذا الإعتقاد قام على أساس أن المشكلة ليست في الاحتلال ( سواء لفلسطين أو العراق) بل في طبيعة ربما البشر هنا أو هناك. ولاشك في أن النظرة الايجابية نحو الدور الاحتلالي الأميركي، و الرفض المطلق للدولة الصهيونية الذي تبدى طيلة العقود السالفة، هو الذي افرز هذا المنطق الأعوج.
ولقد أفضى هذا الاعتقاد إلى نتيجتين خطرتين، الأولى: تتمثل في أن الدولة الأميركية سوف تسعى لـ "فرض" سلام يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، خصوصاً وأن جورج بوش قد وعد بـ"قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل". وبهذا إنبنت التصورات السياسية والممارسات على أساس أن المطلوب هو التحضير للتفاوض من أجل الوصول إلى ذلك، وبالتالي التخلي عن المقاومة ووقف العمل العسكري ودعم السلطة الفلسطينية. ولقد سارت الأمور منذئذ عكس ذلك، حيث فرضت الدولة الصهيونية "أمراً واقعاً" لا يسمح بقيام دولة فلسطينية و يضع فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة في وضع بالغ الصعوبة، بدأ من "الانسحاب" من قطاع غزة وبناء الجدار العازل في الضفة الغربية الذي افضى إلى تحويلها إلى ثلاثة كانتونات مغلقة ومحاصرة ودون مقومات الحياة، و من ثم السيطرة وضم حوالي 60% منها إلى الدولة الصهيونية، وتحديد حدود الدولة على هذا الأساس. هذا اضافة إلى التدمير المستمر للبنى التحتية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة منذ أيلول سنة الفين. وبالتالي تبين أن مفاوضات السلام التي بدأت مع إتفاق أوسلو و المفاوضات الطويلة التي تبعتها كانت فسحة من أجل أن تفرض الدولة الصهيونية الأمر الواقع المناسب لها و ليس من أجل تحقيق "السلام". وكان الدعم الأميركي واضحاً لكل هذه الخطوات، وتكلل في "وعد بوش" الذي أقرّ التصور الصهيوني ودعمه. لهذا بات الحديث عن الدولة الفلسطينية المستقلة وهماً و ديماغوجيا، كما بات الحديث عن السلام كلام مضلل، و بالتالي بات المطلوب هو التأكيد على إنهاء الدولة الصهيونية مع إيجاد حلّ ديمقراطي للمسألة اليهودية. وليس تكرار المطالبة بـ"الدولة الفلسطينية المستقلة"، لأن ذلك يعمق من الأوهام ويزيد في التضليل.خصوصاً مع توضّح الدور الصهيوني كأداة إمبريالية.
والنتيجة الثانية التي أفضى إليها ذاك الإعتقاد تتمثل في التأكيد على أن الدور العسكري للدولة الصهيونية قد إنتهى. حيث باتت تعمل الدولة الأميركية على لجم الآلة العسكرية الصهيونية لأنها لا تريد المزيد من الاستثارة التي يطلقها الدور الصهيوني نتيجة "حساسية" الوجود الصهيوني ذاته. لهذا يجب أن يتراجع دور الدولة الصهيونية وأن تجري السيطرة على الوطن العربي "دون حساسيات" عبر الآلة العسكرية الأميركية.ورغم أن الدولة الأميركية إستمرت في تطوير القدرات العسكرية للدولة الصهيونية، و في التأكيد على "التحالف الاستراتيجي معها، فقد إنتشر التصور حول "نهاية" الدور العسكري الصهيوني، برغم كل المجازر التي ترتكب في قطاع غزة و في الضفة الغربية. وبالتالي إنتهى الخطر الصهيوني وقف هذا الاعتقاد، ولم يُنظر إلى الاحتلال الأميركي للعراق كخطر كذلك. وبدا كأن الدولة الصهيونية أصبحت "وجوداً مهملاً" لا حاجة للنظر إلى دورها أو التخوف من حروبها، حيث أنها خرجت من معادلة الصراع في المنطقة، هذا الصراع الذي بات ينحصر في مواجهة النظم الاستبدادية فقط. لقد أصبح الصراع، وفق هذا الاعتقاد، هو الصراع الداخلي فقط، ومن يشر إلى الدولة الصهيونية فهو يخدم الاستبداد. أكثر من ذلك بات الليبراليون ينظرون إليها كدولة صديقة يجب التحالف معها، كما مع الدولة الأميركية.
لهذا جاءت الحرب الصهيونية على لبنان وكأنها مفاجئة و خارج كل الحسابات، خصوصاً وأن لبنان كان قد خرج من عباءة الهيمنة التي كان يفرضها النظام السوري، و أصبحت حكومتها "حليفة" للولايات المتحدة، وكانت تسعى الأغلبية الحاكمة فيه إلى إكمال السيطرة بالتعاون مع الدولة الأميركية.
كما بدا الدعم الأميركي المطلق، والنشاط السياسي القائم على اعتبار الحرب بداية تأسيس "الشرق الأوسط الجديد"، و دعوة الدولة الصهيونية إلى "الاقتصاص" من سوريا، و الذي أظهر أن الحرب هي حرب أميركية تندرج في مشروعها للسيطرة على المنطقة، بدا وكأنه غير مفهوم ومباغت لكل المراهنين على الدولة الأميركية، ولكل الحسابات التي إنبنت على تحقيق "السلام". ليتوضح أن إستراتيجية كاملة كانت مبنية على أوهام، وأن مسار ممارسة كان يقود إلى التهلكة. حيث استمرت الدولة الصهيونية في السيطرة على الأرض وتنظيم وجودها على حساب الفلسطينيين، كما استمرت في القتل و التدمير في الضفة الغربية وقطاع غزة، و أوجدت وقائع على الأرض لا تسمح بنشوء دولة فلسطينية كما لا تسمح للفلسطينيين بالعيش الكريم. وها هي تستمر في حروبها ضد لبنان وربما سوريا فيما بعد، وبدعم أميركي مطلق، وبقرار أميركي يوضح بأن ما تفعله الدولة الصهيونية هو جزء من الحرب الامبريالية الأميركية من أجل السيطرة على الشرق الأوسط الموسع.
ولاشك في أن الحرب الجديدة أوضحت بأن الدولة الصهيونية هي جزء من النظام الأمني الأميركي، وبالتالي فهي عنصر فاعل في السيطرة على ما أسمي "الشرق الأوسط الموسع"، أو "الشرق الأوسط الجديد" كما كررت الوزيرة كونداليزارايس خلال جولتها الأولى في المنطقة، مستعيرة تعبير شمعون بيريز لتأكيد التوافق المطلق بين الدولتين. الأمر الذي يفرض أن لا ننساق وراء أوهام أنتجتها أزمات العمل السياسي والعجز الذي أصاب الحركة السياسية في صراعها الداخلي ضد نظمها، وأن نرى الأمور كما هي في الواقع، حيث يجب أن ننطلق من بديهيتين،
الأولى: أن الدولة الصهيونية هي في ترابط عضوي مع الامبريالية الأميركية، كما كانت منذ نشوئها في ترابط عضوي مع الرأسمال الامبريالي. وأنها أداة هذا الرأسمال للسيطرة على الوطن العربي، وعلى الشرق عموماً. ولا يمكنها أن تعيش وتستمر دون هذا الترابط.
والثانية: أن إستراتيجية السيطرة الأميركية على "الشرق الأوسط الموسع" تلحظ دوراً مركزياً للدولة الصهيونية يكمل الدور العسكري الأميركي و يعززه. وهذا هو بالأساس ما يبرر الدعم المالي و العسكري الأميركي لهذه الدولة.
وإذا كانت تلك الأوهام تتجاوز هاتين الحقيقتين، فقد أدت كذلك إلى المراهنة على تراجع الدور الأميركي، و"تخلي" الدولة الأميركية عن مشروعها للسيطرة على المنطقة نتيجة المأزق الذي باتت تعانيه في العراق. ورغم أن أميركا تعاني من مأزق فعلي في العراق، إلا أن القوى الامبريالية لم تعتد التراجع السهل، وكانت دائماً تسعى لتجاوز مآزقها إلى توسيع عدوانيتها واحتلالها.وهي الآن توسع الحرب باتجاه لبنان، ومن ثم إلى سوريا، حيث يجب أن تُفرض الدولة الصهيونية كقوة إقليمية مسيطرة. وحيث يجب أن تُخضع لبنان وسوريا لنظام "الشرق الأوسط الجديد". ليتأكد أن هاتان الحقيقتان أساسيتان ويجب أن يكونا في أساس الرؤية، وبالتالي رسم إستراتيجية المواجهة.
هذه بديهيات أولية لمشروع المقاومة و لإعادة بناء الرؤية و الدور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة