الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(أنين الضفدعة) ل عبد الامير المجر نهاية بطعم الرحيل

داود السلمان

2021 / 6 / 12
الادب والفن


معظم القصص القصيرة (وربما حتى القصص الطويلة والروايات) تترك اثرًا مؤلمًا في مخيال القارئ لاسيما ذات النهايات المؤلمة. وبذلك تبقى تلك القصص عالقة في ذاكرته، وإن كانت ذاكرته محملة بهموم حياته اليومية، واتعابه الجسدية، فضلاً عن هم الحياة الاكبر، وهذا الاخير "الهم" يشغل حيزًا كبيرًا في نفسية القارئ، انسانًا عاديًا كان هذا القارئ، أم كان قارئ يتمتع بثقافة عامة واسعة، ومُطلع على ثقافات متعددة بعمق الوعي الانساني، وله بعُد نظر بما يحيط بثقافات الشعوب وعادات الامم، ويحمل ادراكاته الخاصة لتفسير معظم القضايا والاحداث المختلفة، حالية كانت هذه القضايا، أم لها صدى بالماضي القريب أو البعيد.
والقاص عبد الامير المجر، كما يبدو، اختار ما نوهنا عليه، أعني النهاية الحزينة المؤلمة، كأنه يتقصّد أن يترك اثرًا مؤلمًا في نفسية القارئ،(الالم كبُعد انساني). وبذلك ستبقى تلك القصة شاخصة أمامه فلا تغادر ذاكرته، لأنّ المسرات والافراح دائمًا عمرها قصير، وأما المحن والاحزان فإن عمرها - بلا شك- طويلا، بطول الالم نفسه، كأنه شخصية مُعّمرة في زمن تقصر فيه الاعمار.
(أنين الضفدعة) قصة كغيرها من القصص الكثيرة، التي كتبها القاص عبد الامير المجر. لكن، ربما هذه القصة تختلف بعض الشيء عما كتب المجر من قصص أخرى (بحسب معرفتي لما قرأت من قصص اخرى للكاتب)، والاختلاف هذا يكمن في البناء القصصي المرّكز، والحبكة الدراماتيكية، واختيار المفردات، التي انتقاها بعناية ودقة، وعدم الغور في مياه الرمز، تلك المياه التي قد تبعد القارئ عن الواقعية التي تكون مؤثرة احيانًا، ويشعر القارئ عند نهايتها (القصة) كأنه كان في سفرة استجمام في مياه عذبة على نهر نائي، في ظل اجواء تدعو الى المتعة والشعور بالارتياح النفسي والجسدي معًا.
تدور احداث القصة في بعض الاماكن الريفية (وانا اخمّن في ميسان – العمارة-، وتحديدًا في قضاء المجر مسقط راس الكاتب) إذ يصوّر لنا الكاتب اجواء الريف بكاميرة ابداعه، فيلتقط صورة واحدة، يبني على ضوئها قصة قصيرة لأسرة صغيرة ابطالها ثلاثة اطفال ولدان وبنت واحدة. تعوّد هؤلاء الاطفال النهوض مبكرًا لاستئناف اللعب واللهو اليومي المعتادون عليه، وهو الذهاب الى اقرب بركة مائية، لا تبعد كثيرًا عن البيت الذي يسكنون فيه بمعية أم واب. وكانوا يستلذون بسماع نقيق احدى الضفادع، حيث يستمتعون بذلك اللعب الطفولي، والذي مرّ به البعض منا.
" كنا نقف انا واخي، ينظر احدنا بوجه الاخر، ثم نتحدث عن ايام الربيع وصغار السمك والضفادع، وعن اختنا قبل ان نعود ليستقبلنا نشيج امنا ووجوم وجه ابينا، وموقد بيتنا الذي لم يعد يسمع شيئاً من احاديثنا القديمة".
وفي مرّة من المرات، وبينما هم كذلك في لعبهم عثرت البنت على ضفدعة صغيرة وراحوا معًا يلعبون بتلك الضفدعة الصغيرة فرحين بها، الى حين ساعة الرحيل حيث يعودون الى البيت، وفي اليوم التالي، ارادوا استئناف اللعب، فوجدوا البنت الصغيرة تئن من الحمى فلم تخرج مع اخويها، وحين ذهابهم الى تلك الترعة وجدوا إن الضفدعة الصغيرة قد ودعت الحياة.
"وحين يأتي الغروب، نشاهد أمنا وهي تعد المبخرة. فنتهيأ لسماع نقيق الضفادع الذي تصغي اليه، وحين يهدأ يظل صوت ضفدعة واحدة يأتينا نقيقها كالأنين، يبدأ مع نوبة بكاء امنا، ويهدأ حين تصمت، حيث تذوي المبخرة، ويغط المسطح المائي مع قريتنا في ظلام الليل وصمته الكئيب".
يظهر أن الاولاد قد نسوا وصية ابيهم حينما حذرهم من الاعتداء على الاسماك الصغيرة، والضفادع المولودة لتوها، لكن الحذر لم يجد بهم نفعًا، فهم نفذوا اعتداءاتهم الطفولية البريئة، عن اصرار او عن غير اصرار. وقد قال لهم بالحرف الواحد: " لا تقتلوا السمك الصغير، لان الله يرميكم في النار!".
وفي مُجمل القصة، فإن القاص المجر جعل من "الضفدعة" المحور الثاني الرئيس للقصة، فالضفدعة بمعنى آخر هي المحرًك (الداينمو) الذي يحرًك الاحداث والشخوص معًا، ولو اردنا قلب المعادلة، فسيصبح إن الضفدعة هي الشخصية الرئيسة ولولاها لن تكون لدينة قصة تنتهي بهذه اللوحة الجمالية لبناء قصة متكاملة ولها معنى ابداعي. والقاص جعل من الضفدعة الرمز الذي يحرك الاحداث، او الاحداث هي التي تسيّر البناء القصصي، ليعطينا بالتالي حدثاً زائد قص يناغم حكاية تقع في مكان ما في زمن ما. هذا الرمز او الذي قلنا عنه بإنه محرًك وهو الضفدعة، حوّلها القاص الى كيان مخيف بالنسبة للطفل، فحينما يسمع هذا الطفل نقيق الضفدعة يتصورها كعملاق او حيوان خرافي يريد أن ينقض عليه، وخصوصًا في هبوط الليل ورحيل النهار بعد أن يجمع (النهار) جيوشه لمغادرة المكان، ليحل في مكانه الليل، فيعشعش الظلام مطبقا الخناق على المكان.
وبطبيعة الحال، فإن الضفدعة هي ليست حيوان مخيف، ولا تكون في يوم من الايام كذلك، ولم نسمع في الواقع إنّ الضفادع كانت تخيف الاطفال، لكن القاص استخدمه كرمز للخوف، وهو بذلك وفُق في هذه الالتفاتة، وهنا يكمن الابداع. فلو رجعنا الى ابسط مفهوم الابداع، نجد معناه هو: ايجاد شيء من لا شيء، او تحويل شيء الى شيء آخر يختلف معه بالشكل او المعنى الحقيقي.
والقصة بصورة عامة، تحتاج اكثر من هذا الى اعادة صياغة، لو إن القاص تأمل اكثر ولم يتسرّع في نشرها، واعاد بعض الجمل والصياغات الاخرى؛ أي غاص في فلسفة اللغة التعبيرية، فأكاد اجزم إن قصة "انين الضفدعة" ستخرج الى ارض الوجود بصورة غير الصورة التي خرجت بها ممتطية سيف وقوعها، وستبرز بملامح غير هذه الملامح التي ظهرت بها من العدم. وهذا لا يعني إن القصة قد خرجت خديجة (كتعبير عن الاطفال الخدج) الى الحياة القصصية، بل الصحيح إن القاص المجر ابدع في ايجادها من العدم بحبكة خاصة، تدل على ابداعه الخيالي، وهذا الابداع هو خصوبة دالة على ثقافته وقراءاته الجادة، هنا وهناك، لما ينشر من قصص لكتّاب عالميين ولكتّاب عرب وعراقيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا




.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف