الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغذّي

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 6 / 13
الادب والفن


عندما أتحدّث عن رحلة علاجي من السّرطان ، والتي ربما هدفها ليس القضاء عليه نهائياً لأنه في مرحلة متقدمة ، لكن من أجل تحسين حياتي، فإن الحديث هو نوع من التجربة الشّخصية التي قد يستفيد منها أحد غيري، وعندما أتحدث عن التعامل مع المريض ، فإنني لن أنسى أنني ذهبت إلى طبيب العائلة لثلاث سنوات متوالية و أنا أشكو، ولم يقتنع ، ولربما لم يعاين بشكل جدّي ، لكنّ إحدى المريضات السويديات و التي عاملها بنفس الطريقة إلى أن اكتشفت السرطان قامت بما كان يجب أن أقوم به، فقد جلبت الصّحافة ونبشت حتى ملفي ، ولم تسكت ، وتم توجيه إنذار للطبيب .، لكن ماكان قد كان. الرحلة ليست سهلة، أحاول قدر الإمكان أن أبسّطها كي تصل فكرتي عن المرض ، وهو أنّ السرطان ليس وصمة عار ، ولا يستدعي الشفقة، هو مرض كغيره من الأمراض . أذكر ما يقدم لي من مساعدة ما كنت لأحلم بها. لا . ليس هذا فقط ، بل ربما كنت من الأشخاص الذين يقتلون بنيران صديقة لو بقيت في بلدي .
ليس جميع مرضى السّرطان يشبهون بعضهم البعض ، فبعضهم أعراضه تبدو أخف ، وقد كنت أحسد امرأة خمسينية عندما تجلس في مطعم فندق المرضى مبتسمة ، و بصحة وافرة تتحدث عن الموسيقا فقط، تلبس في كل يوم لباساً بهياً يكشف عن جمالها ، تأكل بالشوكة و السكين، و أنا أفعل.مثلها فقط أبدل الشوكة لليد اليمنى . أما هي فتبقيها في اليسرى ، وتسير الأمور معها بشكل جيد دون أن يقع طعامها من السكين مثلي ! لولا القمطة التي على رأسها التي تخفي ما جرى لشعرها لاعتقدت أنّها تمثّل المرض، لكن عندما رأيت فخذها موشوماً بالأحمر عرفت أن الأمر جدّي، هي مريضة مثلي. نحن الذين نتعالج بالأشعة نوشم كالأغنام في أماكن من جسدنا بدوائر، و إشارات بالأحمر كي ينفذ منها الإشعاع . فيما بعد عرفت أن المرأة عازفة غيتار في فرقة موسيقية ، وهي تمارس الحياة بشكل طبيعي جداً كنت أقول بيني وبين نفسي: تعرف قيمة الحياة وتستحقها. ليست مثلي! عندما تحادثنا قالت لي أن السرطان لديها من الدرجة الرابعة ، و أنّها لا تولي الأمر اهتماماً فهي تحاول أن تنجو .
خلال عملية التشعيع الداخلي الأولى لي شعرت بعد العملية بآلام لا تحتمل، و أصابني الغثيان وعدم الشهية، وفي اليوم التالي ذهبت إلى جلسة الأشعة العادية ، فسألتني المعالجة عن شهيتي، ثم وزنتني فرأت أنني نقصت كيلوين، فذهبت بسرعة كما الملدوعة إلى مكان ما ، اعتقدت أنّني أخطأت بشيء ما ، انتظرت قليلا، رأيتها تأتي وبيدها أربع عبوات من المفذّي ، تسألني لماذا لا تشربين النارنج" المغذي" ؟ أعرف معنى الكلمة، لكنّني لم أعرف ماكانت تقصده ، فأنا أرى أن الرياضيين يشربونه ، لا أفقه بتلك الأمور ، ومنذ زمن بعيد أطبّق الإشاعة حيث لا لآكل الأكلات السريعة مثلا، أو لا أتناول المسكنات ، و أتحمّل الألم علماً أنّ الناس تذهب إلى المطاعم أحياناً من أجل المتعة ومن أجل أن تشعر بالحياة، وتبحث عن الأشياء الجديدة كالنارنج الذي لا أعررفه .
قالت لي المعالجة : اشربي اثنتين على المساء ، و اثنتين في الصّباح . في اليوم الثاني ذهبت إلى الجلسة، وقابلني طبيب التّغذية، و أعطاني النارنج كوصفة طبية أصرفها من الصيدلية أي بسعر رمزي، وهنا في السويد عندما تصل في مشتريات الدواء إلى حد معين يصبح مجانياً ، وحالياً دوائي مجاني، أرسلوا لي إلى عنوان منزلي صندوق نارينج فيه عدد كبير من العبوات ، ومعها رسالة توضح كيفية طلب دفعات أخرى . لا أعرف إن كان النارنج قد تسبب بحياتي ، فخلال كل عملية من العمليات الثلاث التي قاموا بها كنت أبقى دون طعام لعدة أيام لأنني لا أستطيع الأكل، فقط النارنج هو من أنقذ حياتي لأن العبوة تعتبر وجبة وهي تساوي 200 غ ، وسعرها دون وصفة 25 كرون أي حوالي 3 دولار ، لكنها تأتيني بالمجان. أعتقد أنه لا داعي للحسد ، فالصحة أهم من النارنج، كونوا بخير، وصحة جيدة.
كلما تعرضت لموقف إنساني أنظر لنفسي متسائلة : لماذا و أنا أقبل بالقليل؟
كلما تحمّل أحد المسؤولية نيابة عنّي أحزن على السّوريين الذين لا يجدون ليس الدواء و العلاج، بل لا يجدون رفيف الخبز . هذه أوّل مرّة في حياتي أعفى من تحمّل المسؤولية تجاه نفسي ، فتوصيف حالتي ، وما يريدونه مني يرسلونه لي بالبريد ، أو بمكالمة هاتفية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حين يكون البوح شفاءا
ماجدة منصور ( 2021 / 6 / 13 - 08:21 )
أعتقد أن الحياة فعل إرادة حقا و يكفي ما ضاع من أعمارنا في مزرعة الأسد فقد إبتهجي بالحياة و إفرحي على عدد الثواني فالجياة تليق بك سيدة نادية.0
لقد إجريت جراحة خطيرة جدا في قلبي منذ 3 شهور و هاهو جهازا طبيا قد غرزوه فوق قلبي و هذا الجهاز يدعونه ( بيس ميكر)
لقد تولى هذا الجهاز الصغير عملية تنظيم ضربات قلبي المجنون إذ أنه لم يعد بمقدرته إحتمال موت عدد كبير من أحبتي في سوريا الأسد فمنهم من مات جراء قصف النظام ومنهم من إغتاله الدوالعش ومنهم من قضى قهرا و غيظا0
أعيش حاليا في منطقة جبلية و أتنفس جيدا إذ أن طبيبي قد قال لي أنني لا أعرف طريقة التنفس السليم.0
أستاذة اليوغا ساعدتني كثيرا لإكتشاف نفسي مجددا و علمتني حقا أن ( أحيا)0
الحياة تليق بك فإكتبي قدر إستطاعتك لأن الكتابة فعل حياة و شفاء.
سلامتك


2 - نعم علينا أن نعيش
نادية خلوف ( 2021 / 6 / 17 - 00:42 )
تحياتي لك ، و أمنياتي بأن يكفل هذا الجهاز استمرار حياتك بطريقة مرضية. كل الحب

اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة