الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاتورة الحرب على غزة: كلفة باهظة ومردود سياسي شحيح

عصمت منصور

2021 / 6 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


ما إن انتهت جولة القتال، وصمتت المدافع، حتى بدأت حرب من نوع آخر بين طرفين أساسيين هما وزارة المالية ووزارة الدفاع حول كلفة هذه الجولة وكيفية سداد فاتورتها الاقتصادية، وهو ما يثير الى جانب الأسئلة الاقتصادية والمادية، أسئلة أخلاقية وسياسية تتعلق بجدوى جولات القتال المتكررة دون أفق سياسي، في ظل عدم الحسم من جهة، وتكبد المواطن العادي من جيبه تكاليف هذه الجولات التي تترجم على شكل ضرائب وارتفاع في الأسعار.
جولة القتال الأخيرة والتي استمرت أحد عشر يوما بين الجيش الإسرائيلي وفصائل المقاومة في غزة، خلفت وراءها فاتورة مالية ليست بسيطة (لم يتم إجمال الخسائر بشكل نهائي حتى الآن) وذلك بالتزامن مع بداية حدثين كان لهما أكبر الأثر على الاقتصاد الاسرائيلي وهما بداية تعافي الاقتصاد من آثار جائحة كورونا بكل الأعباء التي ألقتها على المالية العامة، وحالة عدم الاستقرار السياسي وعدم إقرار موازنة منذ ما يزيد عن العامين.
تقرير مركز أبحاث الأمن القومي
نشر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في التاسع من حزيران الحالي تقريرا أوليا حول فاتورة جولة القتال الأخيرة، أعده رئيس قسم الأبحاث في المركز مانويل ترختنبيرغ والباحث تومر فدلون، تطرق بشكل تفصيلي ليس للكلفة المالية وتوزيعها على القطاعات المختلفة العسكرية والمدنية فقط، بل وأهم مميزات هذه الجولة مقارنة بالجولات السابقة.
يقسم الباحثان فاتورة تكاليف جولة القتال على ثلاثة محاور أساسية هي: الكلفة العسكرية المباشرة المتعلقة بحاجات الجيش والذخيرة المستخدمة ومدة القتال، وعدد الطلعات الجوية ...الخ، والثانية هي المتعلقة بالاقتصاد والسوق جراء خسارة أيام عمل وتباطؤ النشاط الاقتصادي، وتضرر قطاعات معينة مثل السياحة والطيران، أما الثالث فهو متعلق بالأضرار التي تنجم عن سقوط الصواريخ على المباني والحقول والسيارات والتعويضات التي تقدمها الدولة عنها.
مقارنة بين معركتين
يعقد البحث مقارنة عامة ما بين جولة القتال السابقة والتي وقعت في صيف العام 2014 واستمرت 51 يوما وكلفت ما يقارب ال8.7 مليار شيكل (7 منها ذهبت للإنفاق على القتال ومتطلباته و1.7 تعويضات) وما بين الجولة الحالية والتي استمرت 11 يوما فقط والتي لم تقدم حتى الآن فاتورة نهائية حول كلفتها، لكنها تميزت بأنها مكثفة رغم قصر مدتها، واستخدمت فيها قوة نيران مضاعفة خمس مرات عن سابقتها، كما أطلقت المقاومة عدد صواريخ (4360) يوازي ما تم إطلاقه خلال الخمسين يوما في الجولة السابقة.
الفارق الثاني الذي قد يجعل فاتورة هذه الجولة من القتال كبيرة رغم قصر المدة هو توسيع مدى إطلاق الصواريخ والمناطق التي تم اعلان "وضع خاص" أمني فيها (حالة طوارئ) حيث بلغت هذه المرة مدى 80 كيلو مترا مقابل 40 كيلومترا في الجولة السابقة، وهو ما يعني المس بشكل جدي بالنشاط الاقتصادي والتأثير عليه سلبا خاصة أن مدنا في مركز البلاد كانت ضمن هذا النطاق.
الفارق الثالث، والذي اعتبره الباحثان الأكثر اهمية كونه غير مسبوق ولا مثيل له في الجولات السابقة، يتصل بالحالة التي سادت في المدن المختلطة داخل الخط الأخضر والصدامات العنيفة التي شهدتها والتي أدت الى حدوث إصابات بشرية وأضرار كبيرة في الممتلكات لا يمكن حصرها الآن، كما أنه قد تكون لها آثار بعيدة المدى بسبب حالة الخوف المتبادل التي سادت بين اليهود والعرب وهو ما يمكن ان يؤثر على نشاطهم الاقتصادي وقابلية عودة التعاون المتبادل تجاريا بينهم.
الخسائر وفق القطاع
الكلفة العسكرية المباشرة:
دائما ما تظهر إشكالية في كيفية احتساب الكلفة العسكرية المباشرة لجولات القتال العسكرية وتحديدا ما بين وزارة المالية ووزارة الدفاع وهذا تجلى مثلا في تقدير وزارة الدفاع لكلفة الجولة السابقة ب9 مليار دولار بينما اعتبرت وزارة المالية انها لم تتجاوز ال6.5 مليار شيكل.
يمكن تقدير تكلفة يوم قتال واحد لدى سلاح الطيران بما بين 80-120 مليون شيكل وتكلفة صاروخ الاعتراض للقبة الحديدية ب50 الف دولار للوحدة.
هذه الأرقام تجعلنا نفترض وفق الباحثين أن جولة القتال الحالية التي تميزت بكثافتها سواء من حيث عدد الطلعات الجوية التي وصلت في بعض الاحيان الى 150 جولة في نفس الوقت، أو من جهة عدد الصواريخ التي أطلقت من قبل حركة حماس والجهاد الاسلامي وتم اعتراضها، لن تكونأاقل كلفة عن الجولة السابقة وقد تتراوح بين 4-5 مليار شيكل لهذا الباب فقط.
"القناة 12" نشرت بدورها مقالا في 25 أيار يعزز هذه الخلاصة حيث أشار إلى أن هذه الجولة اعتمدت على ذخيرة متطورة وذكية عالية الكلفة تم استخدامها بكثافة بالإضافة طبعا إلى عدد الجولات الجوية المكثفة حيث تقدر تكلفة ساعة الطيران الواحدة لطائرة من من نوع إف. 15 ب20.000-$- وطائرات إف 35 ب 18500-$- بينما الأقل كلفة هي طائرات إف 16 والتي تبلغ 8000-$- فقط، عدا عن الدبابات والمدفعية وغيرها من القطع الحربية.
موقع" بيزنس" الاقتصادي قدم في اليوم الثامن للقتال تقريرا أشار فيه إلى أن يوم القتال الواحد سيكلف ميزانية الدولة 120 مليون شيكل وهو ما يعادل ملياري شيكل في أسبوع.
الأضرار المادية الناجمة عن الصواريخ:
بلغ حجم طلبات التعويض الناتجة عن الأضرار المادية المباشرة في جولة القتال السابقة في 2014 ما يقارب ال4600 طلبا بمبلغ وصل الى 200 مليون شيكل بمتوسط 44 ألف شيكل لكل طلب تعويض.
سلطة الضراب قالت ان 5.245 طلب تعويض قدم لها مع نهاية جولة القتال الحالية، وهو ما يؤشر إلى أن الأضرار المباشرة ستكون أكبر بسبب القدرات الصاروخية التي أظهرتها المقاومة من حيث المدى والقوة التفجيرية بحيث سيكون متوسط طلب التعويض الواحد حوالي 60 الف شيكل ليصل الإجمالي الى 315 مليون شيكل.
موقع "جلوبس" أشار إلى أن كلفة جولة القتال لن تتوقف على النفقات العسكرية التي استخدم فيها الجيش خلال خمسين ساعة قوة نيران تعادل خمسين يوم قتال مقارنة في الجولات السابقة، حيث أن عدم اللجوء للحرب البرية التي يفترض أن تقلل من كلفة القتال بشكل هائل، لم تؤثر بسبب المشاكل الأخرى التي ظهرت أثناء القتال وخاصة مشكلة التحصين وإدخال مناطق جديدة لدائرة المدن التي شهدت "وضعا خاصا" بكل ما يترتب على ذلك من تحصين حيث يعتقد ان مدينة عسقلان لوحدها ستكلف 1.4 مليار شيكل من أجل تحصينها، يضاف الى ذلك كلفة إدخال وحدات جديدة من حرس الحدود في المدن المختلطة داخل الخط الأخضر وهو ما سيتطلب زيادة ميزانية وزارة الأمن الداخلي والشاباك.
الأضرار الواقعة على السوق:
البحث يستند في هذه الجزئية على تقديرات أولية أصدرها القسم الاقتصادي في اتحاد الصناعيين حيث قدر أن التكلفة المالية بسبب الأضرار المباشرة التي طالت النشاط الاقتصادي بلغت 1.2 مليار شيكل، بسبب خسارة أيام عمل لثلث العاملين في منطقة الجنوب وانخفاض معدل العمل ب10% في منطقة المركز وهو ما يعني انخفاضا بنسبة 20% مقارنة بجولة القتال السابقة.
إن مجمل هذه الخسائر والفاتورة العالية للجولة الحالية من القتال ستلقي بظلالها على مجمل النشاط الاقتصادي وستنعكس مباشرة على جيب المواطن العادي، ومع ذلك يرى الباحثان أنه لا يجب الاستهانة بعامل الزمن وكون الجولة الحالية كانت قصيرة نسبيا(رغم كثافتها وتوسع مداها وحجم الصواريخ التي أطلقت فيها من غزة)، حيث يمكن تسجيل الملاحظات التالية التي يمكن ان تجعل الأثر المباشر للنفقات أقل تأثيرا على الاقتصاد:
إن الخروج من جائحة كورونا بعد عام من العمل عن بعد جعل الاقتصاد أكثر مرونة وأكثر قابلية على ملاءمة نفسه مع الحالة الناتجة عن القتال وإمكانية الاستعاضة عن العمل المباشر بالعمل من البيت خاصة في قطاع الهاي تيك المسؤول عن 52% من الصادرات الاسرائيلية، وذات الشيء ينسحب على قطاع التعليم بالاستناد الى الخبرة التي تراكمت في مواجهة الجائحة وهو ما أدى الى عدم حدوث حالة من الشلل.
إن عدم استدعاء جنود الاحتياط الذين يكلف الجندي الواحد فيهم 500 شيكل يوميا، بسبب عدم الدخول البري (تم استدعاء عشرة آلاف جندي فقط مقارنة ب40 الف في الجولة السابقة) أدى الى تقليل الخسائر واستمرار دورة النشاط الاقتصادي.
تزامن الجولة الحالية من القتال مع دخول عيد "هشبوعوت" وهو ما يعني تقليل أيام العطل التي تضطر الدولة لتعويضها، بالإضافة الى قيام أصحاب المصانع القريبة من مناطق القتال بفضل التجارب السابقة بتحصين مصانعهم وتهيئتها للاستمرار في العمل في ظروف القتال وسقوط الصواريخ.
تضرر السياحة التي لا تعتبر من الموارد الهامة في الاقتصاد الاسرائيلي(2% فقط) كان محدودا ايضا بسبب جائحة كورونا وهو ما لا يمكن مقارنته بالجولة السابقة التي قال البنك المركزي أن الخسائر في قطاع السياحة لوحدها بلغت 2 مليار شيكل.
على الجانب الآخر
على الجانب الآخر من الحرب وحول كل ما يتعلق في قطاع غزة لم تصدر حتى الأن فاتورة تحدد الثمن الباهظ الذي يدفعه القطاع (المحاصر والفقير أصلا) جراء جولة القتال الحالية والتي سيدفع المواطنون الذين هدمت منازلهم وتعطلت حياتهم ثمنها كاملا. أشار تقرير نشره موقع الجزيرة في ال23 من أيار إلى أن "تقديرات أولية تشير إلى أن الحرب الإسرائيلية على غزة كبدت القطاع الخاص خسائر فادحة بمئات ملايين الدولارات، جراء الدمار الذي أصاب مصانع وشركات ومحال تجارية ومنشآت سياحية".
في ذات التقرير يؤكد نائب رئيس الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية علي الحايك "أن إسرائيل تعمدت خلال الحرب تدمير ما تبقى من مكونات اقتصادية قاومت الانهيار على مدار السنوات الماضية رغم الحروب وعمليات التصعيد والحصار، وهي سياسة إسرائيلية معتادة تستهدف ضرب "عصب الحياة في غزة" وأن "هذا التدمير المتعمد لأكثر من 70 منشأة اقتصادية متعددة النشاطات، من بينها حوالي 14 مصنعا كبيرا في "المنطقة الصناعية" المتاخمة للسياج الأمني، والتي من المفترض أنها "منطقة آمنة"، إضافة إلى تدمير كلي وجزئي لعشرات المصانع المنتشرة على امتداد القطاع.
وصف الحايك للموقع ما خلفته الحرب بالكارثة، فآلاف العمال شُردوا من أماكن عملهم وفقدوا مصادر رزقهم، والتحقوا بجيش من العاطلين عن العمل كان يضم قبل وقوع الحرب نحو 250 ألف عامل، وأكثر من 200 ألف خريج جامعي".
موقع العربية نت نقل بتاريخ 21 ايار عن وكالة "أونروا" أن الهجمات الإسرائيلية "أدت إلى نزوح أكثر من 75 ألف فلسطيني لجأ منهم 28 ألفاً و700 إلى مدارس تابعة للوكالة".
كما ذكر المكتب الاعلامي الحكومي في غزة في ذات التقرير ان " 75 مقرا حكوميا ومنشأة عامة تعرضت للقصف الإسرائيلي، تنوعت ما بين مرافق خدماتية، ومقار أمنية وشرطية كما تضررت 68 مدرسة، ومرفقا صحيا، وعيادة رعاية أولية، بشكل بليغ وجزئي بفعل القصف الشديد في محيطها، فيما تضررت 490 منشأة زراعية من مزارع حيوانية، ودفيئات زراعية، وآبار، وشبكات ري، كما تضررت شبكات الصرف الصحي، وإمدادات المياه تحت الأرض، بشكل كبير، نتيجة الاستهداف المباشر ولم تسلم بيوت العبادة من العدوان، حيث تعرضت 3 مساجد للهدم الكلي، بفعل الاستهداف المباشر، و40 مسجدا وكنيسة واحدة تعرضت لدمار بشكل بليغ قصف جيش الاحتلال أكثر من 300 منشأة اقتصادية وصناعية وتجارية، وهدم 7 مصانع بشكل كلي، وألحق أضرارا بأكثر من 60 مرفقا سياحيا كما تضرر 31 محوّلا للكهرباء في غزة، بفعل هجمات الاحتلال الإسرائيلي، وتعرضت 9 خطوط رئيسية للقطع، كما كشفت الإحصائيات الحكومية الفلسطينية أيضا، تضرر 454 سيارة ووسيلة نقل بشكل كامل، أو بأضرار بليغة."
اللافت أنه وفي الوقت التي تتحدث فيه التقارير الاسرائيلية عن تصنيفات مختلفة للكلفة الناتجة عن جولة القتال بين عسكري ومدني وسوق، اعتبر قادة اسرائيل أن كل الأهداف في غزة بما فيها المدنية مثل استهداف المباني السكنية والأبراج والبنية التحتية والمنشآت أهداف عسكرية تهدف "إلى ردع حماس ومنعها من إعادة بناء قوتها مجددا" كما نشر موقع واي نت في 19 أيار الحالي ، فان الهدف من القصف يطال ايضا ردع جبهات أخرى مثل حزب الله كما نشر الموقع.
التكلفة العالية على جانبي المتراس في جولات القتال المتعاقبة والدورية، لم تحقق أيا من الأهداف التي وضعها الجيش وفق تقرير "واي نت" المشار اليه وهي" تثبيت حالة ردع دائمة واستراتيجية أمام التنظيمات الفلسطينية ودفعها إلى عدم التفكير في تحدي إسرائيل وعدم وجود أي ضمانه بإعادتها لبناء قوتها العسكرية والأهم تعاظم قوة التنظيمات التي تخوض الحرب سياسيا وشعبيا بدل انفضاض الجمهور عنها وتخلي حاضنتها الشعبية عنها".
إن فاتورة الحرب ستبقى تجبي عشرات المليارات طالما ان الأفق السياسي مغلق ولا يوجد استراتيجية واضحة تجاه القطاع، وهو ما يعني أن نهاية كل جولة قتال تعني عمليا بدء العد العكسي في انتظار الجولة التالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د