الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا واشكالية الاخلاقيات

سعد سلطان حسين

2021 / 6 / 15
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


ان الحقوق والحريات كما هو معلوم لا تتجزأ وتتكامل مع بعضها بعضا ، و يرتبط الحق في الصحة ارتباطا وثيقا بأعمال حقوق الإنسان الأخرى التي اوردتها الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان

"تتضمن الحريات حق المرء في التحكم في صحته، بما في ذلك الحق في عدم الخضوع للعلاج الطبي والتجارب الطبية دون رضا. وتتضمن الاستحقاقات الحق في نظام حماية صحية ،أي الرعاية الصحية والمقومات الأساسية للصحة"

وقد تكون جائحة كورونا قد دفعت بالحق بالصحة الى الصدارة ليرافق جهود الدول في مواجهة الجائحة مواقف تفاوتت بين التأييد والمعارضة لاداء وقرارات هذه الدولة او تلك .

كما ان عالمية الجائحة وعدم استثنائها لبلد دون اخر هي الاخرى قد قدمت لنا نماذج متعددة ومختلفة عن ماهية التعامل الذي اعتمدته النظم الصحة في الدول في مواجهة الجائحة ، والتي تفاوتت بين الحزم والاجبار في الخضوع للقرارات الرسمية وبين التعامل المرن نسبياً المبني على ثقافة الاقناع والعمل المشترك ( الموافقة المستنيرة ) فوجدنا رؤوساء الدول يخصصون مؤتمراً صحفياً الى جانب وزراء الصحة لاطلاع الشعب على اخر مستجدات المواجهة وفي المقابل شكل سلوك المجتمعات ذاتها فارقاً بين مجتمعات قررت العمل مع حكوماتها في مواجهة الجائحة واخرى تتحين الفرص لانتهاك القرارات الحكومية والامثلة كثيرة .

ثم ظهرت اللقاحات فبات الجدل اكثر واكبر عن اخلاقيات اللقاح فبدأنا باخلاقية احتكار تصنيع اللقاح من قبل دول بعينها ، ومن ثم اخلاقية تفضيل شعب على اخر في منح اللقاح لمستحقيه ، استتبعها الجدل مؤخراً حول حق الدول في اجبار مواطنيها على اخذه وعن مدى مخالفة هذا الإجبار مبدأ الحرية الفردية والشخصية في اتخاذ القرار، خصوصاً في ما يتعلق بجسده نفسه، أو مخالفتها معتقدات دينية أو فلسفية معينة ، وهل للوائح وتنظيمات الصحة العامة المتعلّقة باللقاح أن تنتهك استقلالية الفرد وحريته بتبنيها الاجبار ؟

وما هو حق المواطن في القبول او الرفض !

سانقل لكم اعزائي تجارب عملية من بلدي هولندا والبلد الجار المانيا اعتقد انها مثلت انموذج ايجابي يمكن الاقتداء به .

واجه كلا البلدين الجائحة في الاشهر الاولى بالاغلاق التام للفعاليات الاجتماعية وقطاع الاعمال غير الاساسية فتم حظر التجوال الليلي واغلاق الملاعب والمسارح والمتاحف والمطارات والمطاعم والمسابح والقاعات الرياضية وخدمة القطارات وعطلت المدارس واعتمد التعليم عن بعد وتم استثناء قطاع الصحة والاسواق مع قواعد عمل صارمة تتعلق بارتداء الكمامة والتباعد وتحديد اعداد الركاب في السيارات لشخصين فقط يجلي الراكب في المقعد الخلفي كما قلص عدد الاشخاص المسموح في استقبالهم منزلياً الى شخص واحد ارتفع العدد تدريجياً حتى بلغ اليوم ثمانية اشخاص .
تم فرض غرامات مالية تراوحت بين 50€ الى 150 € على المخالفين .

تعاملت الدولتان مع سياسة الاغلاق بمرونة من خلال المراجعة الشهرية فكانت تخفف من الاغلاق كلما كان ذلك ممكناً وتعود له في حال استفحال الجائحة وتحولها الى موجة ( لقد واجهنا حتى الان ثلاث موجات )

وقد شهدت الاشهر الاولى سلوكيات مخيبة للامال رافقت سعي الدول للحصول على الكمامات فكانت حالات القرصنة للدول على تعاقدات بعضها البعض التي تمر على اراضيها او موانئها او منح مبالغ اعلى للمورد لحرمان طرف على حساب اخر .

بعد الاعلان عن انتاج اللقاحات اجتهدت هاتين الدولتين في الحصول على اللقاح وقد عارضت مواقف الولايات المتحدة في احتكاره والمواقف الرسمية التي عبر عنها الرئيس الامريكي ترامب انذاك ، لكن في المقابل لم يكن نهج الاحتكار ببعيد عن القارة الاوربية التي منعت تصدير معدات التنفس الى الخارج لاعتبار حاجة المؤسسات الصحية الاوربية للمنتوج .

اصدرت هاتين الدولتين قوائم تضمنتها الشرائح ذات الاولوية في الحصول على اللقاح على ندرته في الاشهر الاول فكانت الكوادر الطبية في المقدمة ، لكن لم تكن عملية التلقيح اجبارية حتى لهذه الشرائح .

اعدت هذه الدول جدولاً يمثل خطة تلقيح شاملة بحيث يمكن للمواطن معرفة تاريخ حصوله على فرصة التلقيح ، وهذه الجداول لا يمكن القفز عليها الا على سبيل الاستثناء وفق ضوابط صارمة تتعلق :

1- ان صاحب الطلب يعمل في احد القطاعات ذات الاولوية في اخذ اللقاح
2- ان هنالك ضرورة طبية اقتضتها حالة طالب التلقيح بناءاً على توصية من طبيب العائلة تبرر حاجته الفورية للقاح .

رافق عملية التلقيح تفعيل الية اختبار الاصابة ( المسحة ) فتم نشر نقاط فحص في عموم البلاد ترتبط بوزارة الصحة تستقبل اية حالات مشكوك بها من قبل المواطن او بيئة العمل .

انشأت في وزارة الصحة منظومة مراقبة مدعومة بتطبيق مراقبة على الهاتف النقال يراقب تحركات المصاب ومناطق الاختلاط او التماس ، يجري هذا الجهاز مقابلة تلفونية امدها 30 دقيقة مع من تؤكد نتائج الفحوصات اصابته يطلعه الموظف الصحي بحقوقه والالتزامات ومن اهمها الحجر الصحي والتواصل العلاجي مع طبيب العائلة او المستشفى .

وسع كلا البلدين من الطاقة الاستيعابية لغرف العناية المركزة الى ثلاث اضعاف عددها قبل الجائحة ، وتم تأجيل اجراء جميع العمليات الجراحية التي يمكن تأجيلها وخصصت كامل امكانيات القطاع الطبي لمواجهة الجائحة .

لكن في المقابل تم تعظيم جهود الرعاية الطبية المنزلية من خلال تأمين كوادر طبية وصحية تقدم خدماتها للمستفيد في منزله تلافياً للحاجة الى مراجعته المستشفيات في وقت الجائحة .

كما استعيض عن الزيارة لطبيب العائلة بالمراجعة التلفونية بحيث يقوم الطبيب بتخصيص وقت الاتصال بالمريض وتصرف الادوية وترسل الى بيته دون ضرورة لمراجعة فعلياً للطبيب او الصيدلية .

في الحالات الحرجة التي تستلزم معاينة فعلية من الطبيب يحضر الطبيب الى منزل المريض مع التزام تام بارتداء الزي الوقائي ، ليتقرر بعد ذلك ان الحالة حرجة وتوجب النقل الى المستشفى ويتم التواصل من الطبيب حصراً بغرفة عمليات وزارة الصحة التي تمنح الموافقة ويتم النقل بعربة الاسعاف .

تسير عملية التلقيح على قدم وساق بشكل اختياري لا اجباري لكن في المقابل ، تتخذ السلطات اجراءات احترازية تحمل معنى الاجبار غير المباشر من قبيل منع دخول المدن الا بمرافقة نتيجة فحص سالبة امدها يومين . اغلاق المدن في مواجهة القادمين من غير اخذي اللقاح او حاملي المسحة السالبة .

التعطيل الاجباري عن العمل في حال ظهور اية اعراض لانفلونزا ووجوب تقديم نتيجة فحص سالبة كشرط مسبق للعودة للعمل ، وهذا التعطيل والمطالبة بالفحص غير مطلوبة ممن اخذ اللقاح مسبقاً.

يرافق اجراءات وزارة الصحة في تنفيذ خطة التلقيح حملة اعلامية توعوية باهمية اللقاح واثره على الصحة الفردية والمجتمعية واثره في تعجيل الانهاء للاجراءات الاستثنائية وعودة الانفتاح سعياً من الوزارة للحصول على موافقة اختيارية مستنيرة للمواطن لاخذ اللقاح .

كما التزمت المؤسسات الصحية في كلا البلدين باجراء تقييم دوري للقاحات واصدار البيانات المؤيدة او الرافضة لاية تشكيكات صدرت او تصدر بشأن جدوى لقاح معتمد من عدمه ، وكان لقاح استرازينكا خير مثال على ذلك حيث اخضع للتقييم والمراجعة واستثنت فئات منه .

لذا فأن الاجابة من وجهة نظري على السؤال هل للمواطن ان يقبل او يرفض ؟

ستكون بنعم ، ان للمواطن ان يقبل او يرفض لكن في المقابل للادارة ( الحكومية وغير الحكومية ) ان تتخذ اجراءات احترازية لحماية المجتمع وبيئة العمل من خطر اصابة العاملين بالوباء عن طريق نقل العدوى من شخص رافض للقاح ، وليس للاخير ان يمتنع عن التعامل الايجابي مع قرارات الادارة بهذا الشأن وان ترتب عليها حرمانه من بعض الحقوق على اعتبار ان الحقوق العامة تتقدم على الحقوق الخاصة .

اي ان لك ان ترفض اللقاح لكن عليك ان تتقبل اجراءات المؤسسة الصحية او الاخر في حماية مدينته او مؤسسته او نفسه من خطر الاصابة الذي تمثله .

لكن في المقابل اعتقد بوجود التزام اخر على المؤسسة الصحية في تعامل خاص اتجاه المواطن الذي يستطيع تقديم الاثبات بأن التلقيح سيؤثر فيه سلباً دون غيره . وان على المؤسسة الصحية ان تضمن اجراء التدقيقات اللازمة مسبقاً لتقييم الحالة الطبية لطالب اللقاح كاجراء مسبق لاعطاء اللقاح وان تتحمل المسؤولية القانونية في التعويض في حال وقوع الوفاة بسبب تلقي اللقاح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم