الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقع الطبقي في المجتمع العربي الفلسطيني 48 (2) - بعد النكبة، الحكم العسكري والملكية العقارية

ارام كيوان

2021 / 6 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


بعد النكبة

بعد النكبة صودرت كلّ الأراضي، وألغيت طبقة الفلّاحين قسرًا ليتحوّل الغالبية الى فقراءٍ وعاطلين عن العمل. وفُرِضَ الحكم العسكريّ الّذي استمر في كبح تطوّر القوى المنتجة وتكوين طبقةٍ عاملةٍ حديثةٍ على أنقاض الانتماءات السابقة. وحتّى مع إلغاء الحكم العسكريّ، لم يشهد المجتمع العربي نهضةً اقتصاديّةً ولا ازدهارًا. وكان الحدّ الأقصى هو نيل بضعة خدماتٍ بعد نضالٍ طويلٍ ومريرٍ فيما يعرف بـ "معركة المعيشة".

وللإضافة أكثر حول فترة الحكم العسكريّ وأهميّة معرفة اسهاماتُ تلك الفترة في تأخّر العرب اجتماعيًّا واقتصاديًّا، أشير الى الدراسة المهمّة ليائير بيومل بعنوان "استعباد الاقتصاد العربيّ لصالح الوسط اليهوديّ 1958-1967"، حيث أنّه يقسّم فيها الخطوات الّتي اتّخذتها السلطة الاسرائيلية في تلك الفترة الى ستّة خطواتٍ ويفصّلها واحدةً واحدةً:
1. نقل حوالي ستّين بالمائة من الأراضي الّتي كان يستخدمها أو يمتلكها العرب الى الوسط اليهوديّ.
2. مصادرة آليّة الزراعة الثانيّة - المياه- ونقل معظمها لصالح استخدام الزراعة اليهوديّة المكثّفة.
3. تطبيق خطّةٍ مؤسّساتيّةٍ منظّمةٍ أدّت إلى تصفية 72% من الاقتصاد العربيّ واخضاع الـ 28% المتبقّية للمؤسّسة الزراعيّة الصهيونيّة.
(هذه الخطوات الثّلاث أدّت إلى تشكيل بطالةٍ مرتفعةٍ عند العرب وازدهار في الاقتصاد اليهوديّ، والّذي ولّد بدوره الحاجةَ للأيدي العاملةِ الّتي تواجدت بغزارةٍ عند العرب.)
4. تنظيم دخول العرب العاطلين عن العمل إلى الوظائف الأكثر حقارةً في سوق العمل الاسرائيليّ.
5. تحسين البُنى التحتيّة في المجتمع العربيّ، الأمر الّذي زاد قدرته على الاستهلاك وشراء المنتجات، الأمر الّذي عزّز من اقتصاد اليهود حيث أنّ العرب اشتروها منهم.
6. منع تحوّل المجتمع العربيّ إلى مجتمعِ صناعيٍّ بهدف إبقاء حالة التبعيّة الاقتصاديّة وإحباط أيّ إمكانيةٍ محتملةٍ لنمو صناعةٍ عربيةٍ منافسةٍ لأخرى يهوديّةٍ.

يمكننا أنْ ندلّل أكثر على ما نقوله حول إبعاد العرب عن الصراع على الثروة الاجتماعيّة من خلال الإشارة إلى أنّ حصّة العرب من الناتج المحليّ الإجماليّ في إسرائيل هي 8% فقط، ما يدلّ على تغييب المجتمع العربيّ عن الصراع على الثروة الاجتماعيّة الكلّيّة في إسرائيل. لذلك نرى في الحياة اليوميّة أنّ العرب غير معنيّين بهذا النقاش، وينحصر كلّ اهتمامهم بالحفاظ على لقمة العيش وتأمين مأوى وعملٍ والزواج "قبل فوات الأوان". أمّا النضال لأجل حصةٍ "عادلةٍ" من الثروة الاجتماعيّة فلا يذكر ولا يعتبر مهمًّا.

"غير الخبز اليوميّ، وقلب امرأتي، وحليب الأطفال..
أنا لا أملكُ شيئًا."
(توفيق زياد)

مفتاح فَهم المجتمع العربيّ يكمن في غياب (أو تغيّيب) الصّناعة والتكنولوجيا عنه، بعد إلغاء طبقة الفلّاحين قسرًا. هذه هي نقطة الانطلاق لكلّ بحثٍ جديٍّ يريد أنْ يمضي قُدمًا في فَهم الأساس الماديّ المكوّن للمجتمع العربيّ.

عند النظر إلى مهن العرب، نجدُ الآتي:
17.1% البناء، 14.4% قطاع التربية والتعليم، تجارة الجملة 14.4%، الصناعة 11.8%، قطاع الصحة 9.7%، المواصلات العامة 7.2%، الزراعة 2.1%، خدمات الطعام والضيافة 5.4% والباقي خدمات أخرى. 57% من الملكيّات والاستثمارات العربيّة في البناء والتجارة، 31% في البناء و26% في التجارة. 18% فقط من المصالح العربيّة تُشغّل أكثر من 50 عاملاً بعكس 61% من المصالح اليهوديّة.
هذه هي النسب الكليّة وَفق تقرير وزارة الاقتصاد عام 2017 ومركز البحث للكنيست عام 2020. ولكنْ عند الإمعان أكثر في النسب، نجد أنّها النسبُ الكليّة، وبالتعمّق أكثر فيما يدور داخل المجتمع العربيّ نجد (وَفقًا لمعهد فالنير) أنّ 95.8% من مجمل المصالح العربيّة في المجتمع العربيّ هي مصالح صغيرةٌ تحوي 66.7% من مجمل الكادحين العرب أما الصناعة فلا تتعدى نسبة 2.4% ونسبة بطالة 18%.

عند النظر إلى المجتمع العربيّ، يبدو واضحًا أنّه لم يشهد ظهور وتطوّر طبقاتٍ عصريّةٍ أو انقسامًا طبقيًّا كما في مجتمعات ما بعد الحداثة. غيرَ أنّ رأس المال في المجتمع العربيّ يكون رأس مالٍ صغيرٍ مقارنةً بنظيره في المجتمع اليهوديّ وتابعًا له في حالاتٍ كثيرةٍ. ناهيك عن العنصريّة والتهميش من طرف السلطات الإسرائيليّة. هذه المعادلة القائمة أمامنا، تمكّن الناظر، أحيانًا، من اعتبار المجتمع العربيّ كتلاً سكانيّةً متنافرةً ومحشورةً في جيتوهات صغيرةٍ، فالعرب يشكّلون 20% من مواطني الدولة ويعيشون على 2% من مجمل الأراضي. ولا ننسى أيضًا غياب الاستثمارات التكنولوجيّة والصناعيّة عند العرب وتركيزها عند اليهود. كلّ هذه العوامل مجتمعةً قادت الى بؤسِ الواقع الاجتماعيّ. على سيرة قضية الأراضي، من الواجب أن أذكر مسألة الملكيّة العقاريّة وأهميّتها بالنسبة للرأسماليّة؛ نقتبس من سمير أمين:
"إنّ نمط الإنتاج الرأسماليّ يفترض إذن النفوذ الحرّ للرأسماليّين الى الوسائل الطبيعية، وقد أكّد ماركس على الطابع اللارأسماليّ للملكيّة العقاريّة. لكنّ التشكيلات الاجتماعيّة الرأسماليّة لم تُخلق من العدم وفي الفراغ. لقد تطّورت الرأسماليّة في حجر التشكيلات السابقة، في القطاعات الجديدة (الصناعة) الّتي لم تكن محكومةً بالعلاقات الخاصّة بأنماط الإنتاج السابقة. وقد امتدت فيما بعد عندما أصبحت مسيطرةً على التشكيلة عامّةً إلى الزراعة حيث شكّلت الملكيّة العقاريّة عَقبةً أمامها. ومنذ ذلك الحين فَقَدَ المالك دوره الحاكم في الزراعة لصالح المزارع الرأسماليّ. وفي التشكيلات الرأسماليّة المتقدّمة، اختفى كلّ مالكٍ عقاريٍّ بالمعنى الإقطاعيّ الما-قبل رأسماليّ، ولم يعد هناك إلّا رأسماليّين زراعيّين".

في إسرائيل، اختفت كلّ ملكيّةٍ عقاريّةٍ إقطاعيّةٍ ولكنْ لم يكن هنالك نفوذٌ للرأسماليّين الى هذه الأراضي الاقطاعيّة السابقة، بل نُقلت ملكيّة هذه الأراضي إلى الدولة مباشرةً. وبدل حلول المزارع الرأسماليّ مكان العامل، حلّت سلطة الصندوق القوميّ اليهوديّ، ولم ينل الرأسماليّون المستقلّون سلطةً على الأراضي سوى في حدودٍ ضيّقة للغاية. وعلى سبيل تعميق هذا التدليل، من الجدير أن نذكر أنّ إسرائيل تحوي 1187 بلدة، من بينها 134 بلدة عربية (بين مدينة وقرية) الّتي تشكل مناطق نفوذها (نفوذ البلدات العربية) 2.5% فقط من أراضي الدولة. منذ قيام الدولةِ، اقيمت 700 بلدة يهودية جديدة ولم تقم بلدٌ عربيّة واحدةٌ بالمقابل. هنالك 112 بلدةٍ عربيّةٍ مدرجةٍ تحت 77 بلديةً، و25 بلدةً عربيّةً موجودةً تحت نفوذ مجالس اقليميّة يهوديّة.

***
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يهدد.. سنجتاح رفح بغض النظر عن اتفاق التهدئة | #رادا


.. دلالات استهداف القسام لجرافة عسكرية إسرائيلية في بيت حانون ف




.. من هو -ساكلانان- الذي نفذ عملية طعن بالقدس؟


.. أخبار الساعة | غياب الضمانات يعرقل -هدنة غزة-.. والجوع يخيم




.. مستوطنون إسرائيليون يعترضون شاحنات المساعدات القادمة من الأر