الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في قطار -البداوي-..بوابة تُرْعة في قرية ود سلفاب تُحَرِّر عدن من الإستعمار ؟!

ميرغنى ابشر

2021 / 6 / 16
سيرة ذاتية


فيها الطارف والمسكوت عنه،والسياسي والقراءة الانثروبولوجية للشوارد من تاريخنا المجتمعي. أنه يحكي عن تاريخنا المعاصر ، ولكن هذه المرة في سٍّربال جبة "المؤانسة" و"المجالسة" ،والأخيرتين بعض من عنوانه التفسيري لمذكراته المعنونة (قطار العمر.. في أدب المؤانسة والمجالسة)، أحدثك هنا عن مسطور "محمد خير البدوي" الصحافي والإعلامي المعروف ،والد الالْمَعِيّة "زينب البدوي". وعجبي أن رفيق لندن ،وزميله في أجهر منصة إعلامية على ظهر البسيطة "بي بي سي" شيخنا الأديب العالمي، وعبقري الرواية العربية "الطيب صالح" ما كتب في تقديمه لمذكرات "البدوي" غير فهرسة ،أعني (ببليوغرافيا)لفصولها فحسب، وهي خاطرة نهضت في واعيتي بعد فراغي من مطالعة أسطر "الطيب"، وما وجدت في مقدمته طعم ذاك القلم البادع الذي كنا نتذوقه في زاويته الإسبوعية على أخيرة مجلة المجلة اللندنية"نحو أفق بعيد". وظني أن "البدوي" (هبش) ما أحسست به،فقد أشفع ما كتب "الطيب" بأسطر جميلة جزلة خطتها صغيرته "زينب" ، عرضت فيها لحديث بينها وبين رئيسة وزراء الباكستان وقتها "بنازير بوتو" قالت فيه الأخيرة أن "البدوي" : (يذكرها بأبيها المرحوم ذو الفقار علي بوتو) .

ومما يقع في باب الشوارد المغيبة من تاريخنا المعاصر، وبه بعض طرافة ،أن "قحطان الشعبي" كان يسكن و"البدوي" في داخلية واحدة "كوكس هاوس" في كلية غردون. وفي العام 1943م حدث نقص في الأيدي العاملة لجني القطن في مشروع الجزيرة ،وجُند الطلبة لسد النقص ،ضمت مجموعة "البدوي" في من ضمت من الطلاب "قحطان الشعبي" ،وبعد أنتهاء ساعات العمل نزل "قحطان" للإستحمام في "الترعة"- بالقرب من قرية ود سلفاب - في الناحية الجنوبية للقنطرة التي تتحكم بوابتها في إنسياب الري ،فجرفه التيار الى داخلها ليخرج من الناحية الاخرى مندفعاً للسطح، وذهل الجمع وارتعب "قحطان الشعبي". ماذا لو كانت أبواب القنطرة مقفلة في ذلك اليوم ؟، لما وجد "قحطان" منفذاً للخروج ولمات غرقاً ، ولما تحرر اليمن الجنوبي على الارجح من قبضة الاستعمار البريطاني!!.فقد قاد "قحطان الشعبي" لاحقاً الثورة التي حققت جلاء البريطانيين عن الجنوب العربي، وهو أول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في الفترة من 1967م الى 1969 وقد تمت تصفيته لاحقاً في محبسه الانفرادي في عهد الرئيس على ناصر . ومن شوارد تاريخ الأمكنة التي ماتزال تلعب دوراً حيوياً في حياتنا المعاصرة "دار حزب الأمة " بشارع الموردة ، فقد كان الدار وحتى ما بعد 1936م سراي لرجل الأعمال الوطني السيد "ابو العلا". وفي تاريخ الأمكنة يحكي "البداوي" كما ينطقه الإنجليز : ( كانت تحيط بقبة الغرقان – قبة الولي الصالح "الشيخ دفع الله الغرقان" بحي البوستة امدرمان – بيوت عتيقة حقيرة ، يسكنها لفيف من مريدي الشيخ الغرقان مع أسرهم، وقد داهمت الشرطة في أوئل الأربعينات تلك البيوت ، فأخرجت منها العديد من المسروقات والأسلحة البيضاء والخمور البلدية وأدوات تقطيرها. وأطلقت الشرطة بكفالة مالية سراح الشيخ "جاه الله" (الخليفة) في إنتظار محاكمته . لكنه توفي فجأة عشية محاكمته، واعتبر ذلك كرامة أنجته من المرمطة أمام القاضي الإنجليزي). وقبيل أن نغادر شوارد تاريخ الأمكنة ،يحضر الفندق الكبير (القراند أوتيل) بسجله المجتمعي العريض وقتئذ ، وللفندق الكبير في ذلك العهد شهرة عالمية وخاصة المصطبة (تيراس) المطلة على النيل الأزرق، وكوكتيل حجازي (البارمان) الذي لا مثيل له في أرقى حانات العالم، والذي يأتي اليه البعض خصيصاً من أنحاء اوربا لاحتسائه على التيراس. وقد عمل صاحبنا موظف فيه ، شهد وعاش الكثير من الوقائع هناك ، وكان ذات مرة بطلاً لمغامرة مع سيدة مجتمع وفنانة مصرية حسناء غنوج من نزلا الأوتيل، رمز لها بالحرفين (ق.د)،وتعبت اي ما تعب و انا (أفتش) في قائمة المطربات المصريات من زرن السودان وقتها ، حتى أجلب لك أسمها ،وأصابتني "ه" السكت على حد تعبير القاص "بشرى الفاضل" في "حكاية البنت التي طارت عصافيرها" حين عرفتها ،فقد طلسم صاحبنا في حروفها أمعاناً في الطمس ،وهذه محمدة له، لن أفض سرها حتى لا تطير عصافير كثيرة غضباً، وتكذيباً فسيدتنا اللعوب الغنوج الرعبوب، من بيت دين وعلم في مصرها.

وفي تخوف عرب "البي بي سي" من إجادة السودانيين لمادتهم، وتحليهم بالصدق والأمانة وهي أشياء تدعو لإطمئنان المسئولين البريطانين، ووثاقتهم فيهم دون غيرهم من العرب. يروي "البدوي" حكايات ،من بينها طرفة فصل التشكيلي والخطاط العربي والعالمي السوداني جهيرة السيرة "عثمان وقيع الله" عن الخدمة بحجة أن خطه رديء!!،فقد كان "حسن الكرمي" مقدم برنامج "قول على قول" وقتها يدس للسودانيين هناك غيرة وحسداً من عنده.

ولا يقف بك "البدوي" في ذاكرته فحسب ، بل يمضي يروي لك مما سمع ميراثاً . فقد فاضت روح الإمام المهدي بين يدي زوجه "آمنة بنت أبي بكر الجركوك" المصرية، وهي عند الإمام بمكانة "عائشة بنت الصديق"،وبلغ المهدي من شغفه بها، أن أوصى عليه الرضوان بأن يدفن في غرفتها ثم بنية القبة غبّ ذلك . وشاع عند وفاته أنه مات مسموماً على يد زوجته "آمنة " انتقاماً لأبيها الذي ذبحه الأنصار يوم سقوط (فتح) الخرطوم. وللبدوي قراءاته الإنثروبولوجية الخاصة لما شهد وسمع ، فحين ساقته الاقدار بعد اربعين عاماً من احاجي عمته "البتول" التي سمع ، الى بريطانيا - "البتول" اخت للشيخ "بابكر بدري" رائد تعليم المرأة في السودان - وقع في يديه كتاب يضم مجموعة الأحاجي الاسكوتلاندية ، ودهش صاحبنا للشبه الكبير بينها وبين حكايات عمته "البتول" التي كانت تحكيها شبه بلغ في مرات حد التطابق،ويعلل ذلك التشابه في الأحاجي الشعبية بأن البشر في بداية الخليقة كانوا أمة واحدة ، ثم تفرقت على مر الحقب والأجيال، وبقيت بينها أواصر الأحاجي في جوهرها وأن اختلفت في تفاصيلها . ولكني أقول ،لعلم الآثار والأُناسة إطروحات اخرى تعلل هذا التشابه بين ثقافات الشعوب المتباعدة جغرافياً، ولكنا لسنا هنا في معرض الحديث عن ذلك. وفي رحلة له بالباخرة من مدينة "بور" الى "جوبا" رست الباخرة في شامبي ،فراى لأول مرة في حياته فتيات عاريات في العراء من قبيلة النوير يجلسن تحت شجرة ،هذا المشهد ساق صاحبنا للنظر في ما تعنيه الملابس للإنسان ومضى يفصل في خبرته التى إعتصر : ( ومن الناس من يظن أن في الحجاب ضماناً للعفة والطهارة ، لكنه في رأيي داع للفساد وحافز للغواية ،الحجاب يجعل الجسم نجاسة تشتهى لا بد من حجبها وراء أستار واسوار ، ليست هذه دعوة لسفور المرأة ورفض للحجاب ، وأنما دعوة الى الاعتدال باعتبار أن وظيفة الملابس إظهار جمال الأجسام لا إخفاؤه أو اخفاء القبيح منها ،والثوب السوداني الذي ترتديه نساؤنا مثالي يؤدي في إعتدال الوظيفة المطلوبة من الثياب عفة وطهارة وحياء .يظهر الجميل ولا يخفي القبيح أو يعين على ارتكاب جريمة). وستشهد بشعر للمحجوب في الثوب :

وقوام قد لفه الثوب نعمى واحتواه الهوى غير شريك
كل خيط يود لو يتدلى عند ساقيك بالمنى يحتويك
بورك الثوب ضم عطرا ونورا ومزاجا من الجوى والشكوك

وكم أعجبتني طريقته في تلخيص حقبة طويلة من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ، حين يمزج في أسطر ثلاث، بين التجربة السوفيتية، وسجال عظماء النجمة الحمراء السودانية حين سطر: ( .. والمتتبع لتأريخ الحزب الشيوعي السوداني يرى في ثلاثتهم تشابهاً كبيرا مع تروتسكي "عوض عبد الرازق" وستالين "عبد الخالق محجوب" وخروتشوف (أحمد سليمان المحامي) الذي افترس ستالين ميتا وسطر بذلك الأحرف الأولى في شهادة وفاة الحزب الشيوعي السوفييتي ودولته)!!. وفي الحراك السياسي في السودان وتقلباته وتعاقباته اللامنطقية يورد "البدوي" مقالة تنسب إلى بريطاني عمل في السودان في عهد الحكم الثنائي تقول: إن ما يجري في السودان لا يمكن أن يتنبأ به إلانبياً أو غبياً!!).
وأخيراً دعني اختار لك في نهاية مقالي هذا عن قطار عمر جميل الطوية عليه رضوان الله ورحمته الأستاذ "محمد خير البدوي" ،الذي جالسته كثيراً بدارته في حي العباسية بمدرمان ،أبيات من قصيدة الشاعر "أحمد محمد الشيخ الجاغريو "،الذي كان يسمر معه صاحبنا "البداوي" بإنتظام في بيت معشوقته المجاور لسكن صاحبنا في حي "الشيخ دفع الله"، والتي نظم فيها "الجاغريو" رائعته "طار قلبي" التي تغنى بها الكبير "أحمد المصطفى":

طار قلبي مني وقال ماهو عايد
ما دام مفارقو اللى أرواحنا سايد

وبهذه الشهادة ينهي "البدوي" جدلاً دار طويلاً بين الناس في من هي صائدة الأغنية محظية "الجاغريو"؟. أعود للأبيات التي أقصد، من القصيدة التي أنشدها "الجاغريو "في حضرة زعماء الحركة الإتحادية وقتها ، "الأزهري" و"يحي الفضلي" و"مبارك زروق " وآخرون. والتى ألقاها من على منبر بمدينة الخرطوم بحري وعند عتبة دار الميرغني كيداً وغيظاً،وإختياري لهذه الأبيات جاء من عند حالنا اليوم فما أشبه يومنا ببارحة صاحبنا فتأمل:

نحن رفعنا أعلاما وطردنا عدوها
ونحن شلنا نارا بيدورو ياكلو حلوها
لابدين في الضلام لامن حِلت ختفوها

هذا يا سيدي وسيدتي ،عرض لبعضٍ قليل من شوارد تاريخنا السياسي والثقافي المعاصر، مطوي عن عامة الناس، بسطه صاحبنا في سفره الماتع،لعله يوفي ديَن مستحق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين يعرض شروطه لوقف الحرب في أوكرانيا • فرانس 24


.. انطلاق مناسك الحج في مكة المكرمة وسط درجات حرارة قياسية




.. سلسلة هجمات لحزب الله على إسرائيل وواشنطن وباريس تسعيان لوقف


.. ما بين هدنة دائمة ورفع حصار.. ما هي تعديلات حماس على مقترح ب




.. جبهة لبنان وإسرائيل المشتعلة.. هل تحولت إلى حرب غير معلنة؟|