الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول المثلية الجنسية

حكمة اقبال

2021 / 6 / 18
حقوق مثليي الجنس


هذا الموضوع يختلف عليه اثنان، ويختلف عليه الشخص مع ذاته، وتتفق عليه جماعات بشرية كبيرة، مؤيدة أو معارضة. هنا أحدثكم عن رايئ الشخصي للاطلاع فقط، وليس للمناقشة لأني لاأمتلك معلومات غير ما سيرد هنا، ولا أهدف لتغيير وجهات النظر الخاصة لأي قارئ، مع احترامي لكل الآراء، ولحسن حظي فقد تعلمت هنا ثقافة تقبّل الرأي الآخر والرأي المختلف معي.

سبع سنوات إستغرق الأمر معي منذ أول مواجهة مباشرة مع هذه الفئة حتى تعرفت عليهم، وتناقشتُ وسألت كثيراً، وأخيراً اقتنعت وتقبلتهم كما هم أناس عاديين مثل الآخرين، ويعيشون مثل الآخرين ولديهم مسؤوليات في المجتمع سواء في السياسة أو مجالات العمل المتنوعة، وفي الغالب هم ودودين، وهنا اتحدث عن كلا الجنسين ومختلف الأعمار.

في 5 كانون الأول 1998 كنا أربعة، زميلين وزميلتين خرجنا بعد منتصف الليل من حفل عيد الميلاد الذي نظمته دائرتنا مثل كل الدوائر الأخرى كما هو معتاد، كان الجو عاصف واُغلق الجسر الذي نحتاجه للعبور وتوقفت حركة باصات النقل، لذلك اقترح زميلي أن نذهب لأحد البارات إنتظاراً لفتح الجسر كما اعلن بعد ساعتين. أختاروا احد البارات وفي اللحظات الأولى لدخولي انتبهت ان هناك شيئ غير طبيعي واتضح ان البار يرتاده مثليي الجنس، وآخرين غير مثليين. أدرت نفسي وخرجت مسرعاً ومنزعجاً، لحق بي زملائي واستفسروا وهم مستغربين من تصرفي، أخبرتهم انها هذه المرة الأولى التي التقي فيها مع مثليين واني شعرت ان مرض الأيدز سيدخل الى جسمي من تحت أظافري، إخترنا بار آخر وأخبروني لاحقاً اني كنت عنيفاً وعصبياً جداً واعتذروا لأنهم اصطحبوني لهذا المكان وهم لايعرفون موقفي مسبقاً.

لاحقاً التحقت بعملنا لفترة مؤقتة زميلة في أوائل الثلاثينيات من العمر وتكونت بيننا زمالة عمل طيبة بعدما عرفت انها عضو في حزب القائمة الموحدة، الأكثر يسارية، وإشتركنا في تظاهرات أمام السفارة الأميريكية لأكثر من مناسبة، وفي يوم توديعها لإنتهاء عملها معنا رتبّنا وجبة غداء مشتركة لعدد من الزملاء في مكان العمل، وبعد ان غادرتنا علمت بالصدفة انها مثلية الجنس وستتزوج قريباً من شريكة حياتها، كانت مفاجأة كبيرة لي، وبحثت في ذهني عن سبب ذلك، وتوصلت الى كونها بدينة وقصيرة فلا يمكنها أن تحصل على شراكة حياة أو صداقة مع رجل، ولم أتجرأ حينها أن اسأل عن أسباب وجود هذه الفئة ولماذا يتعامل المجتمع معهم بشكل طبيعي.

وتدريجيا في السنوات الأولى من هذا القرن بدأت شخصيات عامة تعلن عن مثليتها الجنسية منهم سيدة عضو مجلس مدينة كوبنهاكن عن أحد الأحزاب اليمينية، ومقدم برنامج من سيربح المليون الناجح، وآخر بمنصب محافظ، وثالث مالك شركة سياحية كبيرة، ورابع خبير تجميل عالمي، وبطلات رياضيات عالميات، ومن كل فئات المجتمع وبمحتلف الأعمار. بالإجمال تجدهم في كل مكان وبشكل اعتيادي مثل الآخرين، ولاتشعر انهم مثليين قبل ان تعرف ذلك منهم شخصياً أو من أحد معارفهم.

في أبريل 2004 بدأت بعمل جديد في مدينة أخرى خارج كوبنهاكن وهو تأسيس وإدارة مركز ثقافي وبدأت معي في نفس المشروع شابة ثلاثينية جميلة متخصصة في علم الإجتماع، ومن اليوم الثاني أبلغتني انها مثلية الجنس، وتعاملت معها بشكل اعتيادي كأي زميلة اخرى، وتوطدت بيننا صداقة عمل ورفقة طريق الذهاب أوالإياب، ترافق ذلك مع رغبتي بالتعرف هلى هذه الفئة من الناس، وهي انتبهت لهذه الرغبة فدعتني الى العشاء في بيتها للتعرف على شريكة حياتها، وكانت شابة ثلاثينية وجميلة أيضاً وهي طبيبة في احدى مستشفيات العاصمة كوبنهاكن، وعاشت فترة في فلسطين لتقديم المساعدة للشعب الفلسطيني.
قالت زميلتي: لم أكن أعلم اني مثلية الجنس، وفي بداية شبابي كان لي علاقة حب مع شاب، وفي يوم ما في حفل جامعي كبير لفت انتباهي شابة جميلة، نظرت اليها كثيراً وهي نظرت لي أيضاً وانتهى الحفل دون ان نتعرف على بعضنا. في العام التالي وفي نفس الحفل التقت اعيننا من جديد ولكن هذه المرة ذهبت باتجاهها وهي تقدمت باتجاهي، وبسرعة تبادلنا الأحضان والقبل الحارة والعميقة.
أضافت زميلتي: المثلية الجنسية هي حالة بيولوجية موجودة عند الإنسان، تظهر بوضوح عند هذا ولاتظهر عند ذاك، وعند الرجل والمرأة على حد سواء، وفي مختلف الأعمار.
أضافت زميلتي أيضاً: عندما أخبرت أهلي غضبت والدتي، رغم انها طبيبة وتفهم الموضوع، ولكن غضبها أنصب على انها لن تحصل على أحفاد، أما والدي المهندس الزراعي وشقيقيّ الأكبر والأصغر فقد تقبلوا الأمر وتضامنوا معي، وهكذا استمرت حياتي بدون عوائق، ووفرت الدولة حماية قانونية ومجتمعية، وسمحت القوانين اللاحقة بالزواج المدني ثم في الكنيسة، وسمحت بتبني الأبناء أو الحمل الصناعي، ونشأت عوائل كثيرة من زوجين أو زوجتين.

تزوجت زميلتي من شريكة حياتها، وفي حفل زواجهما كان هناك 100 ضيف من الأهل والأصدقاء وكنت مدعوا مع ولديً، وخصص مقعدي على طاولة عائلة زوجة زميلتي، وقال والدها وهو طبيب متقاعد: عندما علمت بالأمر، كان اتجاه تفكيري الوحيد هو ان تكون ابنتي مرتاحة وسعيدة وناجحة في حياتها المستقبلية، ولن أنظر الى أي اعتبار آخر. كان حفل الزواج هذا بعد ان رُزقت زميلتي بتوأم صبي وبنت من تلقيح صناعي، ويحتفل التوأمان بعيد ميلادهما ال 15 هذه الأيام.

لديهم جمعية تأسست في 1948 ينتمي اليها المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسياً، وحسب موقعهم تتكون رؤية الجمعية هي عالم يتمتع بفرص متساوية ورفاهية أفضل للجميع ، بغض النظر عن توع جنس الإنسان أو نوعية حياته الجنسية، وهي جمعية ديمقراطية التنظيم ومستقلة عن أي تنظيم سياسي أو ديني، وتضم مئات المتطوعين والمتحمسين السياسيين والمتضامنين ومتوحدين في وحدة وإرادة لا تكل للتغيير.

لهم مسيرة سنوية تسمى ( مسيرة الكبرياء) تجوب شوارع وسط كوبنهاكن، بدأت بهم فقط وتوسعت لتشارك فيها أحزاب ومنظمات ومؤسسات وشركات وسفارات ومواطنين عاديين غير مثليي الجنس للتعبير عن التضامن مع هذه الأقلية المجتمعية، ويتراوح عدد المشاركين الى 40 ألف، وأكثر من هذا الرقم من المتفرجين، وتنتهي في حفل كبير في ساحة كوبنهاكن الرئيسية. من السياسيين شارك رؤوساء وزراء ووزراء واعضاء برلمان وفنانين ورياضيين وخليط متنوع من البشر يسيرون بفرح وسعادة في هذا اليوم. وبالصدفة اليوم وللمرة الأولى في تاريخ أمريكا اشتركت نائبة الرئيس كاميلا هاريس في مسيرة فخر مشابهة وارتدت تي شيرت مكتوب عليه "الحب هو الحب".

في الحكومة الدنماركية السابقة كان وزير العدل مثلي الجنس وهو رئيس حزب المحافظين، وعند دعوة الملكة للوزراء وشركاء حياتهم يحضر معه شريك حياته وهو من اصول افريقية، وفي ذات الحكومة كان وزير التعليم العالي من مزدوجي الميل الجنسي، وهناك آخرين اعضاء برلمان، ومن آخر الأمثلة فان الطبيب رئيس مجلس الصحة، والذي قاد خطط مواجهة وباء كورونا بنجاح، وهو لم يكن معروفاً قبل ظهور الوباء، اتضح انه مثليّ الجنس. ذكرت هذه النماذج لإعطاء انطباع عن مقبولية حالة مثليّ الجنس في المجتمع الدنماركي والأوربي والغربي عموماً.

في زيارة للعراق قبل بضع سنوات، طلب مني أحد الأعزاء اللقاء مع شخص ما لأنه يحتاج الى معلومات عن اللجوء الى اوربا لوضع خاص به، كانت شابة محجبة وأنيقة والحكاية انها كانت تشعر منذ صباها انها صبي، وهي الان في وظيفة مهمة ذات شأن في المجتمع، ولكنها أجرت عملية تحول جنسي خارج العراق وبالطبع تخشى اعلان ذلك وتفكر في اللجوء الى اوربا. أجبته على اسئلته وكان سعيداً عندما خاطبته بصفة المذكر وحدثني عن معاناته قبل العملية وهو مرتاح داخلياً بعدها، ولكن الأهل والمجتمع كان تحدياً جديداً وجدياً له.

هل نُغمض أعيننا عن "مجتمع الميم" كما يسمونه في الصحافة العربية؟ إنهم موجودون في كل بلدان الإسلام، وفي تونس لهم جمعية مُعلنة وإسمها (موجودين). لماذا يتقبلهم العالم الغربي المتطور صناعياً واقتصادياً وعلمياً وصحياً وحقوقياً، بينما ترفضهم مجتمعاتنا بطيئة التطور؟ هل نعاقبهم جسدياً ونفسياً لشيئ لم يكن هو خيارهم الشخصي؟ أم نحميهم ليكونوا كالآخرين يمارسون حياتهم العملية ويقدمون خدمة لمجتمعهم حسب مهنهم واختصاصاتهم دون النظر الى حياتهم الجنسية وهي شأن خاص بهم وحدهم؟

هذه إحدى حكايات حقوق الإنسان التي تقرها المواثيق الدولية، فأين منها نحن؟؟؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في تونس لإجلاء الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين


.. مصدر مصري رفيع المستوى: أحد بنود مقترح الاتفاق يتضمن عودة ال




.. الاحتجاجات تتصاعد.. الاعتقالات في أميركا تتجاوز ألفي طالب


.. شاهد: المجاعة تخيّم على غزة رغم عودة مخابز للعمل.. وانتظار ل




.. مع مادورو أكثر | المحكمة الدولية لحقوق الإنسان تطالب برفع ال