الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعدي يوسف وزمن القتلة

بديع الآلوسي

2021 / 6 / 20
الادب والفن


غيابك ، ايها الكبير في ميزان الشعر ، لا يحتاج الى رثاء ملغم بالعطف او النقد . لا اعرف كيف اصف لك حالتنا ، فنحن ضعاف العقول كما يظن خصومنا، افكارنا بربرية كما تصفنا حبيباتنا ، نهوى التجريح وان تطلب الأمر ان نسلخ جلود بعضنا . ربما لأننا ورثنا عن اجدادنا الذم و الهجاء في هذا الزمن الاهوج ، اما عنك فلم نرث إلا نشيدك الكوني ، صحيح انك كنت تثير الزوابع في كل محفل ومناسبة ، لكنك رجل مسالم حد النخاع ،وانك مليء بالفضائل ايها المعلم .

( لا تقلبْ سترتَكَ الأولى حتى لو بَلِيت.
فَلْتبحثْ بين ترابِ الوطنِ الغالبِ عن خاتمكَ المغلوب
لا تسكنْ في كلماتِ المنفى حين يضيقُ البيت.
لا تأكلْ لحمَ عدو.
لا تشربّ ماءَ جبين.
لا تنهشْ رائحةَ مَن يُطعمكَ الأزهار.
للضيفِ الدارُ، ولكنْ ليس له أهلُ الدار.
مَنْ يسأل يُعْطَ. سوى الحب. )

ما يعاب علينا ، إننا لا نحبذ من يرشدنا الى حماقاتنا القاتلة او الى غرورنا الفج ، لا نذكر من سالف الايام الماضية سوى تلك الحروب الغامضة وصمتنا الجارح . كنت وحيدا ً يا سعدي ، جنتك المشتهاة جيكور وابو الخصيب و حمدان ، فلماذا تعجلت وغادرت تلك الجنان ؟، وماذا رأيت في المدن العظيمة من مسرات ومواجع !، في صراع الضرورات (ويا للأسف ) تعكر دمك وفسد مزاجك حد الشعور بالهزيمة ، يالحزنك الطويل وانت تنادم اصحابك ، لتضيء لهم اللحظة الوثنية العجيبة .
تطاردنا اللعنة والخيبة يا سعدي وكذلك تسربلنا الرذيلة . فكل الحالمين والذين امتطوا صهوة الشهرة ، كانوا دونك ، ولم تبال ِ لهم ، وفضلت ان تمجد ملحمتك الخاصة . قالوا تقهقرت ، وبقيت مترفعا ُ ، ولم يصيبك من كلامهم سوى الاشمئزاز ، وما برحت تردد مع نفسك ( اسير مع الناس وخطوتي وحدي ) ، اجل يا سيدي الاخضر بن يوسف اذا ما كانت ( الحكمة ابنة التجربة ) لذا لا غرابة اذا ما تمسكت بقناعاتك حتى وانت في خريف العمر ، وبدل أن تداهن الناس ، صار لك صوتا ً محملا ً بالضجر والغضب والصخب ، من دون ان يجدوا لك العذر ، فناصبوك العداء ، في الوقت الذي كنت فيه تؤثث الواقع على مزاجك اليومي .


( يوم أنتهينا الى السجن الذي ما انتهى
وصيت نفسي وقلت المشتهى ما انتهى
يا واصل الأهل خبرهم وقل ما انتهى
الليل بتنا هنا ، والصبح في بغداد .. )

كنت البوصلة وكنا نقرأ لك يا سعدي كي لا نضيع ، او لنتخلص عبر كتاباتك من ذلك الجو المشحون ، الذي يخنق حياتنا بالمواجع ، ويضعنا في مركز الألم .
انت اعرف مني ، أن الاختلاف في زمن الاحتلال مأساة ، وان ما جاهرت به كان في عقول الدهماء رذيلة .، ربما لهذا تنصل عنك كثير من الناس وتنكروا لوصاياك ، من دون ان يمنعك ذلك من قول كلمتك الحرة ببسالة وعناد .
يوم كنا اطفالا ً ، لم تمنحنا الحياة من مباهجها إلا ذلك العزف النشاز ، اما انت فكنت ترتب القصيدة مثل من يمشي في دروب الحكمة .. ويوم كان الرفاق يبحثون عن مأوى في الجبال ، وكان الوطن منتهكا ً ويُقتل فيه الفرح كل يوم ، كنت أيها النبيل تملأ جيوبك بالحصى لترمي به الشيطان وتشاكسنا .
قالوا عنك : كنت نزقا ً وفضا ً ، في كل ما تورطت به من تحسسات ورؤى فوضوية ، لكنك قاومت ولم تساوم وبقيت تطالب بعراق كامل غير منقوص ، وضاقت بنا الدنيا ، حتى صرنا لا نفهم تحولاتك الدراماتيكية .. اما انت فكنت تصغي الى هدير البحر الذي فيك ، من دون ان تنسى ان تنبهنا الى ما سنواجهه من مصائب لا محال ستوقعنا في الفخاخ ، التي بدورها ستفقدنا جماليات التوازن . لكن وبدل الامتنان منك ، تجرأ عليك من تجرأ ، لينال منك قبل ان يطرق الموت بابك . لذا لا يساورني شك حتى وانت في الفردوس سوف تبقى تتباهى بأنك الشيوعي الأخير ، و لو اختلف معك الرفاق ، الذين لطالما ارادوا ان تكون على مزاجهم الفج المليء بالثقوب والمحسنات البديعية .

( وطني ارهقني حبك ، ابكاني طويلا
انت تدري ، نحن لا نعرف للحب بديلا
غير ان القلق المر عليك
والليالي السود ، والامطار ، والخوف النبيلا
واغاني يوسف الصائغ في القضبان تشكو اليك .. )

يا لحزني العميق .. ان يغرق قلبك الحساس في الغياب المر وتدفن في مقبرة انكليزية ، بلا ان تجد من تنوح عليك او يلقي وردة على قبرك
ياااه يا ليلنا الطويل
وآه يا شاعر العراق
ان تحيا وتموت في زمن المتطفلين والقتلة..
ايها المختلف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا