الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة هي الحياة الحرة

ليلى موسى

2021 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


هذه العبارة التي أرعبت ومازالت ترعب أعداء الحياة والإنسانية، فأينما وجدت المرأة الحرة الواعية وجدت الحياة الحرة الكريمة، وهذا ما لا يروق لأصحاب الفكر الظلامي والاستبدادي والديكتاتوري والتكفيري. لأنهم يعلمون تماماً أن وجودهم مرهون بالقضاء على هذا النموذج من النساء. لذلك لم يدخروا جهداً إلا وسخَّروه لإنتاج واستحداث نظريات ورؤى بدءاً من الميثولوجيا والدين والفلسفة ومروراً بالعلم، محاولين ترويج وشرعنة أنماط ونماذج للمرأة بما يتوافق وفق معاييرهم ورؤاهم، وبما يضمن بقاءهم واستمراريتهم. وبالتالي فقد ظلت هذه المؤامرات والاستراتيجيات والسياسات تحاك تجاه المرأة لخلق نموذج المرأة المستعبدة التي تعيش غربة عن ذاتها وحقيقتها وجوهرها، في الوقت الذي ظلت فيه فطرتها الإنسانية - ككائن – تجابه وتقاوم، بل ولم تترد للحظة في مناهضة ذلك الفكر الظلامي للعيش وفق طبيعتها الحرة.
لذا، نجد أن أصحاب هذا الفكر ومنذ فجر التاريخ وإلى يومنا هذا يستهدفون نموذج المرأة الواعية الحرة بكل ما يملكون من إمكانيات وأن مسعاهم هذا مازال يسير على قدم وساق، وما نشاهده اليوم من جرائم وانتهاكات متكررة لأردوغان وأزلامه بحق المرأة هي استمرارية لذلك الفكر الظلامي المنتشر في المنطقة بشكل عام.
ولم تكن مصادفة استهداف من يمتلكن الفكر الحر ويرفضن أن يكنَّ نموذج المرأة العبدة الخنوعة، فاستهداف ساكينة ورفيقاتها في باريس، و هفرين، وزهرة، وسعدة، وهند في سوريا، واليوم دنيزبواريزعضو حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا على يد أنور جانجار عضو منظمة الذئاب الرمادية؛ التي لا تقل خطورة وعنصرية وتطرفاً عن داعش وأخوتها.
وبالرغم من أن استهداف المناضلات السياسيات يندرج ضمن جرائم العدوان والجرائم ضد الإنسانية، المنافية لجميع الأعراف والمواثيق الدولية، إلا أنّ قتلة هؤلاء المناضلات مازالوا يعيشون طلقاء برعاية أردوغان. وما لم يقدم هؤلاء المجرمون للعدالة سيبقى استشهاد هؤلاء المناضلات وصمة عار على جبين الإنسانية.
بالرغم من استهدافهم المرأة الواعية الحرة على مر التاريخ؛ إلا أنهم لم يتمكنوا من القضاء عليها، بل على العكس نجد أنه يوماً بعد يوم يزداد نموذج المرأة الحرة الواعية ويزدهر هذا الفكر ويتألق أكثر من قبل؛ ولم يعد يقتصر على حالات فردية إنما يتجه كي يكوّن نحو ثقافة مجتمعية. لأن المرأة بتضحيتها في سبيل قضيتها وشعبها تمنح الحياة والحرية للآخرين، وما نشاهده من ثورة للمرأة في مناطق شمال وشرقي سوريا خير تجسيد لذلك.
بتحويل نماذج أمثال ليلى وساكينة وهفرين ودينيز إلى ثقافة مجتمعية، ستتوسع دائرة هذا النموذج يوماً بعد يوم،وهو ما يهز عرش الطغاة ويجلب نهايتهم. لذا؛ نراهم دوماً وأبداً يعملون على القضاء على مثل هذا النموذج لترك جميع الساحات مفتوحة لممارساتهم وسياساتهم ومخططاتهم القذرة، التي لم تجلب للبشرية والإنسانية وعلى مر التاريخ سوى الدمار والقتل وإراقة الدماء والتخلف والجهل. وصدق أجدادنا عندما قالوا منذ آلاف السنيين (Qade bi xwedî ware Guran e) وتعني بالعربية "الأرض السائبة تصبح ميادناً تسرح وتمرح فيه الذئاب"، وهذا ما يسعى إليه أصحاب هذه الذهنية.
لذا؛ لم يكن من فراغ استهداف عضو من منظمة الذئاب الرمادية نموذج المرأة الواعية الحرة في شخص الشهيدة دينز التي هي من دعاة أخوة الشعوب والإنسانية،حتى يحولوا البلاد إلى غابة لممارسة شرورهم وقاذوراتهم دون وجود أية رادع أخلاقي أو قوانين تردعهم أو تعرقل وحشيتهم. وليس من قبيل الصدفة تسمية المنظمة باسم "الذئاب الرمادية" إنما هو خير تمثيل لانعكاس حقيقة ذهنيتهم.
أونور جانجار، لا يختلف عن قاتل هفرين فهما وجهان لعملة واحدة، تواجده في سوريا ومعايشته لثورة المرأة والانجازات التي حققتها في مقارعتها الفكر الداعشي الإرهابي وعلى كافة مستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية،وجد فيها خطراً وتهديداً على أمنه الوجودي وخوفاً من انتقال هذه التجربة إلى تركيا وشعوبها بريادة دينز ورفيقاتها.من أجل ذلك سارع وبتوجيه من حكامه بالعمل محاولاً وأد هذا النموذج، ولكنه هذه المرة ارتكب خطأ كما الذين سبقوه، فبدلاً من وأد هذا النموذج والقضاء عليه، عمل على زيادة رصيدهم الإجرامي بفعلتهم النكرة هذه، مما زاد حالة السخط والاستنكار الشعبي إقليمياً ودولياً.
فعندما أعدموا ليلى واغتالوا هفرين وزهرة وساكينة وهند وسعدة، حملن اسمائهن العشرات من الفتيات اللواتي سلكن دربهن. وهذا ما قالته والدة الشهيدة دينيز وهي تواجه آلة قمع حكومة العدالة والتنمية لاستلام جثة ابنتها "مخطئون بقتلكم دينز. إذ سيكون من بعدها آلاف ممن سيحملون اسمها، ومسيرتها ستستمر، دينيز لم تكن ابنتي فقط، بل هي ابنة شعبها".
هذه المرأة على عكس النساء الثكالى اللواتي يكتفين بالبكاء على فلذة اكبادهن. فهذه المرأة الحديدية وبكل ما تمتلك من إيمان وإرادة وثقة بالقضية التي ناضلت واستشهدت ابنتها من أجلها، وواجهت آلة القمع والظلم مرفوعة الرأس مفتخرة باستشهادها ومؤكدة بالاستمرار على نهجها، فدنيز فارقتهم جسداً لكنها باقية بفكرها، وهذا الفكر سيزدهر وسينتشر وسيتوسع بين مختلف أطياف وشرائح المجتمع، وكلها ثقة برفيقات دنيز بالثأر لها من أعدائها وأعداء الإنسانية، وبناء الحياة الحرة.
وحتى نتمكن من معرفة سر استمرار نموذج المرأة الحرة الواعية بالرغم من تعرضها لأبشع وأقذر سياسات القمع والتسلط والاضطهاد، لابد لنا من معرفة الفلسفة والنهج التي تبنتها، فهي تعشق الحياة، ولأنها تعشق الحياة ضحت بنفسها لينعم الآخرين من شعبها والإنسانية بحياة كريمة. و على النقيض من أصحاب الفكر الظلامي الذين يعشقون الموت من أجل الآخرة. لذا، نراه يقتل الآخر لينعم بالسلطة والثروة وبالحوريات في الآخرة وفق منظورهم المشوه.
شتَّان ما بين من يضحي بنفسه في سبيل وطنه وشعبه ومن ضحي بشعبه ووطنه لنفسه.
خلاصة القول؛ الشهيدة دينز لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، والصراع بين النور والظلام سيبقى مستمراً. لذا؛ وحتى تنعم البشرية والإنسانية بحياة حرة كريمة يتطلب من النساء بالدرجة الأولى والبشرية جمعاء الوقوف معاً لمناهضة ومكافحة هذا الفكر الظلامي، وأن تعمل الجمعيات والمؤسسات الحقوقية والإنسانية الإقليمية والدولية على تقديم الجناة للعدالة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم