الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرية بيتا: نموذج نضالي -لتنظيف المكان-

بلال عوض سلامة
محاضر وباحث اجتماعي

(Bilal Awad Salameh)

2021 / 6 / 20
القضية الفلسطينية


يعد جبل صبيح النقطة المركزية التي اختيرت في تشظية المشهد المكاني الفلسطيني في محافظة نابلس، الأمر الذي يعني مزيد من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية لصالح مليشيات المستوطنين واجتثاث الفلسطيني من مكانه، ومن جانب آخر يهدد التواصل والترابط الجغرافي في الأرض الفلسطينية بين أربعة محافظات على المستوى الموقعي من: محافظة قلقيلية من الغرب، ومحافظة رام الله جنوباً، ومحافظة أريحا شرقاً، ومحافظة جنين شمالاً، ويتموضع الجبل بين ثلاث قرى فلسطينية تملكه على المستوى المكاني وهن: قرى "بيتا ويتما وقبلان" في محافظة نابلس، والقريب من حاجز زعترة بمحاذاة الطريق باتجاه أريحا.

وتعد محاولة ميلشيات المستوطنين في الاستيلاء على جبل صبيح هي الرابعة، ولكنها هذه المرة مختلفة، حيث تم تشييد بيوت ثابتة من الأسمنت، والذي يهدف إلى خلق تواصل جغرافي بين مستعمرة تل ابيب غرباً إلى المستعمرات الاحلالية في الأغوار شرقاً، ضمن مخطط يهدف لخلق حزام استعماري يجزء شمال الضفة عن وسطها عبر زرع مستعمرات في الأمكنة والأراضي الفلسطينية، لإحلال أشد البؤر الدينية المتشددة وغلاة المستوطنين في محيطه، لتشكل كتلة استعمارية هي الأكبر في منطقة الضفة الغربية من فلسطين، تبدأ بمستعمرات "الكناة وبركان وأرئيل وتفوح وحاجز زعترة وصولاً إلى مستعمرات الأغوار"، وما يشكله من منغصات وتهديدات وجودية دائمة من قبلهم على الفلسطيني والمحاصيل الزراعية في محافظة نابلس، التي تعد من أكثر المحافظات التي تشهد تعديات وانتهاكات دائمة من ما يسمى بمليشيات "دفع الثمين وشبان التلال" المشهورة بعنصريتها وبتطرفها وباستباحة الدم والمكان الفلسطيني في مواقع متعددة في المحافظة كما تختبره قرية دوما.

إن الأطماع في المكان من قبل المستوطنين تاريخية، كما حالة الاشتباك والاستبسال والنضال لدى أهالي قرية بيتا متجذرة، والتي تراكمت وتصاعدت جدوتها وأدواتها مؤخراً عبر تجسيد حالة من الانسابية والتواصلية لحرب الأمكنة التي تشهدها الأرض فلسطينية من؛ معركة باب العامود إلى اشتباكات عكا واللد ودير الأسد، إلى معركة سيف القدس، في تجسيد الانتماء وتنوع الأدوات وتنوع الحضور المهيب في قرية صامدة قد اقسمت اليمين على الدفاع عن أرضها وملكيتها بكل اصرار وصمود واستبسال ملفت، لتعلن عن قدسية أرض القرية كما هي قدسية القدس والمسجد الأقصى كما فلسطين كافة، لتجسد القدسية التناوبية في الحدث الاجتماعي الكلي والتاريخي في قرية بيتا عبر حالة الاجماع والتعاضد الوطني والاجتماعي للأهالي، ليتمثلوا بمقول ابن خلدون في العصبية القبلية، ولكن بصورة رمزية محملة بالبعد الوطني التضحوي.

لن يسقط الجبل:
هذا هو الشعار الذي تم رفعه من قبل أهالي القرية منذ عدة أشهر في محاولات أهل القرية الحثيثة في تنظيم مسيرات شعبية يومية واسبوعية في يوم الجمعة في ظل حضور وتدفق المزيد من مليشيات المستوطنين وممارسة طقوسهم التلمودية وصلاتهم التوراتية على ظهر جبل صبيح بمساندة وحماية ومساعدة جنود الاحتلال الاستعماري الصهيوني لهم في بناء المستوطنة من جديد، الأمر الذي جعل من سكان القرية تتحسس خطورة فرض السيادة والهمينة على هذا الموقع من أراضي القرية ليتدحرج الحضور والتدفق الى شوارع القرية وساحاتها لمعظم سكان القرية من خلفيات اجتماعية وحزبية متعددة للدفاع عن أرضهم أو كما اطلق عليها الاكاديمي أبو العز بمقولة "حينما تفقد حلم الوطن الكبير فإنك تتحول إلى حارس على حديقة منزلك، وحقيقة أن أهل قرية بيتا يقولوا أنهم ما زالوا عند حلم الوطن الكبير(1)"

يعبر هذا التصريح عن غصة وتقصير رسمي من قبل الفعاليات الوطنية الرسمية ممثلة بالسلطة الفلسطينية وعدم اسناد القرية في ظل سقوط الشهداء والجرحى لأكثر من شهر وارتفاع حجم الانتهاكات بحق السكان الذين يعيشون في حالة حصار مطبقة على القرية، وتراخي في دعم وتنمية صمود الفلاح الفلسطيني بالقرية، وتقصير تجاه الملحمة البطولية التي يجسدها أهل القرية في الدفاع والتضحية الوطنية من قبل الاعلام غير الرسمي والرسمي، وبالرغم من ذلك، قرر أهل القرية أنهم لن ينتظروا أن يصل الاستعمار ومستوطناتهم لحديقة منازلهم ليدافعوا عن حدود المكان الخاص ببيتهم، في ظل تباطؤ السلطة الفلسطينية في تقديم المساعدات اللوجستية والطبية لهم، ولهذا قرروا أن حدود مكانهم لا بد من توسيعه إلى حدود قريتهم كتعيين لمكانهم وهويتهم مما استدعى لتوسيع دائرة الاشتباك ضمن حرب الأمكنة للدفاع عن الحلم الكبير وهو فلسطين.

فكانت ساحة الاحتشاد والتدفق والتعبئة الى الجبل من بيت الشهيد الطفل محمد حمايل الذي استشهد مدافعاً ورافضا أن يسقط الجبل في قبضة وسيطرة ميلشيات الاستعمار، كمكان وايقونة تعيد للرمز معناه بين الشهيد والفكرة التي ذهب للدفاع في سبيلها، وهذا ما قاله اليوم أحد أفراد وحدة الارباك الليلي، بأننا سنستمر ولن نتخلى عن الجبل، فتخلينا عنه يعني ترك دماء الشهداء على الأرض دون معنى لاستشهادهم.

إن ارتفاع وتيرة الرباط والمقاومة في قرية بيتا قد وجدت من الأهمية بمكان أن تنتقل من خطاب "المقاومة السلمية" بما تحمله من دلالات سياسية، إلى تجسيد مقاومة شعبية وفعل وطني بكافة الطرق والوسائل ومفتوحة لخيارات متعددة تعكس التخوفات الجدية والحقيقية التي يدركها أهل القرية بأن المعركة أقرب لكسر العظم، وهي معركة مقدسة لا تقل أهميتها وقدسيتها عن معركة سيف القدس، بل قد تتجاوزها لانها بداية استعادة أو فقدان للأرض الفلسطينية في تلك المنطقة، وعليه شكل شعار لن يسقط الجبل الخطاب الشعبي والوطني لأهالي قرية بيتا والقرى المحيطة بها، لأن سقوطه يعني احكام السيطرة على بقعة جغرافية ستقود إلى افقاد الفلسطيني من تواصله الجغرافي والاجتماعي والوطني بمحيطه الفلسطيني، وفقدانه لوسيلة انتاجه ووجوده في الأرض التي سرعان ما ستتقلص بفعل الاستعمار الاستيطاني وممارساته.

تنظيف المكان:
في مقابلة له، يقول المواطن مسعود فرحات من سكان قرية بيتا "أن الجبل لنا ولدينا الوثائق القانونية التي تثبت ملكيتنا للمكان"، وسندافع عنه حتى لو آخر نفر منا، فلا بد من تنظيف جبل صبيح من المستوطنين، وبنفس السياق يقول المواطن بسمان حمايل أن اهل قرية بيتا لديهم ما يشبه "الفوبيا" من المستوطنين، ولا يترددون بمقاومة الاستيطان حتى لو كلفهم ذلك مئات الشهداء والأسرى، ففي المواجهة الأخيرة يوم الجمعة (18/6/2021) هب كل الأهالي (أطفال ونساء وكبار السن وشباب) للدفاع عن جبل صبيح والاشتباك مع "الجنود والمستوطنين من نقطة صفر"(2).

ما بين "التنظيف" و"الاشتباك من نقطة صفر" مسافة هبة القدس على درجات العامود في ايار 2021 إلى مقاومة غزة في 2014، وكأن للمكان لغته واشاراته ودلالته في تكثيفه لكل مصطلحات ومفاهيم حرب الأمكنة في قرية بيتا، بل لأدواتها أيضاً، كنتيجة حتمية للتأثير والتأثير المتبادل بين تلك الأماكن أو للعقل الجمعي الفلسطيني الواحد، طالما وجهتها فلسطين، فكأنت عملية تنظيف درجات باب العامود من قبل الشباب الفلسطيني بعد مسيرة الكراهية للمستوطنين في القدس بتاريخ (15/6/2021) واصرارهم على الصلاة فيه، وتنظيفه بالمواد المنظفة والمياه المعدنية كإشارة إلى الدنس الذي حصل في المكان من قبل غلاة المستوطنين الذين هم نفسهم من نفس تلك المليشيات التي تهدد بالاستيلاء على جبل صبيح ببيتا.

ليستخدم نفس المصطلح قبل ذلك بتاريخ (13/6/2021) "تنظيف المكان" من المستوطنين في قرية بيتا، لربط التاريخ المحلي مع التاريخ الوطني الفلسطيني الذي يسعى لتطهير المكان الفلسطيني من هذا الاستعمار الاستيطاني، والصلاة كانت حاضرة في الموقعين لاعطاء رمزية ودلالة دينية إلى جانب الابعاد الوطنية والسياسية والجمعية الفلسطينية. وكما وأن مصطلح "الاشتباك من نقطة صفر" الذي استخدم في السياق الفلسطيني بعد عام 2014 في عملية "زكيم" للدلالة على اشتباك المقاومين من مسافة قريبة جداً، يعاد استخدامها للدلالة على الشجاعة والاقدام في قرية بيتا، ومواقع أخرى فلسطينية، فأصبحت مسافة صفر تعنى التحدي الأكبر والمواجهة الشاملة التي تعني اما الاستشهاد وإما تنظيف المكان من دنس المستوطنين.

من "المقاومة السلمية" إلى وحدة الارباك الليلي:
لقد عجلت هبة القدس وسيفها من ترميم الوعي الفلسطيني وتصليب الإرادة من جدوى المقاومة والمواجهة، والركون إلى القوى الشعبية والطاقات الشبابية القادرة على إحداث الفرق في وجودها في المكان والاعلان عن حضورها المقاوم، بل أصبحت الأمكنة التي تختبر الاشتباك والمواجهة والنضال الجماهيري، وأدواتها المتعددة والمستخدمة فيها: مختبر ونموذج عملياتي يحتذي به في أماكن أخرى، وهذا موجود على مدار تاريخ الثورة الفلسطينية وليس فقط لحظياً، إلا ان المواجهة الحالية بها عنصر اضافي لم يخبره الفلسطيني من قبل، وهو عنصر الدعم والاسناد الفعلي والمعنوي من مقاومة غزة حالياً، فما زالت كلمات ذلك الشاب في ساحة الأقصى تتردد على مسامعي وهو يقول لصديقيه يوم العيد "إحنا بنقوم بدورنا والمقاومة بظهرنا" بمعنى المساندة والحماية لنا في حال احتجنا لها، كما حدث بالفعل، وهذا ما يطمح إليه الشباب الفلسطيني ليقدم المزيد من التضحية والنضال وتطوير أدواته النضالية دون تحديدها بوسائل متفق ضمنياً عليها، وفي مواقع معينة.

لست بمكان يضعني في موقف المزايد على جماعات "المقاومة السلمية" فهي شكل من أشكال المقاومة التي تقوم/تؤمن به مجموعات فلسطينية صغيرة في أماكن ومواقع محددة وهي تعكس حالة من التنوع على أن لا تشكل السمة العامة والوحيدة للنضال الفلسطيني في مواجهة هكذا استعمار، ويرجع ذلك، في كونها حسب اعتقادي: ما هي إلا تجسيد للتوجه السياسي الرسمي الفلسطيني الذي يشدد على "العنف السلبي" وتلقي الصفعات تلو الأخرى، والذي ينتفي فيه أي شكل من أشكال إبداء الرفض ولو كان حتى بحجر، فمن النادر إن لم يكن من المستحيل أن ترى أحدهم يحمل حجراً في مقاومته تلك، فهذه الأداة مرفوضة، بل ويرفضون اصطحاب أحد لم "يتدرب على "المقاومة السلمية" معهم على حد تعبير أحدهم لي قبل عشرة سنوات" وكأن هنالك اتفاق ضمني على شكل الاحتجاج وطريقته والأدوات المستخدمة فيه، فالكل يتذكر حادثة الاحتفال بعيد ميلاد أحد تلك المجموعات على جيب "اسرائيلي"، في المعصرة الشرقية التي استدعت استهجان واستنكار المجتمع الفلسطيني، وكان هنالك اتفاق ضمني مفاده: بمقدورك الذهاب الى هذا الموقع للتظاهر ولكن هذا المكان محظور عليك الاقتراب منه، فوجودك بالقرب من نقطة التنسيق أو ما يعرف (DCO) برام الله محظور وممنوع بصورة قطعية.

على أية حال، استطاعت الجماهير الفلسطينية في المواجهة الحالية أن تعيد أكتشاف ذاتها أولاً، ولأدوات نضالية متنوعة ثانياً، وهذا ما تختبره قرية بيتا ومواقع أخرى متعددة، الذين اثبتوا بجدارة في تطوير الوسائل النضالية المتعددة والبرامج النضالية المتنوعة كما هو حال الأمكنة الفلسطينية الأخرى من : "الاشتباك بالحجارة، وصلاة يوم الجمعة وأيام أخرى بالقرب من الجبل، والمسيرات الشعبية والجماهيرية، وأخيراً تشكيل وحدة الارباك الليلي" كمحاكاة واستدعاء واستلهام لشكل من أشكال المواجهة في قطاع غزة، الذين دعوا البارحة بتاريخ يوم السبت (19/6/2021) واليوم الى النفير العام في اقلاق والتنغيص على المستوطنين، باستخدامهم الأيات القرآنية عبر سماعات الجوامع، وأطلاق اصوات أبواق السيارات بصورة تم تضخيمها، وأحزمة النار، وأحراق اطارات السيارات وأيضا مادة البلاستيك باتجاه المستوطنين وجنود الاحتلال على جبل صبيح.

يقول احد المتظاهرين من الوحدة، أننا سنستمر حتى تنظيف المكان من المستوطنين أو حسب تعبيرهم "زعران التلال"، وعلى "الجنود الاسرائيليين" تحضير 14 الف رصاصة في اشارة لعدد سكان القرية، ويختم قوله "أرض الشهداء لا تدنس" إشارة للشهداء الخمسة الذين قضوا في الدفاع عن أرض بيتا في جبل صبيح، ويقول آخر "لقد وصلنا اليوم لمكان لن نعود فيه للوراء...ولا يرد النار إلا النار"، وكأنه ضمنياً يدعو إلى توسيع استخدام أدوات نضالية أخرى عبر الاشتباك المسلح، فيظهر تسجيل لمقاومة غزة تقول للمحتجين أننا موجودون لمساندتكم في جبل صبيح.

إن حرب الأمكنة بدأت بالتوسع ونضوج أدواتها والوعي بها أصبحت جاهزة، وعليه فإن من المهم بمكان أن تبدأ القيادة الرسمية في رام الله أو قيادات المقاومة في قطاع غزة ببلورة برنامج نضالي شامل، يتسع على مساحة فلسطين كافة، تكون بدايتها ومركزها في القدس والمناطق المحتلة عام 48، والمناطق المسماة "ج"، وفي حال تقاعس السلطة بذلك على أغلب الظن، فعلى مقاومة قطاع غزة دور تاريخي ووطني بالمبادرة بالانطلاق من غرفة العمليات المشتركة للمقاومة وقيادة المرحلة الحساسة، كإطار وطني وممثل عن الشعب الفلسطيني وطموحه وخياراته، وأن المعارك القادمة خصوصاً في قرية بيتا ستضع مقولة المقاومة "ما قبل أيار ليس كما بعده" على محك الاختبار العملياتي، لأن تلك المواجهة قادمة لا محالة، ويجب أن يكون في إما كسر عظم او يفصح عن مدى صلابته.















1. أبو معلا، سعيد (13/6/2021). "السر الدفين في نضال قرية بيتا ضد المستوطنين" موقع القدس العربي (تاريخ الزيارة 20/6/2021)، على الموقع الالكتروني:
2. موقع قدس الاخبارية(20/6/2021). "أهالي بيتا: لا استيطان يقوى على جبل صبيح" موقع قد الاخبارية(تاريخ الزيارة 20/6/2021) على الرابط الالكتروني:








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حريق بمبنى سكني قيد الإنشاء في أربيل بكردستان العراق


.. كيف يعمل وزير المالية الإسرائيلي المتطرف على تغير الواقع الج




.. الجولة الأعنف بين حزب الله و إسرائيل.. هل يتحول التصعيد المس


.. الإعلام الإسرائيلي يسلط الضوء على التصعيد مع حزب الله شمالا




.. الأمين العام للنيتو: هناك اتفاق واسع ضمن أعضاء الحلف لتقديم