الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الألقاب

إياد الغفري

2021 / 6 / 20
كتابات ساخرة


في لقاء لشيخ الحقوقيين الراحل هيثم المالح مع أحد الأقنية التلفزيونية، قام المذكور بالإساءة لريحانة الثورة رزان المغيبة، مما أثار حفيظة بعض عتاقي الثورة.
نرجسية شيخ الحقوقيين لا ينتطح فيها تيسان، لكن الغريب أن الراحل وقد بلغ من العمر عتياً مازال قادراً على الكلام بشكل متزن فهو بالمقارنة مع أساطين الثورة السورية، كالدكتور كمال المنفصم الأول الذي يتحفنا مؤخراً ببضع بثوث يومية نحسبها على الله دعاية تسويقية لمحل نظارات طبية، حيث أن طريقة ارتداء النظارات الطبية وخلعها في مقدمة كل بث، تفوق البث بالأهمية بسنوات ضوئية.
قد يستاء البعض من استخدام صيغة الراحل لشيخ الحقوقيين، إلا أن الرحيل قد كتب علينا كما كتب على الذين من قبلنا.
ولكون الفارس الراحل الناشط المالح، صاحب الحضور على الساحة السورية والدبلوماسية معلم مهم من معالم سوريا، يتجاوز في أهميته الجامع الأموي ومعبد بعل وقلعة المضيق مجتمعين، ولكونه قد شبه نفسه بالخليفة عمر بن الخطاب في نصرته للحق، فإننا نعتبره من الراحلين كبقية عظماء الأمة.
يحكى أن الرسول العربي في أواخر أيامه قرر سطر وصية لم ترق للقيادة القومية للحزب القرشي، فنُسِب لعمر بن الخطاب قوله إن النبي الكريم قد هجر.
القصة أوردها البخاري في كتاب المغازي:
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتدّ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعه فقال: (ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي نزاع، فقالوا: ما شأنه أهَجَر استفهموه، فذهبوا يردّون عليه، فقال: (دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه) وأوصاهم بثلاث، قال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم) وسكت عن الثالثة أو قال: فنسيتها.
هيثم المالح له في السلف الصالح أسوة حسنة، فهو قد هجر كما هجر خير الأنام، وما حدا أحسن من حدا.
في لقاء المغفور له ذكر أن أحد السفراء قال له بأن النظام قد أخطأ عندما اعتقله، وأخطأ عندما أطلق سراحه.
الحق يقال؛ رغم أن ذكر الطرفة كان سببه التأكيد على كون شيخ الحقوقيين عظمة كبيرة، وصخرة صميدعية، إلا أن كلمته هذه هي شهادة حق بحق النظام الذي أخطأ بإطلاق سراحه لا سامحه الله.
***
الألقاب هي إرضاء للنزعة النرجسية الموجودة بالفطرة لدى الكائن البشري، والألقاب التي أسبغها بائع الشرقيات في خان الخليلي على العبد الفقير، يا باشا، يا بيه، يا أفندم، يا باشمهندس ما هي إلا محاولات لإرضاء النزعة النرجسية للزبون يقوم بها البائع بهدف الاسترزاق.
الثورة يفترض أنها أكثر من مفهوم مجرد، هي شيء مقدس، لكنها تُؤَدُ عندما يصبح لها حكيم، حارس مرمى، جوزة الطيب، شحرور، قلب هجوم، عندليب، أيقونة، ياسمينة، شاعر، أرشيف، ويصبح ما حسبناه على الله ثورة مجرد وسيلة للارتزاق ولإرضاء النزعة النرجسية فقط لا غير.
***
بسبب من حس المؤامرة الذي يسيطر عليَّ منذ بدء المقتلة السورية يمكن لي التساؤل عن سبب منح جوائز لا تحصى ولا تعد، لمحدودي الموهبة، شهادات علمية فخرية وألقاب فضفاضة، لشخوص سيحكم التاريخ بكونهم متوسطي الفهم والأداء، إن بقي لهم ذكر بعد انتهاء المقتلة.
ما الفرق بين من يَمنَحُ جائزة شعرية لشويعرة لا تعرف من الحب حتى كلمة أوحشتني، وبين من صرح للسيد الرئيس بأن سورية صغيرة عليه وأن عليه حكم مجرة درب التبانة؟
لا فرق، كلا المجرمين اعتمد نقطة الضعف الإنساني، والرغبة النرجسية بالظهور للماثل أمامه، فأقنعه بأنه خير من عليها.
***
لأحمد شوقي قصيدة غزلية قال فيها:
خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ
كلما شاهدت من يطيب لكويتبٍ، شويعرٍ، حُوَيكمٍ أو سويسِّيسْ فيسبغ عليه هالات العظمة، اعتبرت أن القضية نفاق اجتماعي مقبول، لكني كنت أشعر بصفارات الإنذار تقرع عندما كنت أرى أن المُطَيَب له، قد ابتلع الطعم فصدق ما قيل فيه، فكانت الكوميديا تزداد عندما كانت تصرفات الضحية تتغير لتناسب الصفة التي تم إطلاقها عليه، كالحكمة، أو الفهم، أو الموهبة، وعندها كان ترحمي على أمير الشعراء يزداد.
- شريك.
- تفضل.
- مين أمير الشعراء؟
- الله يصلحك، هذا أحمد بيك شوقي.
- وأمير هي مو لقب؟
- أي بس المرحوم بيستاهله.
- ليش؟
- بأخر قصيدته المذكورة كتب شطرة مهمة: فَفِراقٌ يَكونُ فيهِ دَواءٌ أَو فِراقٌ يَكونُ مِنهُ الداءُ.
- المعنى؟
- بيجوز هانت الشغلة، إذا الله أخذ ها النخب بيكون انحلت.
- وإذا ما أخذهم؟
- أي سيدي ما عادت مطولة.
- يعني معقول ياخذك؟
- إنه على كل شيء قدير.
- يا سيدي تطمن، عا قولة أغوب: الله بياخذ منيح بيترك أخو منيوكة.
***
الآلاف من الأسئلة تزدحم في خاطري عند قراءة عمل روائي لكويتب تم التطبيل له في الغرب مؤخراً، والكويتب هنا يقصد بها جندرياً الذكور والإناث وما بينهما، السؤال الأهم هو الدافع لأن يحتفي غرب فيه أطنان من الأدباء المتميزين لكنهم مغمورون، بكائنات أعمالها ينطبق عليها مقولات كثيرة تم تداولها مؤخراً للنيل من الراحل المالح الكبير، مقولات تبدأ من أَحَشَفَاً وَسُوْءَ كِيلة؟ ولا تنتهي بالمقولة الشعبية: لا وش حلو ولا طيز ناعمة.
ربما سنتمكن من الوصول إلى مصاف البشرية، إن أعدنا قراءة تراثنا وأزلنا ألقاب القداسة والتبجيل عن شخصيات تاريخية لها ما لها وعليها ما عليها، من كليم الله، لسيفه المسلول، للحكام بأمره، وغصباً عنا وعنه.
***
لصعوبة النيل من قدسية البخاري، سيف الله المسلول والبطل العربي صلاح الدين، ناهيك عن الصادق الأمين، يتوجب علينا التوقف عن إرضاء محن النخب للحصول على ألقاب لا تسمن ولا تغني عن جوع، والمعذرة من صديقي شاعر الفلفل الأسود في شمال أوربا، وأصدقائي كتاب الرواية الأسطوريين.
وأستغفر الله لي ولكم ولمَماحين الألقاب في العالم العربي بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص.
وللبيان حرر.
مؤلف النص:
روائي ألمعي، ناقد أسطوري، فارس مغوار، صخرة من صخور الشتات، شوكة في أعين الثوار، صاحب الكيبورد اللاذع، القلم الفاقع والفكر الساطع، الفقير لسجادة جده الغفاري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي