الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شبح العوز المادي

دعاء حسن
باحث

2021 / 6 / 20
حقوق الانسان


عندما نتحدث عن مصطلح العوز المادي يخطر ببالنا صورة الكائن البشري ،الوقع في قبضة براثن الجوع، والتشرد والمرض والهامشية الرثة؛ التي تجعله لايستطيع العيش بحرية وكرامة، محرومًا من الحد الادني من الضرورات التي تضمن استمرار وجوده على قيد الحياة . هذا هو العوز المهين الذي تُدهس فيه كل القيم الإنسانية والطبيعة الفطرية. نحن أمام ظاهرة معتلة ملازمة للاستغلال واللا مساواة والتهميش وأيضًا وسيلة لإذلال الفرد وقهره وحرمانه من التحكم في مقدرات حياته، وعجزه عن التأثير في المجتمع، تتنامى هذه الظاهرة وتتفشى في ظل وجود عمليات الهيمنة الرأسمالية المتواصلة بغية إنتاج واقع مؤلم بكل تجلياته الماثلة أمام اعيننا، هذه ديناميكية مشتركة فى جميع دول العالم بدرجات متفاوتة وبصور متنوعة. ولكنها تظهر بجلاء في المجتمعات الفقيرة والمعدمة، والتي تُسمى – على نحو مهذب – المجتمعات النامية.
ظاهرة العوز المادي هي شكل من أشكال الاستبعاد الاجتماعي، يناضل الأفراد من أجل إشباع احتياجتهم الأساسية، وقد يعجزون عن تحقيق ذلك، مما يولد لـديهم شعور بالعجز واليأس والدونية، مما يجعل هذه الفئة من البشر تعيش في حالة من التهميش والانطواء علـى أنفسهم، ويصبحون في عزلة اجتماعية دائمة، وفي أحيان كثير يصبح قطاع كبير منهم إلى تربة خصبة لزراعة أفكار متطرفة، سواء من جماعات إرهابية أو عصابات إجرامية؛ ليس لمجرد لمجرد إشباع حاجتهم المادية فحسب، ولكن أيضًا بسبب ما يعتمل بداخلهم من حقد دفين تجاه المجتمع، وكراهيتهم له وفقدانهم الثقة فى مؤسساته.
إن الشعور بالعوز المادي قد يدفع الفرد - في بعض الأحيان - إلي ارتكاب بعض الجرائم كالسرقة – مثلاً – من أجل إشباع حاجاته الأساسية، ويُعد هذا الشخص - فى نظر القانون - لصًا يستأهل العقاب. على الجانب الآخر، تتم السرقة على يد الأغنياء والأثرياء ورجالات الدولة والمسئولين الكبار؛ الذين بمتصون دم العمال والكادحين من فئات الدنيا للشعب، في مثل هذه الحالات يتم النظر إلى هؤلاء اللصوص الكبار، لا بوصفهم مجرمين؛ وإنما باعتبارهم الساهرين على مصلحة الوطن والمواطن!! وتزداد الطين بلة حين يسعى أولئك اللصوص لتجميل صورتهم - في نظر الناس والمجتمع – فيعلنون عن تبرعهم من أجل الوطن بمبلغ من المال يعادل جزءًا ضيلاً من واحدة من الصفقات التي يتربحون منها!! إن سياسة الصدقات والتبرعات والهبات التي تتم على شاشات التليفزيون، هى في حقيقة الأمر إمتهانً لكرامة الإنسان وإذلالٌ له. ومن أجمل ما قيل عن «العوز المادي» مقولة المناضل الثائر «تشي جيفارا» الذي قال:
«إن الفقر ليس عيبًا ...»
وكان على وشك أن يستطرد من أجل إكمال كلامه، إذ كان يريد أن يقول:
... بل هو جريمة»
ولكن الأغنياء قاطعوه بالتصفيق الحاد!!
لاشك إن الظلم وتبني السياسات الطبقية التي تعمل على إغناء الغني وإفقار الفقير؛ هي متلازمة الأنظمة الإستبدادية، التي تتصف بخصال من أهمها غياب العدل والافتقار إلى المساواة في توزيع الدخل القومي، والعمل على اتساع دائرة الحرمان المادي، التي تُعد أقصر الطرق وأسرعها لنشر العبودية والتبعية وتغييب الوعي، ولقد عبر كارل ماركس عن ذلك بوضوح شديد؛ في مقولته الشهيرة: «الفقر لا يصنع الثورة، إنما الوعي بالفقر هو الذي يصنع الثورة. أما الطاغية، فمهمته تكمن في أن يجعلك فقيراً، في حين أن مهمة رجل الدين المتحالف مع الطاغية هى تغييب وعيك».
إذ يسعى الحاكم المستبد إلى السيطرة على شعبه وجعله عاجزاً خاضعاً لإرادته، يستمد قدرته على السيطرة من الحاجة المستمرة للطرف الآخر بدلاً من المواجهة، فالعبودية لكي تؤسس طبقات اجتماعية مستلبة الإرادة وذليلة لها، تنطلق من مدخل واحد هو التحكم في قوت المواطن التي تمكنه من التحكم في فكره، وبذلك يصبح الفرد مسلوب الإرادة وفي حاجة مستمرة إلي ذات أخرى أقوى منه، حيث إنه لا يستطيع تحمل ذاته الفردية المستقلة عن ذوات الآخرىن القوية، يخضع لها ويحتمي بها.
لقد ساهمت الأيديولوجية الأصولية الدينية في مجتمعاتنا إلي ترسيخ ظاهرة العوز والتفاوت الطبقي في ذهنية المحرومين بوصفها أمرًا طبيعيًا وقدريًا، ويتم تبشيرهم أنه بفضل فقرهم؛ هم أقرب إلى الله من الأغنياء. كما يحث رجال الدين الناس على الزهد المادي، ويهنئون الفقراء على إيمانهم وترك متاع الدنيا الفانية للأغنياء، ويرددون - على مسامع الفقراء - ليل نهار أن الآخرة خيرٌ وأبقى؛ وأن الثروات فيها غواية للنفس البشرية، وهى تصرف الإنسان عن ذكر الله وعبادته، وبذلك تمكَّن رجال الدين في الوقت ذاته من خدمة الاغنياء والأقوياء وبث فى قلوبهم الطمأنينة وعدم الخوف من الفئات المحرومة لأنهم سجناء في «القفص الديني»، وبهذا يمتثل البسطاء لمصيرهم المكتوب، ويسعدون بحرمانهم على أمل الفوز بالثروة الحقيقية التي تنتظرهم في الآخرة. وإذا نسينا فلن ننسى رجل الدين في الفيلم المصري «الزوجة الثانية» وهويحث الفلاح الفقير على التوقيع من أجل التنازل على حقوقه، قائلاً له :
«أمض يا ابو العلا يا أبني!!»
نحن لسنا ضد الدين، ولكننا ضد سطوة رجال الدين على عقول الفقراء واختزال دور الدين عندما يتعلق الأمر بالعوز في مجرد التعاطف والمُواساة والدعاء بالخير، كما أننا نرفض الكلمات الناعمة المخادعة التى تخدير وعي الفقراء، وتعدهم بأن العدالة لا تتحقق على الأرض، بل ستتحقق هناك في السماء. إن كلمات الراحة الفارغة من خلال تأكيد مستقبل أفضل قادم. إن الأديان جميعًا كانت في الأصل ثورة ضد الظلم، ودعوة للعدل والحرية وحماية المقهورين والمستضعفين من أجل إستعادة إنسانيتهم وحقوقهم المهدرة، نحن ضد الدعوة لقبول الأوضاع التي تتسم بالذل والقهر، وضد قبولها والرضوخ لها بوصفها قدرًا محتومًا. لابد أن تعي الفئات المحرومة السبب الحقيقي لإفقارهم والمتمثل في السماح لفئة من الناس، بالاغتناء من خلال إفقارهم!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ما أسباب توقيف سعدية مصباح رئيسة جمعية تدافع عن المهاج


.. هل تجهض أميركا عضوية فلسطين بالأمم المتحدة ؟ |.. سامويل وربي




.. عقبة قانونية جديدة أمام بريطانيا تعرقل نقل طالبي اللجوء لرون


.. نتنياهو عرقل الصفقة ومستعد للتضحية بالأسرى الإسرائـيليين.. ا




.. علم إسرائيل يرفع على الحدود المصرية.. ورفح بين المجاعة والقص