الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين السياسي وأثره في المجتمعات البشرية . الجزء الثاني

صادق محمد عبدالكريم الدبش

2021 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


الدين السياسي ... وأثره التاريخي في المجتمعات البشرية .
الجزء الثاني والأخير .
وأعتبر فولتير ( 1778 ) أن فلسفة التأريخ تقوم على أساس فكرة التطور التقدمي للمجتمع في الاستقلال عن إرادة الله ، وهي دعوة إلى فصل الدين عن السياسة ويقول أيضا .. عصر النهضة والتنوير سوف يحل محل عصر القمع والتسلط الديني .
أما نيتشه ( 1844- 1900 م ) فقد تمييز بنقده الحاد للدين ، وباعتراضه على فكر القطيع الذي يسيطر على البشر ، وأن على الأنسان أن يحرر عقله من أوهام الدين حسب رأيه .
لقد أجمع المفكرون الغربيون على ضرورة فصل الدين عن الحياة وعن الدولة ، وترك أمر الأيمان والكفر الى الأفراد بصفتهم الفردية ، وهو لا يحدد العلاقات مع الأخرين ، فلا ضرر منه مع اعتبار تصوراته عن الكون والأنسان والحيات ( الميتافيزيقية ) غير علمية وغير مسلًم بها ، كما لا ضرر من الألحاد أذا كان على النمط نفسه .
ووضع الفيلسوف دفيد هيوم ( 1711-1776 م ) نظرية متشككة للمعرفة ، تعتمد على التجريب ، والتي دمرت الأساس الميتافيزيقي للاهوت الطبيعي .
كما أعتبر لودفيج فيورباخ ، والذي أثر بشكل كبير على فلاسفة أمثال أنجلس ، وماركس ، ودفيد شتراوس ، ونيتشه ، الله اختراعا بشريا وأنشطة دينية لتحقيق الأماني .
وأدرك العلماء في ذلك العصر ، أن المنهج الذي يطبقه العلماء الطبيعيون، يمكن تطبيقه على العلوم الإنسانية ، وقد ساعد على ذلك أن أن العلوم الطبيعية قد بدأت تتقدم بسرعة مذهلة ، واجتاحت الثورة الصناعية أوربا .
وخلاصة القول أنه عندما دخلت أوربا عصر النهضة في القرن الثامن عشر ، ساد التفكير العلمي التجريبي والمنطق الوضعي ، وتدهور الأيمان بالدين وسلطة الكنيسة ، وسادت الحرية الفكرية والدينية .
كما شهد عصر النهضة بداية اللاهوت العقلي واعتبار العقل أساس الأيمان وأساس كل نظام تتبعه الدولة ، وبدأت مرحلة تحكم العقل في كل شئ ، والأيمان بأن خلاص الأنسان لا يتأتى ألا بأعمال العقل دون وصاية عليه من خارجه .
وقد تطرق العقل إلى اللاهوت الديني ، فسفهه وَسَخِرَ منه وهَدَمَ كثير من الأسس التي يقوم عليها ، ثم أنتقل إلى الكنيسة وأظهر ما هي عليه من جمود وطمع السلطة .
أِنَ بُنْيَة ميثاق الأمم المتحدة ، والقوانين والمبادئ الدولية السائدة تكاد تُرَكٍزُ على منع العلاقات الدولية على أساس ديني أو عرقي أو لغوي أو أثني .
يتضح لنا من هذه اللمحة السريعة للتطور التاريخي لوجود الدين في العلاقات الدولية ، أن المجتمعات القديمة تفاعلت فيها ، المكون السياسي بالديني ، فاجتمعت الصفة الدينية بالصفة السياسية لدى الزعماء والقيادات ، حيث كانت الصفة الدينية تمنحهم أدوار سياسية واجتماعية .
وقد عرفت كل الحضارات ديانات تتحرك على هديها الشعوب ، ويقر القران الكريم هذه الحقيقة فيقول ( وما خلقت الجن والأنس ألا ليعبدون ) ، وأعتبر أن العبادة كانت المهمة المركزية لخلق أدم عليه السلام ، وانطلقت من عقيدة التوحيد المطلق في البدء ، ثم ما لبثت أن تداخلت عليها أشكال من الشرك ، فَعَبَدَ البشر الأصنام والشمس والكواكب وغير ذلك .
يقول المؤرخ الإغريقي فلوتاخس : ( قد وجدت في التأريخ مدنا بلا حصون ، ومدنا بلا قصور ، ومدننا بلا مدارس ، ولكن لم توجد أبدا مدنا بلا معابد . ( 1 )
الكنيسة قبل الثورة الفرنسية !... كانت هي التي تتحكم بمقدرات الإمبراطوريات ، ولها السلطة المطلقة !.. بما في ذلك سلطة الإمبراطور نفسه والقيصر والأمراء ، وهم يمتلكون السلطات الدينية والسياسية !.. حتى جاءت الثورات في أمريكا وإنكلترا وفرنسا !.. عندها تم تجريد الكنيسة من السلطة السياسية باعتبارها "كيان ذي رسالة روحية، وليس ذي رسالة سياسية" وتعتبر أن الكنيسة مؤسسة "روحية" يجب عليها الاهتمام بالروحانيات وبالصلاة والطقوس والعقيدة... وعدم التدخل في الشئون السياسية اتباعا لكلمة السيد المسيح: "ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، معتبرة طبيعة السياسة تختلف تماما مع طبيعة الكنيسة، وتؤكد أن الكنيسة الكاثوليكية لم تنتعش وتزدهر إلا عندما تخلت عن دورها السياسي.
كلمة السياسة في أصولها اللغوية – كما جاء في لسان العرب- هي من ساس الأمر سياسةً: أي قام به، والسياسة هي القيام على الشيء بما يصلحه. وتعني : فن إدارة المجتمعات الإنسانية .
لكل من الكنيسة أو أي مؤسسة دينية أخرى ( جامع .. أو حسينية .. أو دير وغير ذلك ) والدولة استقلاليتهما الواحدة عن الأخرى في حقل عملهما الخاص.
فالكنيسة والجامع والدير والحسينية ، أو أي مؤسسة دينية ، تتنظم بأشكال تلبي حاجات المؤمنين الروحية، فيما الجماعة السياسية تنشئ مؤسسات وعلاقات لخدمة كل ما يؤدي إلى الخير العام ويلبي طموح شعب هذا البلد أو ذاك ، وتنظم الدولة وتشرع قوانينها لتطوير حياة الناس المادية .
وهما مؤسستين تربطهما مصلحة مشتركة !.. والشراكة هنا تعني ، أن الكنيسة أو أي مؤسسة دينية !.. لا تنافس السلطة السياسية بل تُقرّ بصلاحية المجتمع المدني والسياسي واستقلاليته، وفي الوقت عينه تنتظر من الدولة أن توفر لها الظروف والشروط اللازمة لتأدية رسالتها.
وحصر سلطاتها بالكنيسة أو بمؤسستها الدينية وعباداتهم ، وبما لا يتعارض مع علمانية الدولة ، وفصل الدين عن الدولة .. ما يحدث عندنا هو نفسه ما حدث سابقا ، ولا خيار للعراق وشعبه !.. ألا بتجريد الدين السياسي والمؤسسة الدينية من سلطاتهم السياسية ، ومنعهم من التدخل في شؤون الدولة وسياساتها وأنظمتها .
ولابد أن نعرج قليلا على العلمانية وفحواها ومعناها ، يقول الدكتور فاروق رضاعة [ اصطلاح العَلمانية بفتح العين _ العالم- ، وكان من الأفضل استعمال كلمة (دهرية) وهو وصف زماني وليس مكاني مثل كلمة العالم ، يقول رضاعة : سوف أضطر لاستعمال مصطلح الَعَلمانية كونه المصطلح الدارج في الكتابات السياسية العربية .
للوصول إلى رؤية واضحة لا بد من العودة إلى أصول ظهور هذا المصطلح واستعمالاته تاريخيا والفلاسفة الذين طوروا هذا المفهوم في العلوم السياسية والفلسفية ومنها طبيعة أنظمة الحكم و أسس بناء الدول .
كان أول .. من أوائل الذين قاموا بنقلة نوعية فكرية هامة في هذا الموضوع ، الفيلسوف الإنكليزي لوك ( 1632-1701)عندما قام بنشر أطروحاته الفلسفية بشأن نظريات الحكم ،مستفيدا من أفكار أخرين سبقوه داعيا الى Secular State
دولة عصرية (عَلمانية )لا تتدخل المؤسسة الدينية في شؤون أدارة الدولة وسن قوانينها وتشريعاتها .
و دعا الى فصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية ، وأن هذه السلطة التشريعية يجب أن تكون منتخبة من الشعب ويجري تغيرها بين فترة وأخرى في الانتخابات .
حدثت الثورة الإنكليزية عام 1640وأنتصرت ، كان لوك في منفاه ومع انتصارها أخذ قادتها بنظريته في شكل الدولة، والانتخابات وعدم تدخل المؤسسة الدينية في شؤون الحكم ، وفصل السلطات ألتشريعية والتنفيذية وَ أُسُسْ للديمقراطية التي تطورت تدريجيا إلى أن وصلت إلى ما عليه ألان .
وبعد الثورة الفرنسية وضع الدستور الفرنسي 1871و على نفس المفاهيم التي دعا لها لوك .في عام 1787 أصبحت الولايات المتحدة ألأمريكية أول دولة تعلن في دستورها أنها دولة عَلمانية، وأضافت في دستورها مفهوم أخر لفصل السلطات ، إضافة للفصل بين السلطة التنفيذية والتشريعية ، أضافت فصل السلطة القضائية وتشكيل المحكمة العليا الفدرالية.. وسلطتها القضائية أعلى من أي سلطة أخرى .
[ ويطرح الكاتب رضاعة السؤال التالي :
هل يمكن فصل الدين عن السياسة ؟,,
العديد من الكتاب والقسم منهم له مواقع مرموقة في الكتابة السياسية أو البعض من السياسيين (العَلمانيين ) يقولون بفصل الدين عن السياسة ، وأعتقد أن هذه الأطروحات سببها عدم الوضوح في الفرق بين ( عَلمانية ) الدولة و( عَلمانية )المجتمع .
في (عَلمانية ) الدولة التي دعا لها لوك و من طور هذه النظرية من بعده كانت الدعوة إلى (عَلمانية) الدولة الديمقراطية وفي مثل هذه الدولة ، كما في الولايات المتحدة الأميركية ،مثلا يظهر في الواقع العملي أنه لا يمكن فصل الدين عن السياسة ،مثال على ذلك ، رجل الكونجرس ألأميركي المنتخب من قبل الناس في ولايته مسيحي كاثوليكي متشدد يلتزم مواقفه وفق عقيدته ومذهبه ، وعند التصويت في الكونجرس على موضوع الإجهاض يصوت ضد أي نوع من الإجهاض ولأي سبب ، هذا هو موقف سياسي أرتبط بعقيدته الدينية وأتخذ موقفه أثناء التصويت على هذا الأساس.
هناك أمثلة عديدة لا أريد أن أزحم المقال بها، هذا التعقيب لفاروق رضاعة .
في الدولة العصرية ( العَلمانية ) الديمقراطية تحترم أرادة الفرد وحقه في أتخاذ المواقف الفكرية والسياسة وفقا لقناعته ، ومن جملة هذه القناعات الالتزام الديني الشخصي واتخاذ المواقف على هذا الأساس، سواء كان عضوا في مجلس النواب أو أية هيئة منتخب عنها، ومعرفة الناس له و بمواقفه وقناعاته، حيث تلعب حرية الفرد دور أساسي و هذا ما يفرقها عن عَلمانية المجتمع .
يذكر بعض الباحثين و الكتاب أن هناك عَلمانية متشددة و عَلمانية غير متشددة ، و لكن في الحقيقة هناك فرق جوهري وأساسي بين العَلمانيتين عَلمانية المجتمع و عَلمانية الدولة .
علمانية المجتمع
لا يمكن أن تكون هناك عَلمانية المجتمع إلا في نظام دكتاتوري يلجأ للقوة والقسوة لمنع أفراد المجتمع من اتخاذ مواقفهم في الحياة على أساس ديني .
هذا النظام يفرض ( العَلمانية )على كل المجتمع وليس على الدولة ومؤسساتها فقط ،حيث يتم تحجيم دور علماء الدين ومنعهم من القيام بواجباتهم في نصح الناس وإرشادهم والاهتمام بالأمور الروحية لهم و للناس بشكل عام .
و أن مثل هذه المجتمعات لا تعيش في ظل دولة ديمقراطية بل دولة شمولية دكتاتوري تحرم الأنسان من حريته الفردية وتفكيره الحر.
عَلمانية الدولة :
في الدولة العَلمانية لا تتدخل مؤسسات الدولة في القضايا الروحية للإنسان ففي أوربا والولايات المتحدة الأميركية تنتشر المساجد والحسينيات إلى جانب الكنائس والمعابد الهندوسية واليهودية , وجميعا لهم نفس الحقوق أمام القانون، ولم نسمع عن مذابح ذات طابع ديني أو مذهبي. و كذلك لا تتدخل المؤسسة الدينية بشكل مباشر في عمل مؤسسات الدولة وعلى العكس من ذلك نشاهد القتل والمجازر تأخذ طابعا دينيا أو مذهبيا كما في العراق و باكستان ، وأستطيع الجزم أن هذا القتل سياسي بالأصل أعطي غطاء ديني أو مذهبي خدمة لمصلحة هذه المؤسسة الدينية أو تلك .
ومن هنا أهمية التفريق بين الدولة المدنية حيث أن الديمقراطية والدستور شرط أساسي في بنائها والدولة العَلَمانية التي يمكن أن تكون دكتاتورية النظام أو ديمقراطيته .].
1- المصدر : التطور التاريخي لوجود الدين في العلاقات الدولية / أعداد / صدفة محمد محمود [ باحثة دكتوراه في العلوم السياسية / كلية الاقتصاد والعلوم السياسية / جامعة القاهرة / مايو 2010 / ..
2- المصدر : المحصور بين قوسين منقول من مقال عنوانه / العَلَمانية .....بين المجتمع والدولة/ للكاتب الدكتور فاروق رضاعة / مقالات وبحوث / مؤسسة الحوار الإنساني .
21/6/2021 م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية