الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين السياسي وأثره في المجتمعات البشرية . الجزء الأول .

صادق محمد عبدالكريم الدبش

2021 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


الدين السياسي ... وأثره التاريخي في المجتمعات البشرية .
سؤال تطرحه مجريات الأحداث في العراق والمنطقة والعالم !..
ما هي خياراتنا كمجتمع نعيش الأحداث بكل تجلياتها وتفاصيلها !..
وهل الدين هو خيار وأساس في بناء الدول ؟,,,
وهل قيمه وفلسفته ونهجه ، يتعارض مع بناء الدولة العصرية ؟ ( الدولة الديمقراطية العَلمانية ) ؟...
هذه الدولة التي تقوم على التعددية والمواطنة والحرية الفكرية وحرية الضمير والمعتقد !..
سنرى كل ذلك من خلال بحثنا المتواضع هذا ، ونستند في رؤيتنا هذه إلى مجريات حركة التأريخ البشري ، وما توصل إليه الفلاسفة والمفكرين من بداية التأريخ وحتى يومنا هذا ، وبرؤية معرفية وعلمية .
نعتقد بأننا توخينا الموضوعية في تناول أحداثها ، بشكل مختصر وسريع ، ومن دون المساس بالمعتقدات الدينية والفكرية وبقناعات الناس وخياراتهم المحترمة ، ونُجِلُ كل من يتفق معنا ومن يختلف ، أو من يختلف مع رؤية ما جاء به الفلاسفة والمفكرين ، وما طرحوه من مفاهيم .
من خلال تتبع التطور التاريخي لوجود الدين في العلاقات الدولية ، يتضح لنا .. أنه لا توجد أي حضارة في التأريخ بلا دين وقيم وتقاليد تؤطر طقوسها وأشكال تنظيماتها ، كما يذهب لذلك العديد من المؤرخين ، مثل المؤرخ الإغريقي ( فلوتارخس ) و( ألبرت أشفيسر ) في فلسفة الحضارة و قصة الحضارة للفيلسوف ( لول ديورانت ) و( تونبي ) وغيرهم .
الدين موجود في العلاقات الدولية ، عبر المراحل الرئيسية لتطور التأريخ الإنساني ، منذ بداية التأريخ .
تميزت الحضارة اليونانية القديمة [ 750-146 قبل الميلاد ] بتعدد الألهة !.. حيث بلغ عددها أثني عشر ، أي أن بلاد اليونان لم تشهد نظاما دينيا موحد ، أنما كان لكل مدينة ديانة وطقوس خاص بها ، وكان الدين عاملا في التفرقة بين اليونانيين ، أكثر من كونه عاملا لوحدتهم ، وكانت النزعة الانفصالية القبلية والسياسية تغذي الشرك وتجعل التوحيد مستحيلا .
وأدت حالة تعدد الألهة وانتشار الأساطير وسيطرة الفكر الغيبي على حياة الناس ، الى بروز اتجاهات فلسفية لتفسير الظواهر المختلفة بعيدا عن الدين .
مع سقراط [469-399 قبل الميلاد ] وأفلاطون ( 427-347 قبل الميلاد ) وأرسطو [ 384- 322 قبل الميلاد ] وذلك في محاولة للتقليل من مساحة تأثير الدين ، حيث كان من قبل سقراط، كان هناك رفض للتحليلات الدينية المقدسة للظواهر الطبيعية ، وكان السؤال ( من أين أتى كل شيء ) ؟..
من أشهر هؤلاء الفلاسفة طاليس [ 635- 543 قبل الميلاد ] والذي يعتبره البعض أول فيلسوف يوناني حاول أيجاد تفسيرات طبيعية للكون والحياة لا علاقة لها بقوى إلهية خارقة .
كان مفهوم الخالق الأعظم لدى الفلاسفة اليونانيين ، يختلف عن مفهوم الديانات التوحيدية ، فالخالق الأعظم عند منظور أرسطو وأفلاطون لم يكن على إطلاع بكل شيء ، ولم يظهر نفسه للبشر عبر التأريخ ، ولم يخلق الكون ولن يحاسب البشر عند النزول .
وكان أرسطو يعتبر الدين فكرة لا ترتقي إلى مستوى الفلسفة ، ويكتب في أي موضوع من مواضيع ما يكتبه بين الفضيلة ، التي هي دعامة العمل الأخلاقي ، وبين التعاليم الدينية ، ويقول بأن المعرفة هي الحقيقة الخالدة ، أما الإيمان فهو احتمالية مؤقتة .
كما سادت في اليونان القديمة بعض الفلسفات الدنيوية الأخرى ، مادية ديمقريطس ، حيث رأى ( 460-370 قبل الميلاد ) أن ليس في العالم إلا الخلاء والذرات ، منها تتألف جميع الموجودات ، فالذرات تتميز إحداها عن الأخرى .
ويرى أن حياة الكائنات الحية تعود إلى ظروف الشروط الطبيعية للذرات وانفصالها .
لقد زعزعت أراء ديمقريطس في النفس دعائم التصورات الدينية التقليدية ، كما فقدت الألهة صفاتها الخارقة ، فهم كالبشر مركبون من ذرات ، إلا أنهم أقوى وأكثر حكمة ، لكنهم لا يصنعون المعجزات .
ظهرت مجموعة من الإمبراطوريات التي لعب الدين فيها دورا محوريا ، سواء في نشأتها أو في حركتها ، وعلاقتها بغيرها من الإمبراطوريات .
من هذه الإمبراطوريات يمكن رصد دور الدين في تاريخ الإمبراطورية الرومانية ، والتي تعد من أعظم حضارات أوربا بعد الحضارة الإغريقية ، ويرجع تأريخها من يوليوس قيصر ( 44 قبل الميلاد ) .
بدأت المسيحية بالانتشار في فلسطين ، التي كانت جزء من الإمبراطورية الرومانية ، ثم انتشرت في الجزء الأوربي .
رغم ما مرت به الإمبراطورية الرومانية في القرنين الثالث والرابع الميلادي ، من تفكك وانحلال ، إلا أنه ازدهرت فيها الحياة الروحية والدينية ، ويكشف ذلك أن الناس في أوقات الأزمات السياسية والاقتصادية يتجهون دوما نحو القوى الروحية ويتعلقون بها ، أملا في الخلاص والنجاة .
ان الديانة الرومانية لم يكن لها وقعا عاطفيا في نفوس الناس ، الذين كانوا يقومون بعبادة الأباطرة ، أو تقديم القرابين للألهة الوثنية ، لا لشيء سوى لقضاء مصالحهم الدنيوية الخاصة .وفي وسط هذا الفراغ الديني ، لم يجد أهالي الإمبراطورية وسيلة غير العقائد الدينية المختلفة القادمة من الشرق وهي عديدة وأخرها المسيحية .
وفي هذا الإطار رفض المسيحيون الاعتراف بأي عقيدة أخرى ، وأخذوا يجتمعون سرا لممارسة طقوسهم الدينية ، كما رفضوا أداء الخدمة في الجيش الروماني ، واتخذوا يوم الأحد أول أيام الأسبوع ليكون ذا صفة دينية بدلا من السبت عند اليهود .
ظل الأباطرة الرومان يضطهدون المسيحيون الأوائل حتى مطلع القرن الرابع الميلادي ، ويحاولون القضاء على هذه الديانة بالقمع والدماء ، مثل نيرون ودقلديانوس وجالريوس ، حتى تغير موقف الإمبراطورية الرومانية من الديانة المسيحية تغيرا جذريا ، باعتلاء الإمبراطور قسطنطين العرش ، فقد صدر مرسوم ( ميلان الشهير سنة 313 م ) اعترف فيه بالمسيحية على قدم المساوات م مع بقية الديانات الأخرى المعترف بها داخل الإمبراطورية .
عندما أشتد الجدل والخلاف المذهبي خشي الإمبراطور قسطنطين أن يؤثر على وحدة الإمبراطورية ، فدعا إلى عقد مجمع ديني في ( نيقية سنة 325م ) لحسم الخلاف ، وكان هذا المجمع أول مجمع مسكوني عالمي في تأريخ الكنيسة .
وهكذا أصبحت الدولة مجبرة على أن تكون طرفا في كل الخلافات الكنسية ، ولم تعد الخلافات المذهبية من خصوصيات الكنيسة وحدها ، بل كانت تتأثر بالظروف السياسية .
إن تدخل الكنيسة في شؤون السلطة الزمنية أخذ يستفحل بازدياد ضعف الإمبراطورية الرومانية وانحلالها ، حتى أنتهى الأمر بأن حلت الكنيسة محل الإمبراطورية الرومانية ، عندما غربت شمس الأخيرة في غرب أوربا ، والذي ساعد الكنيسة على أن يأخذ أساقفتها بدورهم ، بأن يضطلعون بأعباء التنظيم الإداري في أقاليم الإمبراطورية ، إضافة الى النهوض بالتنظيم الكنسي ، والتي دفعت الكنيسة نتيجة ذلك ثمنا باهضا مقابل ما أحرزته من عظمة ، كلفتها التخلي عن سياسة التسامح من جهة ، وانتشار الفساد !.. من رشوة وسرقة ومحاباة في جهازها من جهة أخرى .، وأتساع نفوذها ، أدى الى أتساع الفجوة بين رجالها وجمهور المسيحيين .
وغدى الإمبراطور البزنطي ، إمبراطور القسطنطينية ، يمثل نوعا من القيصرية البابوية ، أي الجمع بين السلطتين السياسية والدينية ، أما في الغرب أختلف الأمر كثيرا !..
أصبحت لا تستطيع فرض سيطرتها على الكنيسة والدولة جميعا كما حدث في الشرق ، حتى وجدت الكنيسة الغربية ضالتها في شخص أسقف روما الذي تحول بكرسيه إلى بابوية لها السيادة العليا على الكنيسة في مختلف بلدان العالم الغربي .
وخلاصة القول أنه في ظل عصر الإمبراطوريات ، وبصفة خاصة الإمبراطورية الرومانية ، أصبحت العلاقات الدولية تدور في وعاء ديني ، والتي أتسمت بتناحر عميق ودموي مثلما شاهدناه في الحروب الصليبية [ فكان البابا أربانوس الثاني .. 1088- 1099 م ، يرى أن وظيفة البابوية الأساسية هي القيادة العليا للحرب المقدسة ، ثم أن الحروب الصليبية هي بمثابة سياسة البابوية الخارجية ، فهي التي تديرها وتتحرك وفقها ] ، مما أفرز شكا في إنسانية الديانات كلها أو بعضها ، وبدء تسخير الدين من قبل قوى أخرى لا تنتمي للمؤسسة الدينية .
يقول ( ول ديورانت ) في قصة الحضارة .. الجزء 27 ، وفي عام 1559 م نشر [ب ولس الرابع ) أول فهرس بابوي بالكتب المحظورة !!....
وقد ورد فيه ثمان وأربعون طبعة مهرطقة للكتاب المقدس ، وأوقع الحظر على واحد وستين طابعا وناشرا ، وقد فرض على كل كاثوليكي الامتناع عن قرءاة أي كتاب نشر سنة 1519 م دون أن يحملا أسمي المؤلف والناشر ومكان النشر وتأريخه ، وحرمت قراءة أي كتاب بعد ذلك لم يحصل على أذن كنسي !!!...
نرى ان رجال الدين الكنسي ، بذهنية التحريم ، يصادرون حرية الناس في القراءة والاطلاع .
إن العالم الغربي المسيحي لم يستطع التخلص من قبضة الكنيسة ، إلا بعد الثورة الداخلية التي قادها المصلحون الكنسيون ، والتي أدت إلى إضعاف الهيكل التنظيمي والسلطة المركزية وتشتيت ولاء الأفراد .
ومن الأسباب الأخرى المباشرة لهذا الإنهيار ، الأسباب الاقتصادية ، وانهيار المجتمع الإقطاعي وظهور طبقة جديدة على أنقاض هذا المجتمع ، وهي البرجوازية بمفاهيم ومثل جديدة ، وبأسلوب في الحياة والتفكير ، يختلف عن أسلوب العصور الوسطى ، وهذه جميعها أدت الى إضعاف الكنيسة وفقدان سيطرتها ومكانتها الدينية وأثرها على الجماهير .
يعتبر صلح ( وستفانيا ) أول اتفاق دبلوماسي في العصور الحديثة ، أرسى نظاما جديد في أوربا يقوم على مبدء سيادة الدول ، فقد كان من نتائجه تراجع أهمية البابوية كقوة سياسية في أوربا ، وتجريدها من حق التدخل في شؤون الكيانات السياسية ، ونقل ممتلكات الكنيسة الى سلطة الدولة المدنية ، وإنهاء سيطرة اللاهوت على العقل في أوربا ، والتوجه نحو العلم والفلسفة ، وإقامة العلاقات بين أتباع الطوائف المسيحية الثلاث على قاعدة التسامح الديني ، وإقرار مبدء الأحترام المتبادل بين القوى ذات السيادة ، فيما يتعلق بشؤونها الداخلية وبصفة خاصة الدين ، وهذا يعني أن القوى ذات السيادة مستقلة عن غيرها من القوى ، في اختيار الدين الذي تتبعه ، فضلا عن أن الدين لم يعد يمثل عاملا ذا أهمية في تأسيس الوحدات السياسة ، بل أصبحت الرابطة القومية هي الأساس في إقامة الدول .
يقول جون لوك في كتابه ( رسالتان للحكومة ) .. الحكم لا ينبغي أن يحمل في طياته أية معرفة عن الدين الحق ، وهو يقصد بذلك اعتبار جميع الأديان سواء ، وأن الحكم يجب أن يتجاوزها جميعا .
وطالب مونتسكيو ( 1689-1755 م ) بوضع السياسة والتأريخ ! .. كعلمين بعيدا عن التصورات الأخلاقية والميتافيزيقية ، وهو يعني استبعاد التفسير الديني للكون .
ويرى ميكافيلي ( الدين وسيلة يمكن استغلالها سياسيا ، وليس شيئا يجب أن نؤمن به ، ويقول في كتابه الأمير .. أن الدين ضروري للحكومة لا بخدمة الفضيلة ، ولكن لتمكينها من السيطرة على الناس ، ويقول أيضا : من واجب الأمير أحيانا أن يساند دينا ما ولو كان يعتقد بفساده ، لذلك فقد كفر بالأخلاق المسيحية ثم كفر بالكنيسة الكاثوليكية وعلى رأسها البابا .
الدين السياسي ... وأثره التاريخي في المجتمعات البشرية !
نهاية الجزء الأول
21/6/2021 م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال