الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط الجبابره-6

أنور مكسيموس

2021 / 6 / 21
الادب والفن


......................
((((الفصل الثانى – المشهد الأول - المنظر الأول))))
قاعة كبيرة فى بيت أوتيليا فى تمنـــــــــــــــــــــــــة
يدخل منوح, خلفه هصلفونى وأخيرا شمشون مطأطأ الرأس قليلا ... يرحب بهم معيلق جميعا ويقدم نفسه ... يجلسون فى قاعة كبيرة ... بعد قليل تدخل أوتيليا مضظربة ورأسها لاسفل لكنها تختلس النظر الى كل الجالسين ... تتجه لهصلفونى وتقبلها بحرارة كأنها تعرفها, ثم تتجه الى منوح وتقبل يديه, ثم تضع يدها فى يد شمشون وتستردها فى سرعة, وتلقى التحية على أبيها وتقف حتى يأذن لها أبيها بالجلوس...تجلس بعد أن أذن لها معيلق.
معيلق: أهلا ومرحبا بالسيد منوح, والسيدة وشمشون...أهلا ومرحبا بكم فى تمنة...أهلا, أهلا!...لقد تكبدتم بالتأكيد مشاق ومتاعب كثيرة فى الطريق من صرعة الى تمنة...ألا تستريحون قليلا؟!... 
يرحب منوح بمعيلق أيضا ولكنه يبدأ الحديث, كأنه يريد أن يريحه - أى معيلق -  من مزيد من الترحيب...
منوح: جئنا اليوم لطلب اوتيليا لشمشون, وسوف نتبع كل التقاليد المرعية فى مثل هذه الظروف.
معيلق: انها منذ الآن هى له, وهى ابنة لكم, ولن نختلف فى التفاصيل المرعية فى تلك الأحوال...يا مرحب بكم يا سيد منوح هنا فى بيتكم, وتبيتون ما شاء لكم!... يكمل: اذهبى يا أوتيليا لتعدى الطعام مع أختك...
تستأذن هصلفونى لتذهب معهم وهى تقول: خذينى معك يا أوتيليا, أريد أن أعرف ماذا تفضلون من أطعمة والتى سوف تصنعينها كزوجة لولدى...
معيلق: تفضلى!...كل ما تودين معرفته...
منوح: انهن النساء شغوفات بتفاصيل الحياة المعيشية, وهن ينقلن خبراتهن من جيل الى جيل, ولو عاش الانسان الف عام, لرأى ذلك رؤى العين وهو يتكرر, فإن حدث تغيير فإنه الى حين, ثم يعود كل شئ الى سابق عهده, ربما بتفاصيل أخرى, إلا لو استمر هذا التغيير لاجيال, يصبح حينئذ جزء من عادات وأخلاقيات هذا الشعب...
معيلق: أعلم الآن أنك رجل حكيم ومجرب لامور كثيرة, لكن مثلى تكفيه بالكاد, معرفته  وخبرته لتسيير حياته...
يخاطب شمشون 8:هل تعلم ياسيد شمشون عادات وتقاليد اهل تلك النواحى؟
شمشون:بعض الشئ...بعض الشئ ياسيد معيلق.
معيلق:فى هذه النواحى والبلاد, عندما يتقدم شاب أو رجل لخطبة فتاه للزواج, ان يدفع لأبيها, لتصبح له, يفعل بها ما يشاء
شمشون:هذا أعلمه يا سيد معيلق...لكن!...أن يفعل بها ما يشاء!...هذا شئ غريب...ألستم أهلها وعشيرتها؟...
معيلق: انها تقليد تلك البلاد...وهى أيضا عندكم عشيرة الاسرئيلين...على أية حال...تصبح إمرأته, تطيعه كيفما شاء, وكيفما يحسن فى عينيه...تخدمه وتخدم أهله وتبر الجميع ولا تعصى أمرا لزوجها أو والديه...يصمت قليلا ثم يكمل: أيضا عليك يا سيد شمشون, ان تدعو شباب ورجال تلك النواحى, لتظهر للجميع أنها أصبحت إمرأتك, وتتشرف هى بإظهار كرمك, دليل حبك لها, والعادة أن الوليمة لمدة سبعة أيام.
منوح:أليس هذا كثيرا...دعوة للبهجة والمرح لمدة سبعة أيام!...هذا كثير...وعلى ما أعتقد شباب ورجال تلك النواحى كثيرون جدا!...
معيلق: ليس كثيرا يا سيد منوح, وهذه عاداتنا وتقاليدنا, فإن كان قادرا على ذلك, فإبنتى فى راحة وأمان ورغد عيش...ما رأيك يا سيد شمشون؟
شمشون: صبرا يا أبى, سوف نقدر هذه الأمور...هل هناك شئ آخر؟.
معيلق: لا...لكننى أقول لك...اننى سوف أحصى عدد الذين سوف ندعوهم.
شمشون: أرجو ألا يكونوا كثيرون.
معيلق: لا,لا لأن يكونوا كثيرون...خمسة وعشرون أو أكثر قليلا, سوف أرى بالتدقيق عددهم. إنهم أولاد وجهاء وزعماء وكبراء تلك النواحى...وأنا أرى أنهم سوف يكونون دعما وقوة لك ولأسرتك أيضا...يتوقف قليلا ثم يقول: سوف أتركك وابيك والسيدةلتتدبروا هذه الأمور...أقسم بألهتنا أننى لو كنت وجدت طريقا آخر لازاحة كل هذه الأمور أو بعضها لفعلت...هو شاب أسرائيلى يتقدم لفتاة كفتورية...تدبروا هذا الأمر...دعوة شباب ورجال أبناء أكابر وزعماء تلك النواحى شئ هام. يوجه حديثه لابنته: هيا بنا...دعيهم يستريحون, ويبحثوا أمورهم دون رقيب...هيا!...
يخرج معيلق وأوتيليا...تنظر الى شمشون بإبتسام عذبة تستحثه أن يوفق فى إقناع أبيه وأمه.
شمشون مطأطئا برأسه نحو الأرض متفكرا كيف ينتقى كلماته: أنا أعلم أن هذا كثير يا أبى...لكن لا أعتقد بيدهم حيلة لرفع ذلك عنهم وعنا...عادات وتقاليد لا مفر منها.
منوح متضايقا ويفكر بعمق: مهرا؟!...لم يقل كم شاقل...ثم دعوة الأصحاب...أنا أعتقد أنهم أكثر من خمسة وعشرين...فتلك البلاد تعج بالشباب والرجال...من أين لنا يا ولدى لكل هذا الترف...إنها بطون وأفواه شرهة تلتهم كل ما أمامها؟!...
شمشون: دعنى أتدبر الأمر ياأبى...سوف أرى ما أفعله.
منوح: هل تفكر بالتراجع عن هذه الزيجة؟!...
شمشون: لا يا أبى, لكن دعنى أفكر...سوف أتزوجها ولن أتخلى عنها...هى من طاب قلبى لها...وطلبتها نفسى بشدة, والحاح.
منوح: تفكر وتبصر الأمور... واطلب معونة الإله القدير...السحاب يركب الريح, لكنه لا يطلب وجهة معينة
يطرق شمشون برأسه الى الأرض ويفكر...يتابعه منوح فى قلق...تظهر الساحرتان
غرابة: فى تمنة هنا, سوف يسقط هذا الجبار...جبار البأس...الذى يدعونه مخلص شعب اسرائيل...هذا الشعب الذى كثر قتلانا وأخذ مدننا, وأدخل الذل والحزن لكل ما تبقى لنا من نسمة حياة وحجر
الساحرة سخامة: سقطنا ولنا أسبابنا, وهم سقطوا لنفس الأسباب...الاغراق فى المتع والملذات تدفع كل احد الى اعتزال الاخر...الكل فى كبرياء يكذب وينافق ويخدع...الضعيف للقوى...والقوى للاقوى...الكهنة ورؤساء الكهنة ورؤساء الشعوب, يوجهون الجميع لصالحهم, وصالح المذل المسيطر, صاحب السلطة والقوة والنفوذ. كل ما حدث معهم وسقطوا, يحدث معنا وسوف نسقط, ولن يبقى للكل سوى الكراهية, ينقلها الآباء للأبناء...دعينا من كل ذلك الآن, ولنرى ماذا نفعل...ماذا ترين يا غرابة؟.
غرابة: حل يقود الى مشكلة أكبر...لكن!...أين المتنبأة ملكة؟...ألا ترين أن الإنسان فى كبرياؤه وغروره يفقد روح الحكمة والنبؤة...
يرفع شمشون رأسه و يقول: سوف أجعل هؤلاء الغلف كما تقول, يدفعون الثمن أضعافا...لا تبتئس يا أبى...وجدت لها حلا؟.
منوح فى لهفة: كيف يا ولدى...أحس بعجزى أمام كل هذا التيه...بدأت الأمور مثل الغيوم الداكنةالحبلى بالماء تتجمع وتتداخل, وتنذر بسقوط المطر الغزير والبرد, لكن أين ومتى, لم أعد استطيع تبيان أى شئو وعدم تداولنا الأمور جعل ذلك ظلاما, حتى وان الشمس لا زالت فى الأفق, لكنها تختبأ خلف كل ذلك...ماذا رأيت من حلول حتى أتدبر الأمر معك
شمشون: دع انت وأمى كل ذلك لى, وثق فى حكمى وتدبيرى للأمور...لا تقلق...لا تقلقا.
هصلفونى: قل لنا يا ولدى ما انتويته وما تريد أن تفعله...قل لنا يا ولدى ماذا سوف تفعل...أتينا معك عميانا, ونبقى كما نحن, قل لابيك ماذا تنوى أن تفعل؟.
شمشون مبتسما: ألم تقولا لى, لا تخبر أحد بأسرارك, حتى لا تنقلها الرياح...ها أنذا أفعل حتى تتم الأمور كما أردتها...ألست قاضيا لدان؟...
الكل مطرق برأسه نحو الأرض متفكرا...يدخل معيلق وخلفه أوتيليا إبنته.
يتفحص معيلق الجميع الغارقين فى التفكير, ويحزر ما يحدث...يعيد ترحيبه با الجميع: أهلا ومرحبا بكم فى تمنة...ألا نقوم لنتعشى معا كعائلة واحدة؟.
منوح: ليس الآن...ليس الآن.
معيلق فى لؤم: تبدون مشغولى الفكر جدا, الأمور بسيطة...هل توجد مشكلة؟.
شمشون: كلها أمور بسيطة, يسهل تدبرها, لك ما اتفقنا عليه...ثم يبتسم ويكمل: سوف أعمل أن تظل كبير فى قومك يا سيد معيلق...هل توجد أمور أخرى لم نتداركها؟.
معيلق: لا لا...لقد تم تدارك كل الأمور...ثم يتصنع الضيق وه يقول: إنها تقاليد تلك البلاد, وليتهم يتخلون عنها.
منوح يدفع بكيس من النقود الى يد معيلق وهو يقول: هذا مهر أوتيليا...فليكن زواجا مباركا.
معيلق يمد يده مسرورا جزلا: أوتيليا منذ أن تقدمتم لطلبها إمرأة لشمشون, هى له, أوتيليا منذ الآن إبنتكم...زواجا مباركا. دعونا نحتفل بتلك المناسبة, وتسمعون منا ونسمع منكم. ونسمع من السيد شمشون عن قضائه فى صرعة وما حولها.
تبدأ الجلسة فى الإنفراج وتعلو الابتسامات الوجوه.
.......................................
الفصل الثانى... المشهد الأول...المنظر الثانى
الوليمة والأحجية

نفس المكان, لكنه يبدو أكثر أتساعا. يدخل ثلثون من الشباب والرجال, ويصنعون حلقة, ويجلس بينهم شمشون وابيه منوح ومعيلق...فى الخلف تجلس أوتيليا وأختها وصاحباتهما وهصلفونى.
شمشون: أرجو أن الطعام كان شهيا ولذيذا...إننا أول أسبوع الوليمة.
يرددون كل حسبما اتفق له: نعم نعم...طعاما شهيا ورائعا...والشراب معتقا وجميلا...شكرا...شكرا يا سيد شمشون...شكرا...
شمشون: أتى وقت السمر ومزيد من الشراب.
يرددون:نعم... نعم...أين الشراب لنفرح معك وبك...ونهنئك على أوتيليا إمرأتك, جميلة جميلات تمنة...
يرد أحدهم كاظما حنقه وغيظه: لقد فزت بفتاة تمنة, حلم كل شاب, ولكن أنت من إختارته...
يرد حانق ومغتاظ آخر: لقد فزت بجميلة جميلات تمنة.
شمشون غير مدرك للمشاعر المتباينة حوله وتحت تأثير الشراب: أشكر لكم حضوركم ومشاركتكم لى فرحى بزهرة قلبى...أوتيليا...لقد نمت وترعرعت فى قلبى بسرعة عجيبة ...إنها إرادة رب الجنود...
أحدهم: إنها إرادة داجون...هو يفعل لنا وبنا ما يريد...هو يفرحنا, ويبسط أيدينا على ما حولنا...يعطينا القوة والنصرة والغلبة...يرفع صوته: داجون العظيم!...
ينظ لهم شمشون كاتما غيظه وضيقه, دون أن يعقب بشئ, ويتبادل النظرات مع أبيه دون تعليق, وينظر الى معيلق الذى يبتسم إبتسامة عريضة دون أن يقل شيئا.
شمشون: هل تحبون الأحجيات؟...
يرددون: نعم نعم, دعنا نفكر معك....هل هى أحجية من عشيرتك؟...
شمشون كأنه يستدرجهم: إنها شئ من هذا القبيل..
يرددون: نحن نعرف الكثير من أحجياتكم...قل أحجيتك!.
أحدهم: لماذا لا تحكى لنا عن مغامراتك؟...
آخر: ماذا تفعل وأنت قاض لدان؟...هل لانك قوى جدا إختاروك قاض لعشيرتكم؟...
يتدخل منوح, حتى لا يستدرجوه لما هو يخفيه: شمشون ولدى...نعم هو قوى وعفى, لكنه لا يظلم أحدا... وهو شجاع جدا لا يهاب شيئا.
أحدهم: نحن نعلم ذلك.
منوح يكمل حتى يضفى على شمشون مزيدا من الرهبة والمخافة: فى طريقنا الى تمنة, ونحن نقترب من هنا سمعنا صوت أسد يزأر, يأتى من الكروم, فانطلق شمشون نحوه غير خائف أو هياب!...لكن يبدو أن الأسد قد رحل, لاننا لم نعد نسمع له صوت...أليس كذلك يا شمشون؟...
يطرق شمشون برأسه فى ضيق: نعم كان قد رحل؟!...
يتندر البعض قائلا: إنه من حسن حظ شمشون...فيتندر آخرون: إنه من حسن حظ الأسد.
يوجهون حديثهم الى معيلق: أين عسل النحل يا سيد معيلق...أين عسل نحل تمنة يا رجل...هل لنا فقط بلسعاته...اين لنا فى عسله...لقد كثر النحل جدا فى كروم تمنة, وكثر هجومه علينا...إنه موسم تفتح الزهور...الأرض تكتسى بخضرة وزهور جميلة, رائعة...
معيلق ينادى على ماذى, أخت أوتيليا: أتينا بعسل النحل...ثم يوجه كلامه الى الحضور: أجود عسل نحل فى تمنة وأغلاه...
بعضهم: قل لنا أحجيتك يا سيد شمشون...يتبادلون الأحاديث والنكات فيما بينهم فى سرور ومرح. 
غرابة: هل حدست أحجية شمشون؟...أم ليس بعد؟!...
سخامة: كلما كانت الأحجية سهلة وبسيطة, كلما صعب حلها على أصحاب المكر والدهاء‍‍!...
غرابة: معظم الحلول, تدور حولنا...لكن الأغبياء لا يرونها, لكثرة تحوطهم, ومكرهم ودهائهم وغرورهم....
سخامة وه تفرد ذراعها أمامها: يكفى أن يمد الواحد منا ذراعه, ليلتقط ما خفى عن الآخرين...فقط إن كان يرى ما أمامه, وحوله...لكن رؤيتهم لأخطاء بعضهم البعض...وهم يفعلون ما ينتقدون...لا يرون الأشياء الظاهرة أمامهم...دعينا نرى ونتابع...الكل مملوء غباء وحقد وكراهية...يحفرون قبورهم بأيديهم, ظنا منهم أنها لأخرين...
الآن تبدأ نهاية كل شئ...
شمشون: لقد أدخلتم السرور على قلوبنا جميعا...انه يوم رائع...كنت أود أن أقول لكم أحجية وأضع لها مكافئة...لكن لا داعى...لا داعى...
سيد شمشون: قل لنا أحجيتك ومكافئتك, يتحاورون فيما بينهم: اليس هو قاضى صرعة...يبدو أنه كثير المال هو وأبيه وعشيرته...
يتصايحون: قل لنا مكافئتك ثم قل أحجيتك!.
شمشون: وان لم تحلوها؟!...
يتصايحون دون ترتيب: تضع علينا ما تريده...ان لم نحل أحجيتك نرد لك كل واحد ما عليه من قيمة المكأفئة...
هل حل أحجيتك قابل للتقسيم؟...
شمشون نعم نعم...ان حللتموها فى سبعة أيام الوليمة, أعطيكم ثلاثين قميصا وثلاثين حلة ثياب...وإن لم تحلوها فى سبعة أيام الوليمة, تعطونى ثلاثين قميصا وثلاثين حلة ثياب...ما رأيكم...لا عودة فى هذا الاتفاق...عدل وحق...
جميعهم: عدل وحق يا سيد شمشون...قل لنا أحجيتك!...
شمشون: أقسم أننى لن أتراجع عن أعطائى لكم ما وعدت ان حللتموها, ولن أتنازل عن أخذى منكم بحسب وعدكم ما اتفقنا عليه...متفقين؟!...
الكل: متفقين...قل!... هيا قل أحجيتك!...وإياك أن تتراجع...نحن لن نتراجع.
شمشون: أحجية سهلة وصعبة...
الكل نافذ الصبر: هيا قل...أم أنك تخاف أن نحلها لك الآن.
شمشون: من الآكل خرج أكلا ومن الجافى خرجت حلاوة...فما هى؟...
يبهت الجميع ويصدم, ويتبادلون النقاش فيما بينهم...بينما يراقبهم شمشون ومنوح, وباقى الفتيات والنسوة فى الخلف يحاولون الاشتراك فى الحل...
يتداولون فيما بينهم: الآكل يؤكل...فكيف يخرج حلاوة...
يعودوا يسألون شمشون: هل هى أحجية واحدة أم إثنتين؟...
شمشون: مسرورا ومبتسما: أحجية واحدة.
يتدبرون الآمر ويتبادلون الآراء فيما بينهم: الجافى لا يخرج حلاوة, والآكل كيف يخرج أكلا...يعودوا فيسألونه: هل الآكل هو الجافى؟!...
شمشون: لا تسألوا كثيرا!...أمامكم أسبوع الوليمة...وانتم ثلاثون رجلا, ثلاثون عقلا وخبرة...حلوها...او أحلها أنا لكم وأخذ ثلاثون قميصا وثلاون حلة ثياب...
يسألونه : ماذا تفعل بثلاثين قميصا وثلاثين حلة ثياب؟
شمشون: اليس هذا ما إتفقنا عليه؟...هيا ياشباب!...انها أحجية سهلة.
الشباب فى هرج ومرج مضطربين: لا تقلق, سوف نحلها...حضر أنت الثلاثون قميصا والثلاثون حلة ثياب...لا زالوا يتداولون فى أحاديث واضحة احيانا وغير واضحة أحيانا أخرى, ثم يستأذنون فى الإنصراف, فيودعهم شمشون بابتسامة...معيلق مشغول البال والفكر...جميع الحضور يستأذن فى الإنصراف...وايضا معيلق وابنتيه وهو يقول: استرح يا سيد منوح, انت والسيدة وشمشون...ينصرفون و يغلقون الباب خلفهم.
منوح: اين لك يا ولدى بكل ذلك؟...
شمشون: هذا فى حال حلوا الأحجية, ولكنهم لن يحلوها...يكمل همسا:هل تحلها أنت أو أمى؟....
منوح: سوف يلجأون الى أصدقائهم من عشيرتنا, او حتى الكهمة ورؤساء الشعب, وكل هؤلاء سوف يساعدونهم فى حل أحجيتك...
شمشون: حتى لو استعانوا بكل هؤلاء لن يستطيعوا حلها, ولا تسأل يا أبى عن حلها. 
منوح همسا: هل تعرف امرأتك حل الأحجية؟.
شمشون: لا أحد...لا أحد البتة!...
منوح: رب الجنود يكون معك يا ولدى...احتفظ بأسرارك. لكن!...لنقل أنهم استطاعوا حلها...لنقل ذلك...من أين لك, أولنا بكل هذه الحلل والقمصان...هل تعرف أنهم لايتنازلوا عن ذلك, أى كانت الظروف, ولا تمحى الأيام ما اتفقتم عليه...سوف يصبح عارا يلاحقك طوال أيام حياتك أينما كنت, وانت قاض لدان...أطلب معونة الله ومشورته...وكيف يعطينا الله المعونة, بعد أن اعتمدنا على عقلنا وفكرنا, ونسينا أن نضعه أمامنا فى كل شئ.
تظهر ملكة فى أقصى اليمين, وتظهر الساحرتين فى أقصى اليسار...
شمشون: دعونا من كل ذلك الآن...يوجه حديثه نحو أمه: لقد حلمت حلما غريبا يا أمى!...
هصلفونى: خيرا يا ولدى...خيرا إن شاء الله...قل لنا حلمك...قد تكون نبؤة فى حلم, أو حلم ينبئ بشئ سوف يحدث...قد تكون رؤية؟...قل يا ولدى!....
شمشون: حلمت أننى أحتضن طفلا صغيرا, والطفل يبكى...يبكى بحرقة, ضعيفا ومستكينا على صدرى...شئ منك, أو صدر عنك جعله يبكى كأنه عتاب لك...وقد تألمت بشدة لبكائه...كان منظره وهو يبكى, يدعونى للبكاء, فنشجت وانا أربت على ظهره...
هصلفونى: تنشج وتكاد أن تبكى وأنت نائم؟!...
شمشون: نعم يا أمى وأنا نائم...وقد ذرفت دموع أثناء نومى!....
هصلفونى: الله يجعله خيرا...البكاء فى النوم يعنى إزاحة لضيقة أو شدة...ماذا بعد؟...
شمشون: لا أذكر لا أذكر...
هصلفونى تحاول التفسير: ربما تنجب ولدا, وهذا خير...ثم تفكر وتكمل: لكن أن يبكى منى أو بسببى؟....لماذا؟...انت تقول انه يبكى, ربما يمرض, لكنه سوف يشفى...لكن منى...قد لا أكون موجودة, وربما يكون هذا سر بكائه منى أننى تركته, ورحلت...
شمشون: وماذا عنك يا أبى؟...الم يكن لك معارف من المتنبئين؟...    
منوح: كان ذلك فى الأيام الأولى...الآن الكل مشغول لحاله...ربما حلمك كما قالت أمك, سوف يكون لك ولد من صلبك, قد تتألم بسببه, لماذا لا أعلم...يسود الصمت فترة من الزمن...
المتنبأة ملكة: الطفل الذى يبكى على صدرك هو أنت...أنت هو أنت...قدرك الذى رسمته الاقدار منذ مولدك, منذ حداثتك وأيامك الاولى....أتيت مخلصا لهذا الشعب العنيد القاسى, غليظ الرقبة, فلم تستطيع أن تغيره, وليس فى مقدورك تغييره...عشق الذل والمهانة, واستكان لهما...دخلت طين الأسواق, الى داخل أذنه, فلم يعد يسمع, وإن سمع لا يصدق, وإن صدق ينسى سريعا...دخل تراب الأسواق الى داخل عينيه, فلم يعد يرى ما حوله...الحكمة والمعرفة تنادى فى رؤوس الأسواق والطرق والجبال وكل مكان فى كل وقت...لكن!...من يسمع, من يرى؟!....
سخامة: قدره نسج مصيره منذ ولادته...نسيجه هو شعبه, الذى هو مخلصه وقاضيه...مهمتنا قدرية سهلة...سوف ترين يا غرابة...بالمناسبة, هل نعيق الغراب وظهوره نذير شؤم؟...
غرابة: فى رأى ورأيك ورأى كل العقلاء ليس كذلك...ليس شرا, لكنه خيرا, لأنه نذير أن يحتاط الإنسان لنفسه...لكن لخوف البشر وجزعهم قالوا عنه, إنه شر...هم خلقوا من المحاذير شرورا وللخير صنعوا أصناما كى يروها كل حين...
سخامة: من تقصدين ب هم؟...
غرابة: شعوب تلك النواحى والبلاد...يتشائمون من ظهور وسماع صوت الغراب...هل أنا شر لو سمع أحد صوتى ورآنى؟...
هصلفونى تقطع الصمت: الآن قد علمت حلمى...فيما مضى, رأيتك يا ولدى على هيئة زهرة, جميلة وقوية وعفية, فى حقل ملئ باشواك, وتعجبت من أين أتت هذه الزهرة الى ذلك الحقل الملئ بالأشوك...الحقل كله ملئ بالأشواك والحنظل والمر...ألله الذى أتى بك, هو يحميك, يظلك بجناحية فلا تعثر قدمك, لكن سر حسب وصاياه وشريعته, فتنجو...
منوح: إن سار بأمانة عدل حسب وصايا الله وشريعته, فإنه يظله ويحميه وينجيه...تحت ظل جناحيه...لكن!...إن اعتمد على قوته وعقله وفكره بعيد عن مشورة العلى القدير وتدبيره, فلا ينسب بعد, الى الله جهالة...هيا لنستريح...يصلى منوح ضارعا الى الله...
تدخل أوتيلتا وأختها, وتستأذنان لرفع الموائد...
.................................................................................
الفصل الثانى...المشهد الأول...المنظر الثالث...
فى الصباح, نفس المكان... تدخل أوتيليا وأختها لرفع مائدة الإفطار وهى تقول: أرجو أن يكون إفطارنا قد أعجبكم...هل نمتم مستريحين؟.
هصلفونى: نعم نمنا مستريحين...شكرا لتعبكم.
يستأذن معيلق فى الدخول: صباح الخير يا سيد منوح...كيف حالك يا سيدتى؟...هل استرحتم فى نومكم يا سيد شمشون؟.
شمشون: نعم, استرحنا, كان الأمس يوما مرهقا...شكرا لكل ما فعلتموه لنا.
معيلق: حسنا. ما رأيك يا سيد منوح, أنت والسيدة, فى جولة فى البلدة, وسوقها...لتعرفوا تمنة وكيف هم أهلها, سوف تعجبكم كثيرا.
منوح: نعم ياسيد معيلق...هيا أيتها السيدة...هيا ياشمشون!...
شمشون: لا, لا يا أبى إذهبا أنتما, أما أنا فسأبقى.
منوح: كما ترى يا ولدى, ربما تريد أن تخرج أنت وإمرأتك...على أية حال كما ترى...هيا بنا...يخرخ الجميع إلا أوتيليا تبقى مع شمشون.
أوتيليا فرحة مرحة: أكون سعيدة حين أكون معك...كيف أناديك؟..سيدى أم شمشون أم حبيبى شمشون...أفضل حبيبى شمشون...هكذا يفعل المتحابون.
شمشون: نعم وأنا أفضل حبيبى...ألا ترين أننى تخطيت كل الصعاب والعقبات من أجلك أنت...أنت وحدك حبيبتى.
أوتيليا: فى هذه النواحى ...بلادنا...كلما كان عندك مال, قلت المصاعب والعوائق...معك من المال ما يكفى, تأخذ إمرأتك معك فى يدك, ولا يسألك أحد من أهله بعد...يزوروها, تزور أهلها, نعم كل ذلك بإذن من زوجها...أعنى أنت الآن, سيدى وزوجى, وقبل كل شئ, حبيبى...لكن!...سوف تكون خصم لأبناء شعبى, بسبب أحجيتك...فمن الذى يدفع الثمن...
شمشون: خصومة؟...عداوة؟...لماذا؟...ألم يلحوا على فى طلب أحجية؟...
اوتيليا: أنت تعلم أنهم يطمعون فى طلب المزيد دون خسارة...قد يقتلونى وابى وأختى وليس لنا نصير...لأن اغلكل واحدوالجميع سوف يناصرهم...أدعوتمونا لتسلبونا...لنحرقكم وبيت أبيكم...
شمشون: لا يجرؤ أحد على فعل ذلك...هل يستطيع أحد أن يقترب منك أو بيت أبيك, وانا حى...لا...لا...لا أحد يستطيع الإقتراب من هذا المنزل ما داموا يعلمون أنك إمرأتى...
أوتيليا: إنك قاض لعشيرتك, تعرف طباعهم وعاداتهم وتقاليدهم...لكنك لا تعرف ذلك عنا...انها الخصوصيات التى لا يتحدث عنها أحد, لكنها تظهر فجاة ودون سابق إنذار فى ردود الأفعال...لا تعرف ذلك عنا...إنك تقتلنا يا شمشون...أنا وأختى وأبى, إنك تقتلنا جميعا...إنك لن تستطيع أن تكون معنا كل الوقت, وهم يستطيعون أن يفعلوا ذلك فى لحظات...مئات المشاعل, ونحرق داخل بيتنا ولا مهرب لنا...هل تترك كل شئ, وتبقى معنا حارسا لنا...لا أصدق ما يجرى...
تبكى بكاءا حارا ثم تكمل من خلال دموعها: لماذا لا تقول لهم أحجيتك وتتنازل عن ما اتفقتم عليه...أرجوك, لو كنت تحبنى حقا...تميل عند قدميه, وتقبلهما...أنقذنا أرجوك...أنا منذ هذه اللحظة...
يقاطعها شمشون وهو يقيمها ويبتسم لمنظرها الضارع الخائف: قفى أرجوك...قفى وتماسكى...هل عندكم شراب؟...
أوتيليا: نعم, نعم, لكنه فى غرف أبى...هل انتظرت قليلا حت يحضر...ماذا ستفعل فيما نحن فيه؟...
شمشون: ألم أقيم وليمة بحسب ما طلبتم, وقلت لهم الأحجية بحسب ما طلبوا...كاد يكمل, ثم صمت قليلا...
تظهر سخامة وتكمل: وهل كل ذلك البذخ دون استرداد, ألا يسترد ما قدمه وأضعاف...هل يأكلون وبشربون ويملؤن بطونهم ويمرحون وشمشون يدفع؟...لا لا...لا...
أوتيليا: لقد فعلت كل ذلك من أجلى...هل تطلب منهم مقابل...شمشون, ارحم ضعفى ومذلتى...أرجوك!...
شمشون: من قال أننى أطلب مقابل...كما أن أبى وأمى لا يعرفان حل أحجيتى...لم أقل لاحد حلها...أأقولها لك أنت؟!...
إان كنت تحتقرنى فلماذا تقدمت للزواج بى...هل تحتقرنى؟...أليس لى منزلة عندك...سوف أقول لأبى أنك تحتقرنى وليس لى منزلة عندك, ويجب عليه أن يرى ما يجب فعله نحو إبنته...
شمشون: أوتيليا لا لا أرجوك, أنت تعرفين أنى أحبك...لكن لا تطلبى منى ذلك...دعيهم ربما حلوها.
أوتيليا: أنت رجل, وأقوى رجل فى كل تلك البلاد, وتستطيع أن تحمى نفسك, لكنك لا تستطيع أن تحمينى...لست معى كل الوقت.
شمشون: بل أستطيع...عندما يسيطر الخوف والرعب على مكان ما, يستسلم الجميع, ويخشى كل فرد على نفسه وبيته, وهذا ما سوف أفعله.
أوتيليا: هل ستقتل لإرعاب سكان تلك النواحى؟!...
شمشون: سوف أفعل, ان اضطررت لذلك...
ملكة وسخامة وغرابة كل فى مكانه...يسود صمت وتفكير بين أوتيليا وشمشون!... 
ملكة: يا ولدى... هل تستطيع قتل الجميع...ومن معك من أهلك وعشيرتك...كلهم عيون عليك, وأيادى متلهفة للإمساك بك وتسليمك, ليفرحوا قلوب الكفتوريين...الكل إعتزلك, وإعتزل أهل بيتك, بعد أن وافق أبيك منوح على هذه الزيجة...هم زوجوا أولادهم وبناتهم مثل ما فعلتم, لكنهم يدعون الحكمة والسلام ليعيشوا فى أمان وإطمئنان...أسبابهم أكثر وجاهة من أسبابك...ترك الجميع عناية الله, وفارقهم روح الله!...
سخامة: من يسمع منك أيتها المرأة المسكينة, لا الشعب الكفتورى يستمع لك, ولا الشعب الإسرئيلى يستمع الى تحذيرك...من يقرأ تنبؤاتك...اصمتى وراقبى كيف يرسم القدر لخطاه طريقا...لا يسطتيع أحد أن يحيد عنه, لان أحد لن يغير عاداته أو تقاليده أو طريقة تفكيره, ثبت كل ذلك فى وجدان الجميع بمرور الأجيال...أنظرن ماذا ستقول أوتيليا لشمشون, وكيف هى بداية النهاية.
غرابة: لا تلفتى نظرها, دعيها لا ترى...الكل يرانا خيالات, ويسمع طنينا...الغيوم السوداء تتجمع فى سحابة قاتمة تحجب الضوء, والبروق تضئ لحظات خاطفة, ولا يعرف أحد مكانه أو ما حوله...
تقطع أوتيليا الصمت: شمشون!...ان الدنيا تظلم فى وجهى, واشعر بخوف شديد, وقلق لا حد له...
شمشون: حبيبتى!...لا تقلقى ولا تخافى...أنا شمشون, قاض دان, والله منحنى قوة أهزم بها أعدائى.
أوتيليا: كلما ذاع صيتك, كرهك الناس...سوف ينافقونك, لكنهم!...ينتظرون فرصة لإلنقضاض عليك...أنت لاه عما يحدث حولك...سوف يقتلونى , واهل بيتى بالنار, ولن تستطيع إنقاذنا...أرجوك...تنازل عن الأحجية أو حلها لهم...اتركها كأنها لم توجد...قل لهم أنتم لن تستطيعوا أن تحلوها ولهذا سوف أحلها لكم وأحلكم من ما إتفقنا عليه, وينتهى كل شئ.
شمشون: وهل تعتقدين, أنهم سوف يوافقون على ذلك...غدا آخر أيام الوليمة...اليوم سوف أقول لهم ذلك, وأنظرى ماذا سيفعلون وماذا سيقولون.
أوتيليا: لقد فارق المرح وجوههم منذ أن قلت لأهم هذه الأحجية...ألا ترى ذلك؟...قل لهم ذلك وسوف يوافقون, سوف ترى.
شمشون: سوف ترين انت...أنت لا تعلمين خفايا طباع الشعوب...سوف يظنون أننى ضعفت, وأن الأحجية غير حقيقية, وأشياء أخرى كثيرة سوف تعتمل فى أفكارهم وخيالاتهم, وسوف أكون مجبرا...هل تسمعينى؟...سوف أكون مجبرا لانتظار الحل.
أوتيليا: إفعل ذلك من أجلى, ولتكن ألهتك وألهتى معنا, تنقذنا من كل هذا الشر الحال حولنا بكل قوة.
يحضر معيلق ومنوح وهصلفونى, وتستقبله أوتيليا بترحاب: وهى تسألهم: أين ذهبتم اليوم؟
يجيب معيلق: سوق المدينة الكبير...ثم تهمس فى أذن أبيها, فيهز رأسه بالموافقة
تذهب وتحضر لشمشون شرابا, ويبقيا وحدهما, بعد أن يأخذ معيلق منوح وزوجته الى غرفة أخرى تعالو لنستريح , ونأكل بعض الفاكهة...
شمشون يأكل ويشرب كثيرا لحين حضور رفاق الوليمة.
شمشون: أوتيليا حبيبتى!...لا تخافى شيئا, وأريدك أن تعلمى أننى لا اخفى عنك شيئا...هل تعلمين أننى أفصحت عن حل الأحجية...وأبى أشار إليها دون أن يعرف الحل بالتدقيق...الحل بين أيديهم, تحت أنظارهم, سمعوه دون أن يدركوه...إنها الرخاوة والغباء, تفعل الشئ الكثير...
أوتيليا وهى تنظر لشمشون بتمعن: وهل أبيك وأمك يعرفان الحل؟...
شمشون دون أن يفهم ما تلمح أوتيليا من سؤالها: بالطبع لا.
أوتيليا: لقد قلت لى أنك سوف تخبرهم بحل أحجيتك...أليس كذلك؟... 
شمشون: نعم قلت ربما...لم أؤكد على ذلك...لكننى أقولها لك أنت أولا...لتكونى أول من يعرف.
أوتيليا: نعم, قل لى, إفتح فمك الجميل هذا وقل لى...
تقترب منه أكثر وصوتها همسا... تكمل: إننى قريبة منك, ولا يستطيع أحد سماعنا, فقط إهمس فى أذنى...إننى مصغية لك...
تقرب خدها من فمه...
شمشون: لست أدرى...أحس بحرارة تلفح وجهى...هل شربت كثيرا...إننى أحس بالإضطراب...أحبك يا أوتيليا...أحبك.
أوتيليا: وأنا أيضا أحبك...حبيبى, هذا قدرنا, أننا من تلك البلاد, مختلفين فى أشياء كثيرة...لكن أنا وأنت جمعنا الحب, وذابت بيننا أشياء كثيرة أيضا, كنا نعتقد أنها من ثوابت حياتنا...أحبك يا حبيبى...دع الحب والشوق بيننا يصل الى أقصى مداه.
شمشون: نعم حبيبتى, غدا...لا بعد غد, أخذك معى الى بيتك, ولن يعود يرعبك أحد بعد.
أوتيليا: نعم حبيبى...تعطيه مزيدا من الشراب: ثم تقول: غدا تخبرهم بحل أحجيتك...أليس كذلك؟...
شمشون: سوف أقولها لك أنت الآن, وليس غدا.
أوتيليا فى لهفة: هيا قل!...قل يا شمشون!...إشرب حبيبى وكل وقل!...تعطيه ليأكل ويشرب أيضا.
يتباطأ شمشون قليلا بعد أن وعدها, فتغضب وتهم بالرحيل.
شمشون: الى أين حبيبتى, ألم أقل لك بأننى سوف أكشف لك الحل...لماذا هذا الغضب المفاجئ...ألا تتروين؟...
أوتيليا: إنك لا تشعر أو تحس بى...إننى أموت كل يوم, كل لحظة!...
ألم أقل لك لا تخافى. فأنا معك وبجانبك...ألا تدركين ذلك؟.
أوتيليا: بل أنت لا تدرك شيئا...أنا وأهل بيتى بين شقى الرحا...وأنت كل ما يهمك  هو أن تفوز بثلاثين قميصا وثلاثين جلبابا...أنت لا ترى ولا تدرى بالشر الحال حولنا...
شمشون: أراك أنت فقط, أتأملك, أحلم بك...كلماتك الجميلة وصوتك الرائع يسرى فى أوصالى, كما يسرى...كما يسرى...صوتك الجميل كنغم أنشودة فى أذنى...كلما تحدثت إليك, ورد على خاطرى الجديد والكثير لأقوله لك وعنك...
أوتيليا تهم بالنهوض والمناورة مرة أخرى...
يكمل شمشون: لقد الححت على كثيرا, وضاق صدرى جدا...إن خسارتى أهون على من إلحاحك وغضبك كل حين...أين إبتسامتك وضحكتك الحلوة الجميلة... إجلسى! ... إجلسى!..سوف أخبرك الآن...إجلسى!...هل تذكرين ما قاله أبى عنى عند زيارتنا الأولى لكم؟!...هل تذكرين؟!...
أوتيليا: نعم ،نعم أذكر كل تفاصيل اللقاء وكل ما دار من حديث حولك...وأذكر أن أباك قال أنك ذهبت للبحث عن الأسد الذى زمجر بين الكروم, وقال أيضا, يبدو أن الأسد قد هرب خوفا منك...ربما كان يمزح...أذكر كل كلمة قيلت عنك...أذكر كل ذلك جيدا...وما علاقة ذلك بالأحجية؟...
شمشون: كل ذلك له علاقة بالأحجية.
أوتيليا فى إهتمام شديد: كيف؟...أشفق على عقلى الصغير, وضعف تفكيرى أمام عقلك وتفكيرك أيها الرجل القوى...قل لى كيف؟!...
شمشون: ألم يقل أبى أننى أتيهم بملئ كفى عسل نحل فأكلا...وإن بلادكم مليئة بالنحل وعسل النحل...
أوتيليا: نعم قال ذلك...إننى اشعر وأحس أن الحل حولى وأمامى لكن كيف أربط كل ذلك, ببعضه, ليكون حلا؟!...أذكر كل ذلك...فى عصبية: ألا تقول لى ما هو الحل وننتهى من هذا اللغز...هيا قل!...قل حبيبى!...إننى لست ندا لعقلك أو خيالك...أسد يزمجر...نحل تمنة...ماذا...كيف...ما هو الحل؟!....
شمشون: ألم أحلها لك الآن...يبتسم بعد أن لعبت الخمر برأسه, ثم يكمل: هذه هى أحجيتى: ونحن فى طريقنا الى تمنة, لطلبك للزواج بى, وقد تطرفت بعيدا عن أبى وأمى, ظهر لى شبل أسد قوى وزمجر وأراد مهاجمتى, فشققته نصفين من فمه, وعدت لأبى وأمى, وكأن شئ لم يحدث, لم أرد إخافتهما, فلم أقل لهما شيئا عن ذلك. وعند عودتنا هذه المرة لأخذك- طبعا بعد أيام الوليمة السبعة- قلت أذهب لأرى ما حدث لرمة الأسد, فوجدت نحلا كثيرا قد بنى له مساكن فى رمة الأسد فملئت كفى واكلت وملئت كفى أيضا وأخذت لابى وأمى فأكلا...الآن هل عرفت الحل...لا تخبرى أحدأ حتى أرى ما أفعل...حبيبتى, اتفقنا؟
أوتيليا: نعم حبيبى!...لكن عليك أن تنهى هذا الموضوع قبل غد...ارجوك 
شمشون: سوف أرى ما يجب أن أفعله...سوف أتنازل عن الثلاثين قميصا والثلاثين حلة ثياب, إن رأيت ذلك صوابا...لكننى سوف أذلهم قليلا!...
أوتيليا, وهى تعيد ترتيب أفكارها: من الآكل خرج أكلا... ومن الجافى خرجت حلاوة...مات الأسد, الآكل الجافى...وبنى النحل له مساكن فى رمة الأسد, وملأها بالشهد...
توجه حديثها الى شمشون: هل أتيك بمزيد من الطعام والنبيذ؟...لتكن هذه ليلتنا ليلة فرح ومرح.
يسكر شمشون جدا...فتسنده على الوساده, وتخرج فى هدوء...
تنادى على أبيها فى صوت خفيض...يحضر معيلق حذرا, وتسر إليه أن يدعو سريعا كليب القزم, صديق شمشون...
تقول لابيها: لا تسأل يل أبى...سوف تعرف كل شئ حالا!...
يذهب معيلق سريعا ويعود بعد قليل ومعه كليب – صديق شمشون الدائم, ومضحكه, ومفرح قلبه...
تجذبه أوتيليا بعيدا عن مكان نوم شمشون.
أوتيليا: اسمع يا كليب!...يجب أن تنقل ذلك الى الإخوة الذين دعوناهم فى الوليمة...أنت تعرفهم جيدا...لا لا...بل الى دعلول, كبيرهم, وابن قائد شرطة تمنة, جده وأخبره, أن أوتيليا تريدك حالا, ولا يعرف شمشون ذلك...يهز رأسه عدة مرات موافقا ومؤكدا على ما قالته أوتيليا, وقد حزر فحوى وأهمية مهمته فقال: هل ترينى ضعيف الفهم, أو مخبول...أنا وشمشون أصدقاء نعم...لكن الواجبات تحتم أمور أخرى...ربما يكون الموضوع له علاقة بالأحجية...إنهم غاضبون أشد الغضب, وينوون الشر لك وأهل بيتك, وأنا لا أستطيع أن أراك تتأذين...أوتيليا لا أستطيع أن أراك تهلكين...
تقاطهه أوتيليا وتسحثه كى يمضى سريعا: إذهب الآن كى يستطيع الحضور مبكرا عن باقى الجمع, من أجل وليمة اليوم, قبل الأخير...إذهب!...إذهب الآن!...
ينطلق كليب كطفل صغير رماح ليصل الى هدفه...
يترك معيلق مراقبة مكان نوم شمشون بعد أن رأى كليب يخرج كالسهم ويأتى قلقا مستفسرا فى همس: أوتيليا!...ألا تخبرينى بما يجرى...هل قال لك سر أحجيته؟...
أوتيليا: أخفش صوتك أكثر, نعم يا أبى, نعم قال لى سر أحجيته...
معيلق وقد لمعت عيناه: حقيقة قال لك حل أحجيته؟!...
أوتيليا: نعم ياأبى...قلت لك نعم.
معيلق همسا:لقد نجونا, نعم نجونا يا أوتيليا...كل المدعوون الى الوليمة يهددونى, ولم أرد إخبارك أنت وماذى, كلما مررت بأحدهم, يذكرنى بتهديدهم, لكن هل تثقين بما قاله لك, هل هو حل أحجيته؟....كيف تعرفين؟.
أوتيليا همسا: نعم يا أبى, وسوف ترى...
معيلق وهو يفرك يديه جزلا: أيتها الجنية الصغيرة...على أية حال, نحن من أدخل هذه المشكلة الى حياتنا, فهل ينتهى كل ذلك عند هذا الحد...سوف أعيد التفكير فى كل ذلك.
أوتيليا: لا يا أبى...أستطيع أن أصلح كل ما فسد...سوف ينسى سريعا, فرأسه مملوء بأشياء كثيرة من مشاكل أهله وعشيرته, وأنت تعلم أنه قاضيهم.
يدخل كليب. ومعه معلول فى هدوء تام. وتستقبلهم أوتيليا فى ركن الحجرة...يأمر دعلول كليب بالذهاب...
تجلس أوتيليا, وتقول لدعلول فى عجلة: الآكل هو الجافى هو الأسد, والأكل هو الشهد, عسل النحل...ألم يقل من الآكل خرج أكلا ومن الجافى خرجت حلاوة. وان سألكم كيف حللتموها تقولو له هكذا: لقد حكى والدك أنهما – أى أبيك وأمك قد سمعا زئير أسد, ثم ذكر قال أبيك أنه فى رحلته عودته الى تمنة, أتاكم بكفية مملؤة عسلا. هل تذكر حديث أبيه عن عسل تمنة, وكثرة النحل فى تمنة وكثرة لدغاته...
دعلول: نعم, نعم هذا هو الحل...لقد نجوت أنت واهل بيتك...لقد سبق وإتفق الكل على حرقك وبيت أبيك بالنار...ولن يستطيع أحد منعهم من ذلك...هل تعلميين كيف يفكر شباب تمنة, بل كل شباب تلك النواحى...الآن سوف أذهب, لأدعو باقى الرفاق وأخبرهم بحل الأحجية, قبل أن يفتعلوا مشكلة, أو يقوموا بعمل طائش ثم أعود مع باقى الرفاق, لكن ماذا لو أحس أنك من أفشيت سر أحجيته؟...
أوتيليا: دع ذلك, ولتساعدنى الألهة...هو لا يقدر أن يقتلنى أو يمسنى بسوء, لأنه يحبنى, و...
يقاطعها دعلول: دعينى أذهب الآن, وأى شئ يحدث فقط بلغى كليب كى يأتينى, وسوف أرى ما يجب عمله...لا تخشى شيئا...أحسنت يا أوتيليا, ولتباركك الألهة...ينصرف سريعا, ويلحق به كليب...
تدخل أوتيلياغرفة شمشون, وهو يغط فى نوم عميق, وتستلقى قريبا منه فى هدوء, وهى تتأمله, وتفكر كيف ستقنعه بأنهم هم من توصلوا الى حل أحجيته, وكيف استنتجوا من كل قيل ما توصلوا اليه...غدا...  
........................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة


.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات




.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي