الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقع الطبقي في المجتمع العربي الفلسطيني 48 (4) - الأحزاب والعمل السياسي

ارام كيوان

2021 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


الأحزاب والعمل السياسي

ذكرنا حقيقةَ أنّ الغالبيّة السّاحقة من الشعب الفلسطينيّ كانت من الفلّاحين، وأنّ جميع أراضيهم قد صودرت بعد النكبة وألغيت هذه الطبقة قسرًا لتتحوّل إلى فقراءٍ وعاطلين عن العمل. كانت النّضالات التاريخيّة، قبل النكبة، بقيادة طبقة الفلّاحين، وبإلغائها، أصبحت هذه النّضالات بقيادة المثقفين والأكادميّين، حيث كانوا النواة الصلبة للأحزاب في الدّاخل الفلسطيني تاريخيًّا، بسبب ظروف اسرائيل وفرض الحكم العسكريّ وطغيان الظّرف الوطنيّ والأمميّ. القوميّة العربيّة الّتي نادى بها جمال عبد الناصر والثّورة العالميّة بقيادة الاتّحاد السوفيتي والأفكار اليساريّة والشيوعيّة هي من لعبت دورًا حاسمًا في التكوينة الايدولوجية للأحزاب وسيكولوجية الجماهير في حينه. على سبيل المثال: كان الحزب الشيوعيّ قبل النكبة موجودًا فقط في المدن تقريبًا. مع ازدياد النّضالات ضد الحكم العسكريّ، والدّور الرياديّ والتاريخيّ للحزب فيها، انتسبت للحزب شرائحٌ واسعةٌ من الجماهير قادمةٌ من أصول طبقيّةٍ مختلفةٍ، ما أدّى إلى عدم وجود هُويّةٍ طبقيّةٍ واضحة المعالم، نظرًا لتأخر القوى المنتجة وعدم نضوج مجتمعٍ طبقيٍّ مكتمل التكوين. طغيان الظرف الوطنيّ والعداء "الغريزيّ" للإمبريالية قاد شرائح واسعةً للانتساب إلى الحزب. كان هذا الانتساب مرهونًا بفترة الحماس اليساريّ ووجود الاتّحاد السوفيتي كقوّةٍ عالميّةٍ تدعم الأحزاب الشيوعيّة في مختلف البلدان. ورغم بقاء كُثرٍ في صفوف الحزب، حتّى بعد أفول تلك الظروف، إلّا أنّ عددًا كبيرًا (وكبيرًا جدًا) عزف عن العمل السّياسيّ أو غيّر انتماءه 180 درجةً، او عاد لتكتّله القبليّ السّابق. عدم تغيّر البنى الاجتماعيّة بعد النكبة غيّب الأساس الاجتماعيّ المتين لمجتمعٍ متمدّنٍ.

كانت هنالك عدة محطات مهمّةٍ في تاريخ الأحزاب السياسيّة في الداخل. فإلى جانب الحزب الشيوعيّ، كانت هنالك حركة الأرض وحركة أبناء البلد التاريخيّة. في المرحلة الأولى ما بعد النكبة، سادت نفسيّة الهزيمة بين الجماهير العربيّة الباقيّة في وطنها. سيطر حزب العمل على مقاليد الحكم في إسرائيل حتّى عام 1977 وفرض سياسةً ربط فيها هُويّة انتماء الفرد الحزبيّ بالخدمات الّتي ينالها من الدولة. قام بتجنيد عملائه، وأنشأ قوائم عربيّةً مرتبطة بالصهيونيّة وحكومة حزب العمل، بينما كان الشيوعيّون ملاحقين ومحاصرين من المؤسسة الحاكمة. خاض الحزب الشيوعيّ معركة المعيشة وكان أوّل تحوّل ملحوظٍ آنذاك هو واقعة أيار 1958، عندما انتفض الشيوعيّون ومنعوا إقامة احتفالات استقلال إسرائيل في كلٍّ من أم الفحم والناصرة، وغيّروا نفسيّة الهزيمة الى نفسيّة الصمود والبقاء، وأكملوا نضالهم من أجل معركة المعيشة والمساواة القوميّة والمدنيّة طوال تلك السنوات، حتّى جاء يوم الأرض الخّالد الّذي رسّخ نفسيّة المواجهة. سعى الحزب الشيوعيّ على الدوام إلى إقامة أوسع التحالفات مع غير الشيوعيّين، وعرفت تحالفاته، على صعيد السلطة المحليّة، بـ "الحزب الشيوعي والأصدقاء". أفضى هذا الأمر، في النّهاية، إلى تقرب شرائح واسعةٍ من الجماهير القادمة من أصولٍ طبقيّةٍ مختلفةٍ وبالتّالي إلى إنشاء الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.
"كانت الجبهة هي الموجّه لمشاعر الجزع والغضب الشديدة الّتي شعر بها ألوفٌ من أهل الجليل من الفلسطينيّين الّذين سلبت أراضيهم وبيوتهم منهم بالقوّة". (إيلان بابيه).


سقط حزب العمل واعتلى الليكود لسدّة الحكم سنة 1977، والّذي كان حدثًا تاريخيًّا لا يُنسى بالنسبة لليهود الإسرائيليين، وهذا ما يُعرف بـ "الانقلاب الكبير". قاد الليكود التحول من رأسمالية الدولة لدولة رأسماليّة تقدّم السّلطة السياسيّة نفسها فيها على أنّها كيان مستقل عن المجتمع والطّبقات، وانتهج سياسات اللبرلة وخصخصة كل شيءٍ. كان مردود هذا التحوّل سلبيًّا على الوعي الجمعيّ عند العربيّ. فقد أحدثت سياسات الليكود فصلاً بين القضايا اليوميّة والقضيّة الوطنيّة والسياسيّة، على غرار حزب العمل الّذي كان "صريحًا" فيما يتعلّق بهذه النّاحيّة، ولم يفصل بين الجوهر السياسيّ، الحقوق والخدمات في تعامله مع الأقليّة العربيّة الفلسطينيّة.

تزامن صعود حزب الليكود مع الثورة المضادّة في الوطن العربيّ، والّتي عُرفت بـ "الصّحوة الإسلاميّة". ظهرت هذه الصّحوة بعد هزيمة حركة التحرّر الوطنيّ العربيّة، وعُبر عن هذه "الصحوة" بين الجماهير العربيّة بنشوء "الحركة الإسلامية الاخونجيّة"، وليس في هذا القول أيّ افتراءٍ، فهذا ما قاله عبد الله نمر درويش، مؤسس الحركة، في لقاءٍ مع الإعلاميّ الاخونجيّ أحمد منصور. لا تختلف هذه الحركة، عند الإمعان بها، عن باقي الاخوان في الوطن العربيّ. يمكننا أن نرى بوضوحٍ الفحوى الطبقيّة للحركة الإسلاميّة (بشقّيها)، والّتي تتألف قيادتيها من الأكاديميّين، وهم طلاب شريعةٍ بالأساس، ورجال أعمالٍ لهم نشاطاتٌ ماليّةٌ واسعةٌ. حظيت الحركة بتأييدٍ كبيرٍ، في بداياتها، من الفقراء والكادحين، بسبب الظروف الماديّة والثقافيّة الّتي تزامنت مع نشأتها: تراجع الحركة الوطنيّة والشيوعيّة، وثورة الخميني في إيران.

أمّا الخلاف بين شقي الحركة الاسلاميّة الاخونجيّة فهو ثانويٌّ، نشأ نتيجة ظروف إسرائيل ومسألة العمل البرلمانيّ، وليس جوهريًّا عميقًا بين الطرفين. نشطت الحركة، في الأساس، من خلال جمعيّاتٍ ونشاطاتٍ عديدةٍ ذات طابعٍ دعويٍّ وخيريٍّ. إلّا أن هذا النشاط هو، في الحقيقة، نشاطٌ سياسيٌّ يهدف إلى تدعيم الحركة وإطلاق اليد لسيطرتهم على الوعي العامّ والموارد المتاحة. يميل الاخونج للبرلة السياسيّة والاقتصاديّة، حيث يسعون إلى تحرير تحرّكاتهم السياسيّة ومعاملاتهم الماليّة من الرّقابة و"أسلمة" المجتمع على الطريق الاخوانيّة لفرض وصاية تؤمّن سيطرةً على المجتمع والمواطنين.
من الجدير أن نلاحظ أنّ التقاء نشاط رأس المال في مكانٍ ما مع وجود حزبٍ نشيطٍ موجودٍ في السّلطة المحليّة لفترةٍ طويلةٍ يوطّد علاقاتٍ مع رأس المال، فإمّا أنْ ينشأ رأس المال من داخل الحزب، أو يرتبط به (بالحزب) خارجيًّا لما يحتاجه رأس المال من تسهيلاتٍ عبر السّلطة المحليّة، كحالة الحركة الإسلاميّة.
****
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار التظاهرات الطلابية بالجامعات الأميركية ضد حرب غزّة|


.. نجم كونغ فو تركي مهدد بمستقبله بسبب رفع علم فلسطين بعد عقوبا




.. أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يبحث تطورات الأوضاع


.. هدنة غزة على ميزان -الجنائية الدولية-




.. تعيينات مرتقبة في القيادة العسكرية الإسرائيلية