الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«شُبّيك لُبّيك!»

ضيا اسكندر

2021 / 6 / 22
كتابات ساخرة


عندما ضاقت به الأحوال، وأُوصِدَتْ في وجهه جميع الأبواب، وانحدرت أوضاع أسرته إلى أدنى درجة من الضنك.. انهالت عليه من كل حدبٍ وصوب، عبارات اللوم على تقصيره في مواجهة ما آل إليه الوضع، حتى من أقرب المقرّبين إليه بما فيهم زوجته وأولاده. فهُم لا يفوّتون فرصة مواتية إلّا ويغمزونه فيها بالعتابِ المقنَّع، ويلمزونه بالملامِ المحجَّب. وأنه ينبغي عليه أن يتلحْلحَ ولا يستكين لهذا الواقع. ما دفعه درءاً لانتقاداتهم الموجعة، إلى مراسلة أحد المواقعِ الإلكترونيةِ المعنيّ بتأمينِ وظائفَ لطالبيها. فكتب إليه:
السادة الأعزاء في موقع «شبّيك لبّيك» المحترم. إليكم الـ cv الخاص بي:
نظراً للظروف المعيشية الصعبة التي نكتوي بشواظ لهيبها كل يوم، والمرشّحة مستقبلاً لمزيد من التفاقم، أطلب إليكم وبرجاء، مساعدتي في إيجاد فرصة عمل، لقاء إطعامي فقط. عِلماً أنني أتمتّع بلياقة بدنية معقولة. ولا أعاني حالياً من أية أمراض. بمعنى أنني لن أكلّف ربّ العمل نفقات إضافية؛ كزيارة الأطباء وإجراء التحاليل وشراء الأدوية وما إلى ذلك. ومن الجدير ذكره أنني بلغتُ الخامسة والستين من عمري منذ أيام. طبعاً لم أحتفل بهذه المناسبة ولم تذكرها زوجتي ولا أولادي. وهذا أمرٌ حسنٌ؛ إذ من العار أن نحتفل بمناسبة تافهة كهذه، كانت السبب في قدومي إلى هذه الدنيا. فتورّطتُ وتزوّجتُ وأنجبتُ، دون احتساب أنني أعيش في شرق المتوسط. حيث الشقاء والبؤس والقهر، عناوين دبقة على أجساد وأرواح غالبية شعوبها.
مهاراتي متعددة ومنها: أنني أجيد الطبخ والجلي والعناية بنظافة البيت. فقد تعلّمتُ كل ذلك بعد تقاعدي من الوظيفة. كما أنني أهوى الزراعة، وخبرتي لا بأس بها. فقد اشتغلتُ عاملاً زراعياً في السنوات الخمس الأخيرة لدى العديد من ملّاكي الأراضي.
من صفاتي أنني صبور على التعب. غير متطلّب للقهوة والشاي والسندويش. مغرم فقط بشرب الماء، وليس البارد منه. بل العادي المُستحصل عليه من الحنفية.
إذا كان الاتفاق مثلاً على أن أعمل سبع ساعات يومياً، فإنني غالباً ما أمدّدُ من تلقاء ذاتي وبدون أجرٍ إضافي، نصف ساعة أو أكثر. تعويضاً مني عن استراحات تدخين السجائر في الظلال. التي ألجأ إليها بين الحين والآخر عند حماوة الشمس.
لا شروط لديّ لإيصالي بسيارة إلى موقع العمل ولا بالعودة منه. المهم أن تتوفر وسائط النقل على الطريق. فأنا أستيقظ باكراً، ولا يشغلني شيء بعد الظهر إطلاقاً. ويمكنني الانتظار لقدوم سيارة إلى ما شاء الله. فالوقت عندي لا قيمة له بتاتاً. فقد أقلعتُ عن القراءة والكتابة والعزف على العود ومتابعة نشرات الأخبار والزيارات الاجتماعية منذ أشهرٍ طويلة.
نسيتُ أن أقول بأنني عملتُ في السابق كاتباً صحفياً في جريدة هامة تتبع لليسار الماركسي مدة عشرين عاماً وبدون أجر. كما أنه لديّ أكثر من (10) مجموعات قصصية في مجال الأدب الساخر. طبعاً لم يُتحْ لي نشرها بسبب غضب السلطة الحاكمة عليّ، وامتناع دور النشر عن طباعتها، رغم تميّزها كما يقول العديد من النقّاد. إضافةً لذللك، فأنا أحمل إجازة في الحقوق من أعرق الجامعات السورية (كلية الحقوق في دمشق). وسبق ودرّست العديد من الطلاب دروساً خصوصية، وكانت سمعتي حسنة لديهم جميعاً. كما أنني أُجيد العمل على الكمبيوتر ولغتي الإنكليزية جيدة.
أخيراً، هذا إيميلي، وهذا رقم هاتفي..
وبعد أن ضغط على زرّ الإرسال، سحب سيجارةً وأشعلها ومجَّها وهو يفكّر في خبيئته قائلاً: «ها قد قمتُ بما عليّ فعله، ولم أترك مجالاً لأحد من أفراد أسرتي للعتب عليّ من الآن فصاعداً.» واستلقى على الأريكة ينفث دخان سيجارته ببطء في أجواء الغرفة.
بعد أقلّ من ساعة، جاءه اتصالٌ هاتفي، فسارع للردّ:
- ألو مرحبا، معك موقع «شبّيك لبّيك».
- أهلاً وسهلاً.
- حضرتك السيد عبد الله المثقفاتي صاحب الـ cv الذي وصلنا منذ قليل؟
- نعم، بشحمه ولحمه.
- لدينا فرصة عمل، نعتقد أنها تناسبك.
- كلّي آذان صاغية.
- توجد أسرة غنية جداً، لديها رجل مجنون يحتاج إلى الرعاية. ويرفض ذووه إدخاله إلى مصحّ عقلي. الرجل هادئ تماماً، لا يثور ولا يغضب.. فقط عليك العناية به في شقة مستقلّة. تطعمه وتسقيه، وتحمّمه وتعطيه أدويته بمواعيدها.. مقابل إطعامك وإكسائك. ولستَ مسؤولاً عن تأمين الغاز والمازوت، ولا عن تسديد فواتير الكهرباء والماء والنت وما إلى ذلك.
- وما علاقتي بالفواتير؟!
- لأنك ستقيم معه ليلاً نهاراً. مسموحٌ لك مغادرة الشقة مرة واحدة في الأسبوع، ولعدّة ساعات فقط، لشراء الحاجيات الخاصة بكما. حيث يحضرُ أحدُ ذويه لنطارته أثناء غيابك. لأن المجنون بصراحة لا يُترك بمفرده في الشقة. فقد يهرب أو يؤذي نفسه أو يخرّب ما في البيت.. إلخ.
- كل الشكر لكم. سأفكّر في هذه الفرصة وأعلمكم بالنتيجة قريباً.
أغلق هاتفه وقد تولّاه الغضب. وشرع ينطحُ طرفَ الأريكةِ برأسه، وهو يشتم البلاد والعباد والحكومة والظروف، التي أجبرته على العيش بهذه الشروط المذلّة.
لكنه سرعان ما هَمَدَ وطَفِقَ يتذكّرَ راتبه التقاعدي الهزيل. والذي يحلمُ أن يخصّص 30% منه كمصروف شخصي له. وأنه لم يذُقْ طعمَ اللحوم والفواكه والأجبان والحلويات منذ سنوات. وأنه شبه سجين في بيته، لا يغادره خوفاً من النفقات إلّا عند الضرورة القصوى؛ كالوقوف المرير في طوابير الأفران. واللهاث المُضني لتأمين أرخص الخضروات من السوق.. وفكَّرَ بالأزمة التي تعصف في البلاد. وأنه لا بارقة أمل تلوح في الأفق. بسبب تعنّت طرفي الصراع ورفضهما للحلّ السياسي..
تبصَّرَ الأمرَ مليّاً بسرعةٍ ويقظة. وشعَّ من عينيه نورٌ طارئٌ يومضُ بالفرح. وسرعان ما هرع ليدقَّ رقمَ الجهة التي اتصلت معه لتوّها. مبدياً بحماسٍ ولهفة، موافقته السريعة على العرض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟