الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقع الطبقي في المجتمع العربي الفلسطيني 48 (5) والاخيرة - الوحدة الوطنية، المشتركة والموحدة

ارام كيوان

2021 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


لا يوجد فصل بين الوطنيّ والاجتماعيّ (الطبقيّ) كما ذكرنا، بل إنّ مأزق اليسار العربيّ هو تنصّل البرجوازيات العربيّة من مَهمّة التّنوير، ما ألقى على اليسار العربيّ حملاً مضاعفًا. إلّا أنّه في سياقنا هذا، طغيان الظرف الوطنيّ في لحظاتٍ تاريخيّةٍ معيّنةٍ يُنسي الجميع الجانب الاجتماعيّ لصالح "المصلحة الوطنيّة". ونستطيع الإشارة إلى انتفاضة الـ 2000 والانقسام الّذي أحدثته اتفاقية أوسلو.

في سياق الأحزاب، أقيمت القائمة المشتركة بسبب رفع نسبة الحسم، حيث كانت المحاولة لتحويل كلّ خلافٍ أيديولوجي اجتماعيّ ثانويّ جانبًا، في سياقٍ توحّشت فيه سياسات السّلطة الإسرائيلية، إلّا أنّها تجربةٌ حملت داخلها، منذ قيامها، كلّ أسباب تفسّخها الحتميّ.
في هذا المسألة تحديدًا، أريد أن أكرّر ما قلته سابقًا كنوعٍ من التوكّيد: تعاملنا مع مفهوم "الوحدة الوطنيّة" كان إخفاقًا حيث أنّها شملت كلّ بارٍّ وفاجرٍ. المشكلة أنّنا لم نتعامل معها كوحدة قوى تقدميّة، وضمّ حزب "معًا" كمركّب لَهُوَ خير مثالٍ على هذا. كنت مقتنعًا طوال الوقت أنّ وحدةً مع الاخونج (اخونج الجنوب في هذا السياق) ستصل إلى مرحلة الانفجار عاجلًا أم آجلًا، ولن تستطيع الفروقات أن تذوب وتُحيد إلى الأبد بسبب المشترك الوطنيّ، والّذي اتّضح في النهاية أنّه غير مشتركٍ أيضًا. كان هذا كلّه واضحًا حتّى قبل ظهور منصور عبّاس الّذي جسّد مرحلةً جديدةً من الانحدار.
لطالما التزمت بالمشتركة وسقفها، فقد "تعالت عن الخلافات الضيّقة"، وبات عليها أن تتعالى عن التعالي وتبذل كلّ جهودنا لعدم تكرار الخطأ نفسه. وحدةٌ جديدةٌ مع الاخونج سترتد كالقنبلةً في وجوهنا وتنفجر حتى ولو صمدت لبعض الوقت. وحدةٌ كهذه في النهاية لن تشكّل إلّا ضررًا للشعب وللعمل السياسيّ والوطنيّ.

رأينا حجم الخلاف والاستقطاب في الانتخابات الأخيرة والّتي دار جزءٌ كبيرٌ منها حول مسألة "المجتمع المحافظ".
وما هذا الخلاف إلّا مجرّد صراعٍ صوريٍّ كاذبٍ، يخبّئ في داخله الصّراع الحقيقيّ. حُشر هذا الخلاف في زوايا أخلاقيّةٍ وفكريّةٍ خالصةٍ بدون الالتفات إلى الواقعِ. يتحقّق، ها هنا، ما قاله ماركس في كتاباته عن ألمانيا: "إنّ بؤس الحياة الاجتماعيّة الواقعيّة يَنقل ساحة المعركة في الحقل السياسيّ إلى حقل الأفكار وحدها". النهج الّذي حلّ على حساب "مجتمعنا المحافظ" هو في حقيقته مشوِّهٌ لهُويّة الموجودين على السّاحة السياسيّة الاسرائيلية والنّظام الرأسمالي الإسرائيلي، وليس موقفًا جذريًّا وثوريًّا رافضًا لكلّ الحركة الصهيونيّة والنّظام الرأسمالي. إنّه نهجٌ يدّعي الحياد عن كلّ هذه القضايا والمسائل، رغم وجوده تحت المواطنة الإسرائيلية، ويختزل "نضاله" في قضايا مطلبيّة مُفرَغةٌ من جوهرها السياسيّ. ويضع المستوطن وأبناء كهانا في نفس الخانةِ مع من يطالب بالانسحاب من حدود 67، بحجّة أن لا فرق بين يمينٍ ويسارٍ. ولا يفهم شدّة الاستقطاب المبنيّ على أسس طبقيّةٍ، عرقيّةٍ وأيديولوجيّةٍ بين المعسكرين. وهذا أمرٌ لا يخفيه منصور نفسه، فقد صرّح سابقًا أنّه أقرب لليمين. إنّ هدف هذا النهج التخريبيّ هو تسخيف كلّ نضالٍ، وإلغاء كلّ حركةٍ سياسيّةٍ واضحة المعالم، الخطاب والأيديولوجيا، واستبدالها بضحالةٍ سياسيّةٍ، تغرقنا بنقاشٍ حول تفاهاتٍ لا قيمة لها، مظهرًا نفسه بطلاً مغوارًا. الخنوع، الرضوخ للنظام القائم والعيش كطفيليٍّ باحثٍ عن أجرٍ لهذا الخنوع والحياد حتّى يتمكّن من الحفاظ على موقعه داخل النّظام؛ هذه هي مآلات هذا النهجِ، وهذا أيضًا ما يعبّر عنه منصور، والجّاهات الدّاعمة له، وكلّ روّاد كيّ الوعي.

عند الإمعان في الواقع وتاريخ الأحزاب السياسيّة، نستطيع أن نضع ثلاثةَ استنتاجاتٍ:

1. تضخّم دور العامل البشريّ عند العرب في ظروف إسرائيل وتأخّر القوى المنتجة.
2. العكازتان اللّتان يتّكئ عليهما كلّ حزبٍ هما موقفه من القضيّة الوطنيّة والقضيّة الاجتماعيّة ومساهمته ومكانه فيهما. يشهد الحزب صعودًا وهبوطًا وَفق طغيان أحد هاتين القضيّتين وتعاطيه معهما.
3. تحوّل الصّراع السياسيّ إلى صراع أفكارٍ، يعطي للعامل الثقافيّ أهميةً قصوى، تُلزم كلّ حزبٍ أنْ يستثمر بالحدّ الأقصى في امكانيّاته على التأثير على أدوات تشكيل الوعي من إعلامٍ وصحافةٍ ومؤسساتٍ تربويّةٍ والمثقفين الّذي يعبّرون على هذا الحزب وتطلّعاته وما يمثّله من شرائح وفئاتٍ.

لا بدّ من كلمةٍ حول الأحداث الأخيرة الّتي بدأت من حيّ الشّيخ جرّاح، وانتقلت إلى كلّ أرجاء الدّاخل: عظمة هذه الأحداث تكمن في كونها أعادت الأمور إلى نصابها الطبيعيّ، بعد فترةٍ من الجنون والبلبلة، وسحبها البساط من تحت أقدام "النّهج الجديد" بعد انحسار الظّرف الوطنيّ الّذي مهّد الطريق لهذا النهج. الأحداث الأخيرة وحالة الاحتقان القوميّ أيقظت الوعي الجمعيّ للشعب الفلسطينيّ في مختلف أماكن تواجده وذكّرتنا بقضيّتنا الأساسيّة وأنّنا كذلك شعب الجبّارين.

وما بعد أحداث الشيخ جراح والهبة الجماهيرية كان أحدث ما طرأ على السّاحة السياسيّة هو انضمام الموحّدة بقيادة منصور عبّاس الى الائتلاف الحكوميّ الجديد. كتبنا في مراجعتنا للانتخابات أنّ شعار "لا يمين ولا يسار" يعني أنّه أقرب ويُفضّل اليمين، وهذا أمر لا يخفيه منصور نفسه، فله عدّة تصريحاتٍ نكررها توكيدا لما سبق، على سبيل المثال: "على اليمين أن يقرّر أهو يمين جابوتنسكي أم يمين سموطريتش؟" وتصريحٌ آخرٌ، لا أذكره حرفيًّا ولكنّه يفيد الآتي: "أيمن شيوعيٌّ، ولهذا فمن الطبيعيّ أنْ يكون أقرب إلى اليّسار، أنا أقرب لشاس".
"لا يمين ولا يسار" تعني ببساطةٍ أنّ منصور لا يأبه لهُويّة السلطة السياسيّة الحاكمة، وتبيّن استعداده لدعمها شرط أن تضمن بقاءه. هو ومن يمثّلهم من جاهاتٍ ككائناتٍ طفيليّةٍ، بقاؤها مرهونٌ ببقاء النّظام الإسرائيلي والرأسماليّة الإسرائيلية على حالها.

إنّ انضمامه للائتلاف الحكوميّ الجديد، والبنود الّتي اتّفق عليها، والسياق الّذي جاء فيه، والتسريبات توضّح لنا الدافع الطبقيّ للموحّدة.

أخذ منصور لرئاسة اللّجنة الداخليّة، ونشر عميت سيغل، قبل ذلك، طلب منصور من لبيد بعدم التّعاطي مع المشتركة يشي بوضوحٍ أنّ رغبة الموحّدة في أن تصبح الوكيل الحكوميّ لتتفرّد بالمكاسب الماليّة المتأتّيّة من الميزانيّات المقدّمة للمجتمع العربيّ، ولتحظى بنصيبٍ أيضًا في الاستثمارات الفرديّة الّتي تحتاج دعمًا حكوميًّا، وبكلمات الباحث غسان الفوزي: "الأساس هو انهم يفعلون ذلك لاجل مصالح طبقية مالية وتحكمية تعطيهم رتبة مقاول حكومي في قمع الحريات الفردية والسياسية في كل قرية ومدينة فلسطينية بالداخل، وتجعلهم يستفردون بتسلم الميزانيات الحكومية والمكاسب المالية المتأتية عن العمل مع السلطات المحلية، والمكاسب المتأتية من شركات الخصصة الصحية والثقافية، وحتى من مكاسب وارباح مشاريع البزنس الصغير والكبير في كل بلد وبلد للفلسطينيين تحت المواطنة الإسرائيلية". ترغب الموحّدة، بكلماتٍ أخرى، في أن تصبح طبقةً تتحكّم بالمجتمع العربيّ ووسيطًا بين هذا الأخير والحكومة. ناهيك عن اللّجنة الحكوميّة "لجنة شؤون العرب" الّتي أصرّ عليها منصور؛ تريد الموحّدة أن تستمرّ في قمع الحريّات الفرديّة وإشعال حالة التصادم الداخليّ مع المشتركة من جهةٍ، خاصةً الحزب الشيوعيّ والجبهة، وحالة الخنوع والتبعيّة مع السّلطة الإسرائيلية من جهة أخرى. هذه يا سادة عقليّة تحوّل العرب إلى رعايا وليس مواطنين.

تحرّك الحركة الجنوبيّة والموحّدة على السليقة الاخوانيّة أنهى الضبابيّة الفكريّة والسياسيّة الّتي سادت بسبب المشتركة وبات الفوز واضحًا. علينا أن نكون كمان كان الحزب الشيوعيّ؛ معارضين لكلّ النظام الإسرائيلي وراغبين بضراوةٍ في تغييره جذريًّا عن طريق أوسع وحدةٍ كفاحيّةٍ ونضاليّةٍ. إذا أرادت الحركة الجنوبيّة أن تكون "الطّبقة" التّابعة للحكومة، فعلينا أن نكون "الطّبقة" المعادية لكلّ النظام الإسرائيلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سودانيون يقتاتون أوراق الشجر في ظل انتشار الجوع وتفشي الملار


.. شمال إسرائيل.. منطقة خالية من سكانها • فرانس 24 / FRANCE 24




.. جامعة أمريكية ستراجع علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل بعد ا


.. تهديد بعدم السماح برفع العلم التونسي خلال الألعاب الأولمبية




.. استمرار جهود التوصل لاتفاق للهدنة في غزة وسط أجواء إيجابية|