الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في نتائج قمة جنيف

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2021 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


د. جاسم الصفار
22-06-2021
كيف نقرأ نتائج قمة بايدن وبوتن في جنيف؟ هل تم ترشيد العداء بعد فترة من التصعيد الهستيري؟ وهل تم انقاذ العالم من كارثة حرب نووية محتملة، بمجرد الإعلان عن أن الحرب النووية أمر سيء في بيان ختامي صدر عن القمة؟ هل يكفي "وميض" وعد بالعودة لمناقشة موضوع إعادة بناء نظام الامن العالمي لنطمئن على أمن متوازن تعيشه دول العالم كبيرها وصغيرها؟ على أي حال، فالتراجع ولو خطوة واحدة، أو حتى نصف خطوة عن الهاوية التي لا نهاية لها في صراع الفناء النووي هو بالفعل إنجاز هائل في حد ذاته.
لنبدأ بما كان يطمح له كل من الرئيسين. بالنسبة للرئيس جو بايدن، كانت هذه فرصة لإظهار قدرته على الدفاع عن موقعه على المسرح العالمي وتعزيز مكانته في الداخل، كرئيس قوي للولايات المتحدة الامريكية. وبالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين، كانت تلك فرصة لإظهار المكانة المتميزة للدولة الروسية في العالم إضافة الى الكشف عن موهبته كرئيس فذ لدولة عظيمة. كلاهما فاز بتحقيق طموحاته وانجاح مهمة القمة كلقاء يهدف لكسر حالة الجمود في العلاقات الروسية الامريكية.
الصفة الغالبة على نتائج لقاء القمة الروسي الأمريكي هو أنها شكلت تقدما معتدلا في حدود الإمكانيات القائمة. وتعتبر، بهذا المعنى، نجاحًا واقعيا في ظروف وصلت فيها العلاقات الثنائية الروسية الامريكية إلى أدني مستوى لها. فقد تم التوصل إلى بعض التفاهمات والتوقيع على وثيقة واحدة، هي البيان الختامي للقمة. على سبيل المقارنة، كانت نتائج قمة 2018 مع دونالد ترامب بهذا المعنى أكثر تواضعًا، على الرغم من كل التصريحات الرنانة للرئيس الأمريكي السابق.
البيان الموقع بشأن إطلاق حوار شامل حول الاستقرار الاستراتيجي يعني أن أمريكا ما زالت تنظر إلى روسيا كلاعب رئيسي في مجال الأسلحة النووية، ولم يعد من الممكن التغاضي عن هذا الوضع. يجب القيام بشيء ما لم يتم تحديده بعد. ربما سيحدد الطرفان ذلك في سياق مفاوضات أخرى، تحتاجها روسيا وأمريكا، لأنهما يدركان خطر الانزلاق نحو سباق نووي قد يصعب السيطرة عليه.
وحقيقة أن الرئيس الأمريكي قد أشار مرارًا وتكرارًا إلى الولايات المتحدة وروسيا على أنهما "قوتان عظميان" و "دولتان قويتان"، تعني، اعتراف صريح، من قبل الرئيس الأمريكي، بروسيا كقوة عالمية عظمى، وهذا بحد ذاته يعكس تغير واضح في تقييم الدور الروسي. فقبل سبع سنوات فقط وصف باراك أوباما، رئيس بايدن آنذاك، روسيا باستخفاف بأنها "قوة إقليمية".
في الآونة الأخيرة، كثرت تصريحات الصقور والمنظرون، في كلا البلدين، للتخلي عن أي اتفاقات في مجال التسلح النووي، ولم يتورعوا عن الحديث عن الضرر الناجم عن نظام حظر الانتشار النووي وإمكانية أو حتى الرغبة في الاعتراف بالوضع النووي لدول الأمر الواقع التي تمتلك هذه الأسلحة.
يعد تنفيذ هذه المقترحات خطيرًا للغاية بالنسبة للعالم، لأن هذا من شأنه أن يزيد من احتمالية نشوب حرب نووية ويقلل من مكانة أمريكا وروسيا كدولتين رائدتين في مجال ضبط انتشار الأسلحة النووية. كما ان التخلي عن نظام يقيد انتشار الأسلحة النووية، لابد وأن يؤدي الى كوارث دولية. لذا فمما لا شك فيه أن حوارًا جدياً جديدًا حول الاستقرار الاستراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة من شأنه أن يضع محددات وكوابح للطموحات النووية للدول الأخرى.
الاتفاق على عودة السفراء إلى عاصمتي البلدين هو اتفاق رمزي، ويهدف إلى تصفية الأجواء في المجال الدبلوماسي بين البلدين وجعلها أكثر إيجابية بشكل عام. وقد تتبعها قرارات أخرى مماثلة، كزيادة عدد موظفي البعثات الدبلوماسية، وإلغاء تجميد الممتلكات الدبلوماسية، وقضايا التأشيرات، وما شابه ذلك.
الاتفاق على المفاوضات بشأن الأمن السيبراني مثير للاهتمام للغاية. وهو تهديد جديد للطرفين، وقد كانت بشأنه من الجانبين العديد من الاتهامات المتبادلة، لكن لم تكن هناك محادثات بناءة حتى الآن يكون هذا التهديد على جدول أعمالها. وبما أنه تهديد جديد تواجهه البشرية، فيمكن للولايات المتحدة وروسيا أن تصبحا رائدتان في وضع حلول وقواعد تمنع انتشاره. ولكن أمريكا حتى كتابة هذه السطور لم تبدي أي إشارة تدل على اهتمام جدي للتعاون مع روسيا بشأنه.
لابد من الإشارة الى أن تدهور العلاقات الروسية الامريكية هي نتاج سياسة تصعيد ممنهجة اتبعتها الإدارات الامريكية منذ أواسط العقد الأول من القرن الحالي. وقد شهدت هذه العلاقات تدهورا ملحوظا خلال فترة رئاسة ترامب، لذا فان التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق عن إمكانية عقده لاتفاقيات ممتازة مع روسيا، تبقى فارغة ومتناغمة مع تصريحات أخرى كثيرة، تنتقد بشدة إدارة بايدن لضعفها تجاه روسيا.
وعلى الرغم من سلطة الرئيس الأمريكي والأغلبية الديمقراطية في مجلسي الكونجرس، فإن هذا النقد قد يؤدي إلى تعديل في موقفه، تمامًا كما أدى النقد السابق من المعارضين لترامب إلى تغيير في العديد من خطط ترامب الأصلية. ولطالما تؤمن النخب في كل من الولايات المتحدة وأوروبا إيمانًا راسخًا بتفردها وعلو شأنها فإنها ستعتبر أن النجاح في أي مفاوضات لم يتحقق إلا إذا كان استسلاما غير مشروطا من قبل الخصم أو على الأقل عند تقديمه لتنازلات جادة.
بالإضافة إلى ذلك، ليس من المعروف كيف يمكن تحقيق "مبدأ بايدن" للضغط والتعاون المتزامنين، خاصة وأن هذا النهج يتطلب بعض التكتيكات الدقيقة جدًا. فان مال قليلا نحو الضغط يمكنه أن يثني الطرف الاخر عن التعاون، وعلى العكس من ذلك، فإن الميل نحو التعاون سيولد انتقادات قوية من الداخل، تتهمه بالضعف تجاه الخصم. هناك اغنية عراقية تقول كلماتها "يا شاتل العودين... خضَر فرد عود..."، واستذكارها هنا للإشارة الى أن الرئيس بايدن سوف لا يجني من مبدئه المذكور، إن تسنى له أن يجني شيء ما، سوى نتيجة واحدة، قد لا تكون هي المبتغاة.
تواجه روسيا وأمريكا نفس التحدي، وهو تكييف الرغبات والقدرات مع ظروف العالم الجديد. وتقع أمام كل من موسكو وواشنطن مهمة فهم ما هو ممكن وما هو غير مناسب لهما في عالم متغير بشكل كبير ومستمر في تغييره. لم تكن القمة في جنيف انفراجه، لكن لا يزال من الممكن اعتبارها مشجعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تبدع في تجهيز أكلة مقلقل اللحم السعودي


.. حفل زفاف لمؤثرة عراقية في القصر العباسي يثير الجدل بين العرا




.. نتنياهو و-الفخ الأميركي- في صفقة الهدنة..


.. نووي إيران إلى الواجهة.. فهل اقتربت من امتلاك القنبلة النووي




.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب نتنياهو أركان حكومته المتطرف