الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عواقب كارثية لثورة الإتصالات على عمليات اندماج المهاجرين

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

2021 / 6 / 24
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


مرة أخرى تتأكد الحقيقة العلمية القأئلة ان لكل تطور إيجابي جوانب سلبية، فالثورة الهائلة في مجال الإتصالات التي بدأت أوائل تسعينات القرن الماضي وقربت أرجاء العالم من بعضها، كان لها انعكاسا كارثيا على عملية إندماج المهاجرين من البلدان ذات الأكثرية الإسلامية الى أوربا.

قبل ذلك كان مهاجرو هذه البلدان يعانون كثيرا من الغربة وصعوبات الإتصال بالأهل والأصحاب في الوطن الأم، لكنهم وبمرور الأيام يتأقلمون مع المحيط الإجتماعي في البلد الجديد، ويندمجون به تدريجيا، عبر فترات زمنية متباينة.

وهكذا تمكن المهاجرون من بلاد الشام في القرن التاسع عشر الى بلدان القارتين الأمريكيتين من الإندماج فيها، حتى تمكن أبناء الأجيال اللاحقة من الوصول الى أعلى المواقع السياسية والإجتماعية والأقتصادية، بما فيها رئاسة الجمهورية، كما حدث لكارلوس منعم، وعبدالله كروم وغيرهما. لم يكن ثمة من مجال أمام المهاجر وعائلته سوى الإندماج، الذي يعود بالنفع عليه وعلى المجتمع الذي احتضنه.

لكن الثورة في مجال الإتصالات التي تزامنت، وللأسف، مع ما يعرف ب "الصحوة الأسلامية" في البلدان العربية، خلقت حالة جديدة، جعلت المهاجر يعيش فيزياويا في بلد المهجرمع بقائه ذهنيا وقيميا وفكريا في البلد الأم. وصارت أوسع أوساط المهاجرين في هذه الحقبة تسعى الى فرض شروطها على المجتمع الجديد بدلا من محاولة التكيف معه. مكرسة عزلتها عنه في حال فشل المجتمع في الإستجابة لمتطلباتها.

وعوضاً عن محاولة فهم أوضاع المجتمع الجديد والتفاعل مع متطلباته، إنغمر المهاجر الجديد في قضايا الصراع في بلده الأم، تلك القضايا التي ربما كانت سببا في أضطراره الى مغادرة بلاده، والبحث عن الأمان والحياة الكريمة في بلدان أخرى. وبمتابعة بسيطة لما ينشر في وسائط التواصل الإجتماعي باللغة العربية، سنجد أن إغلبها أبعد ما يكون عن السعي الى المعرفة، وليس غايته الحوار والمقارنة والتقارب أو التفاهم، بل هو أقرب ما يكون إلى النشاط الدعوي ـ التبشيري لما يحمله الشخص من قيم وأفكار وأنحيازات دينية ـ طائفية، أو قومية ـ عشائرية أو إيديولوجية ـسياسية، أونشاط تحريضي ضد التوجهات المضادة. أما الحوارات البناءة المثمرة، فهي بالغة الندرة، وريما يصعب العثور عليها دون مجهر فائق الحساسية.

وصار المهاجر يكرس جل جهده السياسي الأجتماعي الأقتصادي الفكري للصراعات الدائرة في البلد الأم، وينشط على نحو غير مسبوق في تلك الصراعات، مستخدما وسائط التواصل المتطورة، لتغليب هذا الطرف أو ذاك، هذه الطائفة أو تلك، في الصراع ضد مواطنيه الذين وضعهم في قائمة الأعداء. ووصل الأمر في حالات غير قليلة، الى السفر الى بلدان الصراع للمشاركة الشخصية فيه، بعد ان وفرت له ذلك وسائل الإتصال الحديثة.

بدلا من الإهتمام باستجلاء سبل معرفة المجتمع الجديد عبر التعرف على تأريخه وثقافته وشفراته الاجتماعية، والسعي الى تبديد مكامن الغموض وسوء الفهم الناجم عن الفجوة الحضارية بين مجتمع المهاجر ومجتمع المهجر، أسرت وسائط التواصل الاجتماعي المهاجر الجديد، في قوقعة الصراعات التي حولت مجتمعه الأول الى جحيم، وأبقته متابعا لا يكل للمحطات التلفزيونية، والمواقع الألكترونية بلغته الأم، من بلده الأم، ووفروت له الصحف والمجلات وحتى الكتب بذات اللغة وذات الأفكار. وبهذا لم يعد الأرث التاريخي فقط، هو العائق الكبير أمام إندماجه في المجتمع الجديد، بل أصبحت وسائط الإتصال عائقاً اكبر يعزله كليا أو جزئيا عن مجتمع المهجر، وهو يشكو صبح مساء من تهميش حقيقي أو متخيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا