الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب المتلفزة والإدمان

أحمد زكارنه

2006 / 8 / 9
الصحافة والاعلام


تكنولوجيا الإعلام الفضائي التي شكلت منذ ظهورها قفزة نوعية على صعيد التأثير المباشر في الحياة الثقافية للشعوب، وبصرف النظر عن ما هية المواد المقدمة والتى يروق للبعض وصفها ب" الثقافة المتلفزه، ارتقت إلى ناصية التثقيف والتوعية في العقدين الأخيرين، خاصة مع تراجع الحضور المعرفي المقروء عبر غياب الكتاب الصديق الوفي للانسان في عقود خلت، ما ساهم بشكل أو بآخر في انقاذ الشباب العربي التائه بصفة خاصة على الصعيد السياسي، من براثن تغييب الوعي لصالح السطحية والإنحدار بعيداً في وادي الرذيلة والمخدرات وما الى ذلك من تشييع الفكر العربي والاسلامي على حد سواء.
هذا الشكل الإعلامي المميز وبالرغم من إيجابياته المتعددة على الصعيد السياسي التوعوي وهو الهدف هنا، له سلبياته المتمثلة في عوامل الانتعاش اللحظي، والتفريغ الذاتي، وبالتالي التخدير الذي عادة ما يتأتي عملياً بتأميم أو تجميد الفعل الجماهيري بعد إفراغه من محتواه، أو إن صحت التسمية " تنفيسه".
والتخدير الفكري هنا هو رديف للإدمان الذي يعرف على أنه المادة النباتية أو الكيميائية المخدرة التى يؤدي تعاطيها إلى تغيير وظيفي في حالة الانسان المزاجية والجسدية في آن، حيث تصيب الشخص بالفتور والخمول فتشل نشاطه وتغطي عقله.
في حين أن اللحظات الحاسمة في تاريخ الشعوب، "وجراء فعل القمع القابع منذ عصور في دهاليز النظام العربي الحاكم"، عادة ما تدفع هذه الشعوب نحو من يأخذ بيدها على الصعيد السياسي.. والمنابر الاعلامية الفضائية اليوم هي من تلعب هذا الدور، حيث أصبح النزوع إليها هو بمثابة المنفذ الوحيد للاطلاع على حقائق الامور ومواكبة الاحداث لحظة بلحظة، وكأنها تمر في مسلسل مرئي ابطاله يلعبون ادوارهم باتقان فائق على الهواء مباشرة.. الا أن تكرار المتابعة للخبر ذاته "ربما لاهمية الحدث" يؤدي بشكل أو بآخر وبطريقة لا إرادية الى حالة من ادمان مشاهد القتل والتدمير والهدم والدمار ذات العلاقة الوثيقة بآدمية الانسان على سطح المعمورة.
فهذه المشاهد تؤدي إلى تأجيج المشاعر بشكل لحظي ينتهى بانتهاء رد الفعل الكامن صراخاً وعويلاً، ليحدث تلقائياً ما سميناه ب " التفريغ الذاتي " للشحنات المخزنة منذ دقائق أو ساعات أو أيام، وهو ما ينتج بدوره حالة من الإدمان اللا إرادي على مؤثرات وتأثيرات الحدث " المشهد " وبالتالى التعاطي معه بشئ من الروتينية القاتلة، عوضاً عن التجاذب الفعلي المؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر.
الجماهير الغاضبة وبدلا من انتهاجها فعلا مقاوما كل في مجاله ومكانه إلى جانب فعلها التظاهري، وقعت في شرك الإدمان الروتيني للحدث بكل تفصيلاته ومشاهده اللا إنسانية، وهنا ربما يقول قائل إن تكرار هذه المشاهد له آثار تراكمية تتأتى بالفعل العملي على أرض الواقع ولو بعد حين، وذلك جائز، لكنه يتطلب مداً زمنياً طويلاً، في عالم يموج كل لحظة بالاحداث السياسية، مما قد يصبح فيه الاصدقاء أعداء، والاعداء وبين ليلة وضحاها أصدقاء، ولو بفعل دراماتيكي فريد من نوعه على شاكلة الاتفاقيات العربية الاسرائيلية المنتقصة من الحقوق العربية، مما لا يحل لب المشاكل الحقيقية على أرض الواقع.
أنا هنا لا أطالب بوقف مواكبة الحدث إعلامياً، ولكنني أشير إلى ضرورة الاهتمام بالكيف لا بالكم، ما يعني توزيع متابعة الحدث على مدار اليوم بشكل أساس، وكلما جد جديد عبر الفواصل العاجلة، لا تغطية مستمرة في موجة مفتوحة طوال اليوم.
فالإعلام بما يمثله من أداة معرفية لها قيمتها وتأثيرها، يجب إدارته بحكمة وذكاء مهني بما يخدم بالدرجة الأولى الشريحة المستهدفة " الجماهير" في قضاياهم ومصالحهم العليا، فيؤثر أكثر مما يتأثر، إذ أن التكرار في الفعل ورد الفعل وبنفس المنهج ما بين فترة وأخرى هو ما يؤكد نظرية الإدمان، وهو أيضا ما أثبتته التجارب والأحداث منذ انتشار تكنولوجيا الإعلام الفضائي مطلع التسعينيات وصولاً لما تشهده المنطقة والعالم أجمع هذه الأيام من أحداث دامية ما كانت لتمر مرور الكرام على الشعوب لولا الإدمان المتلفز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف