الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مختارات الشاعر الفلسطيني يوسف عبد العزيز: -صامت وفي رأسه شلال موسيقى-: نار الحب والشعر في مهب زهر الزمان والمكان

المثنى الشيخ عطية
شاعر وروائي

(Almothanna Alchekh Atiah)

2021 / 6 / 27
الادب والفن


كما لو كانت وتكون قصيدةً جديدةً، ينسجُ "ذئب الأربعين" بمخالبه الذهبية عطرَ "قناع الوردة"، ناراً على "دفاتر الغيم"، ويختمُها حصاناً قتيلاً في أوج نبيذ كرنفاله، ليرشقَ صدور عشاق الشعر بسهام زهرها القاتل للاعتياد، وليعيد لهم ألقَ زورق رامبو الثمل من تجواله في فصل الجحيم، "نحو أفق أسود أبداً، هناك، حيث يرتعش بحر الزمرد"، في غابة الرمزية، ويرسم لهم خطوطَ جوارير امرأة سلفادور دالي العابقة بأشواك أسرار السوريالية، ويلقيهم في أمواج الحداثة وما بعدها، قبل أن يُحمّل أكتافهم بصخرة سيزيف، ويجعَلهم يسيرون على درب جلجلة ألبير كامو، وهو يطرح على إلهه الذي خلقه على صورته، سؤاله المرعب عن لا جدوى الكفاح، أو العقاب، أو الشعر، في ظلّ أجنحة أمّ الأسئلة: من أين أتينا، وإلى أين نمضي؟:
"ها وصلنا معاً لجدار الجنونِ،/ خلعنا شبابيكَ أجسادِنا،/ وقفزنا إلى الشارع العامِّ،/ ضاقت بنا الحافلاتُ/ وضاقت بنا/ الرغباتُ/ وضاقَ النَّشيدْ/ ضاقَتْ بنا حلقاتُ القيودْ/ أين نمضي إذن؟. ولمن سوف نلقي بأقمارنا اليابسةْ؟/ قبلَ هذا الصباحِ الجليديِّ/ كنا على طرقِ المدرسةْ/ عابثينَ بدمعِ الطفولةِ/ نلقي بتفّاح أضلاعِنا للبناتْ/ وكنّا نربّي فراخَ القصائدِ/ في القفصِ الحلميِّ/ ونبني سلالمَ للياسمينْ/ أين نمضي إذن؟ أيَّ قلب سنعبُدُهُ/ أيَّ غيمٍ سندخُلُهُ/ حاملينْ/ سلَّةَ الأغنيات لنفرطَ عنه المطرْ؟".
الشاعر الفلسطيني المنبت، الأردني الجنسية، العالمي الشعر، يوسف عبد العزيز، يخلق تداخله وتفاعله الصاهر الخاص به، للحب والشعر والحياة في جريان الزمكان، من خلال تقديمه مختارات شعريةً مجموعةً من ثلاثة دواوين شعر هي: "ذئب الأربعين" 2009، "قناع الوردة" 2008، و"دفاتر الغيم" 1989، وتضم، كباقةِ نار وثلج تفوح بالجلّنار، ثماني وستين قصيدةً، تحت عنوانٍ يوحي بها، وتفيض عنه بطبيعة انفلاتها عن قيد العناوين هو: "صامت وفي رأسه شلال موسيقى".
في طيّ أجنحة كتاب هذا الصامت، تصدح القصائد المختارة، وتبدو كما لو أنها اختيرت لتشكّل وحدةً سيمفونيةً في غابة تنوع قصيدة التفعيلة المهيمنة كلياً بجدارة تماسكها على المجموعة، والواثقة من وضعها حقل أشجارٍ من قصيدة النثر تحت شلال ضوءٍ فاتن يدلّ عليها، ويشير إلى أنها ابنتها التي تُكملها في تغيّرات الزمن، وشغف الحرية. ولم تبتعد البنت في الحقيقة عن طلوعها الباسق المختال بظلال الأم.
قصيدة تفعيلة يوسف عبد العزيز، لا تُخفي كونها ذئبةً مخلصةً لأب يعرف أنه أحد ذئاب الشعر، ويعتزّ بذلك من خلال تمجيده الشعر والشعراء من أمثال رامبو الذي أخذ منه عنوان ولون زورقه الثمل، وطاهر رياض الذي رثاه بعذوبة "فتوحات" الشعر الماجنة:
مثل ذئبٍ مريضٍ بأحلامهِ/ استندتَ على خشبِ البارِ/ هيّأتَ سيجارتينِ/ وكأسينِ/ ناديتَ (ساسيلَ) ذاتَ الفمِ النوويِّ/ وقلت: مزيداً من الجِعَة الوطنيةِ/ في هذهِ الليلة الخائنةْ/ كانت الارض نائمةً/ في سرير الدُّخانْ/ زنبقاً عارياً/ ومياهاً من الفضَّةِ الفاتنةْ/ كانَ صمتُ المكانْ/ قميصاً خفيفاً تهبُّ عليهِ الرياحُ/ فتلقيهِ في اللامكانْ/ كنتُ أتلو نشيدي على قمَّةٍ/ في الفراغِ المحيطِ/ وكنتَ على دكَّةِ الخمرِ مبتهجاً/ بفتوحاتِكَ الماجِنة".
وذئبة الشعر تلك التي يعرف شعراء التفعيلة مدى استعصائها عندما تمنح نفسها لهم بتلك البساطة على سرير "فعْلن" و "فَعولن"، لا تخذل شاعرها الحق بقدرة "جميلة الشاعر كيتس"، التي لا تعرف الرحمة في جزّها رؤوس الفرسان الذين تضرّعوا للوصول إليها، فعبد العزيز في تعامله مع المرأة كخالق لها ومخلوق منها يعرف بأصابع بيجماليون كيف يعيش حيرته فيها، وكيف يعاملها كآلهة:
"من مقصورتكِ النّائية/ المرفوعةِ بحجارةِ الشّمس/ تلوِّحين بيدكِ/ فيحدثُ في الكونِ ما يشبه/ القيامةَ الصّغيرة/: الجبلُ يتبدَّدُ وينحلّ/ مثل غيمة/ الحجرُ يتنفَّسُ ويخضرّ/ والينابيعُ تفزُّ بجدائلها المائيّة/ وتشرد حتى أقاصي الصّحراء/ أين أنتِ؟/ دلّينا على مكمنِكِ/ لنذبحَ لكِ وعلَ الشّعر/ ونولمَ القصائد".
ويعرف عبد العزيز كذلك كيف يكون طفل سيدة الملكوت تلك التي تضع حيّة حواء رمزاً لخلودها، "على كتف القدس"، في الحنين الذي يرجّ الضلوع:
"غير أنّ الصَّبيَّ/ وقد تعبت قدماه من اللعب/ اندسَّ تحتَ اللحافِ/ وصار يراقب عينَ السِّياجِ/ الضَّريرةَ وهي تنوسُ/ فيبصر أجنحةً لخفافيشَ هائلةٍ/ تعبرُ البيتَ/ أغمضَ عينيهِ حتى ينامَ/ ولكنّه حينما سمع الأمَّ/ وهي تحادث روح الظّلامِ/ أفاق من النَّومِ/ بين الخيالِ وبين الحقيقةِ/ شاهدَ أفعى ممدّةً/ وهي تُنصتُ للأمِّ/ (نام الجميع فنامي/ ارجعي يا مباركةً نحو ركنكِ/ في السّقف).".
في شلّال موسيقى الصامت، لا يسع القراءة للنهر الذي يجري من الشلّال سوى إيقاف ما يمكن لليد أن تغرف مما تتوهّم، وهي مدركة لذلك، أنه البحر الذي ستذهب إليه مياه الشلّال؛ فتشير إلى: ما يجمع بين أسماك هذه المياه أولاً من ألوان تداخل المكان، حيث لم يأت عبثاً افتتاح المختارات بـ "بنوراما البيت"، الذي تمرّ عبره الأمكنة مثل مدينة حيفا "الجميلة بين النساء والمدن" بإهدائها المختارات، ومدينة القدس التي يرتاح على كتفها الحنين، ومقهى الكناري في عّمان بقصيدتين: "الكناري" و "وعول داجنة"، من ديوان "ذئب الأربعين"، ومقهى النورس في إربد بقصيدة "خطوط" من ديوان "دفاتر الغيم".
وتتفاعل في هذا التداخل الأمكنةُ مع كائناتها، والزمن الذي يجري ليشير إلى مراحل الانتقال من شغف وحيوية الشباب إلى هدوء وحكمة الكهولة، وإلى استعادة طفولة الشاعر التي تحتل مكانتها الكبيرة المؤثرة في المختارات، مفصحةً عن تشكلها من الأمومة الكونية المقدّسة بتعاملها مع رموز ألوهتها، مثل حيّتها المباركة بأمر الأم في قصيدة "على كتف القدس" كما أسلفنا، ومفصحةً بهذا التشكّل عن خطوط سير حياة الشاعر في تعامله مع المرأة التي تتجلى كما لو كانت ليليث: حبيبةً ومعشوقةً وآلهةً مقدسةً وملعونةً وقاتلة. بالإضافة إلى إفصاح هذه الطفولة عن تشكّلها كذلك من ضياع الابن "يوسف" عن أبيه الذي مازال يبحث عنه، في ظلال بئر موت الحصان المعبّر عن أفول مجد الأجداد.
ويرتقي التداخل الزمكاني هذا إلى انتزاع المكان من زمنه الآني الجارف كل ما يجري إلى الزوال، وتثبيته في زمن الأبد، بتفاعله مع الشعر والقصيدة التي تنساب وتتدفق وتهطل وتموج وتطير وتزقزق وتصهل وترعد وتزلزل كما الطبيعة، وكما المرأة في لغة عبد العزيز التي لا تكتفي بمفردات الطبيعة، بل ترتدي جوهر مكنوناتها، للتعبير عن الشغف والحياة والحب والوقوف في منتصف المفارقات، والتساؤل عن المصير، والأفول، والانبعاث.
وفي هذه اللغة، يعيش قارئ مختارات الصامت عذوبةَ ومتعة تراكيب الكتابة الآلية السوريالية، المجنّحة بخصوصية الشاعر، وإيقاع موسيقاه التي تأتي فيها كلمة التقفية حرةً من ضرورات القيد التي تأسر شعراء تفعيلة كثر، وتدفعهم للإنشاء الفارغ. كما تأتي غنيةً وتضيف أبعاداً جديدة للقصيدة بتراكب المجازات. إضافة إلى مجيئها مندّاةً بالثقافة المختبئة تارةً في ظلال القصيدة، ولامعةً تارةً في أضواء شمسها؛ وأكثر من ذلك تأتي مشدودةً بشغف أسلاك حرير المتضادات التي تأسر الروح.
في شلّال موسيقى الصامت، وبما حفنت يدُها من مياه قليلةٍ، لا يسعُ القراءةَ ختاماً سوى الصمت للتمتّع بالصور والمجازات والتراكيب في القصائد الفاتنة بخصوصيتها، وفي بعض القصائد التي تسير بثقة على صراط الشاعر الآسر محمود درويش، وتخرج من أسره مختالةً بخصوصيتها وبما تستحق من رفعٍ لقبّعة الإعجاب والاحترام.
يوسف عبد العزيز، شاعر وكاتب فلسطيني أردني، مقيم في عمّان، ولد في بيت عنان/ القدس 1956، وحصل على شهادة الليسانس في (الأدب العربي)، وعلى دبلوم التربية. أصدر ثماني مجموعات شعرية هي: "الخروج من مدينة الرماد" عن وزارة الثقافة والإعلام العراقية في بغداد 1980. "حيفا تطير إلى الشقيف" عن رابطة الكتاب الأردنيين في عمان 1983. "نشيد الحجر"، عن دار المهد للنشر والتوزيع في عمان 1984 ."وطن في المخيم"، عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق 1988 ."دفاتر الغيم"، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت 1989. "قناع الوردة"، عن وزارة الثّقافة الأردنية في عمّان 2008. و"ذئب الأربعين"، عن المؤسّسة العربية للدّراسات والنّشر في بيروت 2009. وقد طبع مجلّد الأعمال الشعرية، تحت عنوان (الأعمال الشعرية النّاجزة)، الذي ضمّ سبع مجموعات شعرية، عن بيت الشعر الفلسطيني، ووزارة الثقافة الفلسطينية، في رام الله 2013.
يوسف عبد العزيز: "صامت وفي رأسه شلال موسيقى"
دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع: الأردن، عمان، 2021
200 صفحة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح