الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلْأَبَاْلِسَة ..!

فيصل عوض حسن

2021 / 6 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


بِبُرُودٍ استثنائِي، طَرَحَ حمدوك ما أسماه بـ(مُبادرة) إصلاح القطاع العسكري/الأمني، ومُعالجة (الأزمة) السياسِيَّة بين العَسْكَر والمدنيين، و(استكمال) ما تَبقَّى من مسار السَّلام (حسب زعمه)، وتحقيق العدالة والتَوَافُق على خِطَّة اقتصاديَّة. في المُقابل، دعا البُرهان لـ(وحدة) المنظومة الأمنيَّة، التي وصفها بالمُتماسكة والمُنسجمة، وقال بأنَّ القُوَّات المُسلَّحة و(مليشيات) الجنجويد يعملون لحماية السُّودان من التفكيك السُّودان. في ما دعا (المُرتزق) حِمِيْدْتِي لتحصين مليشياته الجنجويديَّة والقُوَّات المُسلَّحة، مما وصفه بـ(الأغراض الضارَّة)، مُؤكِّداً تَبعِيَّة مليشياته لِما أسماه القائد العام والتزامهم بأوامره.
بعد سنتين من العَمَالَةِ والعَبَثِ والتخريب، يُخاطبنا حمدوك (بلا حياء)، عَن تحديَّات التَحَوُّل الديمقراطي، وتَراجُعِ الاقتصاد، و(غياب) العدالة و(استشراء) الفساد، و(تهديدات) السيادة الوطنيَّة، واستكمال السلام والترتيبات الأمنيَّة، وتَعَدُّد مراكز القرار و(تضارُبها)، و(تَعثُّر) إزالة التمكين وبناء المُؤسَّسات، و(صراع) العَسْكَر والجنجويد و(خلافاتهم) مع المدنيين، وغيرها من المُهدِّدات. لكنني لم أتفاجأ من هذا (الحمدوك) منزوع الحياء، فلطالما حَذَّرت (باكراً) من سعيه لتدمير ما تَبَقَّى من السُّودان، ثُمَّ (اختفائه)، عقب إكمال دوره/مُهمَّته دون أي سُقُوف أخلاقِيَّة أو إنسانِيَّة. وهو بـ(تمثيليته) التي أسماها (مُبادرة)، يُحاول التَدثُّر بثوب (المَلَاك) المُنقذ، ويرمي للتبرُّؤ من القاع الذي أوصلنا إليه، وساهم في صناعته من العدم، وهذا يتطابق مع شخصيَّة/طبيعة حمدوك (البراغماتِيَّة) تبعاً لإقراره (صوت وصورة)!
ففي أوَّل تصريحاته المُوثَّقة، عقب إعلانه رئيساً للوُزراء، (التزم) حمدوك بمُعالجةِ التَرَهُّلِ الإداري واعتماد (الكفاءة) معياراً للاسْتِوْزَار، وتحقيق التَوَازُن (الاسْتِوْزَاري) بين مناطق/أقاليم السُّودان، وتعزيز الشفافِيَّة ومُحاربة الفساد، وبناء دولة القانون والعدالة، وإصلاح/تحسين الخدمة المَدَنِيَّة، والاقتصاد القائم على الإنتاج وليس القروض/الودائع والهِبَات، وعدم تصدير (المواد الخام)، وكان بمقدوره تنفيذ جميع هذه الالتزامات، لكنه لم يُنفِّذ أياً منها (مُتعمِّداً)، بل أضاف إليها تعقيدات/تهديدات (وُجُودِيَّة) من العدم! فالجهاز الإداري كان وما يزال مُتضخِّماً، وقراراته/اختصاصاته مُتضاربة، ويتعارض مع ما قِيلَ عن خبرة/بَرَاعَة حمدوك في إدارة الموارد والإصلاح الإداري والحوكمة، كما يتعارض مع حديثه عن تحسين/ترقية الخدمة المدنِيَّة! ولم يلتزم حمدوك بـ(الكفاءة) في غالِبِيَّة اختياراته للوُزراء، ولم يُحقِّق التَوازُن (الاسْتِوْزاري) بين المناطِق/الأقاليم، رغم ثراء أقاليمنا بالكفاءات/التَخَصُّصات في مُختلف المجالات، وكثيرون منهم عَرَضوا خدماتهم على حمدوك وقحتييه و(دون مُقابل)، لكنَّ حمدوك حَرَمنا من (الكفاءات) الحقيقيَّة، وأشعل الصراعات الجَهَوِيَّة/المناطِقِيَّة أكثر مما كانت عليه!
رغم قناعتي الرَّاسخة بأنَّ الأزمات الاقتصاديَّة (مُتجّذِّرة)، لكنها تَزَايدت وبلغت الآن أوضاعاً حَرِجَة، نتيجة لغياب الصدق/التَجَرُّد، والتَخَبُّطِ الطَّاغي على مُمارسات الحاكمين. فحمدوك التزم (من تلقاء نفسه)، ببناء اقتصاد إنتاجي بعيداً عن القروض/الهِبَات، لكنه (تَرَاجَعَ) بعد يومين فقط، حينما أفصح عن حاجته لـ10 مليارات دولار (مُساعدات خارجِيَّة)! ثُمَّ إعلانه (المُفاجئ)، عن مُحادثاته مع صندوق النقد والبنك الدَوْلِيَيْن، ومع ما وصفها بالدول الصديقة (بشأن المُساعدات)، واستمرَّت أكاذيبه حتَّى الآن! وبعبارةٍ أوضح، فإنَّ حمدوك ومُعاونيه يتحمَّلون المسئولِيَّة الأعظم عن التدهور الاقتصادِي الماثل، إذ لم نَرَ لهم استراتيجيَّة/رُؤية وخطط رصينة للمُعالجة، وإنَّما أكاذيب وتضليلات، وتَجاهُل (مُتعمَّد) لجميع الاستراتيجيات والخطط الاقتصادِيَّة/التنمويَّة التي (بادر) البعض بإعدادها، ومن بينهم شخصي وآخرين، بما يُؤكِّد (إصراره) على التخريب/التدمير!
حمدوك لم يستغل علاقاته الدولِيَّة/الإقليميَّة (المزعومة)، لاسترداد الأموال المنهوبة، رغم التنبيهات والنداءات المُتوالية، باعتبارها الحل الأمثل لتجاوُز مَطبَّات الاقتصاد المُـتزايدة، لكنه رَكَّز فقط على إغراقنا في المزيد من الديون، والاستناد لفرضيات مجهولة (خارج السيطرة)، على نحو اعتماده ووزير ماليته البدوي لمُوازنة 2020، دون مُراجعة حسابات عام 2019، استناداً لـ(تبرُّعات) مُؤتمر المانحين الذي لم يقُم وقتها بسبب كورونا، وتلك كارثة (مُخجلة/مُخزية) لم يسبقهم عليها أحد، ولم نألفها في الأدبيات الاقتصادِيَّة/الإدارِيَّة ولا في تجارُب الدول! وتَجاهَلَ حمدوك مطابع العُملة وتركها بيد المُتأسلمين وأزلامهم (حتَّى الآن)، مما سَهَّلَ عليهم التهام العُملات الأجنبِيَّة من السُّوق (على قِلَّتها)، وبالتالي ارتفاع نِسَب التضخُّم تبعاً للطباعة غير المُقَنَّنة/المحسوبة للجنيه، كما (تجاهل) سيطرة العَسْكَر على عددٍ من الأنشطة/المُؤسَّسات الإنتاجِيَّة المُؤثرة وإخفاء معلوماتها، بل ساعدهم في نهب مُقدَّراتنا، كفضيحة شركة الفاخر التي تَمَّت برعاية حمدوك وزير ماليته (البدوي)، وجميعها حقائق عشناها وساهمت في تعميق الأزمة الاقتصاديَّة!
الحديث عن القانون والعدالة، فيفضحه (تَجاهُلَ) حمدوك التام لإعادة المفصولين بفِرْيَة الصَّالح العام، رغم النداءات الباكرة التي وَجَّهناها له بشأن فوائد ذلك، فمن جهة سيكون تطبيقاً عملياً لمضامين العدالة، ومن جهةٍ ثانية استعادة الخدمة المدنِيَّة لعافيتها، ومن جهةٍ ثالثة تحجيم/إضعافٌ ما يُسمَّى (دولة عميقة). والحاجة كانت وما زالت مُتزايدة لإرجاع المفصولين، خاصَّةً الجيش والشرطة، فبعودتهم كانوا سيحمون حمدوك نفسه، ومن ثُمَّ الثورة وأهدافها وآمالها. لكنَّ حمدوك تلكَّأ وتَهَرَّبَ من هذا المَطْلَب، وتَرَاخَى في مُحاسبة/مُحاكمة المُتأسلمين، بدءاً بالبشير الذي حُوْكِمَ بتُهمة حيازة النقد الأجنبي، وتقاضي أموال بشكلٍ غير رسمي، وهي تُهَمٌ تافهة، مُقارنةً بجرائمه البشعة. حتَّى لجنة تحقيق مجزرة القيادة، فَشَلتَ ولم تَخْطُو خطوة إيجابِيَّة واحدة حتَّى الآن، مع استمرار/استخدام العُنف ضد المُواطنين، في أكثر من مكانٍ بالسُّودان!
بالنسبة لما يُسمَّى اتفاقات سلام، فهي عبارة عن مسرحِيَّة من مسرحيات عَبَث/عَمالَة حمدوك وقحتيّيه، بالاشتراك مع العَسْكَر وجماعة (الهبوط النَّاعِم) أو القحتيين أو نداء السُّودان أو الجبهة الثوريَّة، فهذه جميعها أسماء لحاضنةٍ واحدة، تحتوي (شُلَّة) من الانتهازيين وتُجَّار الحرب الممزوجين بـ(المُجنَّسين/الأغراب). وغالِبِيَّة السُّودانيين، يرفضون هذا (العَبَث) لأنَّ ثورتنا ثورة وعي بالحقوق، وترفض التَحَالُفات الانتهازِيَّة/الطُفَيليَّة المُتدثِّرة بقضايا الوطن ، ومن ضمنها السَّلام الذي حصروه في المنافع المالِيَّة والسُلطَوِيَّة (الجِهَوِيَّة/الطَّائفِيَّة)، وتكرار الإخفاقات والتجارُب الفاشلة، والأخطر من ذلك (تعزيز/ترسيخ) التَدَخُّلات الخارجِيَّة ، وتحجيم انطلاقنا نحو إعادة تأهيل السُّودان وبناءه. فإيقاف الحرب/الصِّراعات وتحقيق السَّلام المُستدام، غاياتٌ نبيلةٌ لا تتحقَّق عبر المُجرم البُرهان والمُرتزق حِمِيْدْتِي وأزلامهم (المُجنَّسين)، ولا بالمَطالِب (الانتحارِيَّة) كتقرير المصير والحكم الذاتي وغيرها، وإنَّما بالإدارة العِلميَّة الرصينة، وتقويم المفاهيم المُشَوَّهة، وتجاوُز الفتن المصنوعة وإزالة المظالم والمَرارَات/الغبائن لأصحاب (الوَجْعَة)، وإشباع رغباتهم (المشروعة) في القصاص من الظَلَمَة، وعدم الاستكانة والرُضوخ لإملاءات وأكاذيب العالم الخارجي، وهذا ما تجاهله حمدوك وقحتيُّوه مع سبق الإصرار.
حمدوك آخر من يتحدَّث عن السيادة الوطنِيَّة، لأنَّ جميع مُمارساته في مُختلف المجالات/الأصعدة تتقاطع تماماً مع مفهوم السيادة، ويكفي الاستدلال بخطابه الكارثي الذي طَالَب فيه الأُمم المُتَّحدة بـ(الوِصاية) على السُّودان، وسَلَّمَ مجلس الأمن إدارة وتنظيم جميع شئوننا (الدَّاخِليَّة/الخارجِيَّة)، وجعله رقيباً وحسيباً عبر بعثاته/عملائه بطول البلد وعرضها، وفق ما أوضحتُ في مقالتي (مَتَى يَنْتَبْهْ اَلْسُّوْدَانِيُّون لِعَمَالَةِ حَمدوك) بتاريخ 20 فبراير 2020. مع مُلاحظة أنَّ حمدوك امتنع عن كتابة ورقتين فقط (من عِدَّة أسطر) للأمم المُتَّحدة أو مجلس الأمن، بشأن الاحتلالين المصري والإثيوبي لأراضينا، أو المُطالبة ببني شنقول درءاً لمُهدِّدات سد النَّهضة (الوُجوُدِيَّة) للسُّودان! والسيادة الوطنِيَّة ذبحها حمدوك حينما (نَسَّقَ) مع العَسْكَر لتعزيز سيطرة المُجنَّسين، قبل أو بعد اتفاقيات جوبا الكارثِيَّة المُشار إليها أعلاه، ودونكم تعييناته للوُزراء والوُلاة خصماً على إرادة/مصلحة أهل البلد (الأصيلين)، مما ساهم في تأجيج أوضاعنا الدَّاخلِيَّة على نحو ما حدث بالشرق ومُتوقَّع اشتعاله أكثر بدارفور والمنطقتين وأقصى الشمال والوسط!
بالنسبة للبُرهان والجنجويد، فكلاهما (أزلامٌ) للمُتأسلمين وسادتهم بالخارج، ويُنفِّذون ما يُؤمرون به دون نقاش، وهو أمرٌ فَصَّلته في عددٍ من المقالات آخر مقالتي (اَلْنَخَّاسُون) بتاريخ 16 مايو 2021. ولقد رَكَّرتُ في هذه المقالة أكثر على حمدوك، لأنَّه لم يرتقِ لثقة السُّودانيين وخان تضحياتهم بالأرواح والأعراض، وفَرَّط في سيادة بلادنا وكرامتها واستقلالها ووحدة ترابها، وفق ما أوضحت بعضه أعلاه وفَصَّلته في عددٍ من المقالات كـ(إِلَى أَيْن يَقُوْدُنَا حَمْدوك) بتاريخ 24 سبتمبر 2019، و(المُتَلَاعِبون) بتاريخ 24 أكتوبر 2019، و(خِيَاْنَةُ اَلْثَوْرَةِ اَلْسُّوْدَاْنِيَّة) بتاريخ 22 يوليو 2019، و(اِسْتِرْدَادُ الثَوْرَةِ السُّودانِيَّة) بتاريخ 2 فبراير 2020، و(فَلْنَحْذَر صِنَاعة الطُغَاة) بتاريخ 6 أبريل 2020، و(أزمةُ الشَرْقِ حَلَقةٌ مِنْ حَلَقَاتِ تَذويبِ اَلسُّودان) بتاريخ 18 أغسطس 2020 و(السُّودانُ والخَرَابُ القادمُ من جُوبا) بتاريخ 23 نوفمبر 2020 وغيرها.
المُحصِّلة أنَّ العَسْكَر وحمدوك وقحتيُّوه وتُجَّار الحرب، يُنفِّذون سيناريو أسوأ بكثير من (مُثلَّث حمدي) الإسْلَامَوِي، الذي استهدف تقسيم السُّودان لدويلاتٍ قد تَتَّحد، أو على الأقل تتكامل أو تتعاون مُستقبلاً، بينما يعمل هؤلاء العُملاء لـ(تذويب) السُّودان بكامله، استناداً لبعض المُعطيات (المُوثَّقة) أعلاه، وهذا ما يجب قوله بوضوحٍ دون تخفيفٍ أو تجميل، أو رهبةٍ من تخوين آكلي الفِتاتِ و(سَقَطِ) المَتَاع. لأنَّ الصمت يضرُّ بالسُّودان وأهله، ويُفضي لمآلاتٍ كارِثِيَّة، ويتقاطع مع أهداف الثورة التي أتت لتغيير (المفاهيم)، وطُرُق وأساليب التفكير والمُمارسات. فالشعب حينما خرج للشوارع ثائراً، لم يَسْعَ لاستبدال طاغِية بآخر، والتصفيق لهذا بدلاً عن ذاك، وإنَّما سَعى لترسيخ ثقافة وقِيَمْ العدل والحُرِّيَّة والكرامة وعِزَّةِ النَّفس، واحترام الآخر وعدم (تقديس/تنزيه) الأشخاص، أو تحصينهم مهما كان المُبَرِّر. ومن المُحزِن، استمرار ثقافة (القطيع) والانجرار والتَبَعِيَّة (العمياء)، وتكميم الأفواه وتخوين المُخالِفين وتهديدهم وَوَصْمِهِم بـ(الكَوْزَنة) وغيرها، لمُجرَّد رفضهم للوِصايةِ والانقياد والصمت على التجاوُز والانحطاط!
فلنمنع صناعة الطُغاةِ والمُسْتَبِدِّين، وإعادة (تفريخ) الطُغَاة والمُستبدِّين، ونحن الآن في أوضاعٍ أسوأ وأخطر بكثير من ذي قبل، لأنَّنا نُواجه مُهدِّدات (وُجُودِيَّة) حقيقيَّة، قد تُفضي لـ(تذويب) السُّودان من أساسه. فإما الاتحاد بقُوَّة وإزاحة جميع هؤلاءِ (الأبَالِسة) بلا استثناء، أو القبول بأن نكون فريسة للقاصي والدَّاني من الطَّامعين وسَقَطِ المَتَاعِ، داخلياً وخارجياً، وفي الحالتين نحن من يختار.. وللحديث بَقِيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو