الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا يغير العالم بحلول 2030

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


صحيفة لوس أنجلوس تايمز/ ماورو غولن، 25 أبريل 2021

يتوقع الكاتب، وهو أستاذ بمدرسة وارتون ومؤلف كتاب "2030: كيف ستتضافر أكبر الاتجاهات الحالية وتعيد صياغة مستقبل كل شيء"، أن يصبح العالم بحلول 2030 شديد الاختلاف عن ذلك الذي ولدنا فيه وعرفناه، والسبب هو الجائحة العالمية كوفيد 19؛ فمن المرجح أن يتجاوز التعداد السكاني لأفريقيا نظيره لشرق آسيا للمرة الأولى، وتتزايد نسب المسنين مقارنة بالشباب، وينتهي أكثر من نصف صافي الثروة العالمية في أيدي النساء، وتصبح الصين الاقتصاد والسوق الاستهلاكي الأكبر في العالم. وستترك هذه الاتجاهات أثرها على الأسواق الاستهلاكية والعمالية والمالية، فضلاً عن الاقتصاديات والجغرافيا السياسية العالمية.

ويلفت الكاتب إلى التراجع في المعدل العالمي للمواليد منذ عقود، بسبب حصول النساء على المزيد من التعليم والفرص في سوق العمل. وقد تسارع هذا المنحنى حتى رغم الإغلاق الصحي واحتجاز الأزواج داخل جدران المنزل لساعات طويلة، إذ يتوقع أن يشهد معدل المواليد في الولايات المتحدة تراجعاً بين 300.000 إلى 500.000 العام القادم، بانخفاض يبلغ 10% مقارنة بعام 2019. كما يتسبب الركود الاقتصادي ومعدلات البطالة المرتفعة في إرجاء الأزواج الأمريكيين لإنجاب الأطفال، ما يؤدي إلى ارتفاع نسب الشيخوخة وسط الأمريكيين. لذا، بحلول 2026، يتوقع أن يصبح عدد الأمريكيين فوق 60 عاماً أعلى من نظرائهم دون 20 عاماً، الذي يحدث للمرة الأولى في التاريخ. وبالنظر إلى هذه التداعيات الديموغرافية للجائحة، لا يتوقع أن يصمد نظام الضمان الاجتماعي أمام احتياجات المتقاعدين لما بعد عام 2030، نظراً لعدم وجود العدد الكافي من الأشخاص في سن العمل القادرين على دعم استدامة عمل هذا النظام من خلال المستقطعات الضريبية من رواتبهم.

ويضيف الكاتب أن الجائحة قد فاقمت أيضاً من فجوة النمو بين الأسواق الناشئة والاقتصادات الأكثر تقدماً في العمر في أوروبا والولايات المتحدة، لأن الحكومات في شرق آسيا على وجه الخصوص كانت أكثر كفاءة في تنفيذ التدابير الصحية والوقائية الفعالة لدى تعاملها مع الجائحة. يضاف إلى ذلك أن الاقتصاد الأمريكي قد تضرر بشدة من الإغلاق، ومن الاضطرابات في سلسلة التوريد، وخروج العمال الحرفيين من السوق، والتراجع في ثقة المستهلك، إلى حد فاق كثيراً مثيله في الصين والهند وبقية الأسواق الناشئة. وفي هذا السياق، قدمت أمريكا اللاتينية الاستثناء الوحيد، حيث تسبب الفيروس في خراب اقتصادي شامل وعميق يعزى إلى الارتفاع المخيف في معدلات الإصابة والوفاة. في حين شهدت معظم الأسواق الناشئة تراجعات اقتصادية محدودة فقط خلال 2020 وستشهد عودة سريعة للنمو في 2021 مقارنة بالوضع في الولايات المتحدة، ناهيك عن أوروبا، وفقاً لمركز ذا كونفرنس بورد البحثي. خلاصة القول، يتوقع أن يحقق كلاً من الاقتصاد والسوق الاستهلاكي الصينيان تقدماً على نظرائهما الأمريكيان في غضون بضع سنين، أو أسرع كثيراً مما كان متوقعاً من قبل، بدرجة أساسية لأن تضرر الاقتصاد الأمريكي من الجائحة كان أشد كثيراً من نظيره الصيني.

وثمة دور بارز تلعبه الوسائل التكنولوجية في إحداث التغيير العالمي المتوقع، لاسيما بسبب الإغلاق الصحي والحاجة للتحول إلى المنصات الرقمية من أجل العمل من المنزل وتلقي الحصص المدرسية ومشاهدة التلفزيون والأفلام والتسوق، ما جعل الانتشار التكنولوجي الذي كان يتوقع أن يستغرق عقداً من الزمن في الظروف العادية يتحقق في غضون بضعة أشهر فقط. بيد أن هذه الوثبات التكنولوجية ليست كلها فوائد، بعدما تسببت الجائحة في خلق دوافع جديدة للاستغناء عن العامل البشري حين اضطربت شبكات توريد الشركات، وتضررت المصانع ولوجستيات التوزيع إما بسبب عدم تمكن العمال من الذهاب إلى أماكن عملهم أو إصابتهم بالعدوى، من جملة عوامل أخرى. في هذا السياق، تتوقع شركة أبحاث السوق "انترآكت أناليسيس" أن الاتجاه لإحلال الماكينة محل العامل البشري سيتزايد بداية من العام الحالي نظراً لتحوط الشركات ضد التعرض لهذه الاضطرابات مستقبلاً. ويعكس القطاع الخاص على وجه الخصوص الأثر لأكبر لهذا التوجه على المدى الطويل، حيث تشهد التعاملات بين الزبائن والعمال ميلاً متسارعاً نحو إحلال الماكينة محل التعاملات المباشرة كاستجابة للجائحة.
بحلول 2030 سيعيش أكثر من ثلثي سكان العالم في المدن، وهي زيادة بنسبة 55% مقارنة بما هي عليه اليوم، حتى رغم تسبب الوباء في تعطيل هذا التوجه منذ أن سمح العمل عن بُعد للكثيرين بالخروج من المناطق المزدحمة. فالمناطق الحضرية لا تشغل سوى 1% فقط من إجمالي مساحة الأرض، لكنها هي المسؤولة عن 80% من الانبعاثات الكربونية، الذي سيحتم التصدي لظاهرة التغير المناخي عاجلاً أو آجلاً.

وثمة عامل آخر يؤخر الزحف السكاني العام نحو المناطق الحضرية وينطوي على رفاهية المرأة. فوفقاً لتحليل أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، شهدت الأشهر العشرة الأولى من عمر الجائحة انسحاب نحو 3 مليون امرأة في الولايات المتحدة من سوق العمل. ووفقاً لاستطلاع لمؤسسة غالوب في 2019، اضطرت النساء ذوات أطفال صغار إلى تقسيم وقتهن بين العمل والعناية بأطفالهن أثناء إغلاق المدارس، علاوة على قيامهن بواجبات منزلية أكثر مقارنة بشركائهن أو أزواجهن. لكن، رغم أن الجائحة قد فاقمت من عدم التكافؤ بين الجنسين، إلا أن الترقي المهني المتزايد للنساء، بفضل تمكينهن من الحصول على التعليم والوظائف، يرجح أن يستأنف فور العودة للمدارس، ما يبقيهن على الدرب صوب الاستحواذ على نصف صافي الثروة العالمية بحلول عام 2030. وبحلول 2030 سيبلغ التفاوت في الدخل مستويات أعلى من المتوقع قبل الجائحة، التي تسببت في زيادة التفاوت بين العمال الأدنى والأعلى دخلاً. فمن المرجح ألا يستطيع العمال الأقل دخلاً أداء وظائفهم من المنزل، وسيضطرون للعيش في شقق تضم أجيالاً متعددة ويستقلون وسائل المواصلات العامة، الأمر الذي يزيد من تعرضهم للإصابة بفيروس كورونا.

في الختام، إن التغيرات الديموغرافية، والاتجاهات الاقتصادية والتكنولوجية المؤدية إلى 2030، تستدعي الاستعداد الجيد لها على الصعيد الوطني، حيث سيجد البلد الذي يعاني من التفاوت الشاسع في الدخل نفسه غير مؤهل للاستفادة من الفرص الاقتصادية والتجارية الماثلة في التحولات الكبرى الجارية، كما لن يستطيع تخفيف حدة الألم عن المتأثرين سلبياً. وعليه، قد تعاود أجيال المستقبل النظر إلى العقد الحالي إما على اعتباره العقد الذي شهد تدشين مستقبل أكثر اشراقاً عقب الجائحة، أو كمشروع لتحقيق الازدهار أجهضه الانقسام والعجز عن اتخاذ القرار. فمما لا شك فيه أن تعبيد الطريق أمام 2030 أكثر ازدهاراً سيتطلب علاجاً ناجعاً لتفاوت الدخول، والاستثمار في تعليم العمال المتأثرين سلبياً بسبب التغير التكنولوجي، وتنسيق الجهود بين الشركات وموظفيها لزيادة الإنتاجية. من دون هذه الجهود، ستواصل الطبقة الوسطى في الاقتصادات الناشئة زحفها للأمام وقطف الثمار بينما تبقى راكدة في الولايات المتحدة.

-----------------------------
ترجمة عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://www.latimes.com/opinion/story/2021-04-25/2030-global-change-pandemic








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ