الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


2006-1996 عشر سنوات بعد الاصلاح الدستوري في المغرب أي أفق

أحمد الخمسي

2006 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


في أفق الشهر المقبل، يستكمل المغرب عشر سنوات على آخر إصلاح دستوري. لم يفد الإصلاح الحياة السياسية بتحول في الاختصاصات وتوزيع السلطة بين مراكز القوى في الدولة والمجتمع. لكنه كان مناسبة لقلب الاعتبارات السياسية ولإجراء رتوشات بل عمليات جراحية على الجسم السياسي المغربي. استفادت منها الدولة أساسا.


إذ مر ثلث قرن ما بين نعم للدستور الاستقلالية في دجنبر 1962 وبين نعم للدستور الاتحادية في شتنبر 1996. وكأن الاتحاد الاشتراكي، ولاعتبارات شتى ارتأى نضج الظروف السياسية الداخلية والخارجية للاندماج في البنية الداخلية للنظام، خصوصا بعد نجاح التجربة الإسبانية في تحويل الدولة في اتجاه الديمقراطية من غير أن تحول المؤسسة الملكية الاسبانية دون ذلك.


ولعل الاتحاد الاشتراكي، ككل القوى السياسية الأساسية في كل بلد، تشرب بما يكفي من التجربة ليتوطد نظره البعيد تجاه الأفق السياسي، ليجد أن لا مستقبل للفعل السياسي داخل المغرب دون اتفاق مع المؤسسة الملكية، المزودة بالخبرة والتقنيات والأطر الأجود في المجتمع المغربي، بل والحاصلة على الإجازة من طرف القوى الدولية الأساس ( فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية)

لكن التجربة الاتحادية في العمل السياسي بمختلف أنواعه المؤسساتي ( 1962-1965) والمسلح (1962-1973) ضد المخزن، مضاف إليها انهيار الخلفية الاقليمية في المغرب العربي بانهيار الاستقرار السياسي في الجزائر (1991-1999)، بل وباضطرار حركة التحرير الوطني الفلسطيني إلى الدخول تحت سقف أوسلو المشابه والمجاور لسقف كامب ديفد (1993)، وبعدما اقتنع الاتحاد الاشتراكي بذكاء الحسن الثاني في حسن إدارة الظروف المذكورة لفائدة منهجيته في إدارة الصراع. من زاوية المقارعة والعناد، كل هذا أفضى في منتصف التسعينات إلى علامة استفهام؟ إذ سرعان ما دخل عنصر مضاف خطير في المعادلة المركبة حول انتقال العرش نفسه في أية ظروف؟؟؟؟ إذ كشفت جريدة لوموند ديبلوماتيك في ماي 1997 عن إصابة الملك الراحل بالمرض. مما يكون أقنع من قبل الاتحاد الاشتراكي بإعلان موقف نعم السياسية لفائدة الدستور المعدل في شتنبر 1996.


يمكن القول، إن المنطقة العربية وضمنها المغرب عرفت تحولا جذريا بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي. فمن جهة، انخفض السقف السياسي العربي أمام الضغط الغربي الاسرائيلي بعد انهيار النظام العربي خلال الحرب الاولى على العراق (1991). ومن جهة ثانية، برز الرد الأصولي على الهجوم الأمريكي الاسرائيلي الشامل، من خلال هجمات 11 شضتنبر 2001. مما دفع المنطقة نحو زوبعة لا تتوقف من الحروب بسبب الاستراتيجية الامريكية المضادة، أو لنقل بسبب اعتبار امريكا المنطقة العربية عقر الممر الأمريكي نحو تطويق الصين، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

وبالتالي، عوض تقلص الدور الاقليمي العسكري الردعي لاسرائيل، تعاظم دورها للقيام بالمهام العسكرية كلما اقتضى الأمر.. ما علاقة هذا التحول في الشرق الاوسط باعلان الحرب على الارهاب وإعادة ترتيب الأوضاع وفق تصميم "الشرق الأوسط الكبير"؟؟؟؟؟

إن الفترة الفاصلة ما بين 1996 و2006، عرفت انتقال العرش في المغرب. مما يعني تأثيث الشرعية الشخصية للملك الجديد، وبالتالي اتباع خطة فرز القوى السياسية الملائمة لإفرازات المجتمع ولبنية السلطات في الدولة ولما يعتمل بينهما من قوى سياسية بتأثير للمناخ الاقليمي والدولي.


فقد وجد الملك الجديد نفسه أمام وضع ملتبس للحركة الأصولية، كما أصبح أمام القوى الغربية أن تساهم في تفكيك عوامل النهوض الأصولي العارم في المغرب العربي بعد كل الذي عرفته الجزائر وبعد 11شتنبر وبعد تصاعد دور الأصولية في المقاومة الفلسطينية واللبنانية (انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان بفضل ضربات المقاومة الاسلامية في ماي 2000).


كان التراكم الذي تحقق في المغرب ما بين الدولة والمجتمع السياسي، جزءا من الأرقام المؤثرة في المعادلات السياسية نفسها. بما في ذلك الجزء المجتمعي الذي اعتمد تسييس الدين لاستنهاض دفاع المجتمع عن نفسه تجاه الرأسمالية العالمية وتجاه تحالف الأنظمة المحلية معه.

وفي جميع الحالات، بقي العرش على رأس الدولة يحتاج إلى تقويم الأوضاع الاستراتيجية بين الدولة والمجتمع. وضمن إعادة التقويم تلك، تبرز الخريطة الحزبية أمام الدولة كمعطى مساعد لترتيب التمثيلية المؤسساتية عبر ميكانزمات يرتضيها الغرب الحليف، ولو بقيت موضوعا للنقد من طرف آلة صناعة الرأي العام الغربي: الإعلام. تمثيلية مؤسساتية تمتص جزءا من النخب المتقدمة في المجتمع.

المهم أن تتفق فرنسا والولايات المتحدة، وبكيفية أقل اسبانيا على السيناريو، المعتمد في العملية السياسية تحت عنوان الانتخابات. إن العنصر الذي بقي على العرش إدماجه في البنية الأساسية للمجتمع السياسي هو العنصر الأصولي. وبالتالي أصبح الاتفاق بين ثلاثة عناصر في الحلبة السياسية المغربية. منها الدولة ممثلة بالمؤسسة الملكية. ومنها الولايات المتحدة الامريكية رأس الحربة الغربية الرأسمالية. ومنها الحركة الأصولية المغربية بكل تياراتها.


إن الفرز السياسي داخل الحركة الأصولية المغربية ظهر جليا بعد 11 شتنبر 2001، على الجناحين: الجناح المعتدل المنفتح على الدولة منذ بداية تشكله السياسي وانتقاله من حركة شبابية إلى حركة سياسية. والجناح المتشدد على طرف آخر للعدل والاحسان المتعاطف مع القاعدة في الشرق العربي الاسلامي. إذ عملت الدولة على الكيل بمكيالين: بالقمع تجاه العدل والاحسان، وبالتفتح المؤسساتي على مقترحات العدالة والتنمية، في حين تفاعل الحذر العقلاني للعدل والاحسان بعد معركة الشواطئ وهدوؤها وأفرز فك ارتباط الجناح المتشدد عن تنظيمها بظهور السلفية الجهادية. وقد تمكنت العدل والاحسان من التكيف مع ما بعد معركة الشواطئ، بتقسيم التنظيم إلى دائرة تربوية منسجمة مع الاستراتيجيا اللاهوتية للجماعة، في حين نشأت الدائرة السياسية للتكيف مع تفاوت وتنوع الساحات السياسية حسب الأطراف الفاعلين وحسب الحدث الطافح في منطقة من مناطق المغرب، مما سمح لأطرها التكيف الفعلي مع السقف المحلي بدل البقاء في حدود التصعيد المركزي والبروز المجاني لخطط التصفية القمعية من طرف الدولة. فبقيت العدل والاحسان واسطة العقد (بكسر العين) الأصولي.


إن الدولة احتفظت بمستوى التقاط التكتيك المناسب مثلما كانت عليه الدولة أواخر الحسن الثاني. إذ عمل الملك قبول دخول الحركة الأصولية من خلال جناحها المعتدل عنوانا أساسيا ضمن الخريطة الحزبية دون تردد. إذ تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على الصف الثالث بعد الاستقلال والاتحاد. كما رد مباشرة على التنافس السلبي بين الاتحاد والاستقلال على الوزارة الأولى على تفعيل الاختصاص الدستوري بالانتقال به من اختصاص التزكية إلى اختصاص الإبعاد. بحيث قلص من دور الاتحاد الاشتراكي بإبعاده عن الوزارة الأولى، تفعيلا لتوازنات ثانوية عديدة. وإمساكا بزمام الأمور عن قرب وبوثوق في عهد دخول الأصوليين حلبة الفاعل السياسي الحزبي المؤسساتي الرسمي.

وبالتالي، تمكن المغرب من مقاربة الوضع من الناحية الوظيفية والسياسية. لكن المستوى البنيوي الديمقراطي، يمكن تبني فكرة الخلل في مقولة المنهجية الديمقراطية، وما يسبقها وبلحقها من تقوية الاختصاصات للبرلمان والحكومة.

غير أن الحركة الديمقراطية من خلال أحزاب الكتلة الديمقراطية أظهرت عقمها فيما يرتبط بتجارب الشعوب فيما يتعلق بالهيكلة اللامركزية للدولة. إذ لم يكن لدى الأحزاب المعنية أكثر من فهم استنساخ تجربة المجالس البلدية في المغرب منذ 1975 عبر توسيع دائرة اختصاص الرئيس المنتخب. إذ ظهر التجاهل المنبني على الجهل بالظروف التاريخية والتحليل المقارن لظهور اللامركزية في الدول الدرالية، مثل الولايات في أمريكا واللاندرز في ألمانيا الغربية وتجاهل الفدرالية سواء في دولة عملاقة مثل الهند أو دولة مملكة صغيرة مثل بلجيكا.

وكانت الدولة أذكى عندما لعبت في التوقيت والتوطين لبعض الأدوار الدبلوماسية مثل بيان برلين وقد أصبحت عاصمة وحدوية لبلد استكمل وحدته الترابية بعد سقوط جدار برلين (1999.11.9) عندما رغبت في الحل الثالث. كما تفتحت الدولة على العنصر الإسباني عندما أصبح كل من الوزير الأول ووزير الخارجية ووزير الإعلام من المنطقة الدولية بطنجة والمنطقة الخليفية بالشلام ذات التأثير الواضح للحماية الاسبانية والثقافة الاسبانية، حيث الجار الشمالي الذي استعاد السيادة للملكية بعد انتهاء الدكتاتورية الفرنكماوية، فاستعادت الملكية سمعتها في اسبانيا في سياق تبني اللامركزية والاعتراف بالموقع الخاص للمناطق التاريخية باسبانيا.


إن الاحزاب السياسية المغربية غرقت في الثقافة السياسية الانتخابية مما قلص فعالية الأحزاب كلما انتهت الحملة والعملية الانتخابيتين. بل حتى الشعار الذي رفعه الحزب الاشتراكي الديمقراطي عندما انشق عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، سنة 1996، لم يفرز أي فكرة بصدد اللامركزية بالمعنى الجيوستراتيجي وإعادة هيكلة الدولة المغربية وفق الثقافة الانكلوسكسونية الفيدرالية والغالبة على دول الكومونويلث نحن العلم الانجليزي. تفعل التعددية الثقافية والاقليمية والسياسية والاقتصادية. بدل اللامركزية الادارية المحدودة في فرنسا، بناء على الثرات اليعقوبي في الثورة الفرنسية والممتد عبر السياسة الاستعمارية منذ الحملة النابوليونية إلى اليوم.

لذلك، تجد الدولة في قدماء أطر اليسار الماركسي اللينيني مغاربة من الصنف الذي يميز بين الوطنية وبين التعصب العنصري باسم الوطنية. مما يفرش أرضية المواطنة أمام الخصوصيات الجهوية، مع ترك الاختصاصات الجهوية الواسعة أمام النخب المحلية. مما يساعد على فك عقدة لسان الطبقة الوسطى التي لا يمكن أن تكون في فترة العولمة سوى نخب المناطق، لتوازنة الجاذبية الفوق الوطنية التي تمارسها مؤسسات وقوانين وقيم العولمة بمؤسسات وقوانين وقيم الجهوية ما تحت الدولة الوطنية. إن هذا الجدل الناشئ مع العولمة قبل أقل من عشر سنوات لم يلتقط من طرف الاحزاب المغربية التي من شأنها استقطاب وتنظيم منتجي النظريات السياسية في كليات الحقوق والاقتصاد والادارة.....


لذلك يمكن اعتبار السنوات العشر أفرزت ثلاث نقط في البنيات السياسية الأساسية.
اندماج الحركة الاتحادية في البنية الحزبية الحكومية الأساسية
اندماج الحركة الأصولية في الأقطاب الحزبية الرسمية للدولة والمجتمع، على الأقل ضمن المعارضة البرلمانية
اندماج الحركة الانفصالية ضمن حل وسط وتحت السيادة بناء على الحكم الذاتي.

يمكن القول إن الاصلاحات الدستورية للدولة ستراعي هذي المستجدات البنيوة لتمكنها من التحول إلى توابث في النظام السياسي المغربي معترفا بها استراتيجيا بدل غموض بقائها ضمن تكتيك ظرفي للدولة. ولعل دفاع الاتحاد الاشتراكي عن موقعه الجديد تجلى مؤخرا في دفاعه عن مقاييس نمط الاقتراع والذي يكرس الاتحاد الاشتراكي بتعاون مع الدولة ممثلا وحيدا تقريبا لليسار المغربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً