الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزء الرابع من مقال : موقفي ككوزموبوليتيني من حرب حماس والليكود

اسماعيل شاكر الرفاعي

2021 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


الجزء الرابع من مقال : موقفي ككوزموبولابتي من حروب اليمين الفلسطيني والاسرائيلي .

4 -



احتكار تمثيل اله السماء ، واحتكار النطق باسمه وتطبيق شرائعه ، هي الموضاعات الاساسية التي أضفت ، من خلالها ، القبائل البدوية : الشرعية على افعال غزو القبائل والشعوب الاخرى ، والاستيلاء على مخازن حبوبها ، وتهجيرها من اراضيها والحلول محلها ، أو فرض ضريبة الخراج عليها . وقد لعب الكهنة الذين تحولوا الى أنبياء نتيجة امتلاكهم مواهب بيانية ساحرة : دور الوسيط في نقل هذه الشرعية من عالم الغيب . والغيب - في الديانات البدوية - هو مصدر المعرفة الوحيد ، وعلى الشعوب التي تم إرسال الأنبياء اليها : تصديقهم في الحال ، والا اتهموا بالكفر وحزت سيوف الغيب رقابهم ( كان الاله يهوه في مواضع كثيرة من أسفار التوراة يهبط للقتال بنفسه الى جانب شعبه المختار ، ونقرأ في القرآن كذلك بأن الله أرسل الى المسلمين أعداداً من الملائكة للقتال الى جانبهم في معركة بدر ، فكانوا السبب في النصر الذي تحقق على جيش قريش ، كما تشير الى ذلك الآية 9 من سورة الأنفال والآية 125 من سورة آل عمران ) . فالمعرفة في المجتمعات البدوية والرعوية : لا ينتجها الانسان وإنما يتم إنتاجها له ، وهذا واضح من النصوص التي نقلها الأنبياء من عالم الغيب حول قوة ادراك الانسان ، اذ وصفته نصوص الغيب بمحدودية ادراكه العقلي ، وبأنه مسير لا مخير ، ولا تستطيع قوى العقل القاصرة من كشف اللثام عن القوانين التي تنتظم حركة الكون والحياة ، ولهذا ترسل قوى الغيب : المعرفة جاهزة اليه بالبريد السماوي الخاص بالأنبياء . والى جانب قصوره العقلي ، يوجد قصور آخر يتمثل بتفضيل الاله لبعض مخلوقاته البشرية على بعضهم الآخر : في الرزق ، والصحة البدنية والذكاء والقيادة . وهذا التفاوت الاجتماعي والبيولوجي أمر ثابت لا قدرة للبشر على تغييره ، أو على صناعة تاريخ غير التاريخ الذي قررت احداثه الارادة الآلهية ووضعت له بداية ونهاية وحفظت مخططه في اللوح المحفوظ . وهو تاريخ مقسم الى مراحل : كل مرحلة مكتوبة باسم مجموعة مختارة من الناس ، وضع الاله بيدها زمام الأمور ، ومنحها القدرة على الأخذ بيد الكثرة ( العوام ) الى طريق الهداية والنجاة والخلاص ، ودعا العوام للانصياع لهذه القلة المحضوضة وطاعتها في كل ما تأمر به وتنادي عليه ...





تشير احداث التاريخ الواقعي ، وليس التاريخ الذي تخيلته التوراة وسواها من كتب البدو الدينية ، الى ان هذه القلة المحضوضة لم تكتف بقيادة العوام حين كانت في الحياة ، بل استمرت تقودهم بعد موتها ، وهذا واضح من استمرار العوام في استجدائهم : بتوفير الرزق لهم ، والاقتصاص من ظالميهم ، وإبعاد الأمراض عنهم ، وتليين قلوب الأحباب الذين قست قلوبهم ، من غير ان تقدم لنا مؤسسة التفسير الرسمية المستمرة بإنتاجها : بياناً عما اذا كان آلهة التوراة والأناجيل والقرآن ، راضين عن هذه القلة ( الخواص ) التي بدأت تنافسهم على امتلاك صفات العلم والقدرة والإرادة والحياة والكلام ، التي تميزوا بها كآلهة : منفصلة ومتعالية ، وسرقتها منهم ونسبتها الى ذواتهم . وبسرقة هذه الصفات من الآلهة تلاشى الى درجة الصفر الفرق بينهم وبين مخلوقاتهم ، ولم تعد من قيمة تذكر لحكايات التوراة والأناجيل والقرآن عن قدرة الآلهة ، امام حكاية مخلوقاتهم التي امتلكت تكنولوجيا سلاح غير مسبوق : هو السلاح النووي الذي بامكانه - في حالة تبادل القصف به طرفان او أكثر في حالة حرب - ان يفني الارض بما عليها وما في جوفها ، ثم بدأت هذه المخلوقات تمخر ظلمات الكون وتعرج في السماء ، لا للاتحاد بالإله ، كما لم يزل يحلم العرفانيون منذ مئات السنين بل للكشف عن طبيعة الكون ، وعن القوانين التي تنتظم حركته ، بهدف العثور على كوكب او اكثر من الكواكب التي يمكن استعمارها ، فراراً من بعض شعوب الارض التي تأكل دون ان تنتج ، تلك التي شجعها الاله على التكاثر ثم تخلى عن وعده بكفالة معيشتها . امام هذا الغزو المعرفي الهائل - الذي هز اركان السماوات ، وطرق أبواب المجرات القريبة والبعيدة ، ورفع النقاب عن وجود شيء اسمه : الثقوب السوداء ، وكشف المستور عن انعدام وجود كائنات تسترق السمع الى الوحي وأخرى ترجمها بالشهب - لم يحرك الاله السماوي ساكناً ضد هذا الغزو المعرفي المنظم للسماء : هو الذي طرد آدم من الجنة لقطفه تفاحة واحدة من شجرة المعرفة ، وهؤلاء لم يكتفوا بالثمار بل بلعوا شجرة المعرفة بجذورها .


في عالمنا العربي المكتظ بالميليشيات والاحزاب الاسلامية ، لم يسرق الأحياء صفات الآلهة كالقدرة والمشيئة بل سرقها الأموات ، ولهذا يحج الملايين الى قبورهم لأيمان هذه الملايين العميق بأنهم احياء في قبورهم وليسوا أمواتاً : فهم يسمعونهم ، ويتمتعون بصفة القدرة على شفاء أمراضهم وإبعاد جائحة الكورونا عنهم ، وانهم يعلمون بمن يزورهم من الأحياء ويعلمون اسماءهم وعشائرهم ومناطقهم ، وسيكلمونهم - بعد حين - برسائل خاصة عن الوقت الذي ستتحقق فيه جميع طلباتهم ، ومنها ابعاد جائحة الكورونا عنهم . ان صفات السمع والقدرة والعلم والإرادة والحياة والكلام ، صفات آلهية ، خرجت اشهر الفرق الاسلامية الى الوجود كالمعتزلة والأشعرية من نفق السجال حولها وحول : خلق القرآن في القرن الثاني الهجري .


لقد تربى ابناء مجتمعاتنا فكرياً على منطق الخارق والمعجز والعجيب ، منطق : كن فيكون ، وأحبوا السرعة التي تتحقق بها أمنياتهم ، ولم تتم تربيتهم على معنى التراكم المعرفي الطويل والصبر على نتائجه التي تستغرق وقتاً اطول ( كم طول الزمن الفاصل بين نظرية دوران الارض حول الشمس لغاليلو ونظرية نيوتن حول الجاذبية ، وكم طول الزمن الفاصل بين نظرية نيوتن ومعادلات آنشتاين الرياضية ، وكم عدد السنوات الفاصلة بين اكتشاف الكهرباء وتطبيقها ، وكم مر من الزمن على فكرة الكومبيوتر قبل المباشرة بتطبيقه ، وكم قرن مر على" الفارس الآلي " الذي وضع تخطيطه الفنان دافنشي عام 1495 قبل اختراع الروبرتات ؟ ) وحتى لو عرف الطلاب ذلك ، فأنهم لطول حرمانهم أميل للإيمان بنظرية : كن فيكون ، التي برمشة عين تمكنهم من الحصول على بيت جاهز للسكن ، مليء بضوء الكهرباء وبالهواء المكيف ، وتمتليء غرفه بمختلف انواع الألعاب والأحذية والملابس ، التي يحق لهم اختيار اللعبة والموضة واللون الذي تهواه انفسهم ، ومثلها توجد انواع كثيرة من الأغذية في المطبخ معروضة ليختاروا منها النوع الذي يشتهون . كل صوت في مجتمعاتنا : صوت عصا معلم المدرسة ، وصوت الوالدين في البيت ، وصوت المنبر في الجامع او الحسينية ، وصوت المسلسلات والأفلام ، وصوت الوعود التي يبذلها الساسة للناخبين ، والخطب الحربية التي تتحدث عن عبقرية القائد الذي سيمطر أعداءه بالنيران الصاعقة ، وصوت الانقلابات العسكرية الهادر ب " وقل جاء الحق وزهق الباطل ... " كل ذلك ينطلق من بعد سحري واحد ، بعد : كن فيكون ، فيدفع اعضاء المجتمع الى الابتعاد عن الصبر مع نظرية التراكم التي تؤدي الى اكتشاف قوانين الطبيعة والتاربخ ، والعيش بالتناغم معها ، وتفضيل : كن فيكون عليها . لا وسيلة أمام مثل هذه المجتمعات غير وسيلة استخدام منطق المعجزة نفسه ، وصناعة اموات على طريقة الواقعية السحرية لماركيز . يخرجون من قبورهم ويساعدونهم على حل معضلة الكهرباء التي طالت ، واطلاق كميات المياه التي سرقتها تركيا وايران ، والقاء القبض على حيتان السياسة الذين هم انفسهم حيتان الفساد . لأن المجتمعات التي تربت على منطق الإعجاز : لا تؤمن بقدرتها على مجابهة التحديات بنفسها بل تلجأ الى قوى الغيب والى الأموات باستخدام الادعية بدلاً من تربية الذات على اكتساب الكفاءة والمهارة . ولهذا لا يتم تقييم اعضاء المجتمع بناء على مواهبهم العلمية والفنية والفكرية ، فهذه أشياء لا قيمة لها ، طالما ان الأموات آتون لا محالة ، وبيدهم مفاتيح حل جميع مشاكل بلدان المشرق ومنها : العراق . كم ساعة عمل يبذل المواطن يومياً ، وهل ابتكر تقنية تقلل من الجهد وتختصر الوقت في الانتاج ؟ لا قيمة لمثل هذه التساؤلات في تقييم الأفراد داخل المجتمع البدوي ، إنما يتم التقييم على اساس النسب . والكفاءة التي تطالب بها المجتمعات البدوية لبناتهم - في حالة طلب ايديهن للزواج - تعني إثبات الصلة القرابية بعوائل وآباء محددين ، وهم يعلمون علم اليقين بأن أولئك الأجداد ولدوا في عصور الطوطمية السحيقة القدم ، وانه لا علم التاريخ ولا علم الآثار يملك الوثائق التي تشير الى وجودهم التاريخي . ونخشى ان تكون وصاياهم جزءاً من الأوهام الكثيرة عن اصول البشر التي تخيلها البدو والرعاة والمزارعون ، وقبلهم الصيادون وجامعوا الغذاء بكراً من الطبيعة ...



رغبة آلهة البدو الجامحة في ان يكونوا معبودين ، هي التي دفعتهم لخلق الانسان ، كما تقول نصوص الغيب التي جلبها الكهنة الذين تحولوا الى أنبياء نتيجة مواهبهم البيانية الساحرة . لكن العجيب ان هذه الآلهة الولهى برؤية مخلوقاتها البشرية مستغرقة بعبادتها والتسبيح باسمها : لم تخلقها بطبيعة مفطورة على التقوى والتسبيح والعبادة ، فقد جاء الانسان الى الوجود بطبيعة مزدوجة ذات استعدادات تؤهله لتقبل : عالم الرحمن ، وتقبل عالم الشيطان . فالرحمن والشيطان حاضران منذ البدء في طبيعة الانسان : الرحمن بقرار الخلق ، والشيطان بالاعتراض عليه ، بحيث اصبح الانسان بعد خلقه ، مدار صراع هاتين القوتين الكونيتين ، اللتين نتجت عن المواجهة الاولى بينهما : طرد آدم وزوجه من الجنة . فمن سينتصر : الشيطان أم الرحمن في رحلة آدم وذريته الارضية التي لا يعرف احد نهايتها ؟ المواجهة الآن حامية الوطيس بينهما ، بعد ان تكشف لكليهما فشله الواضح في ان يحمل بني الانسان على اتباعه والابتعاد عن الطرف الآخر . لم تنجح جميع اديان الرحمن وجميع رسله وأنبيائه على جعل بني البشر يتقيدون بتعاليمه ، رغم مرور زمن طويل يقدر بآلاف السنوات على هذه البداية الآلهية ، ومن جانبه لم يكل الشيطان ولم يمل من إرسال رسائله ووساوسه لإغراء وإغواء بني الانسان ، ومنعهم من الدخول في ملكوت الرحمن . وحتى في مجتمعات الدول الاكثر تحرراً من قيود ونواهي الاله : لم بنجح الشيطان في تحقيق القطيعة التامة بين الانسان وبين ماضيه الديني . وفي هذا تتجلى مأساة الانسان وملهاته : مأساته الكامنة في كونه مخلوقاً وليس خالقاً ، مالكاً لإرادته وغير مالك ، حراً وعبداً في الآن نفسه ، ومدار نزاع بين قوتين مستمرتين بالنزاع ولا نية لأحدهما بهزيمة بالآخر : فتشعر بالعبثية واللاجدوى وغياب المعنى . لكن يوجد الآن قلة قليلة من البشر ، بدأوا يشعرون " بذوبان الجليد " وبأن الانسان صاعد في الطريق الصعب : طريق التحول من مخلوق الى خالق ، وهو اعتقاد مبني على منجزات علم البيولوجيا والطب والإلكترون ، وامتلاك قدرات تكثير المخلوقات عن طريق الاستنساخ ، كخطوة اولى يمكن لها ان تتوهج بتلاقحها مع تكنولوجيا الصناعات الهندسية التي تتعامل مع مواد صلبة ، فقد تصل الى أنسنة الريبورتات باستخدامات متعددة للنانو . لكن اذا ما تحقق ذلك : فانه سيتحقق على حساب وصايا وتعاليم الرحمن ، وهذا ما ينعش آمال الشيطان الذي يسعى لسحق كل وقار العالم القديم الديني والسحري ، وتنشيط خيال الانسان الجامح بدلاً من توقير الذاكرة ، واطلاق العنان لمكبوتات الانسان وجعلها تمرح في الهواء الطلق وتلبي رغباتها . وهذا بعني انه تم إلقاء القبض على الاله البدوي متلبساً بجريمة الاستبداد والدكتاتورية والظلم والمقابر الجماعية وسحق الكرامة الإنسانية . صحيح ان الافكار الليبرالية والرأسمالية قلمت وقصت الكثير من جبروت وتعالي انظمتها السياسية ذاتها ، وقبل هذا كانت قد اطاحت بالأنظمة : الملكية والدينية ، الأشد جبروتاً وسحقاً لكرامة الانسان ، ولكن افعالها التاريخية هذه ليست سوى التمهيد الضروري لاستكمال خطوات حرية وتحرر الانسان باستكمال السيطرة على ما تبقى خارجاً عن سيطرته ، وذلك بامتلاكه لصفات القدرة والإرادة والعلم والحياة التي ميزت الآلهة ذات يوم ، رافضاً تعريفه الوارد في كتب الأديان البدوية القديمة : كقاصر ، ورافضاً الاستسلام لواقع يفرض عليه القبول بالتفاوت الاجتماعي ، والتفضيل الخرافي لبعض الناس على بعضهم الآخر ، كما ويرفض فكرة الانسان السوبرمان التي تمت بصلة للتفكيك والهجاء التاريخي الذي توجه به شوبنهاور : للعلم وتطبيقاته التكنولوجية اللذين وحدهما يمتلكان قوة منح فقراء العالم الأمل في امتلاك طريق التحرر وتحقيق الكرامة الإنسانية المهدورة ، ببناء نظام ديمقراطي تقوم أساساته على انقاض النظام ( الديمقراطي ) القائم ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد