الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة الرمل / قصة قصيرة

ابراهيم سبتي

2006 / 8 / 11
الادب والفن


مثل سهم يتلوى في فضاء أخرس. شقت السكون المريع النظرات المتعبة لتحوم حول أرض خلاء إلا من أفق مرتعش يلتصق بسماء واطئة، تخيم على الأرض الرملية الشاسعة التي لم يحس عذريتها أحد غير أناس صارت الحفر بيوتاً لهم رقدوا فيها برضى وبنفس مطمئنة، من بعيد ومن جوف مقهى بائس كان الجموع تغرق في أمواج من الصخب والصراخ المفتعل.. نقل نظراته إلى حيث البيوت القديمة والخرائب التي اصطفت تواجه تلك الأرض اليابسة ثم اقترب مسرعاً صوب المقهى، وجه يسبح في بحيرة عرق مالحة وشعر منفوش يغوص في نار تلهب كل جسده.. دنا من المبنى المتهالك الذي سقط في صمت مفاجئ، انبثقت منه العيون إلى حيث الشاب الواقف عند الباب، ينظر إلى المجاميع المتحلقة حول رجل باسط ذراعيه يطلق حلقات دخانه بارتياح.. دخل الشاب على مهل وجلس صامتاً دون اكتراث للعيون المحملقة فيه.. قال الرجل بلطف..
-أيها الغريب كل رجل يأتي إلى هنا ينازلني في سباق الليل! ثم غاص المقهى في قهقهات اهتز لها الشاب المذهول، وهو يحاول الإفلات من قبضة العيون المفترسة التي سورته بقضبان من الدهشة والحيرة قال لـه أحدهم..
-إذن موعدنا بعد منتصف الليل! وأردف ..
-سنقص شارب الخسران بقعر زجاجة..!
تحسس الشاب شاربه الكث بيد خائفة مرتعشة وهم يسيرون به عبر مجاهيل الرمل الموحش، ليضعوا علامات على القبرين اللذين سيتم السباق عليهما بعد منتصف الليل.. قال الشاب بصوت حبيس..
-لم أطأ تلك الأرض من قبل.. لا أقول إني أمانع في إجراء السباق ولكن المفاجأة صعقتني.. ضحك الرجل السائر في الأمام ثم صرخ بصوت أجش.. سنركض ونغرس الوتد.. كل منا يغرس وتده عنه القبر المحدد لـه ويرجع قبل صاحبه وكفى.. لا مجال للهرب أيها الأبله..
في الليل ليس ثمة شيء أخر غير سواد يسكن جوف البر الممتد إلى القبور النائمة في بحور الظلمة المرعبة.. انطلق المتسابقان من خط شق على الرمل الأسود يحمل كلاهما وتداً خشبياً، تقافزت السيقان السمر النحيفة في خلاء الرمل الموحش المبسوط في كل الأرجاء تحت خيمة الليل الطويل.. فحيح الريح المروعة تزيد من الذعر.. يتراكضان معاً.. ينظر كل منهما للآخر بلحظة يسرقها من حدود الظلامالذائب تحت الأقدام، قال رجل المقهى المندفع كالثور..
-سيمضون الليلة سعداء بهزيمتك أيها المخدوع.. وأطلق ضحكة هزيلة ضاعت بين حبات الرمل الساكنة، وسط أمواج الظلمة الهادرة بدت شواهد القبور تظهر.. دخلا في زحامها المتناثر يدوران، تدفعهما نظرات الترقب الغافية تحت سقف المقهى المهلهل يبحث كل منهما عن هدفه، بعد ساعة كل الشاب يدق وتده بيد مرتجفة متحدياً بخوفه جدران القبر الغارق بالصمت، الذي يدفع بنظره إليه كل لحظة حيث يحسبه قد ينشق فجأة وتخرج منه أذرع عظيمة تمسك به، تسحبه، ترميه في القعر المسقوف لا ينفعه صراخه لا بل حتى موته لا يخلصه من الرقود والمكوث مشاطراً مقامها الأثير، وإن فكر بالهروب سوف تخرج كل الهياكل النائمة تنفض عنها غبار الموت وتتراقص أمامه كدمى تتحرك بخيوط، هياكل صدئه تتجمع حوله تشعره بوحشة غريبة، تحيطه بطوق عظمي فيضج المكان بطقطقات الأسنان اليابسة، وتسقط دمعته المذعورة مختلطة بقطرات عرقه المتطافر من وجهة المحتقن.. من بعيد كانت الأجساد النحيفة تقف عند باب المقهى المظلم ينظرون بذهول للرجل الآتي..
الآتي بمفرده من دون صاحبهم الذي لم يعد رغم ما حمله معه من أدعية وتمنيات..
ذهب الرجال يشقون عباب الظلمة الهادرة.. يزيحون بعضاً منها بفانوس صغير خافت يتقدمهم الشاب المنهك.. وقفوا عند صاحبهم، رجل هائج يطلق صيحاته كالمجنون، يصرخ بألم وخوف ارتعد لـه كل الواقفين واهتزت لـه الرمال الجاثمة فوق الأجساد النائمة في أحشاء الأرض.. دنوا منه.. بكى بعنف وهو يقف كفزاعة لا حراك فيها وهم يسحبون ثوبه من تحت الوتد المغروس قرب القبر..












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو