الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يهب الأمير ما لا يملك

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2021 / 6 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة حالة غريبة شهدتها الحكومات العراقية المتعاقبة على حكم العراق منذ تأسيس دولته الحديثة عام 1921 وحتى يومنا هذا , تمثلت بقيام قادة هذه الحكومات بمنح أراضي الدولة لبعض الأفراد دون مقابل, أو مقابل ثمن بخس , لضمان ولاء هؤلاء الأفراد لقادة تلك الحكومات , لما لهؤلاء الأفراد من نفوذ وتاثير مادي ومعنوي في مجتمعاتهم,إما لكونهم رؤساء عشائر في مجتمعات ريفية يلعب فيها رؤساء العشائر دورا قياديا مهما بتسيير شؤون عشائرهم وحسم قضاياها , على وفق أعرافهم وطقوسهم العشائرية المتوارثة عبر السنيين , حيث يعتبر فيها رئيس العشيرة الآمر الحاكم الناهي في كل ما يخص العشيرة , أو وجهاء مدن يمتلكون المال الذي يخولهم القوة والنفوذ في أوساط مجتمعات مدنهم , أو بعض كبار العسكريين لضمان ولاءهم , أوبعض المثقفين لتلميع صورهم مقابل تولي منصب حكومي, كل ذلك من أجل تعزيز سلطة الحكومة وبسط نفوذها . ودون وجه حق أو سند قانوني يخولها بالتصرف بممتلكات الدولة بحسب أهوائها ومصالحها.
ففي حقبة الحكم الملكي كانت الحكومات تغدق بسخاء على بعض وزرائها وكبار مسؤوليها ورؤوساء العشائر وكبار الإقطاعيين ,بمنحهم دون مقابل ودون سند قانوني ,مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت تعرف بالأراضي الأميرية , وهي الأملاك التي تعود ملكيتها للدولة, لكن مع إعطاء الحق للافراد بالتصرف بها,بموجب قانون بيع الأراضي الأميرية رقم (11) لسنة 1940, الذي خولت المادة (4) منه وزير المالية ان يفوض بالطابو عن طريق المزايدة العلنية الاراضي الاميرية الصرفة الواقعة خارج حدود القرى والقصبات والمدن التي تمت تسويتها حسب احكام قانون بيع وايجار الاملاك العائدة للحكومة ,على ان لا تتجاوز مساحة كل قطعة معروضة للتفويض بالمزايدة العلنية الخمسة الاف دونم.
يلاحظ أن القانون لم يخول أحدا كائنا من يكون بمنح أراضي الدولة دون مقابل , أو حتى بيعها دون إجراء مزايدة علنية , وحددت الأراضي الممكن بيعها بأن تكون خارج حدود القرى والقصبات والمدن , وحصر صلاحية البيع بوزير المالية . بينما منحت تلك الأراضي مجانا وضمن حدود المدن بما فيها العاصمة بغداد وفي أرقى مناطقها , والأمثلة على ذلك كثيرة لعل أبرزها مناطق زيونة في الرصافة واليرموك والقادسية في الكرخ وأحياء أخرى كثيرة في بغداد ومدن العراق الأخرى , ناهيك عن تمليك مزارع للوزراء وبعض كبار المسؤولين في محافظات ديالى وصلاح الدين وواسط.
لا نتحدث هنا عن ألأراضي التي خصصت لقطاعات مهنية معينة بموجب قوانين خاصة صدرت لصالحها , كالأطباء والمهندسين والعلماء والمفكرين والمبدعين وحملة الشهادات الجامعية العليا وغيرهم , بهدف توفير العيش الكريم لهم بوصفهم الأدوات الفاعلة لبناء الوطن وإزدهاره, ووقف ما كان يعرف بهجرة الكفاءات التي تعاني منها معظم الدول النامية ومنها العراق . ولا يقصد بها أبدا شراء الذمم أو تجيير الولاءات , حيث كانت قوانين واضحة وشفافة وشاملة لجميع العراقيين ممن تنطبق عليهم المواصفات التي حددتها القوانين , وتسهيل سبل تنفيذها لصالح المشمولين بها.
كما لا نقصد هنا شريحة الموظفين الذين حصلوا على قطع أراضي حكومية ربما بأسعار ميسرة , بفضل جهود جمعياتهم التعاونية المشتركين بها على وفق قانون الجمعيات التعاونية , وهو أمر سائد في الكثير من دول العالم , ولا نقصد شريحة الفقراء من سكنة الصرائف وبيوت الطين والمتجاوزين إضطرارا على بعض الأراضي وسط المدن لإيوائهم, الأمر الذي دفع بعض الحكومات لتخصيص أراضي سكنية لهم على أطراف بغداد والمدن الأخرى , أبرزها مدينة الثورة في الرصافة والشعلة في الكرخ , بمنح كل عائلة قطعة أرض بحدود (200) متر مربع بسعر زهيد , دون توفير الخدمات اللازمة لها . تطورت هذه المناطق فيما بعد نسبيا حيث توفرت لها بعض الخدمات , وأن لم ترتق إلى مستوى الخدمات في المناطق الأخرى .
أن ما أردنا قوله أن الحكومات المختلفة إتخذت من المال العام الذي يفترض أنها مؤتمنة عليه من قبل الشعب , وسيلة لشراء الذمم وإفسادها لدوافع سياسية تصب في صالحها , فهي تهب ما لا تملك, لمن لا يستحق خلاف لكل الأعراف والقيم ومبادئ الأرض وشرائع السماء , وهي حالة يكاد ينفرد بها العراق والله أعلم .
والمصيبة اليوم في العراق أعظم وأمر من كل ما مر به العراق من هدر للمال العام وإفساد الذمم في ظل حكومات يدعي أفرادها التدين بكل أشكاله وطقوسه ومخافة الله, ويتحدثون ليل نهار عن إنصاف المظلومين وسعيهم لتوفير العيش الكريم لهم , بينما هم يبددون ثروات العراق وينهبون المال العام جهارا نهارا دون رقيب أو وازع من ضمير , يحللون الحرام ويحرمون الحلال , وإلاّ كيف نفسر حديث بعض كبارهم , أن إستيلائهم على بعض ممتلكات الدولة , أمرا شرعيا بدعوى " مجهولية المالك " , بينما يعرف القاصي والداني وفي مقدمتهم هؤلاء الأفاكين عائدية هذه الممتلكات للدولة العراقية , وأن هناك ثمة قوانين تنظم طرق بيع وتأجير ممتلكات الدولة معروفة للجميع منذ تأسيس الدولة العراقية , فهل يعقل أنه لا يعرف ملكية الدوائر والمؤسسات الحكومية بما فيها الدور السكنية المخصصة لسكن كبار القادة والمسؤولين في الدولة العراقية,عائديتها للحكومة العراقية.فأية شعوذه وأي دجل هذا وأي ضحك على الذقون وإستهتار بكل القيم والأخلاق . أين هو دور لجان مكافحة الفساد وهيئات النزاهة والرقابة المالية ومجلس النواب في كل هذا. الأمر واضح للعيان يا سادة ولا تحتاج معالجته أية لجان , بل كل ما يحتاجه قرار شجاع لا تؤخذ متخذه في الحق لومة لائم .عجبي بات الأمير اليوم لم يعد يهب ما لا يملك فحسب, بل بات ينهب الجمل بما حمل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو